يتهمه البعض بالغرور، وآخرون يرونه موهوبا وواثقا بنفسه، يقرأ كثيرا ويتحدث قليلا، وضعه الجمهور في مقارنة مع الفنان رشدي أباظة، فلم تسعده المقارنة رغم الشرف الذي ناله بوضع اسمه بجانب اسم فنان كبير· بدأ محمود حميدة مشواره الفني من خلال التليفزيون ثم انصرف عنه بلا رجعة بسبب عقدة نفسية لازمته منذ الصغر، ويعترف حميدة بأنه كان يكره المخرج يوسف شاهين، ثم أحبه عندما عمل معه، ودافع عن جيل الشباب من نجوم السينما، لكنه لم يبخس حق النجوم السابقين، وأبدى إعجابه بفيلم ''جنة الشياطين'' لكنه أكد أنه لم يحقق إيرادات من شباك التذاكر، ودافع عن فيلم ''بحب السيما'' واعتبره أهم فيلم في تاريخ السينما المصرية! · يقولون إن محمود حميدة هبط على السينما بالباراشوت وأصبح نجما بين يوم وليلة؟ - لم أكن دخيلا على الساحة الفنية، لأن حبي للتمثيل بدأ منذ الطفولة، كنت أعيش في الريف وتنقلت مع والدي الذي كان يعمل مدرسا بين محافظات مصر وفي كل مكان أقمنا فيه كنت أشيد مسارح وأقدم مسرحيات مع أصدقائي وأجبر أهلي على مشاهدتها، ثم قدمت أعمالا على المسرح المدرسي وعندما التحقت بكلية الهندسة فشلت لأن اهتمامي إنصب على المسرح ثم تحولت الى الدراسة بكلية التجارة وبدلا من ان أقضي اربع سنوات في المرحلة الجامعية قضيت أحد عشر عاما اعتبرتها فترة دراسة مهمة للمسرح من خلال الجلوس المستمر مع زملائي من طلاب معهد الفنون المسرحية لدرجة أنني قرأت كل ما يدرسونه في المعهد وركزت على كتاب إعداد الممثل وقرأته وشعرت بأنني أعددت نفسي جيدا للوقوف أمام الكاميرا· · هذا يعني أنك علمت نفسك بنفسك؟ - نعم، وهذا صعب، وازعم أنني توصلت الى منهج خاص بي في التمثيل وبدأت أقف مع أصدقائي على خشبة المسرح لنقدم العديد من العروض المسرحية الخاصة بالهواه وكان يشاهدنا جمهور غفير· · متى بدأت مرحلة الاحتراف؟ - بينما كنا نقدم هذه العروض المسرحية·· شاهدني المخرج أحمد خضر الذي رشحني للعمل في مسلسل كان يصوره، ثم شاركت في أربعة مسلسلات أخرى بأدوار ربما كانت صغيرة لكنها مهمة· · ومتى كان اتجاهك للسينما؟ - دخلت مجال السينما متأخرا، عمري كان 37 عاما، عندما شاهدني مخرجو السينما من خلال التليفزيون ورصيدي الآن أصبح 50 فيلما قدمتها خلال الأربعة عشر عاما الماضية لأن عمري حاليا 51 عاما· · رغم أن بدايتك تليفزيونية·· الا انك ابتعدت عن التليفزيون نهائيا بعد أعمالك الخمسة الأولى؟ - لأنني أعاني عقدة نفسية تجاه التليفزيون، وعندما كنت طفلا·· اشترى جارنا التليفزيون فكان سكان العمارة يذهبون إليه ليشاهدوا هذا الصندوق الغريب، وكنت أرفض الجلوس معهم، وعندما اشترى والدي التليفزيون بعدها بشهر·· كان سكان العمارة يأتون ليشاهدوه، وكنت أجلس في غرفة بعيدة وأندهش من التفافهم حوله، أما سبب العقدة فهو أن هذا الجهاز الخطير بمثابة الديكتاتور، لأنه يجعل من مقدم البرنامج أي برنامج حاكما، والجمهور هو المحكوم، ولا يعطي الفرصة للمحكوم بأن يبدي رأيه، أنهم يعرضون سلعتهم على الشاشة ولا نملك نحن حق الرفض· غرور · قيل أنك مغرور وتتعالى على التليفزيون؟ - لا أتعالى على هذا الجهاز الخطير، ولا أنكر أيضا ''نعرة'' بعض نجوم السينما الذين يتعالون على التليفزيون، أما ابتعادي عنه فسببه تلك العقدة التي لا تتيح الفرصة للمشاهد لأن يرفض ما يعرض عليه، وأنا أرفض الديكتاتورية وفرض الآراء بالقوة وأعتقد أن هذا التبرير مقبول خاصة أنني لا أشاهد التليفزيون منذ طفولتي· · كنت غزير الإنتاج في بداية مشوارك ثم تراجع كم أفلامك؟ - قدمت في السنوات الثلاث الأولى من مشواري الفني 28 فيلما، وبذلت مجهودا كبيرا خاصة أنني لا أجيد تصوير عملين في وقت واحد، لذلك لم أحصل على راحة طوال تلك الفترة، وكان المخزون بداخلي كبيرا ويؤهلني لتقديم هذا الكم من الأفلام· · لماذا تراجع عدد أفلامك؟ - بعد أن قدمت 28 فيلما في ثلاث سنوات·· قدمت خمسة أفلام في عامين وهذا قليل لكنه طبيعي، لأنني كنت استنفدت المخزون الذي ادخرته، حتى أنني اتجهت الى فكرة تقديم فيلم واحد كل عام ثم فيلم كل عامين ولم استجب لكل العروض التي أتلقاها من مخرجين أو منتجين لأنني لا أستطيع تقديم شخصية لمجرد أن أحدا طلب مني تقديمها، فلابد أن يكون لدي المخزون الذي يسعفني في تقديم الشخصية، وأنا معروف بأنني لا أجامل أحدا على حساب ما أقدمه من فن· · هل حدث تحول في حياتك؟ - دخلت مجال السينما في سن السابعة والثلاثين، وبعد سن الأربعين لابد أن يحدث هذا التحول الفكري، لقد شعرت أنني لم أعد قادرا على الإبداع فجلست اقرأ وأدرس حتى أجد مخزونا جديدا يؤهلني للوقوف أمام الكاميرا مرة أخرى، فالشاعر والكاتب الروائي وكاتب القصة يقرأ ويعتمد على مخزونه الابداعي، ولابد لي كممثل من أن اقرأ وأشاهد أعمال الآخرين حتى أكون نفس المخزون لأنني أبدع من خلال عملي كممثل· · البعض شبهك بالفنان رشدي أباظة عندما ظهرت·· هل أسعدك هذا؟ - الجمهور يحلو له تشبيه فنان جديد بفنان قديم أحبه، وعندما سمعت هذا التشبيه قلت إنه يشرفني لكنه لا يسعدني، لأنني أريد أن أكون محمود حميدة، فلو كنت نسخة من الفنان رشدي أباظة فلن يقبلني الجمهور لأنه صاحب مشوار طويل وله بصمة وحتى أكون صاحب بصمة لابد أن أقدم نفسي كممثل بأسلوب مختلف· · كيف استطعت أن تفلت من سجن النمطية في الأدوار؟ - أندهش من الفنان الذي يقول وضعني المخرجون في سجن شخصية ما، فالفنان يجب الا يستسلم لاختيارات المخرجين، وأنا حتى لو قدمت شخصية الطبيب عشرات المرات،، ففي كل مرة لابد ان أقدمها بشكل مختلف، والفنان الذي يقدم الشخصية الواحدة بنفس الأسلوب هو فنان نمطي ويجب الا نعترف به كممثل، وأنا لست نمطيا· · كيف ترى سينما الشباب التي حققت نجاحا جماهيريا؟ - حتى تقول سينما·· فلابد ان تكون هناك صناعة ونحن لدينا أفلام قريبة من الجودة ونجوم هذه الأفلام أحبهم الجمهور الذي اعتبره سيد الموقف، ولا تعليق على رأيه وأنا أو غيري لا نستطيع أن ننكر الجهد الذي بذله النجوم الشباب والحب الذي شملهم به الجمهور، وهذا لا يعني ان الشباب أعلى قيمة من النجوم الذين سبقوهم، ولا يعني ان محمد هنيدي أعلى قيمة من عادل إمام، لأن شباك التذاكر هو الفيصل، والفيلم الذي يحقق إيرادات هو الذي أحبه الجمهور صاحب الكلمة الأولى والأخيرة في العمل الفني· جنة الشياطين · لكن البعض يقارن بين سينما الشباب وسينما كبار النجوم وينصفون الشباب؟ - شباك التذاكر هو الفيصل، وأفلام عادل أمام مثلا ناجحه جماهيريا بدليل أن شباك التذاكر لا يتوقف عن صرف التذاكر للجمهور، كما أنني ضد المقارنة بين هذا وذاك، لأن الجميع أمام الجمهور وهو الذي يختار الفيلم الذي يشاهده، ونجاح جيل لا يعني فشل الجيل السابق عليه· · لكنك قلت من قبل·· لا تصدقوا شباك التذاكر؟ - لم أقل ذلك، بل استند الى شباك التذاكر عندما أتطرق للحديث عن نجاح أي عمل فني، لكني اعترض أحيانا على مغالاة البعض الذين يتحدثون عن إيرادات وهمية لم يحققها الشباك· · رغم حصوله على العديد من الجوائز·· الا ان فيلمك ''جنة الشياطين'' لم يحقق النجاح الجماهيري المطلوب؟ - هذا صحيح، لأن الفيلم من نوعية الأفلام التي تنتجها هوليود والتي توضع تحت مسمى ''أفلام عالية التقنية'' ونسبة هذه الأفلام 2 في المئة من مجموع ما تقدمه السينما في العالم كل عام، وعندما شرعت في إنتاج هذا الفيلم لم أكن اعلم أني سأخسر، حتى أنني أنشأت شركة توزيع من اجله ثم فوجئت بخسارة كبيرة لكني سعيد بالتجربة لأنها فريدة واستفدت منها الكثير رغم ان الفيلم لم يحقق إيرادات من شباك التذاكر· · هل أسست شركة إنتاج من أجل أفلامك أم من أجل الآخرين؟ - اسستها من أجلي ومن أجل الآخرين، كنت في البداية أرفض خوض تجربة الإنتاج وكنت أقول إنني احترم التخصص، لكني بعد سنوات وعندما شاهدت أسماء لفنانين كبار في هوليود ينتجون· أدركت ان الإنتاج تجربة مهمة وعلى النجوم سواء كانوا كتاب أو ممثلين أو مخرجين خوضها، وشركتي موجودة لأي فنان سواء كان يقدم الكوميديا أو التراجيديا أو الاكشن، والمهم ان يتوفر في العمل الذي أنتجه الجودة· · لماذا تأخر ظهورك في بطولات مطلقة؟ - حصلت على البطولة المطلقة في ثاني أفلامي، ثم رفضتها من تلقاء نفسي لأنني كنت أقرأ الخريطة السينمائية بتأن، ومن يقرأ تاريخ السينما يجد ان هناك فترة تعتمد فيها السينما على البطل المطلق، ثم تأتي فترة أخرى تعتمد فيها على البطولة الجماعية، والفترة التي ظهرت فيها كانت السينما تعتمد على البطل المطلق وكنت ألمس التحول الذي يعتري الساحة بعد سنوات قليلة فرحبت بالبطولة الثانية، والدليل على صدق رؤيتي ان مجموعة محمد هنيدي وعلاء ولي الدين وأشرف عبد الباقي وأحمد آدم·· كانوا يظهرون سويا في عمل واحد، ثم انقسمت المجموعة ليظهر كل اثنين في عمل، ثم تحمل كل منهم بطولة فيلم بمفرده، وها هي السينما تعود في الفترة الحالية الى البطولات الجماعية، كما أنني مؤمن بأن الفيلم يجب الا يتحمل بطولته فنان واحد، لأن السينما صناعة تقوم على عمل المجموعة وليس الفرد· · كنت بديلا لأكثر من فنان في أكثر من عمل·· ألا يزعجك هذا؟ - مطلقا، لأن العمل سوف يظهر سواء بي أو بغيري، ومثلما كنت بديلا لفنان فهناك فنانون كانوا بدلاء لي، نحن في سوق، ويتم استخدامنا بشكل أو بآخر، المهم ان يقدم صاحب المنتج سلعته للمستهلك· الإمبراطور · قلت من قبل أنك السبب في نجاح الأفلام التي عملت فيها مع أحمد زكي؟ - لم أقل ذلك مطلقا لأن الجمهور شاهدني في السينما من خلال أحمد زكي، لأنه قدمني في فيلم ''الإمبراطور'' والجمهور الذي ذهب ليشاهد الفيلم·· ذهب ليشاهد أحمد زكي لأنه لم يكن يعرفني، ثم خرج من دار العرض وهو يعرفني، ولابد ان نعطي كل ذي حق حقه· · كيف ترى عملك مع المخرج يوسف شاهين؟ - لم أكن أحب أفلام يوسف شاهين، وقلت له ذلك في أول لقاء جمعني به عندما طلبني للعمل معه في فيلم ''المهاجر'' وكان رد يوسف عليَّ هو انه لا يحب التعامل مع الجهلاء الذين يعتقدون أنهم نجوم لكنهم ''حمير'' وعندما عملت معه أحببته فهو مخرج صاحب خبرة كبيرة يستفيد منها كل من يعمل معه· · هل يطيب لك تقديم سيرة يوسف شاهين الذاتية في أفلامه؟ - لابد من تصحيح خطأ وقع فيه النقاد والجمهور، يوسف شاهين لم يقدم سيرته الذاتية في أفلامه، هو يعيد تقديم مشاهد مضى عليها سنوات وهذه المشاهد عاشها مع والديه أو مع أساتذته، انه يعيد إنتاج أشياء قديمة بشكل يتناسب والعصر الحالي· · وماذا عن دورك في فيلم ''إسكندرية - نيويورك''؟ - أجسد شخصية مخرج في سن الخامسة والأربعين تعلم في نيويورك ثم عاد ليعمل في بلده مصر· · هل تختار المخرج الذي تعمل معه؟ - الفنان الذي يختار المخرج الذي يعمل معه لا يقدم الا أفلاما رديئة، فالمخرج هو الذي يختار الفنان لأنه الوحيد القادر على تحريكه، فالممثل لا يحرك المخرج، لكن المخرج يحرك كل فريق التمثيل، وأعرف بعض النماذج لفنانين يختارون مخرجيهم وتكون النتيجة أفلاما رديئة· · هل تتدخل في العملية الإخراجية ولو بالرأي الاستشاري؟ - الممثل رهن المخرج، وعندما تدور الكاميرا يترك الفنان نفسه لقائد العمل وهو المخرج لأن دوري كممثل هو صناعة الشخصية وتقديمها للمخرج ليصورها بالشكل الذي يراه مناسبا حتى لو كان المخرج لا يعرف شيئا فهذه ليست مسؤولية الممثل· · تعترض دائما على مصطلح ''سينما المقاولات'' رغم اعترافك بأن أفلاما ضعيفة موجودة في الساحة؟ - البعض ربط بين المقاولات والأفلام الضعيفة، وعلينا ان نعلم ان أي فيلم قوي أو ضعيف هو ''مقاوله'' فالمخرج يذهب الى المنتج ويقدم له السيناريو ويطلب منه ميزانية معينة وتلك مقاولة، أي ان المخرج يقاول المنتج على الفيلم، ثم يذهب المخرج الى النجم ليقاوله، ويستوي في ذلك مخرج الأفلام الضعيفة أو القوية· · ألم تقدم أفلاما ضعيفة؟ - قدمت أفلاما ضعيفة ولست نادما عليها، لأنني لست السبب في ظهورها بهذا الشكل الضعيف، فالمسؤولية على المخرج والممثل يقدم الشخصية جاهزة للمخرج والأخير يطوعها بالشكل الذي يتناسب مع العمل الفني· · البعض انتقد فيلم ''بحب السيما'' بماذا ترد؟ - فيلم ''بحب السيما'' أهم فيلم قدمته طوال مشواري الفني، كما انه اهم فيلم قدمته السينما المصرية على مر تاريخها، لأنه أول فيلم يستعرض حياة اسرة مسيحية بهذا الشكل، والانتقادات التي وجهها البعض للفيلم سببها حالة الصدمة التي احدثها ''بحب السيما'' أما الجمهور فلم يتوقع مشاهدة عمل بهذه الجرأة· · وأين أنت من المسرح؟ - حبي للفن ارتبط بالمسرح، لكني ابتعدت عنه لانني لم أجد المنتج الذي ينفق بسخاء على نص مسرحي، وأتمنى الوقوف على خشبة المسرح من خلال عمل قوي ومنتج س الإتحاد الإماراتية في 31 يوليو 2004 |
برتولوتشي: لقاء |
محمود حميدة:
جميل حسن |
|