هناك من لاحظ الشبه الماثل, إلي حدما بين براد بت وروبرت ردفورد. إلي جانب أن كليهما أشقر الشعر, وهذه صفة مهمة, هما يتماثلان قليلا في التركيبة الآرية للوجه. مثلا لو قيل إن روبرت ردفورد هو عم براد بت( وفي هذه الحال سيكون اسمه براد ردفورد) لكننا صدقنا خصوصا من شاهد منا فيلم نهر يجري خلاله الذي أخرجه ردفورد من بطولة بت في العام.1992 وقبل عامين ونصف شاهدنا لعبة جاسوسية, هذه المرة براد بت وروبرت ردفورد معا علي الشاشة في فيلم تشويقي من إخراج توني سكوت.وبذلك, هما متشابهان من حيث أن وسامتهما لم تكن المسئولة وحدها عن وصولهما إلي الشهرة. كل منهما, تستطيع أن تقول, موهوب. الآن من هو الموهوب أكثر؟ هذا ما يتطلب بحثا وليس مقابلة, وبالطبع لا تستطيع أن تسأل فنانا عما لو كان فنان آخر أفضل منه.ولد ويليام برادلي بت في1963/12/18 في بلدة اسمها شوني (علي اسم القبيلة) في ولاية أوكلاهوما( وهو اسم قبيلة هندية أخري كشأن العديد من أسماء الولايات الأمريكية). ظهر في مسلسل دالاس سنة1987 ثم لعب في أيام المجد سنة1990 التي, بعكس دالاس, لم تعش طويلا علي الشاشة الصغيرة. وتسلل إلي السينما بفيلم من بطولة نسائية هو ثلما ولويس الذي كتبته اللبنانية الأصل كاري خوري وأخرجه ريدلي سكوت. دور بت فيه كان دور شاب يلتقي بالمرأتين المتمردتين ويشاركهما جزءا من رحلة الطريق. روبرت ردفورد اختاره لدور رئيسي في الفيلم الذي أخرجه بعنوان نهر يجري خلاله وبراد بت, طازج في خبرته ومستعد لممارسة كل ما يستطيع ليثبت أنه أكثر من لمعة في سماء الشهرة, أدي دورا جيدا في تلك الدراما. وتوالت الأدوار بعد ذلك. من كاليفورنيا إلي رومانس حقيقي ومن مقابلة مع مصاص الدماء( سرق الضوء من توم كروز) إلي سليبرز وأساطير الخريف. وكان أفضل ما في فيلم سبعة أيام في التيبت( الي جانب مناظر التيبت) ووقف أمام مورغان فريمان في سبعة أحد أفضل الأفلام البوليسية الداكنة في السنوات العشر الأخيرة. طروادة آخر أفلامه إلي الآن كان جديدا عليه. نفخ صدره و-بطريقة ما- صارت له عضلات شوارتزنيجر وبطريقة أخري أقنع المشاهدين بأنه الممثل المناسب لدور الإغريقي القوي الذي يهابه الجميع والذي سيقع في حب تلك الطروادية التي من أجلها سيخوض حربين واحدة ضد قومها والثانية ضد قومه هو. هذا اللقاء الثاني مع براد بت إذ التقينا حين عاد من المغرب حيث صور لعبة جاسوسية وجلس يحدثني عن إعجابه بالمغرب وعما اشتراه من هدايا وأغراض إلي أن قاطعته لكي أخرج من تلك المقابلة بحديث عن الفيلم ذاته. هنا اللقاء كان مباشرا أكثر وبراد بت منسجم مع نسيم لطيف يهب علي الحديقة التي جلسنا فيها بعد ظهر يوم من أيام كاليفورنيا المشمسة. · طروادة حقق نجاحا كبيرا منذ أن بدأ عرضه في مطلع الصيف وإلي اليوم, لكن كلفته الكبيرة تمنع البعض من الفرح علي أساس أن الكلفة هضمت الإيراد... هل توافق علي ذلك؟ - لا علم لي بهذا الموضوع لأن الفيلم ليس من إنتاجي, لكن أعتقد أن ما تذكره ربما كان صحيحا لأن الأفلام في هذه المرحلة وخصوصا الأفلام التي هي علي شاكلة طروادة وترميناتور... أقصد أفلام أكشن تاريخية أو مستقبلية تكلف كثيرا. لكن الجميع علي ما أعلم سعيد بما حققه الفيلم. · ما الذي دفع الناس لمشاهدة الفيلم؟ أنت أم القصة؟ - صدقني لم أقم بإجراء إحصاء في هذه المسألة( يضحك)... هل فعلت؟ لا لم أستفت أحدا وأعلم أنك لم تقم بإحصاء لكن... نجاح الفيلم في نظري يتعلق بالتشكيلة الكاملة التي يوفرها... الإلياذة الإغريقية إلي جانب المشاهد التاريخية الكبيرة إلي جانب ممثليه وأنا لست سوي جزء واحد منهم وإلي جانب مخرجه. الناس ترغب في مشاهدة أفلام لم تعد هوليوود تقدمها إلا نادرا. وهذا في رأيي سبب نجاح الفيلم. ربما هناك من شاهده فقط لأجلي ولو أنني أشك في ذلك. · هل تعتقد أن الناس اليوم لا زالت بحاجة إلي أبطال ميثالوجيين؟ - نعم أعتقد أننا بحاجة اليوم إلي الإلهام وإلي من يرشدنا إلي الطريق. لهذا الغرض ندفع إلي المقدمة بزعماء لنا. نؤسس لهم ونضعهم في المناصب المطلوبة. لهذا السبب التاريخ موجود لأجل أن نتعلم منه. من ناحية أخري لابد أن نحلل كلمة بطل ونعرف ما هو المقصود به. · تحدثت إلي بيتر أوتول قبل أيام وأخبرني كم كان سعيدا بالتمثيل معك في المشهد الذي يقع بينكما قبل نهاية الفيلم. كيف تري اللقاء بينكما من وجهة نظرك؟ - المشهد مع بيتر أوتول كان ذروة المشاهد بالنسبة إلي. ليس هناك أفضل من هذا مطلقا. لهذا السبب أنا ممثل, لسبب أن أقف مع ممثلين رائعين مثل أوتول. إنه دقيق وقوة طبيعية وراو جيد. ولا أستطيع أن أفيه حقه من المدح لو حاولت. إنه ممثل رائع وكان لي شرف التمثيل أمامه. · هل صحيح ما ذكر في بعض المطبوعات إنك عرضت علي المخرج وولفجانج بيترسون التمثيل عاريا من دون أن يطلب منك ذلك؟ - هل تقصد المشهد الذي يتم في الخيمة عندما أبدأ بتجهيز نفسي للقتال؟ المشهد كما كان مكتوبا ينص علي أنني أجهز نفسي للقتال. لا يذكر كيف بالتفصيل. ووجدت أن القيام به علي هذا النحو لن يخدم الإيحاء بما تم في الليلة الماضية بينه وبين الفتاة التي كانت معه. نعم اقترحت تعديل المشهد بناء علي ذلك. هل كتبت الصحف أنني أحب الظهور عاريا؟ · لا. لكنها مدحت المشهد ما يجعلني أسألك إذا ما كنت تمثل وفي بالك الجمهور بشكل أو بآخر؟ - إذا قلت لا أكون بعيدا عن الحقيقة. ما يحدث هو أن الممثل يدرك موقف الجمهور مما يقوم به لكنه يبدي ما يراه صحيحا ومناسبا للدور. · مشهد كهذا لم يكن ليتم لولا ثقتك بأن الجمهور سيقبله. ربما احتل الجمهور حجما من القرار في بالك... - لا. إذا كنت تقصد أنني فعلت ذلك لأن الجمهور يريد أن يشاهدني عاريا فهذا غير صحيح. · الكل يتحدث عن براد بت الجميل والوسيم والرشيق إلي درجة أن هناك برنامجا تلفزيونيا يبحث عن الأولاد الشبيهين بالنجوم وبعضهم تقدم علي أساس شبهه بك. كيف تجد ذلك؟ - أجده غريبا. شيء منفر أن يتم إنتاج برنامج قائم علي هذه الفكرة والأكثر غرابة أن تسمح العائلات بإرسال أولادها للاشتراك في هذا البرنامج. أشعر بالأسف لهؤلاء الأولاد. أشك في أننا سنصل إلي عصر الكربون وصنع النسخ من الممثلين المشهورين. · لكن المسألة هي في الانطباع الذي يتركه النجم بين الناس. هناك انطباع بأن النجم هو, مثل شخصية أكيليس التي لعبتها, خالدا. هل تعتقد ذلك؟ - لا أدري إذا كان هناك تشابه بين هذا الوضع وبين أكيليس في الإلياذة. لكن دعني أبقي في اليوم والحاضر. أتوجه فيما أقول إلي الجيل الجديد وأريد أن أتحدث عن جولي كريستي التي مثلت دورا صغيرا في طروادة. جولي كريستي واحدة من أفضل أيقونات الستينات والسبعينات. شاهد لا تنظر الآن وشاهد د. زيفاجو والكثير من أفلامها آنذاك. لكن أين هي الآن؟ لا أعتقد أن هناك خلودا للنجم. كلنا سنمضي. كلنا سنتحول إلي كنا. ربما هذا هو التشابه بيني وبين شخصية أكيليس. كلانا يهرب من الموت لكن لا يعرف في أي إتجاه لأن الموت محيط بنا من كل جانب. لا أريد أن أموت لذلك, ومن دون شعور, أعمد إلي البقاء حيا في البال وعلي الشاشة وفي كل وسيلة أراها تحفظ هذا الوهج. لكن في ذات الوقت أنا واقعي وأدرك أن( الرئيس) جورج واشنطن لا يكترث- حيث هو الآن- إذا ما تم تسمية أحد الجسور باسمه أو لا. · المخرج بيترسون يقول أيضا إن طروادة يتحدث عن الحرب الحاضرة في العراق. ما رأيك أنت؟ - إنه من العجيب كيف أن الأفلام في مجموعها تعكس حالة شعور عام بين الناس. مثلا الأفلام التي تتحدث عن نهاية الأرض كل فيلم منها يبتكر طريقة مختلفة للحديث عن كيف ستزول الدنيا. ربما لو أخذنا كل فيلم علي حده لسخرنا منه, لكنها جميعا تعكس الكثير من المخاوف أو ربما من الأفكار أو التوقعات المرتبطة بما يدور حولنا. غلادياتور قبل ثلاثة أعوام فتح الطريق أمام طروادة والأفلام الأخري القادمة في هذا المجال. وهي أفلام حربية مستقاة من التاريخ لكني- نعم- أعتقد أن وجودها اليوم نابع من التفكير في التاريخ ومن التفكير في الحروب الحاضرة. من هذه الوجهة نعم الفيلم يتحدث عن الحرب في العراق لأنه يطرح مسألة من هو ذلك العدو الذي نواجهه ولماذا نواجهه؟ · كيف تجيب عن هذا السؤال؟ - أجيب بأني لا أعلم. · ما رأيك في الحرب علي العراق؟ - لقد ذكرته. أعتقد أنني لا أقف مع أو ضد الحرب علي العراق بل أقف ضد الحرب. الحرب علي أي شيء لأي غرض. · هناك مسئولية كبيرة بالنسبة لممثل ناجح عليه تحملها بسبب أن العديدين ينظرون إليه معجبين به كمثل أعلي... لقد ذكرنا ذلك البرنامج حول الأولاد الذين يشبهون براد بت أو توم كروز أو سواهما. وأنا معك إنها مسئولية العائلة والتلفزيون في تقديم أعمال أجدي من هذه, لكن ما مسئوليتك أنت كنجم؟
- أعتقد أن المسئولية الكبري هي أن لا أضيع وسط كل ذلك. هذا أولا.
ثانيا, أن أبحث عن مشاريع تثير اهتمامي كفنان. هذه
الاختيارات هي التي ستبقي
لي. هذا ما أقصده. ما يناسبك قد لا يناسبه أو ما تبحث عنه قد لا يبحث عنه هو. إنها مسألة اختيار وصحيح كلامك أن الاختيار صعب. حين مثلت طروادة امتنعت عن الحياة العادية والسفر ودراسة المشاريع الأخري لعام كامل. هذا أيضا من أوجه الصعوبة في الموضوع. لكني مقتنع بأنني لا أنفع نفسي إذا اخترت أدوارا لست مؤمنا بها. أدوار لا تتطلب البحث والجهد. ودائما أقول, إذا ما كان هذا الدور يثيرني فإنه بالتأكيد يثير البعض أيضا وهذا كاف لي. · هل نحيد قليلا عن طروادة والنجومية والمسئوليات؟ - أنت تقود. · هل تشترك وزوجتك جنيفر أنيستون في تبادل الآراء حول المشاريع التي تعرض علي كل منكما؟ - نعم لكن في الخطوط العامة أكثر من التفاصيل. · مثلا هل كان لك رأي في قرار اعتزالها مسلسل أصدقاء؟ - أعتقد أن قرار إيقاف أصدقاء لم يكن قرارها بل قرار المحطة. لكنها رحبت كثيرا به لأنها كانت حبيسة جدوله الزمني الذي منعها من النشاط سينمائيا. من هذه الناحية كنت موافقا معها علي أن إيقاف أصدقاء يمكن جدا أن يكون بداية مرحلة جديدة لها. · هل أنتما في وارد المزيد من الأعمال أم في وارد تأليف أسرة وقد أصبحت الآن قادرة علي التفرغ لذلك الهدف إذا شاءت؟ - نحن الآن نمر بوقت مريح جميل ونحاول أن نؤسس اتجاها جديدا لنا. ونحن مقبلون علي تأسيس عائلة. هذا هو الطبيعي بالنسبة إلينا ونحن في هذا الوارد فعلا. · هل نشأت في صرح عائلي؟ - دعني أقول لك شيئا. لم نكن من عائلة سكنت المدينة. لم نكن من الجنوب ولم نكن من منتصف الغرب الأمريكي, وأنا قرأت مقالات تقول إنني من هذه البقعة أو تلك. لكننا كنا من الهضاب... من سكان الضواحي الريفية. كانت المنطقة التي نشأ فيها( الخارج علي القانون) جسي جيمس والمنطقة التي خرج منها مارك تواين. والدي كان من النوع القوي الصامت. وحين نطق شيئا كان عادة مصيبا فيه وحكيما. ووالدتي كانت الرغوة اللاصقة التي تربطنا جميعا ببعضنا البعض. كانت ذات قلب كبير ودفء وهي فعلا آلت علي نفسها رعاية كل منا علي حدة وعلي نحو متساو. وكانت تصر كل ليلة علي أن تدخل غرفة كل منا نحن الصغار قبل أن ننام وتقضي وقتا بالقرب منا... لا أقصد وقتا قصيرا تحسبه بالدقائق, بل وقتا حقيقيا... نصف ساعة أو ساعة. هذا كله ترك انطباعا عندي لا أستطيع أن أنساه. هذا ما أسهم في نشأتي. · هناك مشروع لك لا أذكر عنوانه الآن لكن الصور التي نشرت لك قبل عامين أظهرتك بلحية كثة... ما الحكاية؟ - تقصد فيلم النافورة. · أهكذا كان أسمه؟ - نعم. النافورة مشروع جيد مع المخرج دارن أرونوفسكي الذي أعتقد أنه واحد من المخرجين الذين سيكون لهم شأن كبير. وهذا المشروع ملكه. لقد أمضي عليه نحو أربع سنوات إلي الآن محاولا إنجازه. ووافقت عليه في مرحلة مبكرة. لكن كلفته أخذت ترتفع مع كل نسخة جديدة من السيناريو... ترتفع وترتفع... حتي وصلت إلي100 مليون دولار. هذا لأنه كان مشروعا طموحا ويستحق العناية. كان يتحرك قدما علي الرغم من أن السيناريو لاتزال فيه هفوات معينة. وكنت متحمسا له ومؤمنا به لذلك كان قرار إلغاء إنتاجه قرارا مؤلما للمخرج ولي شخصيا. لكني سعيد أن المشروع عاد إلي التحرك من جديد. · إذن سيكون فيلمك المقبل. - لا. سيقوم هيو جاكمان ببطولته. · قبل قليل ذكرت جولي كريستي كممثلة أعجبت بها... من هم الممثلون الآخرون الذين أعجبت بهم حين كنت في بدايات عهدك بالسينما؟ - دعني أقول لك المزيد عن جولي كريستي. كانت إلهامي. كانت حبي في تلك الآونة. كنت أخشي أن يكون في السيناريو مشهد حب بيننا علي طريقة أوديب... تستطيع أن تري أنها مازالت امرأة رائعة وعاطفية بالنظر إلي عينيها. حين ظهرت معها أردت أن أشيح بوجهي لكي أمنع نفسي من الذوبان. · واو... - واو حقا. هناك جاك نيكولسون وروبرت دوفال, وأحب أن أمثل مع روبرت دوفال إنه مثير للدهشة. وهناك كريستوفر وولكن ومارلون براندو. تمنيت الوقوف أمامه حقا.. ولكن أخذه الموت. · ماذا عن الأفلام؟ أي أفلام أثرت بك؟ - كثيرة. كان هناك دوغ داي أفترنون مع آل باتشينو وطار فوق عش المجانين مع جاك نيكولسون وبوتش وسندانس مع روبرت ردفورد وبول نيومان. · أخيرا, هناك مشهد من طروادة تسأل فيه ما الذي تحارب من أجله, ما الذي تريده فتجيب هذه طبيعتي. طبيعتي تريد الأكثر. في الحياة نفسها ما الذي تريده أكثر؟ - نعم... نعم... أريد أكثر. كلنا نريد أكثر. لا أعرف حقا ما الذي أقصده بذلك لكن هناك ذلك الخاطر الذي يقول لك: مازلت أريد المزيد من هذا الشيء. وهذا الشيء يختلف من شخص إلي آخر. بالنسبة إلي أريد المزيد من هذا الشيء ولا أعرف ما هو* الأهرام العربي في 24 يوليو 2004 |
برتولوتشي: لقاء |
براد بت يتحدث إلي الأهرام العربي عن الأفلام والأحلام والحب: أشعر بالضعف والذوبان أمام جولي كريستي! هوليوود: محمد رضا |
سينما ... جدار محمد رضا قبل نحو خمسة عشر يوما تم عرض فيلم تسجيلي أخرجه “اسرائيلي” اسمه سيمون بيتون، من يهود شمال إفريقيا الذين ولدوا في فلسطين بعد هجرة ذويهم اليها. الفيلم يتحدث عن الجدار الذي تبنيه “اسرائيل”. وهناك مشهد من الفيلم تقبع فيه الكاميرا بصبر على الجانب “الإسرائيلي” من الحائط وهو يُبنى. أراض تمتد بخضارها وجمالها صوب الأفق. ثم تتقدم الجرّافة فتحمل كمية كبيرة من الإسمنت وتلقيه في المكان الذي سيبنى فيه الحاجز. جزء من الصورة الجميلة يختفي. تبتعد الجرافة وتأتي بكمية أخرى من مواد البناء وتلقيها فوق الأولى. جزء أكبر من الصورة الجميلة يختفي. في المرة الثالثة تأتي بكمية أكبر من مواد البناء وتلقيها فيما تبقى من فجوة. يختفي المنظر بأسره ونكتشف أننا أصبحنا أمام سد. سد أمام الحياة. وسد يدوس على أرض الفلسطينيين ويمنع عنهم الاتصال والتواصل ويعزلهم كما لو كانوا ماشية مُصابة عليها أن تموت، ومن الأفضل أن تموت ببطء. طبعاً الفلسطيني لن يموت لكن جزءاً كبيراً من معاناته يكمن في الإعلام العربي ذاته. هذا الإعلام ليس أنه فشل في السابق في توفير المناخ الصحيح لنصرته وكسب التأييد العالمي، يا ليت. الطامّة الكبرى أنه لا يزال يفشل في ذلك. لا شيء في صورتنا الإعلامية تغيّر كثيرا بعد 11/9 عمّا كان الحال عليه قبل 11/9 والسبب هو أننا لم نتعلم شيئا يُذكر. ليست هناك بدائل مطروحة ولا أرضية لطرحها. من اللافت مثلاً، أن الجدار يُبنى ونحن قابلون به (أليس السكوت علامة الرضى؟). القدس، كمشروع لقاء روحي بين الأديان الثلاثة وكموقع للمسجد الأقصى، يُبتلع تدريجياً إنما بثبات، ونحن ننتظر أن نصوغ بياناً يندد. الجرّافات هدمت والقناصة قتلت والصواريخ قصفت وألوف الفلسطينيين ودّعوا الحياة البائسة راوين الأرض بدمائهم النبيلة ونحن أصدرنا ما استطعنا إصداره من بيانات. “اسرائيل” تقتل ونحن نطلق بيانات. هم يفعلون ونحن نتكلم. هم يحرزون ونحن ننسحب. هناك حركات عالمية اليوم تؤكد على التفرقة بين ما هو صهيوني وبين ما هو يهودي. نحن نعرفها منذ أن كنا صغاراً بفضل دروس القومية العربية التي هضمناها، لكن الغرب كان يخلط بين الاثنين بتشجيع من الدعاية الصهيونية المركّزة. الآن، استوعب الغرب، وجزء من ذلك يعود الى يهود معارضين، أن الفاصل شاسع بين الصهيونية وبين اليهودية. تستطيع أن تكون صهيونيا بصرف النظر عن ديانتك لكنك لا تستطيع أن تكون يهودياً وأنت مسيحي او مسلم او بوذي. ولعل تقاعس المثقفين العرب يضعهم -في أفضل الأحوال- في خانة حائرة. لكن ماذا عن تقاعس السياسة العربية بأسرها؟ لا. ليس المطلوب أن نبدأ حرباً خاسرة، لكن المطلوب بسيط جداً ولا يكلف كثيراً: الانضمام الى باقي العالم بحضارة فكرية شاملة. أن نعطي أمثلة للعالم بأسره ونكون نموذجاً يقتدى. وهذا يأتي عن طريق حرية الإبداح والمبدعين وتشجيع الكتاب والثقافة وأنواع الفنون وتشجيع المخرجين لتحقيق أفلام ليس مطلوباً منها دائما وأبداً أن تتحدث عن فلسطين او عن أي وضع سياسي... فقط أن تأتي فنية. ذات مضمون اجتماعي وثقافي متكامل. أن تخرج الى العالم. تغزو المهرجانات. تكون حديث الصحف وتوزّع لاحقاً في الصالات (السينما الإيرانية فعلتها- بل الأفغانية تفعلها). ليس عليها أن تطرح همومنا السياسية لكن عليها أن تكون صادقة والأهم مدعومة برضى البلد الذي تنشأ فيها لكي تصيب هذه الأهداف المنوطة بها. بحرية المبدع وحرية الفكر نصادر البروباغاندا “الاسرائيلية” بل نهدم الجدار اللعين الذي تبنيه.. لأن هذه نقلة حضارية تتواصل وتلتقي بالحضارات الإنسانية الأخرى. وهو ما نحن بحاجة اليه لكي نبدأ باستلام زمام أمورنا ونفعل شيئا عوض أن نبقى مفعولا به. الخليج الإماراتية 25 يوليو 2004
|
كيف ابتلع الصيف السينما؟ محمد رضا الذين هم فوق الثلاثين من أبناء العواصم التي عرفت العروض السينمائية طوال الوقت، يتذكرون كيف كان الوضع عليه في السابق. فصل الصيف ليس للعروض السينمائية. في بيروت كانت هناك صالات تقفل أبوابها في الصيف. كانت تلك الصالات التي تقع في الضواحي أو في الحارات خارج الأسواق التجارية. طبعاً كانت هناك صالات المصايف التي كانت تفتح أبوابها في الصيف. واحدة في صوفر، اثنتان في بحمدون، واحدة في عاليه. لكن صالات البلد، وسط البلد كما صالات شارع الحمراء، كانت لا تقفل طبعاً انما تبدّل عروضها. عوض أن تحرق أفلاماً جديدة تعرض بعض قديمها. تمر من أمام تلك الصالة لتنظر الى ما تعرضه فتجد ملصقا لفيلم كنت شاهدته في الشتاء الذي مر، تدرك أنك في فصل الصيف حينها. لا داعي للسؤال عن السبب. الجمهور أخذ فرصة والناس خرجت الى البحر والجبال والمصايف او سافرت شرقاً وغرباً (وغرباً أكثر من شرقاً) اذاً لا أفلام جديدة حتى النصف الثاني من أيلول/ سبتمبر. وكما كان الأمر في بيروت كان شبيها له في القاهرة وعمّان وبغداد وسواها، وكان الأمر ذاته يحدث في لندن وباريس وروما وأثينا وحتى، الولايات المتحدة، الصيف كان الموسم الميّت. ثم، في العام ،1973 جاء ستيفن سبيلبرغ وعرض “الفك المفترس” (كما تُرجم اسمه بتصرّف). فيلم عن البحر. عن الصيف. عن الشواطىء. عن أولئك الناس الذين يتركون المدينة في الصيف ويهجرون الصالات، وعن سمكة قرش تقتنص منهم لأنهم فعلوا ذلك! فجأة الناس لم تعد تستطيع أن تفوّت فيلماً كهذا دون أن تشاهده حتى ولو كان الموسم صيفاً. فوجئت يونيفرسال، التي أنتجته، بنجاحه. انتبهت هوليوود الى أن هناك معادلة تتغير. ومن يومها، صار الصيف مهماً لهوليوود واذا كان مهماً لهوليوود فهو، في عصر القرية الكونية، مهم حتى في موسكو. طار التقليد الصيفي وتم استبداله بأضخم العروض. الآن لا يمكن اطلاق أفلام بضخامة “سبايدر مان2” او “اليوم بعد التالي” او “طروادة” في الشتاء، يبرمجون أفلامهم المقبلة قبل عامين من عروضها ويبرمجونها صيفاً. مشيت قبل أيام في الشانزليزيه. وقبل ذلك بأسبوع مشيت في ادجوار رود في لندن. هذا الثاني بات سائقو التاكسي هناك يسمّونه بيروت الصغيرة. وفي الحالتين تتلاطمك اللهجات العربية من كل حدب وصوب. وتستعرض الحياة نفسها أمام عينيك بسرعة 24 صورة في الثانية. فيلم سينما. ثم هناك الشيشة والشاورما والحلويات والأولاد الذين يلعبون الكرة على الرصيف والرجال ذوو السيجار والرجال ذوو الهواتف النقالة كل ذلك لماذا؟ لأن هناك حراً في البلاد. حر لا يحتمل. على حر أوروبا هذه لا تزال أفضل. لكن هل تعني الاجازة وعملية الهروب من الحر أن تقضي الوقت في المقاهي نهارا وفي الملاهي ليلاً؟ واذا كنت لست من زبائن الملاهي، هل يعني كل ذلك النزوح أن تمضي الوقت وأنت تزرع المسافة بين الشقة التي استأجرتها من السمسار والشارع العربي القريب؟ ألا يخالجك يا أخي المسافر الى تلك البلاد المتقدمة في ضروب الفن شعور بزيارة متحف؟ ألا تشعر بفضول لمعرفة ما يعنيه المسرح؟ لماذا مسرحية “صيد الفأر” لأجاثا كريستي لا زالت تعرض في لندن من 35 سنة؟ الا يضايقك أنك لا تعرف شيئا عن لوحات أحد؟ ليس فقط لا تعرف شيئا، بل لا تريد أن تعرف شيئا؟ الا يضايقك أن تصرف القليل والكثير وتسلي نفسك كيفما اتجهت وتأكل وتشرب وتبحث عن الأصدقاء والسلوى ولا تحاول أن تشاهد فيلما غير أمريكي لن تراه لا في بيروت ولا في دبي ولا في القاهرة ولا في الدوحة أو عمّان أو تونس؟ زمان كانت هناك مواسم صيفية، لكننا جميعا كنا نصيّف. الآن اكتشفنا أنه كان علينا أن نستفيد من حياتنا على الأرض على نحو أفضل، لكننا لا زلنا نصيّف. الخليج الإماراتية 1 أغسطس 2004
|