شعار الموقع (Our Logo)

 

 

محاذير الرقابة علي السينما مثل الغشاء المطاطي يعوم بين اللا مساس بأمن الدولة أو بالسياسة المعاصرة سواء عن قريب أو بعيد، أو التقاليد أو الدين ثم أخيرا اللاجنس.. النتيجة إذا اتبع السينمائي هذه المحظورات هو لا دراما بالمرة في الفيلم ويصبح مثله مثل المخصيين في قفص الحريم. وإذا كان عشماوي وظيفة دائمة البقاء فالجلادون تتغير أسماؤهم فقط بينما تتساقط الرؤوس من محكوم عليه بالإعدام إلي آخر. بالمثل يظل الرقيب علي مكتبه سواء كان اسمه نعيمة أو صالح أو علي أو مدكور والأفلام هي التي تتغير وتتنوع عاما بعد الآخر. وإذا كان التخلي عن حكم الإعدام مجرد سراب مع تصاعد الجريمة والإرهاب، فأما الرقابة أصبحت لا لزوم لها في زمن الإنترنت والقنوات الفضائية والمحاكم النشطة وحقوق الإنسان وخاصة المطبعجي الذي يقرر مصير كتاب أو عامل آلة العرض أو مدير السينما الذي يراعي ذوق المتفرج بمقصه الخاص. ثم هناك لجان عليا ولجان صحافة ولجان نقابات ولجان برلمان ورجال دين يساعدون الرقابة أحيانا في اتخاذ القرارات. مما يجعلني أتساءل لماذا كل هذا الحمل والجهد بينما من الممكن اتخاذ نظام التمييز بين ما هو صالح للجميع أو يعرض تحت رعاية أولياء الأمور أو للكبار فقط وعلي المشاهد أن يقرر بنفسه النوع المناسب له أو لعائلته، وهذا الأسلوب تتبعه معظم الدول المتقدمة. هذا النوع من الرعاية أو الرقابة إذا أصررنا علي تسميتها بذلك، عادة مهمتها ليست حماية المواطن فقط، بل حماية صناعة بأكملها بالحفاظ علي حرية الرأي، أحد أسس الديمقراطية التي نسعي إليها. وسيكون هناك بالطبع من سيسيء استغلال هذه الحرية مثله مثل مخالف إشارة المرور الحمراء، سيحتقره المجتمع ذاته ومن الممكن أن يحاسبه بطرق مشروعة خاضعة للقانون، ولكن في الوقت نفسه لا يجب أن ننسي أن غالبية الفنانين ذوو وعي كاف وضمير حي ومسئول. وإن كانت الرقابة الحالية تنتابها حالة تردد وشك في قراراتها النهائية فقد نتج ذلك عن غياب علاقة وطيدة بين الرقابة وبين الفنان وتاريخه كانت موجودة قبل ذلك من أصغر الرقباء إلي أكبرهم. وأحب أن أذكر الراحلة نبيلة صقر التي كانت اهتماماتها لا تنحصر فقط في تطبيق الملحوظات قدر ما هو تبادل آراء مع صاحب العمل للوصول إلي ما يرضي جميع الأطراف دون اللجوء إلي تعهدات لمجرد هروب الرقيب الموظف من المسئولية. فالرقابة اليوم جهاز آيل للسقوط لا يحتاج إلي ترميمات بل إلي إعادة تسمية وبناء بالشكل المقترح أعلاه ليواكب الزمن الذي نعيش فيه.

تجاربي الشخصية مع الرقابة تميل إلي الطرائف أكثر من المآسي. فعادة يراقب الفيلم رقيبان أمامهما منضدة صغيرة فوقها أباجورة مكتب، كلما أضيئت أثناء العرض معناه أن أحدهم يدون ملاحظة. وأعتقد يتم اختيار من سيراقب الفيلم بالدور أو القرعة.

وإذا كان الفيلم الذي سيراقب مصريا فتجد جميع الرقباء محتشدين في القاعة الصغيرة في شوق للفيلم الجديد وأحيانا تجد طفلا أو طفلة بينهم أحضرته الأم معها. أثناء مراقبة فيلم «موعد علي العشاء» وقد تكرم رقيب الفيلم السماح لي بالحضور معهم، وفجأة أثناء العرض إذ بطفل معه كرة قد سئم من الفيلم وشاطها بقدمه لتصطدم بوجه سعاد حسني علي الشاشة وتسرع أمه تؤنبه. مؤخرا يصر أصحاب الأفلام بعرضها علي الرقباء في صالات عرض خارج مبني الرقابة بسبب قدم آلات العرض التي لديهم والتي تسبب أحيانا شروخا علي شريط الفيلم.. النتيجة أن جميع الرقباء، حتي موظف الخزينة، يتركون أعمالهم ليحضروا الفيلم المصري الجديد.. هذه ليست مبالغة من طرفي بل بناء علي واقعة حدثت حينما ذهب كاتب سيناريو ليقدم سيناريو الفيلم الجديد فلم يجد أحدا يستلمه.

فيلم «الثأر» كان يدور حول تأثير العنف علي الشاشة علي مجموعة شباب اختطفوا زوجة من زوجها وسط المدينة. وكانت عناوين الفيلم تظهر مع مشهد عنيف لفيلم كاراتيه نكتشف مع بداية الفيلم خروج مجموعة الشباب من دار السينما التي تعرضه. وكان الرقيب حينذاك أصلا رجل قانون أصر علي تطبيق قانون منع أفلام الكاراتيه وحذف المشهد بأكمله بالرغم أن المشهد يخدم فكرة القانون ذاته. وفي غيابي خارج البلاد خضع المنتج شريكي في إنتاج الفيلم لهذه التعليمات وظهرت العناوين علي خلفية سوداء.

بعد الموافقة علي سيناريو فيلم «زوجة رجل مهم» استدعيت أنا وكاتب السيناريو رءوف توفيق إلي مكتب الرئيسة لتعلق في بداية حديثها أن ربما كان من الأحسن أن تدور الأحداث في زمن عبدالناصر بدلا من السادات، أعتقد بناء علي اتجاهها السياسي، وحين خابت محاولتها وناولتنا رقم تليفون واسما لكي نتصل به فورا من مكتبها وحين لم نجد الشخص أكدت أنه في طريقه إلينا. وبالفعل ظهر مندوب عن مباحث أمن الدولة ليناقش معنا الفيلم ثم يدعونا إلي الإدارة في لاظوغلي لمقابلة رئيس مباحث أمن الدولة بالقاهرة والذي اكتشفنا فيما بعد مدي وسع أفقه وتجاوزه ملاحظات أحد رجاله المعادية للفيلم ككل ولولا تفهمه وتقديره للعمل لما حصلنا علي تعاون أجهزة الأمن خاصة في المنيا، حيث تم تصوير بعض الأحداث.

سيناريو فيلم «نسمة في مهب الريح» الذي جددت تصريحه أكثر من مرة ولظروف إنتاجية متعددة ومتنوعة، من الممكن سردها في كتاب كامل، لم يتحقق حتي اليوم ولكنه من السيناريوهات التي وقع الرقباء في حبه ومع كل تجديد كان السؤال دائما «أمته حتصوره؟». اليوم أنا في انتظار تصريح فيلمي الجديد «بنات وسط البلد» والذي من أجله سأتوقف مؤقتا عن كتابة هذا العمود.

جريدة القاهرة في 3 أغسطس 2004

كتبوا في السينما

 

مقالات مختارة

حوار صريح مع المخرج السينمائي المصري محمد خان

عمر الشريف يفوز بـ"سيزار" أفضل ممثل

جوسلين صعب:السينما التسجيلية تمنح رؤية نافذة للاحداث

ناصر خمير: أفلامي حلم... وعندما تحلم تكون وحدك

      برتولوتشي: لقاء

رندة الشهال: أهل البندقية يحبونني

تاركو فسكي: بريق خافت في قاع البئر

 

 

مخرج علي الطريق

الرقابة العذراء

محمد خان