شعار الموقع (Our Logo)

 

 

"الجزائر باب الجنة" كما يقول مطرب الموسيقى الشعبية الجزائرية دهمان الحراشي في اغنيته "بلاد الخير". وما نراه في شريط "تحيا الجزائر" هو بلد يحاول الدخول من جديد الى جنان العيش بعد ان وقف على ابواب الجحيم سنوات عدة.

"تحيا الجزائر" الفيلم الروائي الثاني للمخرج الجزائري "نادر مكناش" (الفيلم الأول كان "حريم مدام عثمان" وقد اخرجه عام 2000) هو اول فيلم يصور في الجزائر منذ وقت طويل وفي احيائها الشعبية التي كانت الى زمن قريب تعتبر من الأماكن الخطرة. خرج الفيلم في عروض تجارية في الجزائر وفي فرنسا في الفترة نفسها. وصادف موعد عرضه في بلده, الانتخابات الرئاسية, فهل كان ذلك من قبيل الصدفة وهو الذي يتحدث عن الجزائر وواقع ناسها اليوم؟

يبدأ الشريط بابتسامة وينتهي بها لبطلته الجميلة لبنى عزبال ولكن بينهما دموع وخيبات تتوالى, وصور ارادها المخرج ان تكون واقعية للجزائر اليوم. وعلى رغم اجواء اللهو والسهر, ومحاولة العيش من جديد, والبحث عن خلاص من آثار خلفتها سنوات العنف, فقد بدت الصورة قاتمة بل شديدة القتامة. شباب يعاني البطالة والفراغ, وشابات يعشن تناقضاً مظهرياً وسلوكياً يعكس لا ريب وضعاً اجتماعياً مقلقاً لم يستقر بعد على حال, وبحث عن هوية لم تتحدد بعد, ورعب من المجازر لم يمح بعد من النفوس على رغم هدوء الأوضاع.

عبر لوحة لثلاث نساء يعشن وحيدات من دون رجل في نزل, يصور مكناش بلده على نحو اقل ان نراه في صور لم تظهر إلا العنف والمجازر. عليا (وأدت الدور الممثلة المغربية الأصل والمقيمة في فرنسا لبنى عزبال ونخمن ان هذه هي الترجمة الصحيحة فمقدمة الفيلم خلت من اي اسم بالعربية) فتاة جميلة عازبة تعيش مع امها في حارة شعبية وتعمل في استديو للتصوير. علاقتها منذ ثلاث سنوات مع طبيب متزوج وكاذب لم تكن لتمنعها من إغواء آخرين وإقامة علاقات جنسية معهم. تحاول التخلص من رتابة حياتها بالخروج في عطلة نهاية الأسبوع وقضاء امسياتها في علب الليل والرقص وهي على اكمل وجه وفي ثياب مغرية وتكشف عن الكثير. تبدو في سلوكها وحركاتها الإغوائية مبتذلة ولا تشبه في شيء الفتاة التي تظهر في اليوم التالي وهي ترتدي الجلابة, وتذهب الى المقبرة لزيارة قبر والدها, او حينما تمشي في الشارع او تكون في مقر عملها: صارمة, عدوانية, حزينة تعاني من الحياة اليومية وظروف العيش الصعبة ومن كذب حبيبها. تصب جام غضبها على الكثيرين لا سيما منهم والدتها. شخصية لا يمكن التنبؤ بردود افعالها, اجادت الممثلة إبراز تناقضاتها وفهم منطقها لا سيما حين تنقلها من حال الى حال وعلى نحو مفاجئ احياناً.

لجأت الى المدينة

اما والدتها (ادت الدور النجمة الجزائرية الشعبية بيّونة), فكانت راقصة سابقة وقد لجأت الى المدينة هرباً من المتطرفين. ويلاحقها خوف دائم منهم ومن تمكنهم من التعرف الى شخصيتها ما يجعلها تعيش في قلق مستمر. المرأة الثالثة (ناديا قاسي) عاهرة قضت في ظروف غامضة على يد عشيق لها ذو مركز له علاقة بالأمن. حياة الليل والبارات التي تعج بمرتاديها والحركة فيها, ونجاح الراقصة بالعودة الى ممارسة مهنة الغناء بعد مثابرة منها على البحث وهو الأمل الوحيد الذي تحقق في الفيلم, لم تخفف من قتامة المشهد. ولعل رغبة المخرج وهو كاتب السيناريو ايضاً, في طرح كل المشكلات دفعة واحدة من خلال قصص هؤلاء النسوة اثقلت حكايته. فمن ناحية بيّن مشكلات الشبان الذين لا يعرفون, لتمضية الوقت الطويل, سوى الوقوف في الشوارع او الرقص والشرب وممارسة الجنس وكذلك اظهر الرشوة المتفشية, وعمل رجال الأمن, وأزمة السكن, وعمل المنجمات... كما بدا ميله في اختراق عوالم محرمة كإبراز ممارسة الجنس والشذوذ وإظهار عري بطلته وكأنه مقحم في بعض المشاهد. وعلى رغم ان طرحه لبعض شخصياته الثانوية التي تبرز بعض الظواهر المتفشية في المجتمع الجزائري كالطبيب (عمل الإدارات) ورجل الأمن (الرشوة والنفوذ), والبواب الذي تقاسم وأسرته ممتلكات العاهرة كالطير الذي ينقض على اللحم الميت (الفقر والاستغلال), لم يبد طرحاً عمومياً بل بدت تلك الشخصيات حقيقية وقوية التأثير والحضور, وليست مجرد رموز لظاهرة وهو ما يسجل للمخرج, بيد ان تعددها جعل الفيلم مزدحماً بالتفاصيل والشخصيات... ورصد المخرج الواقع كما هو, إذ جاء سرد الأحداث كما الحياة الواقعية. وتناوب فيها الصعود والهبوط من دون ان يكون ثمة خط تصاعدي واحد لمجريات الأمور. وهذا ما يشكل عادة حياة الإنسان العادي في اليومي المعاش. اما الأماكن التي جالت عليها الكاميرا فبدت ضيقة وعتمة, كئيبة وقذرة. بيد ان اجملها وأكثرها إضاءة كان المقبرة البيضاء التي تقع على مرتفع يطل على المدينة وجلسة الفتاة مع امها على قبر والدها والريح تعبث بالأشجار. وأكثرها تأثيراً كان حيث يحفظ الأموات في المستشفيات. مكان غريب تحت الأرض تملأه المياه وهو احد افضل المشاهد في الفيلم. كما بدا بيت العرافة المزدحم بالباحثات عن الحلول والآمال مختلفاً عن الأماكن الأخرى بانفتاحه وتنسيقه.

وفي حوار مع المخرج في إذاعة "فرانس - انتير" قال ان الفيلم عرض في الجزائر من دون ان يتعرض للرقابة وأن الجزائر حال خالصة في العالم العربي بمحاولات الديموقراطية فيها وبتناقضاتها التي تقبلها. وهي اي الجزائر لا تزال "بلداً صعباً". نستطيع القول ان من المؤكد ان الجزائر "حالة خاصة" إذ لم يتعرض الفيلم لرقابة. فالمشاهد الجنسية وعري البطلة والإيحاءات الجنسية بالشذوذ قد لا تمر بمثل هذه السهولة في بلد عربي آخر إلا إن كانت الحال تغيرت ونحن لا نعلم!

جريدة الحياة في  30 أبريل 2004

كتبوا في السينما

 

مقالات مختارة

حوار صريح مع المخرج السينمائي المصري محمد خان

عمر الشريف يفوز بـ"سيزار" أفضل ممثل

جوسلين صعب:السينما التسجيلية تمنح رؤية نافذة للاحداث

ناصر خمير: أفلامي حلم... وعندما تحلم تكون وحدك

      برتولوتشي: لقاء

رندة الشهال: أهل البندقية يحبونني

تاركو فسكي: بريق خافت في قاع البئر

 

 

"تحيا الجزائر"

الديقراطية الجديدة سهّلت عرضه

ندى الأزهري