شعار الموقع (Our Logo)

 

 

في خضم موجة افلام الاثارة والاكشن يأتينا فيلم درامي هادف ليخالف توقعات اكبر المتشائمين برؤية عمل جيد يحترم عقل المشاهد ويقدم له مادة ثرية تعيده الى التفكير في شئون حياته اليومية وتربطه بواقعه الحياتي بشكل مباشر «21 غراماً» دراما اجتماعية فلسفية تحاور مسألة الحياة والموت والحب والكره من خلال قصة وسيناريو بديعين، ولا نشك ولو لحظة واحدة ان منتج هذا الفيلم لديه وعي تام بما يفعله ولا ينتظر ارباحا مادية .والا لسقط في اشكالية العائد المادي، متابعو هذا الفيلم يحتاجون الى نفس طويل حتى يتمكنوا من تحمل الصورة الانسانية والحوار الشاعري العميق وتشابك المشاهد وتداخلها فلا تعرف اين البداية من النهاية الى ان يصل الحدث الى المنتصف فتبدأ في تجميع اللقطات من جديد لتمضي مع الاحداث، فقد تعمد السيناريو بعثرة المشاهد وكأننا بصدد عمل بوليسي يتكتم على حبكة غامضة ليأسر المتفرج حتى النهاية، ولذلك فإن المتفرج لا يفهم شيئا من المشاهد الاولى .

ويظل السياق غامضا لما يقارب الثلث الاول من احداث الفيلم الى ان يتم الربط بين الشخصيات، فمن خلال الشخصيات في ثلاث أسر لا يعرف بعضهم البعض يتشابك الحدث حيث نتابع في البداية شخصية «جاك» الانسان المتمرد على الحياة الذي يقضي معظم فترات حياته في السجن جراء عمليات النصب والسرقة التي يقوم بها، الى ان تتاح له فرصة الاصلاح من خلال ناد اجتماعي يعمل فيه، وتنقلب حياة «جاك» من الفوضى لان يكون انسانا آخر متدينا يراعي الرب في كل خطوة يقوم بها، ويأخذ زوجته وطفيله الى الكنيسة ويعلمهم آداب الحديث والمعاملة.

وفي الجانب الآخر نتابع شخصية «بول» مريض القلب الذي يقضي ما تبقى من حياته اسيرا لسرير المرض وانابيب الاكسجين بانتظار عملية زرع قلب سليم، وفي مشاهد اخرى نتابع جانبا من حياة اسرة مستقرة لزوج وزوجة وطفلتين جميلتين، غير ان الحدث الفعلي يبدأ اثناء عودة «مايك» مع طفلتيه حيث يتعرضون لحادث سير على الطريق جراء دهسهم من قبل سيارة مسرعة، ويهرب الفاعل من مكان الحادث قبل ان يراه احد.

تاركا الطفلة الصغيرة تحتضر مع انه بامكانه انقاذها، هذا السائق لم يكن سوى «جاك» الذي كان متوجها الى الكنيسة، وهنا تبدي هذه الشخصية حنقا على الرب الذي ساعده على العودة الى الطريق الصحيح واهداه سيارة، هذه السيارة هي التي تسببت في دهس رجل وطفلتين بريئتين، ويدخل «جاك» صراعا مع نفسه وينتهي الى قرار بتسليم نفسه الى الشرطة، غير ان زوجته تعترض على ذلك مذكرة اياه بانتظار طفليه وحاجتهما الى وجوده، بينما تتفتح الحياة امام «بول» الذي ينتظر قلبا سليما، ويجده في جسد اصيب بسكتة في الدماغ.

ويعود هذا القلب «لمايك» والد الطفلتين القتيلتين، وبقدر فاجعة زوجته «كيرش» بموت طفلتيها وزوجها الا انها توقع على وثيقة تبرع بقلب زوجها، ويستفيد «بول» من هذا التبرع وتعود له آماله بفرصة حياة جديدة، غير انه يصر على معرفة هوية المتبرع الى ان يعرف القصة ويتقرب من الشابة الارملة «كريس» الى ان ينجح في التودد اليها بحجة ان يشكرها فقط، الا ان العلاقة تأخذ طريقا اخرا، وتغضب كريس عندما تعرف سبب تودد «بول» اليها.

وتثور لاستغلاله لقلب زوجها ودخول بيته وجلوسه مع زوجته، وعندما تسوء حالته وينصحه الاطباء بالراحة لانه يحتاج الى زراعة قلب اخر يرفض ان يظل تحت سطوة القدر ويخرج ليمارس حياته بشكل طبيعي، وتعود «كريس» الى ذكرياتها مع عائلتها ويعاودها شعورا بالانتقام من القاتل خصوصا عندما تعلم انه كان بامكانه انقاذ حياة ابنتها الصغرى لولا هروبه،.

ويندفع «بول» ليحقق رغبة «كريس» لكنه يتردد في مقتل «جاك» ويأمره بالابتعاد عن المدينة بأكملها، غير ان هذا الاخير يقع في مسألة تأنيب الضمير ويحاول الانتحار، لذلك يعود الى بيت كريس ويطلب من «بول» ان يقتله وينهي حياته، اثناء ذلك يقدم «بول» على اطلاق النار على نفسه ويتم نقله الى غرفة العناية المركزة، ليجد المشاهد نفسه امام شخصيات قوية تتعامل مع القدر رغم قسوة النتائج.

الفيلم يقدم رؤية فلسفية لمعنى الحياة والموت وكيف ان الناس لا يفكرون في هذه المسألة بشكل جاد الا عندما يقعون في ظروف مرضية او حوادث مفاجأة، كما انه يمر على عملية زراعة القلب واذا ما كان القلب بحد ذاته هو المسئول عن العواطف وتوجيهها، الفيلم يحمل اسقاطات كثيرة ويمكن للأسرة مجتمعة ان تتمتع بأوقات جيدة شرط ان لاينفذ الصبر من اول دقائق للعرض.

البيان الإماراتية في  2 مايو 2004

كتبوا في السينما

 

مقالات مختارة

حوار صريح مع المخرج السينمائي المصري محمد خان

عمر الشريف يفوز بـ"سيزار" أفضل ممثل

جوسلين صعب:السينما التسجيلية تمنح رؤية نافذة للاحداث

ناصر خمير: أفلامي حلم... وعندما تحلم تكون وحدك

      برتولوتشي: لقاء

رندة الشهال: أهل البندقية يحبونني

تاركو فسكي: بريق خافت في قاع البئر

 

 

لمتتبعي السينما الجادة 

GRAMS 21

فلسفة الحياة بأبعاد إنسانية

عز الدين الأسواني