شعار الموقع (Our Logo)

 

 

عندما وصل الممثل ميل جيبسون الى هوليوود في العام 1984 ليقوم ببطولة فيلم المغامرات التاريخي «السفينة باونتي» بعد ان حقق شهرة عالمية كنجم سينمائي في استراليا، ظن الكثيرون بعد ان سمعوه وهو يتحدث باللكنة الاسترالية انه ممثل استرالي. وفي حقيقة الامر ان ميل جيبسون اميركي ولد في بلدة بيكسكيل بولاية نيويورك ولم تطأ قدماه ارض استراليا الى ان بلغ سن الثانية عشر في العام 1968 بعد ان قرر والده، الذي كان عاملا في محطة للقطار، الهجرة الى استراليا مع زوجته واولاده الأحد عشر بسبب معارضته للحرب في فيتنام وخشيته من تجنيد ابنائه الستة في تلك الحرب.

وقد بنى الممثل ميل جيبسون على الشهرة السينمائية العالمية التي حققها في استراليا منذ وصوله الى هوليوود ليتبوأ مكانا بارزا بين نجوم الصف الاول في عاصمة السينما العالمية مثل توم كروز وتوم هانكس وبروس ويليس وهاريسون فورد وجوليا روبرتس، ليس كممثل متعدد المواهب فحسب، بل وكمخرج قدير حاز على ارفع الجوائز ومنها جائزة الاوسكار، وكمنتج سينمائي قدم مجموعة من الافلام المتميزة.

وقد توج الفنان ميل جيبسون انجازاته السينمائية هذا العام باخراج فيلم «آلام المسيح» الذي قام بانتاجه كما شارك في كتابة سيناريو الفيلم وقصته، وحقق ذلك رغم الحملة الاعلامية غير المسبوقة التي شنتها المنظمات اليهودية والضغوط الهائلة المتعددة الاطراف التي تعرض لها ميل جيبسون وفيلم «آلام المسيح» الذي موله من جيبه الخاص خارج نظام استديوهات هوليوود الرئيسية التي رفضت تمويل الفيلم او توزيعه. وبلغت تكاليف انتاج الفيلم 25 مليون دولار.

وقد جمع فيلم «آلام المسيح» بين النجاح الفني والتجاري. فقد حظي باعجاب معظم النقاد، كما ان النجاح الذي حققه على شباك التذاكر فاق كل التوقعات. فقد زادت ايراداته في دور السينما الاميركية حتى الآن على 360 مليون دولار، وصعد الى المركز السابع على قائمة الافلام التي حققت اعلى الايرادات في الولايات المتحدة في تاريخ السينما. يضاف الى ذلك اكثر من 100 مليون حققها الفيلم حتى الآن في دور السينما الاجنبية التي عرضت الفيلم بعد افتتاحه في الولايات المتحدة بعدة اسابيع. ومن المتوقع ان ترتفع ايرادات الفيلم في الدول الاخرى حيث تسجل ارقاما قياسيا في بعضها لتزيد خلال الاسابيع المقبلة على ايراداته في الولايات المتحدة.

وقد تصل الايرادات العالمية الاجمالية لفيلم «آلام المسيح» على شباك التذاكر الى 800 مليون دولار. واذا اضيفت الى ذلك ما سيحققه الفيلم فيما بعد من ايرادات من تأجير ومبيعات اشرطة الفيديو وحقوق عرضه على التلفزيون ومبيعات البومه وشريطه الموسيقي والمنتجات المرتبطة بالفيلم، وخاصة الكتب والملصقات فان من المتوقع ان يبلغ الربح الصافي للمخرج ميل جيبسون، بصفته منتج الفيلم، نصف مليار دولار، وهو مردود مذهل لاستثمار اقتصر على 25 مليون دولار فقط. وقد زادت مبيعات البوم الموسيقى التصويرية للفيلم في الولايات المتحدة على نصف المليون نسخة خلال الشهر الاول لعرضه. وتتألف الموسيقى التصويرية من 15 مقطوعة من تأليف الموسيقار جون ديبني.

يشار الى ان فيلم «آلام المسيح» هو ثالث فيلم من اخراج ميل جيبسون، ولكنه اول فيلم يخرجه ولا يقوم ببطولته. وقد سبق له ان اخرج فيلمين قام ببطولتهما، هما كل من الفيلم الدرامي «رجل بدون وجه» في العام 1993، والفيلم التاريخي «القلب الشجاع» في العام 1995 والذي رشح لعشر من جوائز الاوسكار وفاز بخمس منها بينها جائزة افضل فيلم وافضل مخرج التي منحت لميل جيبسون، وهو واحد من سبعة ممثلين فازوا بجائزة الاوسكار لافضل مخرج دون ان يفوزوا بها عن التمثيل، والستة الآخرون هم كلينت ايستوود ووارين بيتي وروبرت ريدفورد وكيفين كوستنر وودي الين ورون هوارد. كما فاز ميل جيبسون عن اخراج فيلم «القلب الشجاع» بجائزة الكرات الذهبية وبجائزة نقابة المخرجين الاميركيين وبجائزة جمعية نقاد السينما الاميركيين في الاذاعة والتلفزيون.

ومن المفارقات ان ميل جيبسون اعتذر عن اداء دور البطولة في فيلم «القلب الشجاع» بادىء الامر لاعتقاده بانه غير مناسب للدور لانه اكبر سنا من شخصية بطل القصة زعيم التحرير الاسكتلندي وليام والاس، وعرض على منتجي الفيلم عوضا عن ذلك اخراج الفيلم، وعندئذ تم التوصل الى حل وسط يجمع بين قيام ميل جيبسون ببطولة الفيلم وباخراجه.

ورغم المقومات المهنية التي اسهمت في نجومية الممثل ميل جيبسون في سن مبكرة، وفي مقدمتها مواهبه في التمثيل ودراسته الاكاديمية في التمثيل وخبرته المسرحية ووسامته وشخصيته الجذابة، فقد لعبت الصدفة دورا حاسما في حياته الفنية. فقد كان ميل جيبسون يطمح في التخصص في دراسة الصحافة بعد التخرج من المدرسة الثانوية في مدينة سيدني الاسترالية في العام 1974، ولكنه اكتشف ذات يوم انه حصل على قبول للدراسة في المعهد القومي الاسترالي للفنون المسرحية التابع لجامعة نيو ساوث ويلز بمدينة سيدني. فقد كانت شقيقته الكبرى قد ارسلت طلب قبول الى ذلك المعهد نيابة عنه دون علمه. وكان بين رفاقه في المعهد الممثلان الموهوبان جودي ديفيس وجيفري راش اللذان فازا فيما بعد بجائزة الاوسكار، بل ان جيفري راش تقاسم مع ميل جيبسون نفس الغرفة في السكن الداخلي بالجامعة.

ويقول ميل جيبسون ان المعهد اتاح له فرصة ذهبية للتدرب على التمثيل المسرحي في مئات المسرحيات بعد ان تغلب في بادىء الأمر على رهبة المسرح التي سببت له ارتباكا عند الوقوف على المسرح امام الجمهور. وظهر ميل جيبسون في فيلمه الاول «مدينة الصيف» في العام 1977 قبل ان يكمل دراسته، وحصل على 400 دولار استرالي لقاء ظهوره في الفيلم.

وبعد التخرج من المعهد انضم الى الفرقة المسرحية لجنوبي استراليا حيث قام بصقل مواهبه التمثيلية في عشرات الادوار المسرحية، كما قام خلال تلك الفترة باداء عدد من الادوار التلفزيونية.

وفي العام 1979 عاد ميل جيبسون الى السينما حيث قام ببطولة فيلمين، الاول هو فيلم «تيم» الذي يقوم فيه بدور شاب متخلف عقليا، وقد فاز عن دوره في ذلك الفيلم بجائزة افضل ممثل من معهد الافلام الاسترالي. اما الفيلم الثاني فهو فيلم المغامرات «ماكس الغضب» الذي حول ميل جيبسون الى نجيم سينمائي عالمي في سن الثالثة والعشرين. فقد انتج هذا الفيلم بميزانية صغيرة لم تتجاوز 400 الف دولار، ولكن ايراداته العالمية تجاوزت 100 مليون دولار. وبلغ اجر ميل جيبسون عن دوره في هذا الفيلم 000ر15 دولار. وقاد ميل جيبسون ببطولة فيلمين اخرين في هذه السلسلة السينمائية هما كل من فيلم «محارب الطريق» (1981) و«ماكس الغاضب وراء قبة الرعد» (1985)، وبلغ اجره عن هذا الفيلم 2ر1 مليون دولار، وبذلك اصبح اول ممثل استرالي يتقاضى مليون دولار عن الفيلم.

وكان ميل جيبسون قد قام قبل ذلك ببطولة فيلمين متميزين للمخرج الاسترالي بيتر وير الذي حقق نجاحا كبيرا في هوليوود في السنوات اللاحقة كما فعل الممثل ميل جيبسون. واول هذين الفيلمين هو فيلم «جاليبولي» (1981) الذي تقع احداثه خلال الحرب العالمية الاولى والذي عاد على ميل جيبسون بجائزة افضل ممثل للمرة الثانية من معهد الافلام الاسترالي. والفيلم الثاني هو فيلم «سنة العيش في خطر» (1983) الذي تقع احداثه خلال فترة الاضطرابات في اندونيسيا في عقد الستينيات.

ومع ان فيلم «السفينة باونتي» باكورة افلام الممثل ميل جيبسون في هوليوود لم يحقق نجاحا يذكر، فقد اشاد النقاد باداء ميل جيبسون في الفيلم الذي اعقب في العام التالي بالفيلم الدرامي «السيدة سوفيل» الذي اثبت فيه من جديد قدرته على اداء الادوار الجادة.

الا ان ميل جيبسون عاد في العام 1987 الى افلام المغامرات المثيرة في فيلم «السلاح القاتل» الذي استهل فيه سلسلة من اربعة افلام مع الممثل الاسمر داني جلوفر استمرت حتى العام 1998 وتحولت الى واحد من اكثر المسلسلات نجاحا على شباك التذاكر في تاريخ السينما.

غير ان ميل جيبسون لم يغفل الافلام الجادة خلال تلك الفترة، وقام ببطولة العديد منها، ومن بينها فيلم «هامنيت» المبني على المسرحية الشهيرة لشيكسبير والذي ادهش فيه النقاد بقوة ادائه. ومن الافلام المتميزة الاخرى الذي قام ميل جيبسون ببطولتها منذ ذلك الوقت الفيلم الغرامي «شاب الى الابد» (1992)، وفيلم رعاة البقر «مافريك» (1994)، والفيلم البوليسي «نظرية المؤامرة» (1997)، والفيلم التاريخي «الوطني» (2000)، والفيلم الحربي «كنا جنوداً» (2002)، وفيلم التشويق والغموض «اشارات» (2002)، وقد ارتفع اجر ميل جيبسون عن الفيلم الى 25 مليون دولار منذ قيامه ببطولة فيلم «الوطني» في العام 2000، وكان من اوائل نجوم هوليوود الذي حققوا هذا الانجاز.

ويقوم ميل جيبسون حاليا بتصوير مشاهد فيلم «ماكس الغاضب: طريق الغضب» وهو الحلقة الرابعة في سلسلة افلام «ماكس الغاضب». وسيكون هذا الفيلم جاهزا للعرض في العام المقبل.

يشار الى ان الممثل ميل جيبسون يجمع بين الكثير من السمات الشخصية المحببة التي جعلته واحدا من اكثر الفنانين شعبية بين اقرانه. فهو معروف بسعة اطلاعه وعمقه الثقافي وسرعة بديهته، وبمساعدته للممثلين الناشئين وبتواضعه المتناهي رغم شهرته العالمية. كما انه معروف باشاعة جو من البهجة اثناء العمل بفضل حبه للدعاية وولعه بنصب «المقالب» الظريفة لزملائه الفنانين اثناء تصوير مشاهد افلامه. كما يتمتع ميل جيبسون بحياة زوجية وعائلية حميمة تندر مثيلاتها في الوسط الفني المعروف بانتشار الطلاق، وهو اب لسبعة ابناء وبنات، ويحرص على مرافقتهم له مع زوجته الى مواقع تصوير افلامه مهما كانت نائية كلما كان ذلك ممكنا.

 _____________________

*  ناقد سينمائي اردني

الرأي الأردنية في  1 مايو 2004

كتبوا في السينما

 

مقالات مختارة

حوار صريح مع المخرج السينمائي المصري محمد خان

عمر الشريف يفوز بـ"سيزار" أفضل ممثل

جوسلين صعب:السينما التسجيلية تمنح رؤية نافذة للاحداث

ناصر خمير: أفلامي حلم... وعندما تحلم تكون وحدك

      برتولوتشي: لقاء

رندة الشهال: أهل البندقية يحبونني

تاركو فسكي: بريق خافت في قاع البئر

 

 

ميل جيبسون

الفنان الأميركي الذي غزا هوليوود عن طريق استراليا

محمود الزواوي *