من المشاهد التي يعتبرها المشاهدون العاديون شيئا مسلما به في الافلام السينمائية تلك التي يتعرض فيها الممثلون والممثلات للمخاطر او يقومون فيها باعمال وحركات صعبة او مستحيلة كالسقوط من فوق المباني العالية، واندلاع النيران بأجسام الممثلين، والسقوط من صهوة حصان يعدو بسرعة، والمطاردات في السيارات السريعة، واصطدام السيارات، والعراك بالأيدي، والقفز من قطار سريع، والسقوط نتيجة التعرض لاطلاق نيران الاسلحة والانفجارات. ومع ان الفنيين العاملين في السينما حققوا نجاحا مذهلا في استخدام المؤثرات الخاصة والخدع السينمائية لتصوير المشاهد والاحداث الخارقة كالزلازل والاعاصير والحرائق وانهيار المباني وتحليق المركبات في الفضاء وغير ذلك من احداث بحيث تبدو طبيعية للمشاهد، فان هناك ادوارا محفوفة بالمخاطر يتعين ان يقوم بها ممثلون وممثلات مهما بلغت صعوبتها وخطورتها. وفي معظم الأحيان يحل محل نجوم الفيلم وممثليه في مثل هذه المشاهد ممثلون متخصصون بالادوار الخطرة. انهم نخبة صغيرة نسبيا من الممثلين المغامرين الجريئين المعروفين باسم «البدلاء» والذين لا يتعدى عددهم في هوليوود عاصمة السينما 500 شخص، بينهم عدد كبير من النساء. ولا يزيد عدد المحترفين المتفرغين منهم بصورة دائمة لهذا العمل الخطر عن 150 ممثلا وممثلة. ولا بد لمن يريد القيام بدور البدىل في السينما ان يجيد جميع الادوار الخطرة كالاشتراك في المشاجرات والعراك بالأيدي والسقوط من فوق المباني العالية وركوب الخيل والسقوط من فوقها وقيادة السيارات والدراجات النارية السريعة في مختلف الظروف والاحوال. فالبديل يحل محل ممثل الفيلم في المشاهد الخطرة لانه يجيد دوره في مثل هذه الحالات اجادة تامة نتيجة للتخصص والتفرغ والخبرة والمراس والأهم من ذلك نتيجة للتحضير والاعداد المسهب. اي ان البديل عبارة عن خبير يمكن الاعتماد عليه عند تصوير هذه المشاهد المحفوفة بالمخاطر. فهو يعرف ما ينبغي عليه عمله وكيف وأين ومتى يقوم بذلك. ويتم اختيار بعض البدلاء والبديلات بحيث يكونون مشابهين لممثلي الفيلم ويرتدون ملابس مماثلة لملابسهم عندما يحلون محلهم في تصوير مشاهد العنف والخطر. ويتم تصوير المشاهد السينمائية التي يظهر فيها البدلاء بحيث يتم اخفاء هويتهم. وقد درجت العادة في عصر هوليوود الذهبي في عقدي الثلاثينيات والاربعينيات من القرن الماضي ان يكون لكل نجم او نجمة سينمائية بديل او بديلة يشبهانهما في الطول والمظهر العام ويرافقانهما مع طاقم الفيلم عند تصوير مشاهده الخارجية. وقد قطعت صناعة السينما شوطاً كبيراً في التدابير المتعلقة بحماية البدلاء وضمان سلامتهم اثناء العمل. ففي فترة الثلاثينيات من القرن الماضي ما كان على مخرج الفيلم الا ان يطلب من البديل ان يلقي بنفسه من فوق صخرة شاهقة الارتفاع عند قيامه بدور هندي احمر اطلق عليه النار او من فوق مبنى في فيلم لرعاة البقرة، فاذا بالبديل يفعل ذلك في الحال ودون تردد، ودون توفير تدابير احتياطية كافية لحماية البديل. ومن الطبيعي ان مثل هذه الاوضاع تسببت في الكثير من الحوادث التي ادت الى مقتل واصابة الكثيرين من البدلاء. الا ان صناعة السينما طورت منذ ذلك الوقت نظام حماية للبدلاء نتيجة للتقدم التكنولوجي وصدور العديد من القوانين والأنظمة الحكومية في الولايات المتحدة والنفوذ المتزايد للنقابات المهنية وفي مقدمتها نقابة البدلاء في السينما. وقد تم تأسيس هذه النقابة في العام 1961 للدفاع عن حقوق البدلاء وتنسيق نشاطاتهم. وينص النظام الداخلي لهذه النقابة على ان عضويتها «مؤلفة من المحترفين البارعين المدربين جيدا الذين لا يعتقدون ان هناك تحديا لا يمكن التغلب عليه او فكرة لا يمكن تنفيذها». وينتمي اعضاء نقابة البدلاء في هوليوود ايضا الى عضوية نقابة ممثلي الشاشة الاميركية. ويستخدم في كثير من افلام المغامرات المثيرة التي تتطلب عددا كبيرا من البدلاء منسق للبدلاء يكون مسؤولا عن تنسيق وتنظيم جميع الحركات الخطرة التي تحتاج الى بدلاء، كما يقوم باختيارهم والاشراف على ادوارهم في الفيلم. ويطلق في بعض الاحيان على منسق البدلاء في الفيلم لقب مخرج الوحدة الثانية.
وقد تم على مر السنين تطوير اجهزة ومعدات جديدة
ادخلت تدابير
للتخطيط والاعداد للمشاهد التي تتعرض فيها حياة البدلاء للخطر بمزيد من
العناية
والدراسة. فعلى سبيل المثال، عندما يسقط رجل في الفيلم عن صهوة جواد متحرك
ويبدو
للمشاهد ان الحصان يجر الرجل خلفه على الارض لان قدمه تظل
عالقة في ركاب الجواد،
تكون قد سبقت ذلك عملية تحضير طويلة لحماية راكب الجواد. اذ يرتدي قبل التقاط
المشهد جهازا تحت ملابسه يربطه بحزامه ويتصل عن طريق حبل غليظ بسرج الجواد.
ويمكن
لهذا الشخص ان يفلت قدمه من الركاب متى شاء. كما يتم تمهيد
الطريق الذي يعدو عليه
الحصان وتزال منه الحجارة واغصان الشجر ويفرش بطبقة اصطناعية لينة قبل التقاط
المشهد. كما يستخدم في مثل هذه المشاهد عادة حصان مدرب لمثل هذه الاغراض.
ورغم
الصعوبة المقترنة بهذه العملية فهي تخلو من الخطورة التي قد
تبدو للمشاهد. ويتمتع الممثل البديل بخصائص مشتركة كثيرة مع الرياضي المحترف. فهو يتدرب بصورة متواصلة للمحافظة على لياقته البدنية، ويتعين عليه ان يجيد عمله اجادة تامة، ويتمتع بالكثير من المهارات الجسدية. وهناك عشرات المعاهد والمدارس لتدريب البدلاء منتشرة في عدد من الولايات المتحدة الاميركية ويدرس فيها عدد كبير من البدلاء القادمين من دول عديدة. كما ان هناك قاعة لمشاهير بدلاء هوليوود في بلدة مؤاب بولاية يوتا تضم لوحات لعدد من مشاهير البدلاء ومتحفا يضم مجموعة من المعارض التي تبرع بمقتنياتها عدد من كبار نجوم هوليوود الراحلين مثل جون وين وجيمس ستيوارت وستيف مكوين وجين كيلي. وبين مشاهير البدلاء الذين تضمهم هذه القاعة ياكيما كاتوت الذي يعد اشهر بديل في تاريخ السينما بسبب الانجازات المذهلة التي قدمها في عشرات الافلام السينمائية، ومن اشهرها قفزاته الحية وتنقله بين مجموعة من الجياد وفصلها عن العربة المسرعة التي كانت تجرها اثناء انطلاقها في فيلم رعاة البقر الشهير «مركبة الجياد» رائعة المخرج جون فورد في العام 1939 والذي كان يحل فيه محل بطل الفيلم النجم السينمائي جون وين. وبين اعضاء قاعة مشاهير البدلاء ايضا هال نيدهام الذي تحول فيما بعد الى الاخراج السينمائي وقدم مجموعة من افلام المغامرات المشحونة بحركات البدلاء المثيرة كفيلم «هوبر» الذي يتعلق بحياة البدلاء وقام ببطولته زميله الممثل بيرت رينولدز، وهو بديل سابق، وادى بيرت رينولدز جميع الحركات الخطرة في الفيلم بدون الاستعانة ببديل. وقد تمسك عدد من مشاهير الممثلين المعروفين بميولهم وخلفياتهم الرياضية ولياقتهم البدنية باداء جميع الادوار الخطرة في افلامهم دون الاستعانة بالبدلاء. ومن اشهرهم قاطبة الممثل بيرت لانكاستر الذي كان بهلوانا في سيرك قبل الانتقال الى المسرح والسينما، وبرع في قفزاته الجريئة وحركاته المثيرة في عدد من افلام المغامرات كأفلام «القرصان القرمزي» و«الشعلة والسهم» و«ترابيز». ومنهم ايضا نجم السينما الصامتة دوجلاس فيريانكس الاب الذي اشتهر في افلام المغامرات الصامتة مثل «الفرسان الثلاثة» و«لص بغداد» و«روبن هود». ومنهم بطل السباحة الاولمبي جوني ويسمولر اشهر ابطال افلام طرزان والراقص جين كيلي والممثل ستيف مكوين والممثل بيرت رينولدز الذي بدأ عمله كبديل، كما اشرنا سابقا. وقد تسبب اصرار بعض الممثلين على اداء الادوار الخطرة والشاقة وعدم الاستعانة بالبدلاء في تعرضهم لاصابات خطيرة ووفاتهم كما حدث للممثل كلارك جيبل الذي وافته المنية بعد تصوير مشاهد فيلمه الاخير «الناشزون» متأثرا باصابته بنوبة قلبية بعد ان اصر على بذل مجهود بدني مضن في مطاردة وسحب الخيول وهو يقارب الستين سنة من العمر بدلا من الاستعانة ببدلاء في تلك المشاهد. وقد عرض الفيلم بعد وفاته. ويذكر ان فيلم «الناشزون» كان آخر افلام النجمة السينمائية مارلين مونرو ايضا. كما حدث ذلك لممثل آخر من اشهر نجوم عصر هوليوود الذهبي وهو تايرون باور الذي توفي في اسبانيا في العام 1959 بعد اصابته بنوبة قلبية نتيجة الجهد الذي بذله على صهوة حصان خلال تصوير الفيلم التاريخي «سليمان وشيبا»، مع انه كان في الخامسة والاربعين سنة من العمر. ولم يكمل تايرون باور الفيلم وحل محله في بطولة الفيلم بعد وفاته الممثل بول برينر، ومن المفارقات ان والد الممثل تايرون باور، وهو تايرون باور الأب، توفي في ظروف مشابهة لوفاة ابنة اثناء تصوير مشاهد فيلم «الرجل المعجزة» في العام 1931. _________________ * ناقد سينمائي اردني جريدة الحياة في 7 مايو 2004 |
برتولوتشي: لقاء |
البدلاء في الافلام السينمائية: اللعب على حبال الموت محمود الزواوي * |
|