النبي محمد ظهر في الأفلام ولم يظهر. ظهر كمحرك للأحداث وكشخصية رئيسة في العديد من الأفلام دون أن يكون هناك من يجسد دوره، ودون أن تكون هناك حاجة إلى ذلك، عبر حلول سينمائية، ورغم ذلك كانت هناك أصوات عديدة تسأل: ولماذا لا يتم تجسيده في فيلم أو مسلسل؟ كانت هناك أيضا شائعات عديدة عن ظهوره مجسدا في عدد من الأفلام، وصاحَب تلك الشائعات نقاشات حول مشروعية ذلك الظهور من عدمها!! خبر قيام هارسون فورد بتجسيد الدور إحدى هذه الشائعات. وهناك ثانية وثالثة ورابعة وخامسة و... و...، وبين تلك المرات كانت الشائعة التي نالت فيلم خاتم الأنبياء والمرسلين، وهو فيلم الكارتون الذي أنتجته شركة "بدر" الإماراتية للإنتاج الفني بالتعاون مع شركة أمريكية متخصصة في الرسوم المتحركة وتم عرضه في سبع دول عربية بينها مصر، وقبل عرضه قيل إن صانعيه ينوون تجسيد شخصية النبي، وإنهم بالفعل صوروا المشاهد الخاصة به، لكن عندما جيء بالفيلم إلى القاهرة وشاهدته الرقابة على المصنفات الفنية، أجازت عرضه بعد أن اتضح مبدئيا أن ما قيل غير صحيح، وهو ما تأكد بعد العرض التجاري للفيلم. غير أن الشائعات لم تتوقف وقيل إن الشركة المنتجة اضطرت لحذف تلك المشاهد حتى تتمكن من عرضه، وحتى ينفذ الفيلم إلى دور العرض العربية. فيلم خاتم الأنبياء والمرسلين أعاد تقديم حياة النبي محمد صلى الله عليه وسلم من خلال الرسوم المتحركة في تسعين دقيقة، وواجه تحفظات عديدة من الأزهر والرقابة على المصنفات الفنية بمصر قبل عرضه، بينها وجود تشابه بين الأصنام التي يحطمها المسلمون في الفيلم وبين تماثيل الفراعنة، لكن لم تكن هناك أي اعتراضات تتعلق بظهور شخصيات غير مسموح بظهورها وعلى رأسها النبي محمد صلى الله عليه وسلم، بما يؤكد عدم صحة الشائعة التي التصقت بالفيلم طوال مدة الإعداد له. فيلم الرسالة... بالعربي والإنجليزي الشائعة نفسها طالت فيلم الرسالة، وهو الفيلم الذي أخرجه مصطفى العقاد في نسختين إحداهما ناطقة بالإنجليزية وقام بالبطولة فيها أنتوني كوين وإيرين باباس، والأخرى ناطقة بالعربية وقام ببطولتها عبد الله غيث ومنى واصف، وفي النسختين تناول الفيلم الرسالة المحمدية والأيام الأولى للدعوة، من خلال سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم منذ ولادته في عام الفيل، وأحوال أهل مكة وما حولها والمعتقدات الدينية السائدة في ذاك الوقت بجانب فساد الأحوال الاجتماعية. وكيف لم يكن محمد صلى الله عليه وسلم طوال حياته راضيا عما يجري ولا بما يعبده المحيطون به من أصنام وآلهة يقدسونها. ورغم أن الفيلم يكمل مسيرة النبي محمد من تعبده في غار حراء ونزول الوحي عليه وتلقيه كلمات الله ورسالته، ويعرض ما لاقاه النبي في تلك الفترة ممن كانوا يحاربون انتشار الإسلام، فإن النبي لم يظهر في كادر واحد، غير أن الشائعة ظلت ملتصقة بالأذهان وساعد في ترسيخها عدم التصريح بعرض الفيلم في أكثر من دولة عربية بينها مصر لأسباب غير محددة!! أما من شاهدوا الفيلم فعرفوا أن العقاد تعامل مع شخصية الرسول بالطريقة نفسها التي تعاملت معه بها كل الأفلام العربية التي تناولت ظهور الإسلام، فلم يقم بتجسيد شخصية النبي، فيما كانت الشخصيات الأخرى تتفاعل معه. وتلك أيضا هي الصيغة التي اعتمدها الفيلم التسجيلي "محمد.. تركة نبي" الذي موّله منتج الأفلام الأمريكي مايكل شوارتز بمشاركة مايكل وولف وألكسندر كرونمر، وهما مسلمان أمريكيان اضطلعا بكتابة سيناريو الفيلم، عن حياة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وقدم الفيلم قصة الرسول لجمهور لا يعلم الكثير عن الدين الذي بشر به، وهو الفيلم الذي لم تعرضه أي محطة تلفزيونية عربية ولم يتناوله كتاب أو نقاد عرب ممن يملئون الدنيا صراخا لو وجدوا جملة عابرة في فيلم ينتقد العرب أو المسلمين!! الفيلم الذي وقعت أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 قرب الانتهاء من ثلثيه، لم تمنع تلك الأحداث إتمامه بل ساعدت على رواجه فور اكتماله، وجعلت المحطات التلفزيونية الأمريكية تتسابق على شرائه وبدأت في عرضه منذ يوم 18 ديسمبر 2002، وهكذا شاهد الأمريكيون في ساعتين (هي مدة عرض الفيلم) كيف أصبح النبي محمد واحدا من أعظم الشخصيات في تاريخ العالم، فبدأ بالحديث عن النبي محمد الطفل اليتيم الذي أصبح تاجرا، وبيّن كيف أن الوحي نزل عليه وهو في الأربعين من عمره، وكيف أنه حقق السلام على مدى ثلاثة وعشرين عاما عاشها بعد نزول الوحي بين القبائل المتناحرة في شبه الجزيرة العربية ورسخ الإسلام، كل ذلك يحكيه الفيلم من خلال نسيج بين حياة النبي محمد وبين مقابلات مع دارسين ومسلمين أمريكيين معاصرين، كما يحكي الفيلم قصص مسلمين أمريكيين من بينهم مسلم من نيويورك يعمل كبيرا لموظفي أحد أعضاء الكونجرس الأمريكي، وممرضة في قسم العناية بالحالات الحرجة في ديربورن بولاية ميشيجان. شيء عادي جدا أن يكون مايكل وولف أحد المشاركين في تمويل الفيلم فهو أمريكي مسلم، وعادي أيضا أن يكون ألكسندر كرونمر هو مخرج الفيلم وأحد المشاركين في تمويله فهو أيضا أمريكي مسلم، لكن كيف يكون الممول الرئيسي هو مايكل شوارتز؟ وكالة رويترز سألته هذا السؤال قبيل عرض الفيلم (تحديدا في 14 ديسمبر 2002)، فقال: إن أصدقاءه المسلمين كانوا دائما يقولون له: "إذا كنت تريد أن تعرف من أكون كمسلم فإن أفضل بداية هي قصة محمد؛ لأنه الرجل الذي أتبعه، وهو الرجل الذي أُجلّه وأحترمه"، مشيرا إلى أن ذلك هو ما جعله يصر على أن تتضمن رواية القصة آراء لمسلمين أمريكيين معاصرين يتطلعون إلى النبي محمد كقدوة. وبين ما قاله شوارتز أيضا أنه اتضح أن تقديم قصص مسلمين معاصرين كانت وسيلة جيدة لإظهار التأثير المتواصل للنبي محمد. مؤلف الفيلم ألكسندر كرونمر كان واثقا منذ بداية ولادة الفكرة في رأسه أنه سيحظى بالتمويل الكافي لإخراج الفكرة إلى النور، وتجسيد الطموح إلى واقع يراه الناس ويسمعون به، كما كان لإيمانه بسمو الرسالة الإسلامية وجدارتها بأن تصل إلى كل فرد في العالم دور رئيسي في صبره وإصراره طيلة أربعة أعوام على مشروعه الإعلامي شديد الأهمية. "ردود الأفعال تفاوتت قبل وبعد عرض الفيلم بين السخط وبين الارتياح، وهو الموقف الذي صدر من أغلب شرائح المجتمع الأمريكي الذين لا يعرفون شيئا عن الإسلام، ولا عن نبيه الكريم، وكل ما كان يدور ببالهم ليس إلا تخاريف وأوهاما صنعتها الآلة الإعلامية الصهيونية الضخمة في سنوات الغفلة والسبات التي كان يمر بها المجتمع الإسلامي، دون أن تصدر منه أي بادرة تؤكد قرب استيقاظه للنهوض بالمهمات الصعبة التي عليه القيام بها في إطار تعريف المجتمع الغربي برسالتنا وبدورنا الحضاري المجهول في تاريخ الحضارة البشرية". هذه الكلمات جاءت على لسان ألكسندر كرونمر مخرج الفيلم الذي يرى أن المسلمين قد تأخروا كثيرا في الوصول إلى العقل الغربي ومخاطبته مباشرة وبدون أي حواجز أو أستار قد يصنعها العدو وتلقي في قلوب المسلمين الخوف من مجرد محاولة اغتنام الفرص الكثيرة الضائعة مع الأسف الشديد دون استثمار أو توظيف في خدمة المصالح العامة للإسلام والمسلمين. في هذا الفيلم لم ير المشاهدون النبي محمدا على الشاشة، ورغم ذلك تم استقباله جماهيريا ونقديا بشكل أكثر من رائع. ونعود إلى فيلم الرسالة الذي كتب بعض من شاهدوه أن ما يعيبه هو عدم ظهور بطله الأساسي طوال أحداث الفيلم، لنقول لهم إن عدم ظهور بطل الفيلم وتفاعل الشخصيات الأخرى معه ليس حلا معيبا سينمائيا، إذ كان اللجوء إليه قيمة فنية مضافة إلى العديد من الأفلام شديدة الروعة مثل فيلم "الشاحنة"، والذي تجلس فيه المخرِجة وكاتبة السيناريو مارجريت دورا، مع الممثل جيرار ديپارديو، حول مائدة عليها كمية من الأوراق، ويتناوبان قراءة نص يروي الأحداث التي وقعت لامرأة تستوقف سائق شاحنة ليأخذها معه. فرغم تقاطع القراءة مع لقطات للشاحنة وهي تَعبر الطريق، فإننا لا نرى السائق ولا المرأة على الشاشة إطلاقًا، حتى في اللقطات داخل الشاحنة، وتلك هي الصيغة التي رآها نقاد عديدون تناولوا الفيلم (بينهم بلانشو وفوكو ودولوز) تعبيرا عن المهارة التي تتجاوز الحدود المتعارف عليها والتي تكمن في أن المخرجة وكاتبة السيناريو حجبت شخصيتي السرد، لتشير إلى أنهما مرئيان من خلال تكرار الكاتبة لصيغة: هل ترى؟ التي توجهها طوال الفيلم إلى الممثل. وتلك هي الصيغة التي رأى فيها ميشيل فوكو تجاوزا للفجوة بين النظر والنطق، أو بين المرئي وما يُمكن نطقه. ومن المثال السابق ومن الأفلام التي تناولت الرسالة المحمدية وشاهدناها، يتضح أن هناك حلولا فنية تمكّن صانع أي فيلم من عدم إظهار أي شخصية لا يريد لها أن تظهر، لكن الحلول الفنية شيء ومناقشة مسألة تجسيد الأنبياء على الشاشة شيء آخر، لا نتحدث نحن فيه بل نترك لعلماء الدين أمر مناقشته وحسمه. موقع "إسلام أنلاين" في 29 أبريل 2004 |
برتولوتشي: لقاء |
كيف ظهر النبي محمد على الشاشة ولم نره؟ (ملف خاص من 4 مقالات) ماجد حَــبُــتّــه * |
هل حقا قام ممثل يهودي بأداء دور النبي محمد صلى الله عليه وسلم في فيلم سينمائي؟ يوسف وهبي قال ذلك في صيغة أقرب إلى اللوم أو التأنيب لمن منعوه من القيام بالدور نفسه في ذات الفيلم الذي يتحدث عنه، وهو لوم جاء متأخرا أكثر من خمسين عاما هي السنوات التي فصلت بين الهجوم العنيف الذي تعرض له فور موافقته على القيام بالدور عام 1926 وبين صدور المذكرات عام 1976. الفيلم الذي نتحدث عنه كانت ستقوم بإنتاجه (أو قامت بإنتاجه كما جاء في المذكرات) شركة "ماركوس" الألمانية بتمويل مشترك مع الحكومة التركية، وكان يرأسها في ذلك الوقت مصطفى كمال أتاتورك. وهو الفيلم الذي بدأ الجدل حوله من خبر عنوانه "في النهاية" نشرته مجلة المسرح في عددها الصادر يوم 26 مايو 1926، وذكرت فيه أن شركة سينماتوغرافية جاءت إلى مصر واتفقت مع يوسف وهبي على أن ينتقل مع بعض أفراد فرقته إلى باريس ليمثل للشركة رواية "النبي محمد"، وأن نجيب الريحاني سيشترك في تمثيل هذه الرواية في دور "معاذ". وجاء في الخبر أن يوسف وهبي "أخذ يستعد لأداء دوره وصنع لنفسه صورا فوتوغرافية للشكل الذي ابتدعه لسيدنا محمد عليه الصلاة والسلام، وهي صورة لا تختلف عن صورة راسبوتين التي صنعها يوسف، في كثير أو قليل. إلى هنا ينتهي الخبر، لكن محرره علق عليه بقوله: "إذن ففي عرف يوسف وهبي، يكون نبينا محمد رسول الله، وحامل علم الدين الإسلامي وناشر كلمته، يشبه تماما راسبوتين الجاسوس الدنيء والدجال وزير النساء". شيخ الأزهر ووزارة الداخلية يعترضان ولم يكتف محرر الخبر بذلك بل أضاف: "أنا لم أكن رجلا دينيا، ولا درست بتعمق قواعد الدين الإسلامي، وأوصاف الرسول. إلا أنني -وكل إنسان معي- يستطيع الحكم بأن النبي محمدا يختلف كثيرا عن راسبوتين. وإن يوسف وهبي ذا المزاج الجنوني والحركات التشنجية والعيون الشهوانية والذي يلوح الابتذال والاستهتار في منظره العام لا يصلح مطلقا لتمثيل هذا الدور الذي يحتاج إلى وقار الرسل وجلال الأنبياء وهيبة الصلاح ورزانة التقوى!!". "ثم هناك الناحية الدينية.. ما رأي علماء الدين الأجلاء في هذا العمل؟! إلى فضيلة مولانا الشيخ المفتي الأجل نرفع هذا السؤال: هل يسمح الدين لشخص ما أن يتعدى إلى مقام النبوة الإسلامية فيعبث بها ويقدمها للعالم أجمع في صورة شوهاء؟! وما مبلغ علم يوسف وهبي بالدين وأخلاق النبي عليه السلام وصفاته حتى يقدم على إبراز شخصيته؟! ألا يعد هذا تهزيئا مؤلما. ثم هو إهانة جارحة لكل المسلمين! ليس من شأني أن أجيب على هذا. وإنما أنا أنبه علماء الدين الأجلاء إلى موضع الخطر من هذا العمل. وعليهم أن يقوموا بواجبهم. ويوقفوا هذا العمل الخطر. وفي اعتقادي أن من يقدم على تهزيء مقام النبوة يعد خارجا على الدين الإسلامي مارقا من السنة النبوية مروقا تاما". انتهى الخبر والتعليق لتبدأ حملة شرسة ضد يوسف وهبي الذي كان وافق على القيام بالدور ووقع عقدا بذلك في السفارة الألمانية على أن يتقاضى عشرة آلاف جنيه نظير قيامه بالدور. فما أن نشرت مجلة المسرح هذا الخبر حتى أرسل شيخ الأزهر خطابا لوزارة الداخلية في اليوم التالي مباشرة يطالبها فيه بالتحقيق في الأمر، ومنع يوسف وهبي من القيام بالدور حتى لو اقتضى الأمر منعه من السفر، كما طالب أيضا بأن تخاطب حكومة باريس بواسطة ممثل مصر هناك في منع تمثيل هذه الرواية، فكان أن استدعت الداخلية يوسف وهبي وحققت معه وأرسلت ردا للمشيخة حمل رقم 1010، وجاء فيه أن يوسف وهبي سيعلن عن عدوله هذا في الجرائد وأن الحكومة ستتخذ الإجراءات اللازمة لمنع إخراج الرواية نفسها، كما أرسل الملك فؤاد تحذيرا قاسيا ليوسف وهبي وهدده بالنفي، وحرمانه من الجنسية المصرية. حدث ذلك في الخفاء، أما في العلن فقد نشرت الأهرام في 21 مايو 1926 مقالا لعبد الباقي سرور عنوانه: "كيف يصورون النبي محمدا" طالب فيه الحكومة بأن "تبادر فتمنع يوسف وهبي من السفر لتمثيل تلك الرواية في بلاد يرى أهلوها في الإسلام وفي النبي عليه الصلاة والسلام آراء ومعتقدات تخالف العقيدة الإسلامية، فتمثيل رواية النبي في باريس بلاد اللهو والخلاعة والاستهزاء بالأديان مما يثير مطاعن جديدة في نفوس أعداء الملة ويستدعي التشهير بالنبي وخاصة إذا صور بصورة راسبوتين ذلك الجاسوس الشهواني، وصاحب الحيل النسائية والفتن الشيطانية، فإن مثل هذا التصوير يعد تشهيرا بالنبي وتحقيرا لشأنه، واستهزاء بدينه، وإساءة لمعتنقي دعوته وحطا من كرامة المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، وتسويئا لسمعة الديانة الإسلامية". ومضى عبد الباقي سرور ليطالب الحكومة المصرية بأن "تمنع يوسف وهبي من السفر وأن تحاسبه على تصويره النبي بتلك الصورة البشعة الدنيئة المنافية لكل احترام وإجلال، فإنها لو تساهلت مع يوسف وهبي في تمثيل تلك الرواية فسيتلوها لا محالة تمثيل روايات أبشع وأفظع". وكان محرر الخبر في مجلة المسرح قد علّق عليه، فإن الأهرام علّقت هي الأخرى على مقال عبد الباقي سرور بأنه إذا كان من حقه أن يحتاط للأمر قبل وقوعه، فإنه لا يجوز له الشك والارتياب بوطني مسلم شرقي مثل يوسف وهبي الذي يصفه كاتب التعليق بأنه هو وأمثاله "لا يقدمون على عمل يمس كرامة نبيهم وكرامتهم بل هم إذا فعلوا شيئا إنما يفعلون لرفع هذه الكرامة". هكذا أصبحت الكرة في ملعب يوسف وهبي الذي لم يكن يستطيع أن يلتزم الصمت وهو يرى الأمر ينتقل من مجلة لجريدة، وعليه فقد رد في اليوم التالي مباشرة على ما نشرته الأهرام بقوله: "اطلعت في عدد الأمس على مقال كتبه مسلم غيور وبه يشكو لولاة الأمور ما قرأه في مجلة المسرح عن عزمي على تمثيل رواية النبي محمد بشكل وهيئة لا تليق بكرامة النبوة ولا تتفق مع عظمة الدين، وقد ذكر حضرته أنني صورت شخصية النبي كشخصية الراهب الدنيء راسبوتين، وهذا الخبر كاذب، وحقيقة لا أصل لها إلا التشويه والطعن من مجلة أخذت على عاتقها تقبيح كل حسن والنيل من كرامة كل عامل على خدمة وطنه". وفي الرد لم ينف يوسف وهبي أنه وافق على القيام بالدور بل فسر قبوله بقوله: إنني إذا كنت قد رضيت أن ألعب هذا الدور فليس إلا لرفعة شأن محمد صلى الله عليه وسلم وتصويره أمام العالم الغربي بشكله اللائق به وحقيقته النبيلة، وليس الغرض من هذا الفيلم سوى الدعوة والإرشاد للدين الإسلامي، أما الصورة التي وضعتها لهذا الدور فهي صورة أعتقد على الأقل أنها تنبئ عن جلال محمد وطهارته وحسن صفاته، وليثق سيدي الغيور أنني أول من يعمل على رفعة شأن ديننا الحنيف، ولكن رجائي إليه ألا يصغى لأقوال الإفك وترهات قوم عُرفوا بالخديعة والملق". الأهرام نشرت هذا الرد يوم 22 مايو وعادت بعد يومين لتنشر رسالة وجهها يوسف وهبي إلى حضرات السادة العلماء وجميع الشعب الإسلامي يطالب فيها أصحاب العلماء وأولي الأمر في البلاد بأن يقولوا له هل يقوم بهذا الدور أم يرفضه، مع إحاطتهم بأنه إذا رفض فسيقوم بهذا الدور ممثل أجنبي لا يهمه من أمر ديننا شيء. وفي الرسالة نفسها أوضح يوسف وهبي أنه إذا كان بالإمكان منع هذه الشرائط من دخول البلاد الإسلامية، فلا يمكن منعها في البلاد الأجنبية، وقال: "هذه تكون الطامة، أن ندع القوم يعبثون بنا ويمسخون حقيقتنا أم نكون نحن أول من يمثل عظمة ديننا الحنيف ونبرهن للعالم الأوربي أنه أرقى دين وأن محمدا زعيم المرسلين". وفي نهاية الرسالة أكد يوسف وهبي أنه سيرفض القيام بالدور عن طيب خاطر حتى لو كان سيجني من ورائه الأرباح الطائلة إذا رأى العلماء هذا الرأي. وأنهى الرسالة بقوله: "ليعلم إخواني المصريون أن شعاري ديني قبل كل شيء". ولم ينته شهر مايو حتى كانت الأهرام قد نشرت بيانا ليوسف وهبي قال فيه: "بناء على قرار أصحاب الفضيلة العلماء واحتراما لرأيهم السديد أعلن أنني عدلت عن تمثيل الدور وسأخطر الشركة بعزمي هذا". وهكذا انتهى أمر الفيلم الذي عاد يوسف وهبي بعد خمسين سنة ليحكي قصته في مذكراته بقوله: زارني بمسرح رمسيس الأستاذ الأديب التركي وداد عرفي. وقدم لي سيدا يدعى الدكتور كروس. وأفهمنى أنه شخصية لها وزنها. وأنه رسول عاهل تركيا الرئيس أتاتورك ومستشاره الخاص وجنسيته ألمانية، وطلب مني أن أحدد موعدا معه لأمر مهم جدا. علمت في اللقاء أن د. كروس يمثل مؤسسة سينمائية ألمانية مشهورة وقد نال موافقة رئيس الجمهورية التركية على إنتاج فيلم إسلامي ضخم كدعاية مشرفة للدين الإسلامي الحنيف وعظمته وسمو تعاليمه تشارك فى نفقاته الحكومة التركية باسم "محمد رسول الله" وقد أعد السيناريو، وصرحت بتصويره لجنة من كبار علماء الإسلام في إستانبول، ويظهر في الفيلم النبي محمد عليه الصلاة والسلام، وتصور مناظره الخارجية فى صحراء السعودية. واقترح أن أرسم شخصية النبي. وبعد أن يشير يوسف وهبي إلى ما سبق أن عرضناه يحكي عن استدعاء الداخلية له وعن تهديد الملك فؤاد، وفي النهاية يؤكد أن الشركة أنتجت الفيلم وأن ممثلا يهوديا هو الذي جسد فيه دور النبي محمد عليه الصلاة والسلام!! موقع "إسلام أنلاين" في 29 أبريل 2004 |
انتهى الجدل حول الفيلم الذي كان سيقوم فيه يوسف وهبي بدور النبي محمد بأن اعتذر الرجل عن القيام بالدور، وانتهى بحثنا عن مدى صحة ما ذكره عن إنتاج الشركة للفيلم وقيام ممثل يهودي بالدور على لا شيء. غير أننا اكتشفنا أنه كانت هناك محاولة أخرى لتنفيذ فيلم على أرض مصر يظهر فيه النبي محمد، وأن الدور تم إسناده لـ"ممثلة"!! ففي 22 ديسمبر 1929 نشرت مجلة الصباح رسالة تحت عنوان "صح النوم أيها العلماء، فتاة تمثل النبي محمدا" بتوقيع محمد حسن سعد يحذر فيها من أن شركة أمريكية سوف تخرج فيلما عن البعثة المحمدية باسم "ثورة الصحراء" من تأليف فتاة مصرية، وأنهم أسندوا دور النبي صلى الله عليه وسلم إلى الممثلة "بيبي دانلز" ودور السيدة خديجة للممثلة "تينا ستيوارت". ومن قراءتنا لهذه الرسالة يتضح أن موضوع هذا الفيلم أثير قبل هذا التاريخ بشهور، ففي تلك الرسالة يشير محمد حسن سعد (الذي عرّف نفسه بأنه يعمل في قسم السيناريو بالمجمع التمثيلي، ومدير فيلم فريدة جراف) إلى أنه سبق له الكتابة في هذا الموضوع وأنه توقع أن تتحرك جيوش من العلماء لحماية دين الحق والسلام والذود عن كرامة دينهم وكرامتهم (على حد قوله)، ولكن خاب ظنه كما أكد في الرسالة المشار إليها؛ إذ مر هذا الخبر "مرور النسيم"، وما حدث فقط هو أن إعلانه هذا السر عرضه للعقاب من مجلس إدارة المجمع التمثيلي الدولي الذي يعمل فيه، ويمضي محمد حسن سعد ليؤكد أن سكوت المسلمين شجع العاملين على الاستمرار في عملهم هادئين مطمئنين. ويمضي ليؤكد أنه وقف على كل تفاصيل الفيلم، مؤكدا أنه يقع في ثلاثين فصلا تتناول ثلاثة عصور كل عصر يقوم في عشرة فصول طوال. أولها يبحث في تاريخ الجاهلية -العربية منها والفارسية- مع لمحة من تاريخ مصر وقتذاك، وثانيها يبدأ من ميلاد النبي صلى الله عليه وسلم، أما العصر الثالث، فيتناول الخلفاء الراشدين وفتح مصر. وبشكل أكثر تفصيلا كتب محمد حسن سعد ما نصه: العصر الأول يرينا فارس وملك كسرى وينتهي بيوم الشمس الذي وقفت فيه فارس بأجمعها بين يدي كسرى تؤدي الصلاة لملك الحرارة ومبعث الدفء يوم تقع أكبر ماسة في تاج ملكهم وتخمد أنفاس النيران الموقدة أمامهم لشعلة أومضت في سماء مكة، لطفل وضعته أمه ليكون رسول السلام ونبي الإسلام. والعصر الثاني يبدأ بقدوم فارس من بطن الصحراء ينهب الأرض بجواده الذي اختلط لون ملابسه بلونه فإذا هو الإسلام: هو النبي صلى الله عليه وسلم، وفي هذا العصر تقوم ثورة الصحراء وتأتي غزوة الفتح ونرى رجلا على صهوة جواده يعدو نحو مكة أمام جماعته غازيا، وقد راح سيفه يلعب في الفضاء تشوقا إلى الطعان ورغبة في سفك الدماء، وفي هذا يقولون: "واندفع أنصار محمد إلى مكة يغزونها بقيادته"، وعندما يشتبك الفريقان إذ بنا أمام حرب وحشية تنتهي بفوز النبي صلى الله عليه وسلم، وهناك نرى كيف أن قريشا تبايعه ويأتي أشرافها ليضعوا تاجا على رأس النبي ويقدموا سفطا من التمر، وهنا ينكشف لنا منظر الصحراء المترامية والقوافل تقطعها غادية رائحة، ويتلاشى المنظر السابق مرة واحدة ويتكشف بهدوء عن النبي وهو على سرير الموت حتى إذا قضي عليه بان لنا القبر النبوي في المدينة وقضى ربك ألا تكون السماء إلا للقديسين وتنتهي المقطوعة بمنظر صعود المسيح إلى السماء. والعصر الثالث ليس كله إلا نزاعا على الملك وفيه يمثل لنا مصرع علي وعثمان تمثيلا مخيفا، وينتهي بأن ترى رواية الإسلام تطوف العالم، ثم ترتد حتى تنحصر في صحراء العرب ثم تنعقد على القبر النبوي، وإذا بالصليب يعلو الجميع "هكذا زال دين الثورة ليأخذ مكانه دين الإخاء والسلام". وأضاف محمد حسن سعد: "تلك هي الرواية وهذه بعض مواقفها ومهما يكونوا قد راعوا فيها بعض الإنصاف، فإن في الذي نعرضه اليوم لدليلا على عدم صلاحيتها وما ينبئ عن الغرض الذي وضعت من أجله، أما مؤلفتها التي أشرت إليها في مقالي فقد اتضح لنا أنها فتاة من معلمات شبرا أحتفظ باسمها نزولا على إرادة رؤسائي، هذا وستحضر إلى هنا الفرقة التي تقوم بهذه الدعاية التبشيرية الهائلة لأخذ ما تحتاجه من مناظر مصرية أبطالها سيكونون من المصريين الذين سيسعى فرع المجمع التمثيلي بمصر إلى انتقائهم، والنية متجهة إلى المفاوضة مع السيدة عزيزة أمير مؤسسة فن السينما في مصر لإشراكها في التمثيل كبطلة لتاريخ مصر في عهد عمرو بن العاص، ثم ترحل الفرقة بعد ذلك إلى الحجاز في صورة مصرية تحت اسم فرقة المجمع التمثيلي المصري للسينما، وهي ترى في موسم الحج غايتها ونجاحها، فماذا سيكون موقف رقابة السينما وماذا سيكون قول عزيزة أمير لهم عندما يدعونها للتمثيل في رواية ستخلد أبطالها وتجعل منهم نجوما عالميين فوق ما تهبهم إياه من ثروة وتقدير؟. إلى هنا تنتهي رسالة محمد حسن سعد التي علقت عليها صحيفة "الثغر" في 4 يناير 1930 بتأكيدها على أن "أربعمائة مليون مسلم موزعين في أقطار الأرض سوف تمزق قلوبهم هذه الإهانة وسوف تمكنهم من أن يجمعوا على استنكار هذا العمل واستهجانه فإن منزلة الرسول الأعظم من الناحية الإلهية تحرم تمثيله مهما أجاد الممثل له، وإن أشد ما يؤلم ويسيء أن تقوم فتاة بتمثيل دور الرسول الأعظم، كيف يمكن أن يصبر المسلمون على مرارة هذه الإهانة وعلى تلك الدنايا ضد الإسلام؟". وإذا كان محمد حسن سعد قد أكد أن رسالته الأولى تم استقبالها ببرود، فإن الرسالة الثانية كان وضعها مختلفا، فقد نشرت مجلة "الصباح" في 12 يناير 1930 أن إدارة المعاهد الدينية أرسلت خطابا إلى رئيس الوزراء، طالبته فيه بمنع الفيلم، وأنه حول الخطاب إلى إدارة المطبوعات لتمنع تصوير الفيلم في مصر، غير أن المجلة رأت أن هذا الإجراء غير كاف وطالبت الحكومة بأن "تبذل شيئا من نفوذها لدى الشركة لتجنب صنعه أو على الأقل تجنب التعرض لسيرة النبي". احتجاجات من الجمهور والمشايخ وفي العدد نفسه أشارت المجلة إلى أن ما نشرته أحدث صدى قويا في كل عواصم الشرق، فقالت إنه في بيروت وفي الحجاز اجتمع علماء الإفتاء وناقشوا الحدث الذي يمس كرامة الدين وقرروا الإبراق إلى جلالة ملك مصر يحتجون لديه على مثل هذه الرواية التي يريد المبشرون أن يتموا مشاهدها في مصر كما أشاعوا. في العدد نفسه أيضا واصل محمد حسن سعد ما بدأه وكتب رسالة جديدة أعلن فيها سعادته من الضجة التي أثارتها رسالته السابقة، وذكر فيها أن لجنة الرقابة صرحت بأن الفيلم لم يأت مصر وليس موجودا بها وأنها سوف لا تصرح بتصويره "في ظلال المقطم لو أنه قطع المحيط إلى هنا". لكن محمد حسن سعد يواصل كلامه ليؤكد أن معدات الشركة وصلت وأنه لم يبق غير وصول المديرين الذين قد يحضرون في الثلث الأوسط من فبراير (عام 1930)، ونفى أن تكون عزيزة أمير مشتركة في هذا الفيلم. وتستمر مجلة الصباح فتنشر في 26 يناير 1930 أن شيخ الأزهر أرسل عددا من المذكرات الرسمية لمجلس الوزراء ويسعى شخصيا لجهة سياسية ذات نفوذ لمنع تصوير هذا الفيلم. وفي العدد نفسه تنشر برقية احتجاج أرسلتها جمعية الشبان المسلمين بالقاهرة إلى رئيس الوزراء جاء فيها: حضرة صاحب الدولة رئيس مجلس الوزراء لا بد أنه قد بلغ مسامع دولتكم ما أذاعه محمد حسن أفندي سعد أحد المشتغلين بالسينما عن عزم إحدى شركات السينما في الخارج المتصلة بالتمثيل السينمائي في مصر على تمثيل عصر الرسالة وزمن الخلفاء الراشدين على لوحة السينما بصورة لا تتفق مع الحقيقة التاريخية ولا تلائم قانون المملكة المصرية المبني على احترام المقدسات الإسلامية، ومما يؤسف له أن تكون مكتوبة بقلم فتاة مصرية من معلمات شبرا كما جاء في المقالة المنشورة في "الصباح" العدد 169 الصادرة في 22 ديسمبر 1929. ومن أفظع ما في الرواية انتهاؤها بأن تطوف راية الإسلام العالم ثم ترتد حتى تنحصر في صحراء العرب ثم تنعقد على القبر النبوي، وإذا بالصليب يعلو الجميع وهكذا زال دين "الثورة" أي الإسلام ليأخذ مكانه دين الإخاء والسلام أي دين المسيحية، ولما كانت الفرقة الأجنبية التي تتولى هذا العمل ستحضر إلى مصر لتأخذ بعض المناظر بها المتعلقة بزمن الفتح الإسلامي ولا بد بعد ذلك أن يحاول هؤلاء إدخال العمل إلى القطر المصري لذلك نذكر دولتكم بما يترتب على ذلك من فتنة لا تحمد مغبتها. وفي نهاية البرقية التي وقعها عبد الوهاب النجار (وكيل الجمعية)، حددت جمعية الشبان المسلمين مطالبها في أربع نقاط هي: · أولا: التحقق من مؤلفة الرواية ولا سيما إذا كانت موظفة في وزارة المعارف المصرية. · ثانيا: منع الفرقة المذكورة من أن تمارس عملها في مصر لأخذ المناظر المتممة لهذه الرواية المؤذية لجمهور الأمة المصرية. · ثالثا: منع دخول هذا العمل إلى المحكمة المصرية منعا باتا صيانة للأمن العام. · رابعا: أن تعمل وزارة الخارجية بواسطة سفير الدولة المنتمية إليها الشركة على منع إخراج الرواية احتراما لشعور المصريين. وتعود "الصباح" في 16 مارس 1930 لتنشر خطابا وصلها حول هذا الفيلم "بكل تحفظ" على حد تعبير المجلة. وكان آخر ما نشرته مجلة الصباح حول هذا الفيلم رسالة من عبد الحميد شلبي سكرتير المجمع الفني المصري تقول الرسالة الموقعة باسم السكرتير عبد الحميد شلبي: اليوم بعد أن دعونا الأستاذ محب الدين الخطيب كاتم سر جمعية الشبان المسلمين لمشاهدة تمهيدية لفيلم "النبي محمد" بدار المجمع الفني المصري للانتداب الدولي الخامس لعموم المجمع الفني الدولي بلوس أنجلوس بغية إيقافه على ماهية الرواية ولاستطلاع رأيه في أمرها. وبما أنه لم يلب الدعوة وقد انتهت مدة العرض المقدرة فقد عدت الإدارة ذلك موافقة على المشروع. وعلى ذلك أصدرت أوامرها بالبدء في عمل المقطوعة المصرية للجزء الثالث من الرواية للمناظر الداخلية في الأراضي المصرية ابتداء من اليوم الحادي عشر من فبراير 1930 الذي وصل فيه بعض الأمريكان الذين لهم شأن في الموضوع. هذه الرسالة حملت مفاجأة شديدة الخطورة، لم نستطع الوقوف على مدى صحتها، فقد جاء فيها أن المخرج المصري الذي سيشارك في إخراج الفيلم هو نفسه محمد حسن سعد الذي فجر الموضوع على صفحات المجلة!! ليس ذلك فحسب، بل إنه أيضا اشترك في كتابة سيناريو الفيلم مع الفتاة المصرية التي تحدث عنها واسمها الآنسة فريدة!! أما سبب تفجيره للقضية على صفحات المجلة فقال عبد الحميد شلبي في رسالته: إن الهدف كان "إقامة ضجة حول الموضوع لإلفات نظر الجمهور إليه ولشيء آخر لا يمكن إعلانه"!. وجاء في الرسالة ما يوضح أنه تم بناء أستوديو هائل في هليوبوليس، وأن هناك مدينة يجرى بناؤها في أحد أحياء القاهرة تماثل مدينة الفسطاط، وأن الشركة حصلت على موافقة الرقابة على الفيلم الذي سيشاهده الجمهور المصري قبل خمسين يوما. الأيام الخمسين مرت، ومرت بعدها خمسون سنة وأوشكت الخمسون الثانية على الانتهاء أيضا ولم يشاهد الجمهور المصري الفيلم؛ فالثابت في كل موسوعات السينما العربية والعالمية أنه لا وجود لفيلم حمل عنوان "النبي محمد" أو ثورة الصحراء!! موقع "إسلام أنلاين" في 29 أبريل 2004 |
هاريسون فورد سيؤدي دور النبي محمد صلى الله عليه وسلم في فيلم يتناول حياته ورسالته. هذا الخبر نشرته جريدة الأخبار القاهرية في عددها الصادر يوم 28 يناير 2000، ولم يُعلق عليه أحد! والخبر نفسه نشرته مجلة الأهرام العربي في عددها الصادر يوم 4 مارس 2000، وأيضا لم يُعلق عليه أحد!! محتوى الخبر واضح، والصحف التي نشرته صحف لها رصيد لا بأس به من المصداقية لدى القراء، وقطعا كان هناك مصدر واحد استندت إليه الأخبار والأهرام العربي، فهل كان الخبر عاديا ليمر مرور الكرام؟ الخبر – قطعا – ليس كذلك. فلماذا -إذن- لم يُحدث ضجيجا يستحقه؟ ولماذا لم يفتح أحد باب النقاش حول رد الفعل الإسلامي المتوقع على ظهور مثل هذا الفيلم؟ ولماذا لم يناقش أحد مشروعية ظهور النبي صلى الله عليه وسلم في فيلم، فضلا عن أن يكون أمريكيا؟ ربما دفع الشك من فكروا في التعليق إلى الانتظار حتى يروا الفيلم بأعينهم. وربما كان السبب في كثرة الأخبار التي تقول المعنى نفسه أو كان العجز عن الفعل هو ما دفع إلى تلقي الخبر بهذا الصمت القاتل والاكتفاء بالانتظار حتى يظهر الفيلم الذي لن نعلّق على ظهوره بأكثر من الشجب والاستنكار!! وربما وربما، لكن المؤكد هو أن الخبر لم يأت من فراغ، وإنما يأتي لينضم إلى عشرات الأخبار السابقة التي تحدثت عن مشروعات شبيهة، لم تر غالبيتها النور، ولم نسمع عن الذي رأى النور منها غير شائعات لم يظهر -إلى الآن على الأقل- ما يؤكد أو ينفي صحتها. في هذا الملف نتناول عددا من الأفلام المهمة التي لاحقتها شائعة ظهور النبي محمد صلى الله عليه وسلم مجسدا فيها، ونناقش بشكل فني الحلول السينمائية التي لجأ إليها صانعو أفلام تناولت سيرة النبي أو جزءا منها دون أن يتم تجسيد شخصيته فيها، ونؤكد مستندين إلى أحد الأفلام المهمة في تاريخ السينما العالمية كيف أن هذه الحلول ليست بالضرورة قصورا أو تقصيرا، بل يمكن النظر إليها على أنها قيمة فنية مضافة. نحكي أيضا محاولة تجسيد النبي محمد في فيلم تعاقد عليه يوسف وهبي عام 1925 ووافق عليه مبدئيا، وما صاحب هذا الفيلم من جدل وردود أفعال كان من بينها صدور فتوى من الأزهر تنص على أن الدين يحرم تحريما باتا تصوير الرسل والأنبياء والصحابة؛ الأمر الذي جعل الملك فؤاد يرسل تهديدا صريحا ليوسف وهبي بحرمانه من الجنسية المصرية إذا قام بالدور. وبشيء من التفصيل نزيح الستار عن محاولة أخرى تم فيها الزج باسم الممثلة والمخرجة المصرية عزيزة أمير، وكانت هناك ضجة بشأنها أحدثتها رسائل من أحد المخرجين المنتمين للمجمع التمثيلي، تبعتها ردود فعل عنيفة من الأزهر ومن مجلس الوزراء ووزارة الخارجية وجمعية الشبان المسلمين. وقبل كل ذلك وبعده نشير إلى أن هناك قرارًا لوزير الثقافة والإعلام يحمل رقم 220 لعام 1976 بشأن القواعد الأساسية للرقابة على المصنفات الفنية، تنص المادة الخامسة منه على منع ظهور صورة النبي محمد صلى الله عليه وسلم صراحة أو رمزًا أو صورة أحد الخلفاء الراشدين وأهل البيت والعشرة المبشرين بالجنة أو سماع أصواتهم، وكذلك إظهار صورة السيد المسيح أو صورة الأنبياء بصفة عامة، وعلى أن يراعى الرجوع في كل ما سبق للجهات الدينية المختصة. موقع "إيلاف" في 23 أبريل 2004 |
ملصق فيلم محمد تركة نبي
ملصق فيلم محمد تركة نبي
أفيش فيلم خاتم المرسلين |
وما ضرورة تجسيد شخصية النبي؟ ماجد حَــبُــتّــه * |
اعتذر يوسف وهبي فقام يهودي بدور النبي محمد! ماجد حَــبُــتّــه * |
معركة كبرى يفجرها كاتب يبحث عن الشهرة! ماجد حَــبُــتّــه * |