يقف الجمهور امام قصر سينما المهرجان ليحيي النجوم والضيوف، قد يكون من بينهم شخصيات غير سينمائية.. سعد الجمهور بأن يحيي رئيس الجمهورية التشيكية السابق فاتسلاف هافيل الذي يفتخر دائماً ـ كما هو مشهور عالمياً ـ بأنه كاتب قبل كل شيء، اذا كان يذكر بثورته المخملية الهادئة سياسياً، فإنه يذكر اكثر ـ أدبياً ـ بمسرحياته التي ترجم بعضها للعربية. تلقى عادة الاضواء على النجوم والنجمة الفرنسية جاكلين بيسيه تحضر لتسلم جائزة مدينة كارلوفي فاري، قبل عرض فيلم «نهار بليل» 1973 لتروفو الذي اعتبر من اهم افلام الستينيات والسبعينيات وتتحدث عن علاقتها بالمخرج الفرنسي الكبير فرانسوا تروفو وكيف اتصل بها ليرشحها لفيلمه مفاجأة لها فلم تكن تحلم بأن تمثل تحت قيادته. كما تحدثت عن علاقتها بالنجم الاميركي فرانك سيناترا وكيف عملت معه في الفيلم «البوليس السري» وكان والدها من المعجبين بأعماله الموسيقية ـ وعملت في البداية موديلاً، واختيرت كومبارس في بعض الافلام. اما الاضواء الاعلامية الاكثر فقد القيت على المخرج الاميركي ـ البولندي الاصل ـ رومان بولانسكي في الحفل الختامي للمهرجان الذي حضره رئيس جمهورية التشيك ورئيس الوزارة، ويحييه الجمهور واقفا وهو يهرع إلى مقدمة القاعة ـ بقامته القصيرة، ليتسلم كرة الكريستال الذهبية عن مجموع انجازاته في عالم السينما. هناك افلام مهمة لمخرجين كبار تنسب اساساً لمخرجيها، ولا يذكر اسم صانعها وهو مدير التصوير. يذكر فيلم «لو.. (1968) و«أيها الرجل السعيد» (1973) للمخرج الانجليزي لندساي اندرسون، يذكر الفيلم الاميركي «هير» ـ للمخرج التشيكي الاصل غلوش فورمان وكذلك فيلمه عن لورنسارت: «اماريوس» (1984) «ولا ينسى المشاهدون فيلم القديم «غراميات شقراء» الذي يعود للعام 1965. ولكن لا يذكر المبدع صانع الصورة وهو مدير التصوير التشيكي ميروسلاف اوندريشيك الذي كرمه مهرجان كارلوفي فاري في عيد ميلاده السبعين. تعز إليه جماليات الصورة في افلام لمخرجين كبار في اكثر من دولة تشيكوسلوفاكيا واميركا وبريطانيا. تتراوح الافلام التي ادار تصويرها بين 1963 و2002. عرف بمقدرته على قراءة احاسيس الممثلين من وجوههم وقربه بحميمية من الذين يصورهم، وباتقانه توزيع الضوء بشاعرية. قبل تكريم مهرجان كارلوفي فاري له كرمته الجمعية الاميركية للمصورين واعتبرته احد اهم المصورين السينمائيين في العالم ومنحته جائزة عن كل انجازاته. وقد عرض له في مهرجان كارلوفي فاري الفيلم الاميركي «هير» (1979) اخرج فورمان ـ فيلم موسيقى رائع ولكنه يحمل ايضاً رسالة سياسية ونقدا اجتماعياً لتورط اميركا في حرب فيتنام: تكريم الراحلين عن طريق تذكرهم بأفلامهم التي اضافت الى التراث السينمائي العالمي. المخرج الارمني سيرجي باراد جانتوف لو كان قد عاش الى يومنا هذا لكان عمره ثمانين عاما، ولهذا يكرم في ذكرى ميلاده الثمانين، وقد عاش بارادجانوف وراء القضبان في السجون السوفييتية سنوات عديدة من حياته: في ظل ثلاثة حكام كما هو نفسه كان يذكر خروتشيف، وبريجينيف واندروبوف في الوقت نفسه الذي كان فيه المخرج التركي الكبير يلماز جونيه خلف القضبان، وقد وقع نخبة من المخرجين العالميين من بينهم بونويل وفيلليني التماسا لاطلاق سراحه. ولكن اللعنة لم ترفع عنه الا على يد ادوار شفرنادزى حينما كان احد المسئولين عن الحكم في موسكو، وهو نفسه مواطن لبارادجانوف حيث انهما ينتميان الى جورجيا التي اصبح شفرنادزى رئيسا لها بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، وشفرنادزى نفسه هو الذي سمح للمخرج نيجيز ابولادز بتصوير وعرض فيلمه «التويدن» في مهرجان كان، وهو الفيلم الجريء الذي تعرض لنقد السياسة السوفييتية والسخرية من احد رموزها «بيريا» وزير الداخلية. وقد سمح لبارادجانوف بالمشاركة في مهرجان موينخ السينمائي بالمانيا عام 1988، حيث جاء بأفلامه وكذا بمعرض شامل لاعماله الفنية من مشغولات ولوحات ورسوم ودمى وأزياء شعبية. اليوم بعد وفاته يدخل التاريخ، ويقام له اسبوع لافلامه في موسكو باسمه بين 23 و 28 مارس 2004، وتحول بيته في تبليس عاصمة جورجيا الى متحف ضم الى جانب «أعماله الفنية كتاباته ومشروعات سيناريوهات لم يتم تنفيذها وصل عددها الى ثلاثة وعشرين، وقد اخرج عنه الناقد الاميركي المقيم في برلين رولاند هوليداوي فيلما تسجيليا، متضمنا حوارا طويلا معه فيما كان في ميونخ. يعتبر بارادجانوف مجسدا وحصيلة لثلاث ثقافات الأرمنية والجورجية والروسية، يكتب عنه الناقد ميلان كليبكوف انه قد اكتشف فيلم «العصر الوسيط» ليس بمعنى الفيلم التاريخي عن العصور الوسطى ولكن بالمعنى الجمالي والشاعري، وفيلمه عن الشاعر سايات نوفا، الذي عاش في القرن الثامن عشر وليس في العصور الوسطى خير مثال ـ ويعتبر فيلمه «ظلال الأسلاف المنسيين» فيلما حديثا على الاقل من ناحية الشكل ـ وبعد عامين من فيلمه «لون الرمان» اخرج مع المخرج الايطالي بازوليني فيلمه ديكاميرون متأثرا به ـ وقد اعتبره النقاد بعد فيلم «ظلال الأسلاف المنسيين» 1964، احد أهم عشرة مخرجين في العالم. فيلم «لون الرمان» 1968 الذي عرض في تكريم بارادجانوف مختلف تماما عن اي فيلم انتج في كل جمهوريات الاتحاد السوفييتي وهو عن حياة الشاعر الارمني سايات نوفا الذي عاش في القرن الثامن عشر، يختلف عن كل تقاليد افلام السيرة، وهو مقسم الى ثمانية فصول نرى في اولها الشاعر. ولدا صغيرا محاطا بكتب ومخطوطات، تحرك الرياح صفحاتها، يلتقي الشاعر بعد هذا بآلهة الشعر التي تصبح حبيبته، داخل كنيسة، يطلب الشاعر من آلهة الشعر معرفة المطلق، ثم الشاعر مع أسرته واخيرا رؤيته نفسه لموته، منعت السلطات السوفييتية توزيع الفيلم الذي يجد اليوم ترحيبا في المهرجان والاوساط السينمائية المثقفة. البيان الإماراتية في 2 أغسطس 2004 |
برتولوتشي: لقاء |
كارلو فيفاري «تشيكيا» ـ فوزي سليمان |
رغم عدم فوزها بجوائز
ليست الافلام الفائزة في مسابقة اي مهرجان هي ـ بالضرورة ـ افضلها، فإن اختيارها يخضع ـ لحد كبير ـ لذائقة اعضاء لجنة التحكيم وتبقى افلام هامة باقية في الذاكرة رغم عدم فوزها ـ او تجد التقدير لدى لجان تحكيم موازية. وهذا ما حدث في مهرجان كارلوفي فاري السينمائي الدولي الاخير. فقد فاز الفيلم الروسي «شقيقي فرانكشتاين» ـ من اخراج فاليري تودوروفسكي 2004 بجائزة لجنة النقاد الدولية، وهو فيلم عن اثار الحرب النفسية والاجتماعية، رغم اننا لا نرى اي مشهد لأي حرب، ولكننا نرى ضحية الحرب حينما يعود الشاب بافيل الذي فقد احدى عينيه في الحرب الى موسكو، ويفاجأ والده به حيث انه ثمرة علاقة قديمة نسي امرها، تنقلب حياة الاسرة التي كانت تعيش في هدوء وسلام بسبب هذا الوافد الذي يعيش اعلى السطح ولكنه يزعجهم بكوابيس الحرب التي تطارده، وبما فعلته الحرب بحالته العقلية، وتصرفاته الغريبة. وفاز الفيلم الايراني «جانب النهر» ـ اخراج علي رضا امين 2004 بجائزة دون كيشوت ـ لاتحاد نوادي السينما الدولي، حيث يدور في منطقة جبلية وعرة خلال حرب الحلفاء على العراق ومحاولة لاجئين اكراد العبور من شمال العراق الى ايران ـ دراما انسانية مريعة في اختراق الممرات الصخرية ومحاولة تجنب مناطق الالغام المزروعة، وقوة الرجال الصلبة تكاد تتماشى مع الصخور الصلدة، من بين اللاجئين عروس شابة تقف عاجزة بين هذه الصخور . وحتى يصل اليها الرجال لانقاذها من منطقة الالغام تتحايل السيدات المسنات على طمأنتها بالاغاني والاهازيج وتصفيق الايادي، في حين يعلو صوت الطائرات والهليكوبتر المحلقة والمهددة بالخطر، ونخرج من صخب الطائرات واخطار الالغام.. الى فلاش باك عن الخلفيات والذكريات يجسد هؤلاء المغامرون الذين يخاطرون بحياتهم للوصول للأمان .. مأساة انسانية تدين السياسة وصناعها. لنفس المخرج الايراني الشاب ـ علي رضا امين ـ يعرض فيلم اخر سبق ان فاز بتقدير من مهرجان لوكارنو السينمائي الدولي 2003، قدم هنا في قسم «نظرة اخرى» وهو «نذف الثلج» عن حياة حارس منجم محلي في منطقة نائية ومنعزلة، وحتى يتحايل على الوحدة والضيق يتصور عالماً خيالياً من الاوهام حيال امرأة مجهولة عند الافق.. وقد يشق وحدتها حضور رجل على دراجة بخارية ببعض متطلبات المعيشة.. او مرور بعض عمال المناجم من بعيد.. وتظل «ندف الثلج» تحيط عالمهما بشيء من الشاعرية. ويفوز بشهادة تقدير خاصة الفيلم الدانمركي ، «فيما بعد» للمخرجة بابريكاشين، فيلم نفساني يتناول مأساة انهيار السعادة العائلية لزوجين ـ مهندس واخصائية اجتماعية ومحاولة لم شمل الاجزاء المتناثرة. وتذهب جائزة لجنة التحكيم الكنسية الى الفيلم الاميركي «سكان الكهف» 2004 للمخرجة ليزا شولودينكو، دراما عائلية اخرى اكثر قتامة من المأساة العائلية في الفيلم الدانمركي. فيما بعد ـ حيث تتكاتف المشاكل حول داليا.. التي هربت من زوجها الأول الذي كان يعتدي عليها بالضرب، ومات زوجها الثاني ـ مغني روك ـ في حادث سيارة مع عشيقته، زوجها الثالث مريض وتركتها ابنتاها وتعيشان مع جدتهما التي تجابه وحدة واكتئاب وكراهية، من الجيران. من خارج المسابقة الرسمية يفوز فيلم «قصة الجمل الباكي» اخراج ب. دافا ـ وهو انتاج مشترك بين المانيا ومنغوليا بجائزة قراء جريدة تشيكية كبرى، وقد قدم في قسم «نظرة اخرى، وهو عن قيام اسرة رعوية في صحراء جوبي جنوب شرق منغوليا بمساعدة انثى جمل في ولادتها المتعسرة وعملهم على انقاذ المولود وهو جمل من نوع فريد لونه ابيض ترفض امه ارضاعه، الوسيلة الوحيدة لانقاذه حسب طقوس الرعاة القديمة هو ان يحضر عازف موسيقى من بلدة نائية ليعزف له، ويرسل شابان الى المدينة لاحضاره، ويصف الفيلم رحلة الشابين عبر الصحراء وكيف واجها الحياة المدنية المتحضرة في المدينة، فيلم رشح لجائزة اكاديمية الفيلم الاوروبية. ينتهي المهرجان وتبقى افلام في الذاكرة مع عدم فوزها بأي جائزة، من بينها الفيلم الفرنسي «اطفال الكورال»، الروائي الطويل الأول للمخرج كريستوف باراتييه وقد ساعدته دراسة الموسيقى على كتابة واخراج هذا الفيلم القائم على تدريب فريق كورال ـ غناء جماعي ـ في مدرسة ابتدائية داخلية ـ لم يكن الامر سهلاً على مدرس الموسيقى الجديد، فالأولاد على درجة كبيرة من الشقاوة ـ بعضهم ايتام . ومدير المدرسة متشدد لا يؤمن الا بالشدة ويرفض وسائل المدرس الجديد في اقامة علاقة مودة وتفاهم مع الأولاد ،واكتشاف المواهب الغنائية في اصواتهم التي تحتاج منه الى صقل وتوجيه، يواجه مدرس الموسيقى المؤمن برسالته الانسانية بشقاوة بعض الاولاد التي تصل احياناً للعنف او سرقته، وتشدد مدير المدرسة.. ولكن هذا المدير امام نجاح فريق الكورال والذي اثار اعجاب كونتيسة راعية يدعي لنفسه الفضل امامها.. وينتهي الامر بنقل مدرس الموسيقى وتوديع الأولاد الحزين له.. كل هذه الاحداث تروى في فلاش باك طويل حينما يعود مايسترو عالمي شهير الى فرنسا لحضور جنازة والدته ويلتقي بزميل قديم يخبره بوفاة مدرس الموسيقى ـ الذي غير حياة المايسترو ووجهه الى حب الموسيقى، ويسترجعان ذكريات الماضي. ويبقى في الذاكرة هذا الفيلم الجميل القادم من كوريا الجنوبية للمخرج كيم كي ـ روك في انتاج مشترك مع ألمانيا ـ وهو «ربيع، صيف، خريف وربيع» فيلم تأملي في الكون والطبيعة وفلسفة الوجود من خلال العلاقة بين الانسان والطبيعة في تغير فصولها.. في الربيع يقوم راهب بوذي عجوز بتدريب ولد صغير ليتولى مكانه بعد رحيله عن الحياة.. الصيف، الولد يصبح شاباً. يقع في غرام فتاة سعت إليه من اجل خلاصها الروحي من المعبد. الخريف.. الراهب يتهرب من الشرطة بعد ان قاده الحب الى الخطيئة والجريمة، في الخريف يقوم الراهب بتدريب طفل يتيم لان يكون خلفه .. الحلقة تدور، كل هذا يجري مع تغير فصول السنة في تصوير رائع لتغير الألوان واستمرار الحياة. البيان الإماراتية في 3 أغسطس 2004 |