إذا كان الحلم الأمريكي من الممكن أن يتحقق علي موائد القمار في لاس فيجاس، فهوليوود بالنسبة للبعض وسيلة أخري لتحقيق هذا الحلم. طريقه وعر وطويل، والنجاح فيه إذا تحقق قد يحدث فجأة دون سابق إنذار أو رويدا رويدا بعد كفاح مرير، ولو أن الموهبة أحد شروطه إلا أنها قد تكون استثنائية أحيانا كثيرة. ولكن هوليوود هذه التي أكتب عنها هي هوليوود الاستوديوهات التي ليست إلا فروعا لمؤسسات عالمية تمتلك وتحتكر وتسيطر. لا يمكن إنكار أن هوليوود تمثل أيضا نافذة للعالمية يسعي وراءها الآلاف... خليط من المواهب الحقيقية أو مدعي الموهبة أو خبير الإتجار بالموهبة.. النجاح في دفاترها يساوي الثراء الفاحش والفشل هو الضياع الكامل. ولو أن السينما المستقلة في هوليوود اليوم تكاد تمثل صناعة في حد ذاتها إلا أنها تتنفس تحت شبح الكيان الأكبر الذي يحدد نسبة نجاحها وإذا تعدي نجاح أي تجربة هذه النسبة استحوذتها فورا لتمحو مظاهر استقلالها. وإذا كانت قصص الناجحين كثيرة فقصص ضحاياها أكثر ومنهم اخترت هذه القصة: في أبريل 1996 انتحر المخرج «دونالد كاميل»، بطلقة رصاصة من مسدسه صوبها إلي رأسه مسببا نزيفا بطيئا قبل الموت. أول شيء طلبه من زوجته وهي في حالة ذعر شديد هي وسادة لتضعها تحت رأسه حتي لا يلوث السجاد الذي استلقي عليه، وبينما أسرعت الزوجة المسكينة اتصالاتها بمن يمكن إنقاذه، التقط مرآة صغيرة ليراقب تعبيرات وجهه وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة.. مخرج حتي النهاية. كان «دونالد كاميل»، من أصول أسكتلندية وعائلة ميسورة الحال جذبته السينما أولا في إنجلترا ثم هوليوود بدايته كانت اشتراكه في الإخراج مع «نيكولاس رووج»، (مدير تصوير يخوض تجربته الأولي أيضا)، بفيلم أداء PERFORMANCE عام 1970 فيلم جريء في تعامله مع الجنس والجريمة في إطار لندن الستينيات والتحولات التي طرأت بالمجتمع من الثورة الموسيقية علي يد البيتلز والرولنج ستونز وظهور موجة السينما الجديدة إلي التمرد الأخلاقي بين الشباب «جنس حر /الماريوانا / الميني سكيرت»، اكتسب الفيلم شهرة عريضة عبرت به المحيط إلي هوليوود، خاصة لوجود «مايك جاجر»، قائد فرقة الرولنج ستونز في دور البطولة. الجدير بالذكر هو فيلم «ستانلي كيوبرك الأشهر «الآلة البرتقالية»، CLOCKWORK ORANGE في العام التالي، الذي تعامل مع الجنس والعنف وحتي لغة الشباب كإنذار للمستقبل. بهذه البداية أعلن «دونالد كاميل»، تمرده علي السينما السائدة ولم يتمكن من الانفراد في في الإخراج حتي عام 1977 بفيلم بطولة «جولي كريستي»، في قالب خيال علمي «بذور الشيطان»، DEMON SEED عن اخصاب كمبيوتر امرأة لتنجب عبقريا. هذه الخرافة خاصة إيراداته المتواضعة أوسعت الهوة بين المخرج وهوليوود إلا أنها لم تستطع أن تتغاضي عنه واضعا في الاعتبار تقييمه الفني في أمريكا وأوروبا. فبعد تسع سنوات أتاحت له هوليوود أن يخرج مرة أخري بفيلم «بياض العين»، WHITE OF THE EYE «1987» مطمئنة لسيناريو ينتمي إلي الفيلم البوليسي، إلا أن هذا لم يحجب عالم «دونالد كاميل»، المميز والكابوس الذي فرض نفسه بالفيلم وأكد خصوصيته كمخرج في أعين النقاد. بالرغم من قلة أعماله وتهميش هوليوود له فقد استطاع بعد خمس سنوات في عام 1992 أن يجد جهة إنتاجية لفيلمه التالي، أوهمته بمساندة طموحاته الفنية. الفيلم هو الجانب المتوحش WILD SIDE مرة أخري في إطار غامض وبأسلوبه المميز في خلق جو من التوتر بين الجنس والجريمة قدم فيلما قد يبدو تقليديا إلا أنه شديد الخصوصية، التراجيديا الحقيقية كانت حينما اكتشف «دونالد كاميل»، بعد تسليمه الفيلم تجاهل الشركة المنتجة للنسخة التي قدمها وقامت بإعادة مونتاجه بغرض إبراز الجانب الجنسي ثم الاكتفاء بتوزيعه علي أشرطة الفيديو مما أدي في النهاية إلي انتحاره. بعد أربع سنوات من رحيل «دونالد كاميل»، تشجعت شركة توزيع أخري لاقتناء حقوق الفيلم والاستعانة بالمونتير الأصلي له وأعادت توليفه إلي النسخة التي تمثل رؤية المخرج الراحل. جريدة القاهرة في 4 مايو 2004 |
برتولوتشي: لقاء |
مخرج علي الطريق: أنياب هوليوود: الثمن محمد خان |
|