الدعوة لزيارة موقع التصوير في شيكاغو كانت مثالية. الفيلم الذي نزوره هو باتمان يبدأ فيلم الـ180 مليون دولار, أو نحوها( أقل قليلا, أكثر قليلا- من يعلم؟) الذي يتم تصويره حاليا في شيكاغو وحتي حين انتقال الجميع إلي بدفوردشاير في إنجلترا. إنه فيلم نموذجي علي أكثر من نحو وزيارته تأتي في وقتها تماما. المرء يريد أن يعرف كيف تتحرك هذه الحبال بالإنسان الوطواط بعدما مل مشاهدتها في المناظر الدعائية. ما هي المؤثرات الخاصة التي تستخدم خلال التصوير وما تلك التي تضاف بعدها. ثم كيف يمثل الممثل-خصوصا إذا ما كان ممثلا دراميا من صنف جيد كما الحال مع كريستيان بيل الذي يقوم بدور باتمان, دوره أمام فراغ وعلي خلفية هي عبارة عن شاشة خضراء. الزيارة كانت لساعات لكن حصيلتها الفعلية كانت بضع دقائق. الوصول والتوجه إلي الفندق. النوم. الاستيقاظ في اليوم التالي باكرا. صعود حافلة معدة خصيصا من قبل الشركة الداعية( وورنر) والمضي إلي الاستديو. كنا نعتقد أنفسنا باكرين, لكن التصوير كان قد بدأ وهناك نور أحمر علي الباب... فاتنا أول مشهد... تبتسم الملحقة الصحافية وتجيب... هناك غيره. وغيره انتظرنا ثم دخلنا والمسافة بينك وبين مكان الممثلين تحتاج إلي مكبرات نظر. عادة ما أتجنب حضور الأفلام خلال تصويرها لأنها مثل التفرج علي كعكة العيد قبل يومين من حلوله. لكننا, نحن الخمسة عشر ناقدا وصحافيا, استمتعنا أكثر حين انتهي التصوير وجلسنا إلي مائدة الغداء ليس لأن الجوع كان متمكنا منا, بل لأنه الوقت الذي يرتاح فيه ممثلو الفيلم من عناء الادعاء وارتداء شخصيات أخري وقد يقبلون, والحال هذه, علي زيارة زوارهم والتحدث إليهم قليلا. نعم, تؤكد الملحقة الصحافية, هذا سيحدث لكن كريستيان بيل عليه خلع بذلة باتمان وهذا يتطلب بعض الوقت. تساءلت إذا ما كان هناك وقت كاف لخلع البذلة والانضمام إلينا ثم العودة وارتدائها. إذا كان خلع البذلة والماكياج يتطلب نحو ثلاثة أرباع الساعة, وارتداؤهما يتطلب ساعة ونصف الساعة والتصوير سيتواصل في الساعة الثالثة, أليس من الأفضل أن يبقي باتمان علي ملابسه؟ الطامة الكبري باتمان يبدأ هو الجزء الخامس من سلسلة كان بدأها المخرج النير تيم بيرتون وأجهز عليها المخرج الذي لا يعرف الكثير جوويل شوماكر. ففي العام1988 انطلق المخرج تيم بيرتون ليصور الجزء الأول من المسلسل السينمائي المقتبس عن روايات الكوميكس الشعبية. في العام1989 تم عرض ذلك الفيلم الذي تكلف35 مليون دولار واسترجعها بومضة مسجلا إيرادا عالميا قدره314 مليونا و200 ألف دولار. البطولة في ذلك الفيلم كانت للممثل الجيد( وغير المقدر حق تقديره) مايكل كيتون. وهو عاد في الجزء الثاني الذي أخرجه بيرتون أيضا تحت عنوان عودة باتمان(1992) وهو قد كلف ضعف ما كلفه الفيلم الأول وجمع أقل بقليل مما جمع( اكتفي بـ283 مليون دولار حول العالم). هنا قرر بيرتون الاكتفاء بجزئين من الفيلم وتوجه صوب أفلام أخري فاستلم المهمة عنه جوويل شوماكر, الذي كانت لديه أولويات مختلفة. ففي حين أن بيرتون غاص إلي الجو الداكن الذي تعيش فيه الشخصيات تبعا للرسوم الشعبية الأصلية, حاول المخرج شوماكر التصرف حسبما اعتقد أن الجمهور يريد. النتيجة فيلم أكبر من حاجة هواة باتمان لأنه يخرج عن الشخصية وعالمها كما جاء في الأصل. المهم أن الفيلم الثالث من السلسلة كلف100 مليون دولار, غير لزوم الدعاية والإعلان وكلفة التوزيع, وجذب335 مليونا بفضل الأسواق الخارجية إذ سجل الفيلم أقل من نصف هذا المبلغ أمريكيا. فال كيلمر في البطولة هنا مع تومي لي جونز وجيم كاري كوجهي الشر. محاولة لوضع كل هوليوود في الصورة. الطامة الكبري كانت في الجزء الرابع باتمان وروبين. ليس فقط أن شوماكر استنفذ سريعا وسائل التشويق, بل جعل البطولة من نصيب المجرم( أرنولد شوارزنيجر) بينما وجد بطل الفيلم, جورج كلوني هذه المرة, نفسه في الصف الثاني. هذا الفيلم كلف130 مليونا وجمع من أمريكا107 ملايين ومن باقي أنحاء العالم187 مليون دولار. ولأن كل دولار تكلفة بحاجة إلي دولارين ونصف الدولار من العائدات قبل أن يتم تسجيل الأرباح فإن نتائج هذا الفيلم لم تضعه في خانة الأرباح. طاقات مستغلة هذا التاريخ الباتماني ليس فريدا في هوليوود اليوم, فالكثير من أفلام الكوميكس التي تحولت إلي أفلام سينمائية ركبت صهوة فرس يقفز مسافات طويلة حينا ويكبح حينا آخر. لكن المثير هو أن الأفلام المأخوذة عن الكوميكس في ازدياد. المسألة ما عادت سوبرمان( الذي سيعود يوما) وباتمان وسبايدر مان, أو العفريت الذي قام ببطولته في العام الماضي بن أفلك, بل هناك حفنة كبيرة من الشخصيات الأخري التي ستعلن عن نفسها. بعضها في غضون أسابيع( مثل كاتوومان) وبعضها الآخر في غضون أشهر أو سنين قليلة( باتمان يبدأ سيباشر عروضه في حزيران/ يونيو من العام المقبل). أساسا, سينما الكوميكس تستند إلي تلك الشخصيات المرسومة في مجلات شعبية ملونة. المادة المنشورة فيها ليست ببراءة دونالد اك وميكي ماوس إذ تستهدف قراء من سن السادسة عشرة وحتي الثمانين. ليست خلاعية, لكنها بالتأكيد عنيفة مع أبطال ينطلقون دفاعا عن المظلومبن والمحتاجين للنصر والمؤازرة ضد الذين يغيرون علي القانون ويطوعون الحياة علي النحو الذي يناسب مصالحهم. واللافت في معظم هذه الشخصيات, خصوصا في الشخصيات الأربع الرئيسية المذكورة, هو أن البطل ينطلق من وضع بائس أو غير مميز إلي وضع بطولي رائد. كلهم يتمتعون بقوي يكتشفونها في ذواتهم علي حين غرة: سوبرمان لا يعرف من أين جاء إلي أن يبدأ باستغلال طاقات ليست أرضية. سبايدر-مان كان شابا عاديا جدا حينما لدغه العنكبوت فحوله إلي رجل خارق. باتمان كان عاديا إلي أن وقعت له حادثة حولته إلي بطل خارق. أما العفريب أوDaredevil فبطله كان محاميا أعمي, إلي أن أصيب بمؤثرات نووية تحوله إلي مقاتل من نوع خاص. كلهم, بالتالي, ينطلقون من وضع الزيرو إلي وضع الهيرو مع اختلاف في القدرات خصوصا حين النظر إلي التفاصيل. وإذا ما كان جمهور هذه الشخصيات يحب شيئا في الحياة, فهو يحب أن يشاهد أبطاله يحققون المعجزات التي يريد هو تحقيقها ولا يستطيع. يريد أن يري أن أحدا لا يستطيع أن يسطو علي حقه من دون عقاب, وأن أحدا ليس فوق القانون, وأن الدنيا- رغم نشرات الأخبار- مازالت بخير. الجمهور ذاته ما هو لافت جدا للنظر, إنه في زمن مايكل مور والسينما التسجيلية المعبرة عن رغبة الأمريكيين في معرفة الحقائق( وهناك ثمانية أفلام أخري علي الأقل أنتجت حديثا تعمل علي منوال فيلمي مور الأخيرين باولينغ فور كولومباين و(فهرنهايت11/9) هناك مزيد من الراغبين في المضي سنوات ضوئية بعيدة في الخيال الجانح منتظرين بطلا خارقا للقوي العادية يستطيع المشاهد أن يثق بأنه سيدافع عن مصالحه ضد المعتدين. الحقيقة هي أن( فهرنهايت11/9) يتساوي و(سبايدرمان2)( المعروضان تجاريا في آن واحد وبنجاح كبير لكل منهما) من حيث إن كليهما انعكاس لحالة القلق التي تعتصر نفوس القسم الغالب من الناس في أمريكا أو في سواها. من ناحية يريدون الحقيقة ويبحثون في فيلم مايكل مور عنها, ومن ناحية أخري يريدون الهرب من هذا الواقع وتخيل واقع آخر يمكن فيه تحقيق العدالة وإنقاذ نيويورك من طغيان مجرميها وهو الوعد الذي يأخذه علي نفسه كل واحد من هؤلاء الأبطال وليس سبايدرمان وحده فقط. إنه من الجائز طبعا أن جمهور فهرنهايت11/9) ليس هو ذاته جمهور سبايدرمان-2) وباقي الشلة. لكن حتي مع هذا الاحتمال الكبير, فإن النجاح الذي حققه الفيلمان( فيلم مايكل مور الذي كلف11 مليون دولار جلب للآن أكثر من100 مليون دولار عالميا, وفيلم( سبايدرمان2) ذي200 مليون دولار تجاوز سقف الـ400 مليون دولار لليوم) يؤكد الأسباب الدافعة لمشاهدة كل منهما والإقبال عليهما كما يعزز احتمالا كبيرا موازيا وهو أن يكون قسم لا بأس به من جمهور الفيلم الأول هو ذاته قسم لا بأس به من جمهور الفيلم الثاني. والآتي أعظم. باتمان يبدأ ليس سوي واحد من العديد من الأفلام الكوميكسية التي يتواصل العمل عليها. كل ستديو لديه زمرته من هذه الأفلام* الأهرام العربي في 31 يوليو 2004 |
برتولوتشي: لقاء |
من زيرو إلي سوبر هيرو.. أمريكا تنتظر أبطال الكوميكس هوليوود: محمد رضا |
|