شعار الموقع (Our Logo)

 

 

مهرجان آخر عربي يضاف إلي قائمة باتت مزدحمة جدا بالمهرجانات والتظاهرات السينمائية‏.‏ من المغرب إلي الإمارات وعمان‏,‏ هناك مهرجان سينمائي في كل بلد عربي باستثناء ليبيا والسودان والجزائر‏(‏ كان لديه عنابة‏)‏ والأردن‏(‏ رغم وجود تظاهرات هي جزء من أسابيع واحتفالات فنية أو ثقافية‏)‏ والعراق‏(‏ لكن هناك من يخطط لأول مهرجان عراقي في العام المقبل‏).‏

مهرجان أصيلة‏,‏ تحت اسم ملتقي أصيلة الأول لسينما جنوب‏-‏ جنوب هو آخر الإضافات‏.‏ المدينة مغربية والمؤسسة الراعية موجودة يرأسها الوزير محمد بن عيسي باسم منتدي أصيلة الثقافي والعقل الإداري أيضا موجود متمثل بالزميل غسان عبد الخالق الذي لم يأل جهدا في إنجاح دورة أولي كان يمكن لها أن تفشل لولا جهوده الخاصة وإلمامه بكيفية عمل يقصد حجما محددا لا يحاول تجاوزه‏.‏ مهرجان ملتقي أصيلة في نهاية المطاف ليس مهرجانا كبيرا‏,‏ لكن في إطاره الصغير برهن علي حسن إدارة وتنظيم جامعا عروضه السينمائية من دول شتي‏.‏

إنها الدول التي يسميها المهرجان‏/‏ المنتدي بدول جنوب‏-‏ جنوب أي جنوب كل شيء‏.‏ جنوب أوروبا علي جنوب آسيا علي جنوب أمريكا اللاتينية‏.‏ ولو أن حفل الختام في الثلاثين من الشهر الماضي شدد علي أن المهرجان‏/‏ المنتدي يرمي أيضا إلي نقاط تلاق بين جنوب وشمال ولن يكون حصرا علي الأفلام الجنوبية وحدها‏.‏

وفي البال أن التسمية تخدم أمرا واحدا‏,‏ ورئيسيا‏,‏ فقط هو تخصيص المهرجان وتمييزه عن المهرجانات السينمائية المختلفة في العالم العربي وحتي خارجه‏.‏ مداره الجغرافي العام يتسع لأفلام من كل مكان فيه جنوب أو هو جنوب‏,‏ ولو أن عروضه لأفلام من الشرق الآسيوي أو الأوروبي‏(‏ مثل جيورجيا‏)‏ يكمن في نقطة محيرة ناتجة عن موقع جغرافي لا ينتمي تحديدا إلي جنوب أي مكان‏.‏

والبعض هنا تحدث عن أن أفراد لجنة التحكيم هم الذين جلبوا نحو نصف الأفلام المعروضة‏.‏ قال أحدهم متحدثا بعد إعلان النتائج‏:‏ لدي اعتقاد بأن كل واحد في لجنة التحكيم اصطحب معه فيلما وأنهم منحوه جائزة‏,‏ بذلك قسموا الجوائز فيما بينهم‏.‏

ربما ذلك صحيح في موقع أو موقعين‏,‏ لكنه ليس صحيحا علي نحو غالب‏.‏ ثم من يهتم إذا ما كان الفيلم المعروض جيدا‏,‏ أو‏-‏ علي الأقل‏-‏ اكتشافا بالنسبة لمشاهدين إما فاتتهم عروض له في مهرجانات أخري‏,‏ أو أنهم لم يقصدوا أي مهرجان آخر لمشاهدة الأفلام وهاهي الفرصة تصل إلي عتبات بيوتهم‏.‏

رئيس لجنة التحكيم هو فريتز دي هادلن‏,‏ رئيس مهرجان برلين السابق ومهرجان فانيسيا لعام وأحد اولئك الذين خبروا السينما من مواقع متعددة فهو بدأ مصورا ثم مخرجا ثم منظما وإداريا والآن صاحب شركة تنشيط ودعاية للأفلام التي تحتاج الي خبرته في ذلك‏.‏

الأعضاء هم سمية نعمان جسوس‏,‏ وهي أستاذة علم الاجتماع في جامعة الدار البيضاء ومنية حكمت‏,‏ مخرجة إيرانية‏,‏ وعلي أبو شادي‏,‏ وهو زميل ناقد ووكيل وزارة الثقافة في مصر‏,‏ والسنغالي ماكينا ديوب‏,‏ مخرج وهو مسرحي وسينمائي معا‏,‏ ثم محمد باكريم‏,‏ وهو ناقد سينمائي مغربي والروسي رستم إبراكيمبيكوف‏,‏ كاتب سيناريو وسينمائي من الجيل الستينيات وما بعد‏.‏

وهؤلاء جلسوا دائما في صف في منتصف القاعة الجيدة والمناسبة في تلك البلدة الجميلة التي تطل علي البحر وتحاذي أنهارا وسهوبا وكانت بطلة أكثر من فيلم تسجيلي في السنوات العشر الأخيرة‏.‏

اجتمع لهذا المهرجان عشرة أفلام من عشر دول‏.‏ الفيلم المصري في المسابقة هو العمل الأول لإيهاب لمعي من نظرة عين‏,‏ كوميديا خفيفة ذات أسلوب جديد ورشيق حول محاولة مصور أفراح‏(‏ عمرو واكد‏)‏ يتفق لإخراج فيلم فيديو لحفل عرس ليكتشف أن الفتاة التي ستزف‏(‏ سوسن بدر‏)‏ هي ذاتها الفتاة التي كان يحلم بها‏.‏ بعد أقل من‏30‏ ثانية علي مشاهدته الأولي لها يقترب منها ويقول لها بحبك وعاوز أتجوزك‏.‏ وهو انطلاقا من تلك اللحظة يخطط لا لتصوير الحفل المعتزم ليلا بل لمنعه وتحويلها عن رغبتها في الزواج من العريس‏.‏ خلال النهار ينجح في غايته حينا ويخفق حينا‏,‏ وفي الليل حين يدخل المدعوون أحد الفنادق الكبري لإقامة الحفل يفاجأون بأن أحدهم ألغي الحفل خطأ‏.‏ في الفترة التي تستمر أكثر من نصف ساعة بقليل‏,‏ سيواصل المصور جهوده لإبطال ذلك الحفل والزواج ممن يحب وممن باتت تحب‏.‏

من نظرة عين هو فيلم فكرة يحسن المخرج استغلال ما يرد فيها أكثر من حسن استغلاله لها تحديدا‏.‏ إيهاب لمعي في أول أفلامه يقدم مواقف ناتجة عن حالة غير معاشة سابقا علي الشاشة‏(‏ العربية علي الأقل‏)‏ حول من يجد الفتاة التي كان يبحث عنها في خيالاته ويقرر أن تكون له مهما حدث‏,‏ وكل ذلك في يوم عرسها‏.‏ الحالات الناتجة تثير الاهتمام‏,‏ لكنها ليست معمقة أو معالجة بما يكفي من ملاحظات تختفي وراء الظاهر‏.‏ في أفضل أحواله يماثل فيلما أمريكيا خفيفا وفي أفضلها تنويعا علي المعالجة الكوميدية المعتادة في الأفلام العربية‏.‏ علي أن الفيلم يصر علي أن يبقي خفيفا‏,‏ بوزن الريشة بين الأفلام‏.‏ ولا شيء عبثيا أو ضعيفا في هذا‏,‏ إنما يتمني المرء لو أن الكتابة استطاعت سد الثغرات الناتجة عن فكرة غير قابلة للوقوع وإذا ما وقعت فعلي غير هذا الشكل‏.‏ تنفيذ المخرج في التصوير وفي السرد لا يزال أضعف من أن يقدم المعالجة المناسبة لمثل الغاية التي يتوخاها كأسلوب‏.‏ ومع خلو الفيلم من أي مرح داكن أو سخرية اجتماعية فإن الخفة في القصة وفي التنفيذ تمتد إلي خفة في النتائج والوقع لدي المستقبلين‏.‏ هذا الفيلم كان يستطيع الاستفادة من استعراضات ألتمانية‏(‏ نسبة لروبرت ألتمان‏)‏ مبهرة لو امتلك المخرج ناصية لغته جيدا ورؤية شاملة وملمة‏.‏

فيلم أول أيضا من لبنان متمثل بـ زنار النار لبهيج حجيج‏,‏ وهو سابقا مخرج أفلام تسجيلية يعمد هنا إلي نقل رواية لرشيد الضعيف عنوانها المستبد وينجح في إلباسها أسلوبه المتأمل في التفاصيل والناس وذي الأجواء المشبعة‏.‏

بطل الفيلم‏,‏ شفيق‏(‏ واكيم‏)‏ أستاذ فلسفة في الجامعة‏(‏ نحسب اللبنانية‏)‏ يعود من منفاه إلي بيته في بناية في شارع غير بعيد عن مواقع التماس الساخنة خلال حرب العام‏.1985‏ يستقبله ناطور بناية جديد‏(‏ فرحات‏)‏ معرفا عن نفسه‏.‏ شخصية لا يطيقها شفيق لكنه يتعامل معها بقدر من القبول‏.‏ بعد ذلك هو في الصف يقرأ رواية الطاعون علي طلاب صفه‏.‏ في المشهد الثاني له في ذلك الصف ما أن يبدأ حتي يشتد القصف ويهرع الجميع الي ملجأ‏.‏ هو وإحدي تلميذاته‏,‏ يأويان إلي غرفة ناطور المدرسة والاحتكاك يؤدي إلي مجامعة‏.‏ لكن شفيق لا يعرف من هي تلك الطالبة ففي الظلام والخوف وتحت عبء اللهفة تغيب الملامح‏.‏ إنما ما نتج عن ذلك كله‏,‏ محاولة شفيق معرفة من هي الفتاة ومواصلة لقاءاته معها‏.‏ هذه المحاولة تبوء بالفشل لأن من اعتقد أنها الفتاة التي يبحث عنها ليست هي‏.‏ الآن هو ليس واثقا من أن ما حدث حدث فعلا‏.‏ تطورات في الشارع‏(‏ توقيفه بينما كان يوصل إحدي طالباته‏)‏ وفي البيت‏(‏ يتحول المبني إلي سلطة للناطور يفرضها علي السكان وبينهم شفيق‏)‏ تجعله علي حافة انهيار نفسي شديد‏.‏ يزيد ذلك أن ناطور البناية أسكن في شقة الأستاذ امرأة مات زوجها وهي لا تزال حاملا‏,‏ وهو‏-‏ الناطور‏-‏ يحوم حولها‏.‏ شفيق يفقد أعصابه تماما حين يعود إلي موقع اعتقاله فلا يجد عنصرا لكنه يصرخ مطالبا بخروج مسئول يواجهه‏.‏ أحد سكان بناية قريبة يدرك هذا ويتصرف تلقائيا ويعود إلي لعب الطاولة‏.‏

علي الرغم من أن شخصية شفيق فيها جزء غائب‏(‏ ربما كانت أكثر وضوحا ورسوخا في رواية رشيد الضعيف‏)‏ إلا أن الفيلم لا يهدر وقتا في تعريفنا به وتقريبنا إلي صورته الداخلية‏.‏ نداء واكيم في الدور قد لا يبدو في الوهلة الأولي كما لو أنه التعبير العميق المطلوب‏,‏ لكن الشخصية مكتوبة بفهم وثقة بحيث إنها تفرض الحالة الخاصة بها علي القواعد التي يعتمدها الممثل لتفسير الدور‏.‏ الجاذب في الشخصية هي أنها تعبير عن حالة ذهول من وضع أكبر من طاقة رجل علي تحمله‏.‏ ليس كل رجل ذلك لأن هناك من يستطيع أن يصبح طرفا في المشكلة وليس جزءا من الحل‏.‏ فالناطور لا يستطيع أن يتحول إلي ضحية كما الحال مع شفيق حتي ولو أراد‏.‏ وهو لن يريد لأن الحرب‏(‏ وكل ما تحمله من طروحات ورسالات‏)‏ تخدمه‏.‏ تعرف سبيلها إليه كما يعرف سبيله إليها‏.‏ لا يطلق طلقة من الكلاشينكوف الذي يحمله لكنه يقتل‏(‏ رمزا‏)‏ كما أي محارب‏.‏ وهو عنصر ضاغط وشديد التأزيم في مأزق شفيق الوجودي بأسره‏.‏

وبينما قدمت واحة الراهب فيلمها المتوسط في خلاصته رؤي حالمة الذي سبق لها أن عرضته شاشة مهرجان القاهرة السينمائي في العام الماضي‏,‏ عرض محمد العسلي‏,‏ وهو سينمائي مغربي له تجارب في حقول عمل سينمائية كثيرة عمله الأول كمخرج روائي وهو الملائكة لا تحلق في كازابلانكا وهو من النوع الذي يتحدث عن أحلام الرجال وهي تتكسر في المدن‏.‏ الرمز الكامن في العنوان هو أن الملائكة لا تحلق فوق الدار البيضاء بل الكواسر والجوارح‏.‏ وهو ما يسعي الفيلم الي إثباته ناجحا في صياغة جديدة تذكر بسينما التركي الراحل يلماز غونيه‏.‏

من البحرين الفيلم التشويقي الزائر ثاني أعمال مخرجه بسام الذوادي الذي كان انطلق في هذا الدرب قبل أكثر من عشر سنوات عندما قدم فيلمه الروائي الحاجز‏,‏ وهو ذو هم ومنحي يختلفان عن هم ومنحي هذا الفيلم الجديد‏.‏ باعتراف المخرج الزائر هو فيلم عروض تجارية أكثر منه فيلم مهرجانات‏,‏ لكن المرء يستطيع أن يجد في قصة امرأة تؤرقها كوابيس تري فيها رجلا غريبا ما يثير الاهتمام‏.‏ فقط لا يري الفن الذي كان يأمله‏.‏

الأفلام غير العربية المشتركة في مسابقة الفيلم الروائي جاءت من ست دول‏.‏ والفيلم الذي نال أكثر قدر من الإعجاب هو شيزو للمخرجة الكازاكستانية غوكا أوماروفا‏.‏ سبق وتم تقديمه بنجاح نقدي ملحوظ في مهرجان كان الماضي وهو كناية عن تسجيل يوميات فتي صغير يجلب إلي حلبة ملاكمة غير رسمية من يجربون حظوظهم في كسب الجائزة الكبري‏:‏ سيارة مرسيدس من موديل الثمانينيات‏!‏ وحين يفوز بها مع صديق والدته فإن ما يلي نتائج وخيمة تحوله من فتي بريء إلي قاتل‏.

والسينما الإيرانية كانت‏(‏ بلا شك‏)‏ موجودة عبر فيلم من تلك التي يمكن أيضا قسمتها إلي نصفين‏,‏ واحد ممل وبطيء بلا دواع يقع في الساعة الأولي منه وآخر يتبلور فيه العمل إلي حالة تعبيرية اجتماعية معمقة في الساعة الثانية‏.‏ لكن طهران‏,‏ الساعة السابعة يبقي حاملا إلي حد بعيد خبرة تقنية وإدارية محدودة ومسكوبة في صياغة حائرة بين ثلاث أو أربع قصص ذات أشكال سرد مختلفة‏*‏

الأهرام العربي في 7 أغسطس 2004

كتبوا في السينما

 

مقالات مختارة

حوار صريح مع المخرج السينمائي المصري محمد خان

عمر الشريف يفوز بـ"سيزار" أفضل ممثل

جوسلين صعب:السينما التسجيلية تمنح رؤية نافذة للاحداث

ناصر خمير: أفلامي حلم... وعندما تحلم تكون وحدك

      برتولوتشي: لقاء

رندة الشهال: أهل البندقية يحبونني

تاركو فسكي: بريق خافت في قاع البئر

 

 

يا مخرجي جنوب العالم اتحدوا

أصيلة المغربية تستضيف مهـــرجانا جديدا في الساحة العربية

محمد رضا

 

 

 

 

 

 

 

 

نداء واكيم وجوليا قصار فى الفيلم اللبنانى زنار النار