خريبكة ـ القدس العربي : بالرغم من أن بوادر الفعل السينمائي بالمغرب برزت في أواخر القرن 19، علي أيدي سينمائيين أجانب، فان سؤال التأريخ للفن السابع لم يشغل بعد الحيز الذي يليق به ضمن دائرة اهتمامات المشتغلين بالكتابة السينمائية. من هنا تأتي أهمية كتاب تاريخ السينما بالمغرب..السينما الكولونيالية للباحث مولاي ادريس الجعيدي، الذي تم تقديمه في اطار مهرجان خريبكة للسينما الافريقية في دورته التاسعة إلي جانب عدد من الإصدارات المغربية حول الفن السابع. ويعد الكتاب الصادر سنة2001 عن منشورات (المجال) جزءا من مشروع يروم استعادة الذاكرة السينمائية الوطنية رصدا وتحليلا ومساءلة، علي مدي فترة حددها الكاتب من بداية القرن الماضي إلي سنة 1968. وبعمله هذا الذي يرصد كل ما يتعلق بالأفلام التي صورت بالمغرب خلال هذه الفترة، يقتحم مولاي ادريس الجعيـــدي أحد أبرز الباحثين المواظبين علي التأليف في مجال السينما أفقا ظل لمدة طويلة حكرا علي الفرنسيين والأسبان بوجه خاص. ونقلت وكالة الانباء المغربية عن الجعيدي ان الهـــــدف الاساس للكتاب هو مساءلة الرصيد السينمائي الذي صور بالمغرب من أفلام قصيرة وطويلة وتسجيلية، علي أرضية القيام بمسح شامل لهذه المنتوجات. وبالنظر إلي شح وتشتت مصادر المادة التاريخية، فقد تطلب انجاز هذا الكتاب/ المرجع أربع سنوات من البحث شاهد خلالها الكاتب عددا من أفلام المرحلة بالخزانتين السينمائيتين بفرنسا واسبانيا، علما أن الكثير من الوثائق التاريخية حول السينما بالمغرب غادرت البلاد مع رحيل الاستعمار في حين تعرض بعضها الآخر للتلف. وتوخت المنهجية التاريخية للكاتب في المقام الاول خدمة بعد ديداكتيكي يتمثل في تقريب المغربي من ذاكرة مشتركة مع فرنسا واسبانيا، بغض النظر عن البعد الاديولوجي للسينما الكولونيالية. من هذا المنظور يتوسم الجعيدي الابتعاد عن النظرة المطبوعة بعقدة الاستعمار التي أثرت علي طريقة تعامل النخبة المثقفة سواء في البلاد المستعمرة أو المستعمرة مع الرصيد السينمائي للمرحلة الكولونيالية. والكتاب خطوة في اتجاه إعادة قراءة الماضي السينمائي والثقافي بوجه عام كما هو بما يصنع من هذا الماضي موضوع حوار مفتوح بين فرقاء الذاكرة وبحث متزن ورصين. وينبه الباحث في ذات السياق إلي أن تجنب السقوط في الأحكام المسبقة، وإعطاء كل الأولوية للرصد الموضوعي يقود إلي اكتشاف منتوجات فنية ذات قيمة عالية، طبعت المرحلة الكولونيالية في المغرب. وتتمفصل مراحل الانتاج السينمائي بالمغرب خلال المرحلة المذكورة، حسب الكتاب في أربع عشريات تحمل كل منها سمات تصنع تمايزها عن باقي المراحل. تمتد المرحلة الاولي من 1897 إلي 1918، وهي الفترة التي شهدت أول تصوير سينمائي بالمغرب وإنجاز بعض الروبورتاجات والأفلام الوثائقية. وتطور الإنتاج السينمائي خلال العشرينات خصوصا عقب النجاح التجاري لشريط (أطلنتيد 1921) باعتباره منعطفا في تاريخ السينما الغرائبية. وتميزت هذه المرحلة بتدخل المقاولات التجارية التي مولت تصوير أفلام بشمال افريقيا. وتشكل الثلاثينيات أوج تطور هذه السينـما كميا حيث تم تصـــــوير ازيد من 35 شريـــطا مطولا جسدت تطور الإنتاج السينمائي الكولونيالي بوظيفته الاديولوجية الغالبة مع استثناءات قليلة. أما الأربعينيات فقد شهدت طفرة نوعية من حيث تعدد المواضيع تبعا للتحولات السوسيو اقتصادية وكذا تعدد انتماءات الانتاجات بين فرنسية وأسبانية وانغلوسكسونية. وتواصل هذا المد خلال الخمسينيات والستينيات بفضل الاستفادة من الوسائل التكنولوجية الجديدة (السينما سكوب والالوان) بما عزز الطابع التخييلي الفرجوي للمنتوج السينمائي. ويشكل كتاب (السينما الكولونيالية) تحديا معرفيا عسيرا، بالنظر إلي صعوبات البحث التاريخي في هذه المرحلة، والراجعة بالأساس إلي صعوبة الحصول علي الأفلام الموجودة في الغالب في خزانات سينمائية أوروبية وخصوصا فرنسية وأسبانية. وهو محاولة تأسيسية أفرزتها التجربة الطويلة للمؤلف في مجال الكتابة السينمائية، تنحو إلي تجاوز طغيان المعالجة المختزلة الاديولوجية ذات النفس النضالي خصوصا خلال السبعينات، أحيانا علي حساب الموضوعية والصرامة المنهجية. ويحفل الكتاب بمادة وثائقية ثرية تحصر فضلا عن الانتاجات الفرنسية والأسبانية والانغلوسكسونية، قائمة الأشرطة الإيطالية والبولونية والألمانية التي تم تصويرها بالمغرب. كما يتضمن مادة مصورة غنية (131 صورة) للقطات وممثلين ومخرجين عالميين اشتغلوا بالمغرب. وعن وضع الكتابة السينمائية في المغرب، يقول الجعيدي أن الأمر يتعلق أساسا بإسهامات فردية داعيا إلي تشجيع هذه الكتابة التي تواجه صعوبات جمة ترتبط بمشكلة النشر والتوزيع وضعف السوق المتلقية فضلا عن عدم اهتمام المؤسسات المعنية. ويقول الجعيدي أن التأليف في الفن السابع فعل ضروري لتطوير أدوات التعامل مع السينما من منطلق البحث الميداني أو السوسيولوجي أو النقدي أو التاريخي . ويعتزم الكاتب مواصلة مشروعه بإعداد كتاب حول تاريخ السينما الوطنية التي تحققت فيها تراكمات كمية هامة منذ الاستقلال دون ان يواكبها اهتمام بالرصد التاريخي للمادة كمنطلق لتعميق الاهتمام بثيمات أو مدارس معينة. ومولاي ادريس الجعيدي أستاذ لعلوم الاعلام والاتصال، أصدر مجموعة من المؤلفات من أهمها (السينما بالمغرب 1991) و(الجمهور والسينما 1992) و(رؤي للمجتمع المغربي من خلال الشريط القصير1994) و(سينمائيات 1995) و(بث وتلقي الوسائط السمعية البصرية 2000) بالفرنسية و(بصمات في الذاكرة الرمادية محمد الركاب 1993) (بالعربية). القدس العربي في 4 أغسطس 2004 |
برتولوتشي: لقاء |
قراءة في اتجاه اعادة قراءة الماضي السينمائي والثقافي بالمغرب تاريخ السينما بالمغرب ـ السينما الكولونيالية مولاي ادريس الجعيدي |
|