شعار الموقع (Our Logo)

 

 

يكاد يكون بينالي السينما العربية الذي نظم معهد العالم العربي بباريس دورته السابعة الشهر الماضي، النافذة الوحيدة لعرب المهجر للاطلاع على ما وصلت اليه نتاجات السينما العربية، وهو في الوقت نفسه همزة الوصل التي تربط حضاريا المتلقي الغربي ومصادر التمويل بصناع السينما العربية الجديدة، مما يساهم في تعزيز اواصر العلاقة بين السينمائيين العرب والاجانب الذين كان حضورهم لافتا بالمهرجان بغية استقطاب اعمال السينما العربية وعرضها في مهرجانات وملتقيات واسابيع سينمائية متخصصة، وشراء نخبة من الاعمال وعرضها من على شاشات القنوات التلفزيونية التي تهتم بانماط الحياة وتفاصيل الواقع في الضفة الجنوبية من حوض البحر الابيض المتوسط.

وعلى هذا الاساس القت السينما التسجيلية التي حققها صناعها في العديد من الدول العربية ومن بينها دول غير متمرسة بمثل هذا النوع من الصناعة، بظلها على اجواء بينالي السينما العربية الذي اشرفت عليه د. ماجدة واصف، كون هذا النوع من الافلام يعبر عن صدف وعفوية صانعية ونظرتهم صوب تحقيق افلام جريئة تخالف السائد من الافلام التجارية، وبتعابير حقيقية تتوجه بحرية وافتتان المخرجين باعمالهم الاولى، مما جعل اغلبيتها تمثل نقطة اتصال والتقاء بين مبدعين ومنتجين ومخرجين متمرسين بالصنعة لما تمنحه من هوية وذائقة، ويدخل في تجريب فني مكتنز بتضاريس الطبيعة وفي اعماق التاريخ والاسطورة وكمغامرة جريئة تقتحم مناطق مليئة بالاشتباك الداخلي او في ساحة الحرية وطموحات واحلام صانعيها، كل ذلك بفهم فني اصيل محمل بالوان المشاعر الانسانية النبيلة.

حضرت في البينالي مجموعة لا يستهان بها من الاعمال التسجيلية والروائية القصيرة، انجز بعضها بامكانيات فقيرة بسيطة والاغلبية منها بدعم وتمويل اجنبي بهدف الاخذ بايدي المخرجين الشباب.

وتأتي ذروة الاهتمام بالفيلم التسجيلي من قبل القائمين على البينالي لان الافلام التسجيلية اصبحت منذ وقت قريب نوعا سينمائيا يعرض في الصالات السينمائية ويحقق نجاحات مؤكدة «اخرها فيلم «فرنهايت 11/9» لمايكل مور الحائز على السعفة الذهبية بمهرجان كان الاخير» ومثله في ذلك ايضا الفيلم الفرنسي «الكون والملكية» الذي عرض مؤخرا بعمان ضمن واحد من نشاطات البعثة السمعية البصرية في السفارة الفرنسية.

تنتمي اغلبية الافلام التسجيلية الروائية المشاركة، الى مدارس وتيارات السمعي البصري الذي تتسابق عليه القنوات الفضائية والمحطات التلفزيونية في القارة الاوروبية، وتدعمه من خلال بث تلك النتاجات المحملة بالرؤى والافكار الخاصة عن هموم وقضايا الناس البسطاء في بلدانهم الاصلية.

اقيمت الندوة على هامش العروض، وشارك فيها من الاسماء المكرسة بحضورها اللافت والذين اضاءوا جوانب خفية من صنعة الفيلم التسجيلي والضرورات التي ادت بهم الى الاتجاه صوب مناقشة تلك الموضوعات بعيدا عن الابهار الذي تتحكم فيه عناصر وعوامل الانتاج الضخم مما يقود العمل الى مصيره المحتوم، التجاهل والنسيان.

اكدت مجموعة الافلام التسجيلية المشاركة على ان الحروب بشتى اشكالها لم تستطع ان تخفي وراءها لمسات رفيعة من المستوى الفني والمهني، وفي هذا الاطار شاهدنا في قسم مسابقة الافلام التسجيلية الطويلة افلام: «اغترابات» للجزائري مالك بن اسماعيل عن المعاناة النفسية في واحد من مستشفيات الجزائر المخصصة لمعالجة مرض وحالات خاصة من الاعاقة الذهنية وكيف يواجه الاطباء والعاملون بالمستشفى مثل هذا الواقع الصعب في تعاملهم اليومي رغم صعوبة الحلول المقترحة، ولم يكن غريبا ان يحظى الفيلم بالجائزة الاولى في المسابقة، وكان هناك ايضا مواطنه جان بير ليدو بفيلم «الجزائر واشباحي» حيث تجري وقائع الفيلم ما بين عامي 1998 و1999، حينما يزور المخرج مدنا فرنسية عديدة لعرض افلامه والحديث عن بلده ويلتقي بشخصيات كثيرة تشاركه آراءه حول الوجود والاستعمار الفرنسي للجزائر والتعايش الديني في اجواء من التسامح والمواطنة وكل شخصية لها جرح ودوافع خاصة بها بالتعبير عن ارائها بالوقت الراهن باحثة عن هوية لها داخل وطنها الجزائر، رغم انحدارها من قوميات واديان شتى، ونال الفيلم احدى الجوائز الرفيعة وتقديرا خاصا من لجنة تحكيم المهرجان.

ويسطع فيلم «اجتياح» لمخرجه نزار حسن القادم من الاراضي الفلسطينية المحتلة العام 1948 موثقا بابداع راق مكتمل الصنعة عندما يكشف جندي اسرائيلي شارك في اجتياح مخيم جنين مختبئا خلف بلدوزر، عن التفاصيل المروعة التي اضافت الى ركام البيوت هدما لاحلام الفلسطينيين البسيطة وحكاياتهم المحملة بالامل.

وتأتي اهمية فيلم «اجتياح» الذي نال الجائزة الثانية بالمهرجان لقدرته على النفاذ الى ضمير العدو والنبش فيه دافعا اياه الى تحمل مسؤوليته الاخلاقية والانسانية.

وبدرجات متفاوتة من الجودة والتوهج برزت مجموعة اخرى من الافلام القصيرة نذكر منها: «خلقنا وعلقنا «لعلا طبري» سريدا امرأة من فلسطين، لتهاني راشد، «طنجة حلم المغامرين» لليلى كيلاني من المغرب، «برلين بيروت» لميرنا معكرون، من لبنان، «يعيشون بيننا» للمصري محمود سليمان، «مجرد مدينة» للسوري المقيم بالدنمارك هشام الزاعوق «ايسر البحار» للتونسي هشام بن عمار، و«يوم في بنسيون القاهرة» لعلية البيلي.

كما برزت في المهرجان مجموعة اخرى من الافلام الروائية القصيرة بعضها جاء يقطر فطنة وذكاء، ويبشر بمستقبل واعد في حفل السينما الروائية الطويلة، مثلما كان بفيلم «يلكون اطلنتكو» للمغربي هشام فلاح ومواطنه محمود الشريف، وفيه يصوران لقاء مجموعة من الرجال والنساء يوميا ساعة الغروب على كورنيش البحر وهناك تتولد قصص حب وتنتهي قصص اخرى على خلفية واقع صعب قاس وظروف، لا قدرة لاصحابها  على تحملها.

وتقدم اللبنانية جوانا حويج توما وخليل جريح فيلمها المشترك «رماد» عندما يقرر شاب ان يدفن والده على طريقته الخاصة بحرق جثمانه ورمي رماده بالبحر رغم مخالفة اقاربه له حسب التقاليد المتبعة، ومن فلسطين جاءت تجربة فيلم «كأننا عشرون مستحيل» لمخرجته الشابة آن ماري جاسر وفيه تبرز محاولة فريق من السينمائيين الفلسطينيين عبور الحواجز العسكرية متحدين نقاط تفتيش الجنود الاسرائيليين بغية الوصول الى مدينة القدس، لكن القمع الاسرائيلي الوحشي يكون لهم بالمرصاد دون اي تمييز بين فلسطينيي العام «67» والعام «1948».

جاءت الافلام القصيرة! «جوهرة» للاماراتي هاني الشيباني، «متيران مات» للتونسي هادي ساسي «انا والاخر» للسعودية هيفاء المنصور، «مومو مامبو» للمغربية ليلى مراكشي، «نظرة للسماء» لكاملة ابو ذكرى، «على جناح السلامة» للمغربي عزيز سلمي، «متر مربع» للسوري وليد حريب، «ليلة» للمصرية سعاد شوقي، «الرقصة الابدية» للفلسطينية هيام عباس، لتعكس اهتمام صانعيها بالتجريب الشكلي، وتسعى الى تأطير العواطف ورسم حدودها عبر التشكيلات والصياغات المرئية السمعية، حتى ان الاغلبية منها جاء شديد الاقتراب من قامات سينمائية رفيعة ومفعمة بالوان من العواطف الثرية ومتعة اكتشاف الصور التعبيرية المحملة بالقضايا الاساسية في مصائر الناس واحلامهم المجهضة.

الرأي الأردنية في 27 يوليو 2004

كتبوا في السينما

 

مقالات مختارة

حوار صريح مع المخرج السينمائي المصري محمد خان

عمر الشريف يفوز بـ"سيزار" أفضل ممثل

جوسلين صعب:السينما التسجيلية تمنح رؤية نافذة للاحداث

ناصر خمير: أفلامي حلم... وعندما تحلم تكون وحدك

      برتولوتشي: لقاء

رندة الشهال: أهل البندقية يحبونني

تاركو فسكي: بريق خافت في قاع البئر

 

 

الافلام التسجيلية في بينالي السينما العربية بباريس:

مواهب جديدة تطرح القضايا الساخنة بجرأة

ناجح حسن