يعتبر الناقد والباحث السينمائي المصري طارق الشناوي الذي يزور الاردن حاليا بدعوة من مهرجان جرش للثقافة والفنون، احد انشط النقاد العرب في متابعة ما وصلت اليه السينما العربية والعالمية ورصدها وتوثيقها بمقالات متخصصة في اكثر من مطبوعة مصرية وعربية يشتغل فيها من بينها مجلة «روز اليوسف» وعدا عن ذلك فهو من العاملين في لجان المهرجانات السينمائية السنوية التي تقام في مصر مثل مهرجان القاهرة السينمائي الدولي، ومهرجان الاسكندرية لبلدان حوض البحر المتوسط، وهو اضافة الى ذلك ناقد سينمائي متجول بالعديد من المهرجانات والملتقيات السينمائية العربية والدولية مثل «كان» و «قرطاج» و «دمشق» و «تطوان» ومهرجان معهد العالم العربي بباريس وسواها كثير. قدم طارق الشناوي اكثر من مؤلف سينمائي للمكتبة العربية مثل «كثير من السينما قليل من السياسة» «مخرجو الثمانينات ـ الحلم والواقع»، «شاعر السينما عزالدين ذوالفقار» و«عاشق السينما» و«جعلوني مجرما» وعمل ايضا على تنشيط الثقافة السينمائية من خلال شاشة التلفزيون في اكثر من برنامج متخصص. التقت «الرأي» بالزميل طارق الشناوي وكان هذا الحوار الذي يطل على المشهد السينمائي العربي والعالمي وما يعتريه من أزمات وتحولات. · لك مساهمات كثيرة في تنظيم المهرجانات والملتقيات السينمائمية، كيف ترى واقع هذا النوع من الثقافة والفعاليات الثقافية في الوطن العربي مقارنة بما هو عليه بالعالم؟ - باعتبار اني واحد في اللجان العليا بمهرجانات القاهرة والاسكندرية احاول قدر المستطاع ان ابتعد عن اي منصب قيادي واكتفي بالمشاركة الجماعية وليس المشاركة الفردية، لأنه في أغلبية المهرجانات هناك دائما معادلات اخرى ومصالح صغيرة هي التي تغزو القرارات وانا لا اريد ان اورط نفسي بأي قرار ضد المنطق والعدالة، وما اراه في كثير من مهرجاناتنا تغلب المصالح الشخصية سواء باختيار الضيوف أو الفعاليات، واكتفي بهذا القدر دون تفاصيل. · برأيك هل دفعت مثل هذه المهرجانات بحركة السينما الى الاندماج في مدارس وتيارات تختلف عن السائد؟ أول دورة لمهرجان القاهرة العام 1976 كان الدافع من اقامته هو اقامة اسرائيل لمهرجان القدس وكان مثل هذا المهرجان سيحصل على شرعية دولية، وقررت مصر اقامة هذا المهرجان من خلال جمعية كتاب ونقاد السينما التي كان يرأسها كمال الملاخ والرئيس الفخري الراحل الوزير يوسف السباعي وبالطبع منذ بداية مهرجان القاهرة وايضا مهرجانات مثل قرطاج ودمشق هناك احتفاء واضح بالسينما العربية، وفي الوقت نفسه هناك احساس بظلم واقع على هذه السينما سوف اضرب على سبيل المثال مهرجان القاهرة، يعاني المهرجان بسبب وضعه باعتباره مهرجانا رسميا تابعا لاتحاد المنتجين العالميين فهو لا يستطيع عرض افلام سبق عرضها في مهرجانات اخرى، وحيث ان الانتاج العربي ضئيل، ففي العادة لا نجد افلاما داخل المسابقة الرسمية تمثل السينما العربية واضطرت ادارة المهرجان لاقامة جائزة مقدارها 100 الف جنيه مصري «10 الاف دينار اردني» من اجل تحفيز المنتجين العرب على تقديم افلامهم اولا لمهرجان القاهرة قبل دمشق وقبل قرطاج ورغم ذلك فلم يستطع المهرجان تحقيق الجاذبية المطلوبة لاقناع السينمائيين العرب بأن يحتفظوا بأفلامهم انتظارا لموعد اقامة مهرجان القاهرة. في الوقت ذاته هناك تضاؤل في الانتاج المصري والعربي حيث وصل انتاج الفيلم المصري الى رقم «20» فيلما بالعام في حين ان المتوسط كان يتجاوز «60» فيلما بالعام الواحد، من هنا عندما تضيق مساحة الاختيار يصبح أمام المهرجان الرضى بما هو متوفر، ولهذا فأنا اعتقد ان اغلب المهرجانات العربية لا تملك ما هو الافضل وانما تعرض ما هو متوفر وللعلم فإن منتجي الافلام المصرية وليس فقط العربية برغم حافز «100» آلف جنيه مصري، فإنهم لا ينتظرون مهرجان القاهرة ويفضلون عليه العروض التجارية كما حدث مع افلام «سهر الليالي»، «أحلى الأوقات». · وهل فيلم «بحب السينما يدخل ضمن هذا الاطار»؟ ما لا يعلمه الكثيرون من بينهم نقاد وصحفيون في مصر ان فيلم «بحب السينما» سبق وان عرض على المكتب الفني لمهرجان القاهرة قبل عامين ورفضته ادارة المهرجان وهناك من همس في اذن شريف الشوباشي رئيس المهرجان قائلا ان هذه اول دورة لك ولا ينبغي ان تبدأ رئاستك للمهرجان بمشكلات سياسية او رقابية من هنا كان الاعلان عن رفض الفيلم الذي تناقلته الصحافة في ذلك الحين انه لم يكتمل علما ان منتجة الفيلم كانت على استعداد لاستكماله قبل وقت مناسب من بدء المهرجان لو تحمس المسؤولون لعرضه ممثلا للسينما المصرية وهكذا عرضنا فيلم «مذكرات مراهقة» هذا الفيلم التجاري بدلا من فيلم «بحب السيما»، ورغم ذلك حصلت السينما المصرية من خلال «مذكرات مراهقة» على جائزة ومن الممكن ان تضع على مسؤوليتي العديد من علامات التعجب. · تشير ادبيات النقد السينمائي الى ان السينما في حقب ماضية كانت محملة بالبشائر والجماليات وغدت بمثابة العصر الذهبي للسينما اختلافا عما هي عليه اليوم؟ نحن دائما اسرى تمجيد الماضي لا شك ان الخمسينات والستينات والسبعينات حملت افلاما هامة ولكن عندما يقدم صلاح ابو سيف بعام 1954 فيلم «ريا وسكينة» فإن المخرج حمادة عبدالوهاب العام 1955 يقدم اسماعيل يس يقابل ريا وسكينة مستعينا بنفس بطلتي ابو سيف نجمة ابراهيم وزوزو حمدي الحكيم ويذكر التاريخ عادة فيلم ابو سيف «ريا وسكينة» ويغض الطرف عن فيلم «اسماعيل يس يقابل ريا وسكينة» انا اتصور ان الماضي مثلما قدم افلاما هامة قدم ايضا افلاما متواضعة. ولكن عندما نشاهد الافلام القديمة فإن ما تبقى منها او احتفظت به القنوات الفضائية هو الجيد فقط فأنا أعتقد ان اغلب القراء لم يشاهدوا فيلم «اسماعيل يس يقابل ريا وسكينة» بل يحفظون عن ظهر قلب مشاهد من فيلم ابو سيف من هنا يعتقد الجميع النقاد والصحفيون ان تلك كانت عصورا ذهبية في حين انهم مقابل كل فيلم جيد هناك عشرة افلام متواضعة اسقطها التاريخ ولم يعد يذكرها احد وبعد مرور ربع قرن من الآن سوف يترحم الناس على سينما هذه الأيام التي نرفضها ويقولون متى تعود العصور الذهبية لسينما «2000». · ولكن يلاحظ ايضا غياب الاهتمام بالكتابة النقدية في السينما لدى دور النشر العربية .. كيف تفسر هذا الغياب ر غم ما يحمله الحاضر من تقدم نوعي بالاتصالات وسهولة الحصول على المعلومة؟ حكمنا له علاقة بالتوجه السياسي مثلا مصر كانت تحكم بالستينات بالقوانين الاشتراكية فالدولة كانت مسؤولة عن كل شيء، من انتاج فن وكتب ومجلات ثقافية وادبية من هنا قدم القطاع السينمائي 50% من افضل نتاجات السينما المصرية وواكب ذلك حركة ثقافية كانت تشوبها مراهقة سياسية لتأييد الفكر الاشتراكي حتى لو كان هذا الفكر يتعارض مع اداء الكاتب وكان البعض عندما يكتب تحليلا سينمائيا يحاول مغازلة الدولة سياسيا ويبدأ بتحليل الفيلم باسلوبية ايديولوجية، انا لا اتصور ان نقاد الماضي كانوا افضل من نقاد هذه الأيام وليس معنى ذلك اني راض تماما عما اقرأه في الصحافة المصرية، ولكني اعلم بالوقت ذاته ان الماضي لم يكن ورديا .. كانت فيه بعض الابداعات مثل الراهن تماما. · كيف تنظر الى محاولات بعض المخرجين المكرسين للتوجه الى كاميرا الديجتال بتحقيق افلامهم الجديدة .. وماذا عن اختيار الشباب لهذا النوع من التكنولوجيا في التعبير عن ابداعاتهم؟ الديجتال مرحلة متوسطة بالنسبة لعدد من المخرجين وخصوصا الكبار منهم فرصة لكي يتنفسوا سينمائيا بعد ان اصبحوا خارج دائرة الانتاج المصري فهو نوع من الانقاذ الأخير، ولكني اتصور اذا عرض احد المنتجين مثلما حدث مؤخرا مع محمد خان ان يخرج فيلمه سينمائيا فسوف يفعله، اما خيري بشارة فهو مبتعد عن السينما منذ سنوات او بالاحرى شركات الانتاج هي التي ابتعدت عنه، وبدلا من ان يكبت طاقاته قرر الافراج عنها بفيلم ديجتال ولكني اجزم بأن بشارة اذا وجد الفرصة لتقديم فيلم سينمائي سوف يهرب من الديجتال الى السينما، لا تزال كاميرا الديجتال الرقمية لا تحقق كل طموح السينمائيين فلربما تشهد السنوات القادمة ثورة في هذا النوع من التصوير على صعيد الكاميرا او الشريط وتحقق نتائج افضل وبالتالي نقول وداعا لأشرطة السيلولويد «السينما». · ماذا عن بروز مفاهيم وتيارات السينما الجديدة بعد ان اخذت مصطلحات السينما افلام الواقعية الجديدة، والشبابية والواقعية السحرية في التواري خلف أفلام ما يسمى بالكوميديانات الجدد؟ هناك عدد من الاسماء الجدد في السينما المصرية اراهن عليها مثل هالة خليل صاحبة فيلم «احلى الاوقات» مثل ايهاب لمعي في فيلم «نظرة عين» وهاني خليفة بفيلم «سهر الليالي» وهناك عدد آخر شاهدت لهم افلاما تسجيلية وروائية قصيرة مثل سعد هنداوي وأحمد ماهر، واحمد رشدان، وهالة جلال، ومروان حامد فأتصور ان الزمن القادم سوف يشهد لصالحهم. · تشهد كثير من البلدان العربية طفرة، بانشاء الصالات الجديدة على شكل مجمعات لصالات تعرض في الوقت نفسه اكثر من فيلم جديد .. هل لك من تفسير لهذه الظاهرة؟ خلقت هذه الصالات جمهورا جديدا كانت ثقافته بالماضي اجنبية كان يستمع للموسيقى الاجنبية ويشاهد الافلام الاجنبية، هذا النوع من الشباب من دون العشرين او تعدوها بقليل هو فرض النجوم الشباب على السينما وحيث انه لا يزال لا يملك اقتصاديات تؤهله لدخول السينما سوى الاستعانة بوالديه ماديا فقد ظهر مصطلح «السينما النظيفة» فهي عادة افلام توافق الاسرة على ان يذهب ابناؤها اليها دون خوف حيث لا قبلات ولا مايوه ولا مشاهد عاطفية. لكن هذا لا يمنع من القول انها ظاهرة صحية، مصر كانت تعاني من ازمة طاحنة بالصالات وكانت هناك تعابير شائعة مثل «افلام العلب» ولا تجد دور العرض التي تقدمها الآن اختفى تماما من حياة السينما فصارت دور العرض تتصارع على الافلام الجديدة، حتى اننا بالعام الماضي كنا نعرض الفيلم على اكثر من «80» صالة في الوقت الذي كان يعد سابقا ان الفيلم الذي يحصل على خمس صالات عرض محظوظا. · هل ساعد انتشار الفضائيات العربية على تقديم النموذج السينمائي البديل، وهل دفعت تلك القنوات على اثراء المشهد السينمائي العربي؟ بتصوري ان الفضائيات سوف تطرح نوعيات من الافلام قليلة التكاليف من اجل اشغال المساحات الفارغة وفضائيات اخرى سوف تتخصص بعرض الافلام السينمائية ولن تكتفي بما هو متوفر حاليا وسوف تقدم بما هو خاص بها سوف يخضع بالضرورة لاعتبارات اقتصادية حيث لن يتجاوز انتاج الفيلم الى «مليون جنيه مصري» ليصبح العمل قابلا للربح وليس للعروض الجماهيرية لعبت الفضائيات دورا في انعاش الذاكرة بافلام قديمة وكلاسيكية فجأة وجدها المشاهد امامه عن طريق الريموت كنترول بالمجان من هنا ان هناك تأثيرا ايجابيا لزيادة التذوق السينمائي، وحتى الافلام الفقيرة انتاجيا المزمع انتاجها من الممكن ان تلعب دورا في فرز نجوم وكتاب ومخرجين جدد. · ثمة غياب اكيد للصناعة السينمائية في العديد من البلدان العربية، كيف تبرر مثل هذا الغياب وهل نحن بحاجة فعلا لسينمات عربية متنوعة الاشكال والمضامين؟ لا يمكن في هذا الزمن ان تتدخل الحكومات في إنتاج افلام تتحمل هي الخسارة وتصور ان مؤسسة السينما السورية التي هي المعقل الأخير لانتاج الدولة صارت تبحث عن شركات خاصة وانتاج خارج الحدود مع دول اجنبية من اجل تحقيق ربح من هنا فلا اعتقد ان هناك من ينتج افلاما لكي يخسر، الاردن على سبيل المثال كان ينبغي ان يساهم بقسط وافر من الانتاج السينمائي الروائي القصير والأمر يحتاج الى معادلة انتاجية، خارج نطاق الدولة تحقق ربحا وأي مراهنة على مساهمة الدولة في انتاج افلام اعتقد أنها تضييع للوقت ولن تقدم اي نتيجة، فأنا اتساءل بدوري لماذا لم يظهر اي منتج اردني قادر على انتاج عمل سينمائي يحقق ربحا لأن المنتج اذا خسر في مشروعه الاول فلن يستطيع الاستمرار بالمشروع السينمائي، عندما يتوفر هذا المنتج سوف تنتعش صناعة السينما بالاردن وبالنسبة لي سوف اشعر بإرتياح لأن دولة مثل الاردن لا ينبغي ان تظل خارج المشهد السينمائي. الرأي الأردنية في 7 أغسطس 2004 |
برتولوتشي: لقاء |
الناقد والباحث السينمائي طارق الشناوي: الفردية والمصالح الشخصية تهزم مهرجاناتنا العربية ناجح حسن |
|