في هذه الحلقة الأخيرة من كتاب سينما أوليفر ستون للمؤلف نورمان كيجان نصل الى الفصل الأخير الذي نقرأ فيه تقييماً شاملا لتجربة ستون السينمائية حيث يقول كيجان:يؤكد تعليق حديث للورنس رايت كاتب سيناريو مشروع فيلم «نورييجا» المتأرجح لأوليفر ستون أن المخرج المؤلف ستون يستمر في التركيز على «تيمات» سبق ان تناولها من قبل بالتفصيل. فهو يقول: عندما كنت أعمل معه، طرح بعض الاقتراحات التي وجدتها مهمة للغاية. هناك مشهد نرى فيه نورييجا يتحدث في جامعة هارفارد. واقترح ستون ان تقترب الكاميرا جداً من عيني نورييجا. ومن هذه الفكرة ستولد كل مشاهد «الفلاش باك» التي نروي من خلالها قصة حياة نورييجا بينما يتم تقديمه. وراقتني جداً هذه الفكرة الأنيقة». وقد صرح ستون نفسه حديثاً بأن مواضيع أفلامه تأتي من ذاته، وليس من البحث في مواضيع اجتماعية أو أفكار متقدمة. وبنص كلماته فقد قال: «إنني أضع أفلامي لكي تأخذني خارج ما أنا عليه. وما تطرح أفلامي من تساؤلات تكون هي نفس التساؤلات التي أطرحها على نفسي في تلك الفترة. في حالة فيلم «ج.ف.ك» كنت أتساءل: إذا ما كنت مستعداً لعمل أي شيء من أجل الوصول الى الحقيقة فإلى أي مدى أنا على استعداد لهذا؟ هل أنا مستعد للتشكك في كل شيء وفي كل شخص؟ وعلى استعداد لأن أخسر أسرتي؟ كنت أطرح هذه الأسئلة على نفسي. إنني أستخدم الأفلام كعلامات للاستدلال على الطريق. واستخدمها أيضاً كعلاج. وأطرح التساؤلات حول ذلك أيضاً». وأفلام ستون ليست أبداً «نتاجاً» هوليوودياً تقليدياً. ولا تزال الآراء النقدية التي تتردد في الولايات المتحدة ترى أن ستون كسينمائي وفنان لديه نقاط قوة محددة ونقاط ضعف أيضاً. وباختصار تكمن نقاط قوته في العناصر التالية:أولاً الاهتمام الاجتماعي والسياسي: ويبدو أوليفر ستون كسينمائي هوليوودي ـ وحيداً في مواجهته واستكشافه بنوع من الواقعية للقضايا الاجتماعية والسياسية. ومع ذلك فقد قال عن هذا مؤخراً: «إنني أفضل عدم إثارة الضجيج. هذا صحيح. وهذا شيء لا يفهمه الناس. إن إثارة الضجيج تجعلك تصنف ضمن قالب معين. انه امر ممل. لقد صنفت تصنيفات كثيرة في حياتي.. لدرجة انني لا استطيع احياناً التعرف على نفسي». وعلى نحو ما فان فيلميه الاخيرين يجسدان بديلاً لاثارة الضجيج: «السماء والارض» فيلم من نوع السيرة الشخصية وفيلم «قتلة بالفطرة» من نوع الكوميديا الساخرة. والحقيقة فقد قدم احد النقاد تعريفاً للكوميديا باعتبارها «استمتاع العدائية بنفسها» فهل سيصبح اوليفر ستون جروشو ماركس او لينى بروس المستقبل؟ من الجائز. ثانياً الطموح الخالص والطاقة حيث تحتوي افلام ستون على طاقة هائلة فهي افلام مركبة تحتوي على شخصيات قوية ومواقف درامية. وقد قيل انه كلما كانت القضايا الاجتماعية والمشاكل التاريخية والقوى اكبر فإنها قد تتراجع إلى الخلفية. لكن المتفرج لا يضل عنها. والاهم من ذلك انه يبحث عن مناطق سينمائية اخرى. وكما قال ستيفن سكيف: «ستون باحث اصيل، مغامر من طراز عتيق ذو سمات قد يقلل من شأنها نهم عصر الالفية السعيدة العقيم، الشجاعة الجسدية والتطلع إلى السمو والجوع لتذوق كل فواكه العالم». ثالثاً الحس الاستعراضي وستون ليس مخرجاً ساكناً بل نشط وقوي واداة معرفية في صناعة السينما. ان لديه اصدقاء وله نفوذ وهو يواصل السير. يقول المنتج الهوليوودي ادوارد برسمان وهو صديق له: «ان لديه احساساً عالياً بالصناعة السينمائية.. ويعتبره الجميع عملياً جداً ومسئولاً فيما يتعلق بالميزانية.. ويجب ان نتذكر ان اوليفر حتى فيلم «السماء والارض» قدم افلاماً كثيرة جيدة. انه مبدع جداً بفطرته. وقد عمل مع كتاب جدد وكذلك مونتيرين ومصورين. لقد منح روبرت ريتشاردسون فرصته الاولى كمصور. وقدم مايكل دوجلاس قبل ان يصبح نجماً كبيراً. وايضاً توم برينجر. ومنح توم كروز دوراً جديداً تماماً عليه خارج نطاق النمطية. ولم تكن هذه الاختيارات سهلة في ذلك الوقت لذلك فالجميع يحترمون فريسته». انتج ستون ايضاً وشارك في انتاج افلام «ضياع الثروة» و«الصلب الازرق» و«الذرة الحديدي» و«جنوب وسط» و«رأس الحمار الوحشي» و«نادي الحظ السعيد» و«العصر الجديد» و«السعفات المتوحشة» (التلفزيون)، وهو ما يوضح انه ينفق الوقت والمال لكي يدفع بمشاريع جديدة متميزة. ثم الترويح للنفس، وقد عرف ستون كيف يروج لنفسه كشخصية سينمائية وهو أمر جيد من الناحية العملية. انه ليس اسماً مألوفاً كما لا يزال اسم هيتشكوك مثلاً، لكنه معروف جيداً بما يجعله قادراً على الترويج لأفلامه. (بالمقارنة مع سينمائيين حاليين ناجحين مثل ريتمان وزيميكيس وآخرين لا يحبون الظهور). وعلى نحو ما، يصل هذا إلى ذروة مضحكة في الدعاية لفيلم «قتلة بالفطرة» عندما نرى في اعلان الفيلم لقطات بالابيض والأسود مشوبة بالزرقة ولقطات بالألوان لأسرة من مسلسلات الخمسينيات التلفزيونية وشخصاً يجلس على مقعد مقطوع الرأس يهرول الى مؤشر جهاز التلفزيون لكي يضبطه على فيلم أوليفر ستون. وهناك جوانب كثيرة اخرى في أفلام اوليفر ستون يوجه إليها النقد باستمرار وتعتبر من جوانب ضعفه.أما المغالاة فهي المبالغات والتبسيط ولي عنق الحقائق إلى أقصى الحدود الدرامية، وربما كان كل سلوك انساني يصلح لأن يتحول الى فن. لكن التحدي يكمن في مفهوم المعالجة وفي وجهة النظر والضبط الدقيق. وعند ناقد من نقاد ستون المتحمسين مثل ديفيد دنبي لم تنجح المغالاة في فيلم «قتلة بالفطرة» فقد كتب يقول: الفيلم كله مجرد تعليق ولا يوجد فيه نص، طاولة مونتاج حمقاء.. كثير من المشاهد توحي بالاشتراك في القتل وهو ما يبرر الهجوم على ستون هذه المرة. انه يجعلنا نعرف كم هو جيد الشعور الذي ينتاب المرء وهو يقتل. حسن.. انني أشعر بالصدمة. ولكن ما صدمني ايضاً أن هناك قليلاً من الشعور بالأسف أو الألم تولدها مشاهدة الفيلم. ولكن بدلاً من ذلك، مزاج من المرح المجنون كما لو كان هناك بعض الأولاد البلهاء يشاهدون فيلماً من أفلام الرعب في ليلة جمعة كئيبة. لكن دنبي لم يشاهد نسخة الفيلم كما أرادها المخرج والتي يقول عنها المخرج: ان ما صورناه كان أساساً عبارة جيم موريسون التي تقول: «ألسنة اللهيب تلتهم منزل القاذورات». كان لدينا مئات من المساجين الحقيقيين الذين يقذفون الممثلين البدائل خارج الزنازين ويخنقون ويخوزقون الناس. لقد صورنا العالم بأسره وهو يتداعى». وهناك حدود أخرى. على الأقل هناك مصدر واحد نجح كما يزعم باستخدام الحركة البطيئة وتثبيت الصورة في العثور على صور دقيقة للغاية لا يمكن مشاهدتها بوضوح (لقطات سريعة جداً لجماجم بشرية وأشباح وأشكال دينية) تمر سريعاً في فيلم «ج.ف.ك» رغم ان بوسع المرء أن يجادل بأن فيلم «قتلة بالفطرة» هو مجرد تعاقب لصور لا يمكن ادراكها تلتصق بالحبكة. البيان الإماراتية في 30 يوليو 2004 |
برتولوتشي: لقاء |
مأزق البطل الوحيد سينما أوليفر ستون .. مشاكل وآفاق |
|