* رئيس الرقابة يعلن موافقته «علي بياض» ويوجه التحية إلي الشركة الموزعة أشفق علي د. مدكور ثابت أحيانا، وأحسده كثيرا علي متانة أعصابه، وقدرته الهائلة علي الاحتمال، ومواجهة كل هذه الأزمات والمشكلات التي تسعي إليه، وتحاصره وتطارده حتي في منامه، دون أن تترك له فرصة لالتقاط الأنفاس.. (يداعبني الآن تفكير طفولي بالسطو علي عنوان مذكرات كاتبنا الكبير أحمد عباس صالح «عمرٌ في العاصفة» لامنحها لرئيس الرقابة، الذي ينطبق عليه التوصيف نفسه، منذ أن جلس علي كرسي الرقيب). اعتصر ذاكرتي لأحصر الأزمات التي سعت إليه خلال الشهور السبعة التي انقضت من العام، بلا ترتيب تسعفني الذاكرة: بحب السيما، آلام المسيح، 7 ورقات كوتشينة، ماتريكس.. ثم اكتشف أنني نسيت: «بدون كلمات» لـ «وحيد حامد».. «الحجاب» لـ «جيهان الأعصر».. وفيلم «يد الله» الذي يدور عن المحاولة الفاشلة لاغتيال الرئيس مبارك في أديس أبابا. بالإضافة إلي عشرات الأخبار المتناثرة في الصحف والمجلات، محلية وعربية، عن أزمات مختلفة، وأفلام وهمية يدعي أصحابها أنها ممنوعة رقابيا، وكلما سألت مدير الرقابة عنها يضرب كفا بكف، ويقسم بأغلظ الأيمان والوثائق إنه لا يعرف عنها شيئا، ولم يتقدم أصحابها بها من الأصل، ولذلك قرر بعد تجارب مريرة ألا يرد عليهم، ولا يوجع قلبه في كشف أكاذيب من يسميهم «شهداء الرقابة»، وأسميهم «الذين يبطحون أنفسهم علي أبواب الرقابة» لكسب دعاية مجانية، واغتصاب الأضواء. في الأيام الأخيرة كان د. مدكور ثابت يأمل في «هدنة» من الأزمات، يستطيع فيها أن يضع اللمسات الأخيرة علي فيلمه الجديد «سحر ما فات في كنوز المرئيات»، الذي يعود به لممارسة دور المبدع، بعد أن استغرقته المناصب الإدارية. ولكن يبدو أن أمله خاب، إذ تلوح في الأفق بشائر أزمة جديدة، وعاصفة علي وشك الهبوط، ومشكلة تسعي بقدميها الثقيلتين إليه. آخر تهمة تطارد د. مدكور ثابت أنه يقف ضد عرض فيلم «فهرنهايت 11/9» في مصر.. الخبر نشرته جريدة «القدس العربي» الصادرة في لندن، ونقلتها عنها بعض الصحف المصرية دون أن تتثبت من صحته.. سألت د. مدكور: هل أنت رافض لعرض الفيلم في مصر؟!.. بحماسه المعهود أجاب: هذا خبر كاذب.. ثم كيف أمنع عرض فيلم لم تأت نسخه بعد.. أكتب علي لساني أنني أرحب بعرض الفيلم في مصر، وأنني أوجه تحية إلي الفنانة إسعاد يونس التي تحمست له، واشترت حق عرضه، حتي لا يحرم الجمهور المصري من مشاهدة فيلم أصبح حديث العالم، ونال مخرجه مايكل مور أرفع الجوائز في أهم مهرجانات السينما العالمية. وبدون أن يلتقط أنفاسه يكمل رئيس الرقابة: «لا أعرف من وراء تسريب هذه الأخبار، التي تذكرني بما حدث أثناء أزمة «أيام المسيح» الذي أشيع أنني رفضت عرضه، مع أنني وقعت بالموافقة علي بياض قبل سفري وقتها إلي عمان، وفوجئت بعد عودتي أنني متهم بالمنع والرجعية». هذا ما قاله د. مدكور ثابت، أما الذي لم يقله، فهي ورطة وقعت فيها الشركة التي اشترت حقوق عرضه في مصر.. فالأخبار التي لم تنشر بعد تؤكد أن هناك ضغوطا سعودية غير معلنة لمنع عرض الفيلم الذي يكشف عن علاقات «البيزنس» التي تربط بين آل بوش وآل سعود وآل بن لادن، وهي العلاقات التي يصرح الفيلم بأنها التي حالت دون تجنب كارثة 11/9، وتسببت في غزو أفغانستان والعراق. ولأن أصحاب الشركة لهم «مصالح» مع السعودية توشك أن تتعرض للانهيار، كان عليهم أن يأخذوا التحذيرات علي محمل الجد، ويفكروا في التخلص من هذه «الصفقة» التي تورطوا فيها بحسن نية. وكان الحل أن يلقوا بالكرة في ملعب الرقابة، ويشيعوا أنها التي تقف ضد عرض الفيلم في مصر، وغير راغبة في دخوله.. ولأن المؤمن لا يلدغ من جحر مرتين، وحتي لا يتكرر سيناريو «آلام المسيح» سارع رئيس الرقابة إلي إعلان موافقته المبدئية، حتي قبل وصول نسخ الفيلم، بل وأبدي حماسا زائدا للفيلم أخذه عليه ناقدنا اللامع سمير فريد، فكتب في مقاله الأسبوعي بجريدة «الجمهورية» (28/7) يقول: «أما موقف مدير الرقابة المصري فهو أغرب من المنع ومن الإباحة: إنه يحكم علي الفيلم قبل أن يراه (في إشارة إلي تصريح للدكتور مدكور يقول فيه إنه يوافق علي عرض الفيلم الذي يدين «البلطجة» الأمريكية) ولم يبق سوي أن يتخذ القرار من دون مشاهدته». علي أي حال قطع عليهم رئيس الرقابة خط المرور، وأفسد خطتهم بتعليق المنع في رقبة الرقابة، وأصبح لزاما عليهم البحث عن مخرج جديد.. فهل تنتهي الأزمة في مهدها، ليتفرغ رئيس الرقابة لاستقبال ميلاد فيلمه القادم.. أم يستكثرون عليه لحظات الفرح والهدوء؟! صرخات الميلاد في الواحدة من ظهيرة أمس ـ الاثنين ـ، وفي معامل مدينة السينما يدعو د. مدكور ثابت عددا محدودا من أصدقائه لمشاهدة النسخة الأولي من فيلمه «سحر ما فات في كنوز المرئيات»، وهو فيلم تسجيلي وثائقي في قالب روائي يستعرض تاريخ مصر منذ اختراع فن السينما حتي نهايات القرن العشرين، مستخدما وثائق سينمائية نادرة يوظفها توظيفا فنيا لسرد تاريخ مصر خلال قرن من الزمان. الفيلم استغرق إعداده نحو ست سنوات، حتي أنني داعبت صاحبه قائلا: إنه أطول فيلم في التاريخ، ولكنه لم يتفاعل مع المداعبة، فالخوف الذي يملؤه من رد فعل «الأصدقاء» يجعله يؤجل الابتسام، ويمنع الفرح، حتي ولو كان في شكل وعد قاطع من الموزع السينمائي محمد حسن رمزي بعرض الفيلم جماهيريا، ليكون أول فيلم تسجيلي مصري يعرض في دور العرض. وداعبته من جديد: عليك إذن أن تمنع عرض فيلم زميلك مايكل مور حتي لا ينافسك ويسرق الجمهور، فالأخبار تقول إنه حصد 39 مليون دولار في أسبوع عرضه الأول بأمريكا وحدها؟! ولم يستجب د. مدكور ـ للمرة الثانية ـ للمداعبة.. فقد كان ذهنه هناك.. في معامل مدينة السينما.. حيث يرقد «مولوده» الجديد في انتظار صرخات الميلاد! جريدة القاهرة في 3 أغسطس 2004 |
برتولوتشي: لقاء |
د. مدكور ثابت ينتظر اليوم ردود الأفعال حول فيلمه الجديد «سحر ما فات»
أيمن الحكيم |
|