آثار فيلم «هيدالجو» موجة من الغضب لدى جمهور المتفرجين مع ابتداء عرضه في نهاية الاسبوع الماضي كونه يتعرض ولو بطريقة غير مباشرة لنماذج عربية مقدماً اياها في صور مشوهة لينال من القيم المجتمعية العربية والاسلامية، وكانت جهات اسلامية واعلامية قد وجهت انتقادات شديدة للفيلم قبل عرضه في دور العرض الاميركية واكدوا ان الفيلم يستخف بالعرب والمسلمين. ومع ان كاتب السيناريو «جون فاسكو» يؤكد استناده لقصة حقيقية وانه بحث جيداً في الحقائق التاريخية الا ان الدكتور عوض البادي مدير مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الاسلامية نفى ان يكون هناك مجرد فكرة لاقامة سباق خيول تاريخي عبر الجزيرة العربية، وان هذا محض هراء كما جاء على لسانه في حديث لصحيفة «اراب نيوز». واحداث الفيلم تدور حول سباق للخيول يشارك فيه افضل الفرسان وافضل الخيول على ان يبدأ السباق من الربع الخالي في السعودية مروراً بالعراق ثم سوريا وينتهي بشاطئ البحر المتوسط، وبعيداً عن جدلية النفي والتأكيد وما اذا كان هناك سباق ام لا خصوصاً وان فكرة تقصي الحقيقة لن تأخذنا بعيداً وقد ارجع الفيلم تاريخ السباق الى فترة زمنية قريبة . وهي نهايات القرن التاسع عشر وبالتحديد عام 1890، ولأن أحداث الفيلم ليست قائمة على فكرة السباق فقط انما هناك اسقاطات كثيرة اراد الفيلم ان يقدمها كما قلنا بطريقة غير مباشرة وان يبدأ السباق من الاراضي السعودية ويمر بالعراق ثم سوريا وينتهي في لبنان فهذا لن يأخذنا بعيداً عن فكرة السباق الدائر على ارض الواقع والذي يقوده الفارس الاميركي، وان يكون هناك فرس للأميرة البريطانية «اني» وتشارك في السباق وتخسر فإن هذا يحيلنا الى الاستعمار البريطاني في شبه الجزيرة العربية والذي تحول الان الى استعمار اميركي بطريقة عصرية، اما الخيول العربية فيقدمها الفيلم على انها قوية لكن قوتها لا تسعفها امام اندفاع الحصان «هيدالجو» تلك هي الخيول فماذا عن الفرسان. سيأتي في المقدمة الفارس الاميركي بالطبع «هوبكينز» ولا ضير ان ينافس احد الفرسان العرب حتى النهاية على الفرس «حطال» لكن هناك من ينتحر لعدم قدرته على الاستمرار فأية قراءة واقعية تحتمل هذه العملية. من ناحية اخرى تقودنا بعض المشاهد والعبارات الى أجوبة تفوح منها رائحة خبيثة ونوايا سيئة يحملها الفيلم، فأول مشهد على الاراضي العربية يمثل نزول المسافرين من الباخرة ونفاجأ دون أي مبرر باناس مقيدين بالسلاسل مع عبارة موجهة الى الاميركي تقول «هل رأيت عبيداً من قبل؟» ونحن لسنا بحاجة لأن نقول أن الاسلام قضى على العبودية من زمن بعيد. وانتفت هذه الصورة المشهدية التي يقدمها الفيلم فماذا عن سلاسل الزنوج الافارقة في اميركا والتي مازال صوتها يجلجل حتى الآن؟ وهل هذا الطفل الاسود الخادم لدى الفارس الاميركي والممنوح من قبل الامير «بن رياض» هو نفسه الطفل الذي أسر من ارضه افريقيا مكبلاً بالاغلال الى الارض الاميركية ام اراد الفيلم ان يلصق العار الاميركي بالعرب؟ ومنذ متى تتجرأ الفتاة العربية على الدخول الى مخدع الغرباء حتى في عصرنا الحاضر فما بالنا والفيلم يأخذ ابنة الامير «جزيرة» ليدخلها خيمة الفارس الاميركي ليدور بينهما حوار وأي حوار، «جزيرة» تشجع الاميركي حتى يفوز بالسباق على حساب فارس عربي متزوج من ثلاث نساء واذا فاز فجائزته الزواج من ابنة الامير. وهي الصغيرة مقارنة بعمر الفارس، ها نحن ندخل في امور دينية اسلامية بحتة تتعرض للزواج بأكثر من امرأة، ليس هذا فقط بل يسأل الفارس الفتاة «جزيرة» لماذا نضع الغطاء على رأسها ووجهها فتجيبه بأنه لا يعرف شيئاً عن حياتنا نحن العرب، وتسأله بدورها انه لا يشبه الهنود الحمر كما يدعي فيجيبها بأنها لا تعرف شيئاً عنهم، انها مسألة اخرى تدعو لأن يعرف كل طرف تاريخ الاخر. وهذا مشروع، لكن تبقى قضية التأثير والتغيير، ففي النهاية ترفع «جزيرة» الغطاء عن وجهها وتقابل الغرباء وتحادثهم وجهاً لوجه، كيف؟ يمهد الفيلم لذلك بحادثة اختطاف «جزيرة» من عقر دارها عن طريق جماعة خارجة على القانون في شكل قطاع طرق، واذا اعاد الاميركي الفتاة «جزيرة». وخلصها من اسرها يتم العفو عنه من عقوبة الاخصاء التي قررها الامير بعد ضبط ابنته في خيمة الاميركي، ومع ان فرسان القبائل مازالوا متواجدين لاكمال السباق الا ان الاختيار يقع على الغريب وهذا يتنافى مع القيم العربية تماماً وهي ادانة لا تضاهيها ادانة على الرغم من تناقضها وبشكل مشين مع منطق الشرف عندما يتعلق الامر بدخول فتاة الى مخدع غريب. انها تناقضات مقصودة في شكلها خبيثة في مضامينها ولا يتقبلها عقل اكبر المتعلقين بحبال العولمة والانفتاح على الحضارات، و«جزيرة» ليست فتاة كما صورها الفيلم، انها منطقة مترامية الاطراف تضم شعوباً لها ديانتها وثقافتها وعاداتها وموروثها، ومن يخلصها من الاسر يحق له ان يفرض رأيه ويتحكم فيها فهل هذا ما يريده الاميركي؟ ليس بعيداً ان يتماهى الفيلم مع واقع الحكم الاميركي وما يحدث بالفعل ولذلك عبر الجمهور العربي عن غضبه وقد فضلنا ان نتقصى ردة الفعل بعد كل عرض ونسأل الجمهور، غير ان الغضب في معظم الاحيان كان ادانة للمثل عمر الشريف لاشتراكه في هذا العمل وكيف انه لم ينتبه الى هذه الاخطاء التي تشوه الانسان العربي. فنياً استطاع الفيلم ان يتعامل مع المساحة الواسعة التي وفرتها الصحراء وبيئتها، وتحركت الكاميرات مستفيدة من مناظر الغروب والشروق لكي تبقى مسألة الحوار التي لم تكن مقنعة بالمرة خصوصاً فيما يتعلق باللغة، ان يتحدث الاميركي الانجليزية فهذا منطقي، وان يتحدث العربي العربية فهذا ايضاً منطقي، وان يوجد مترجم كوسيط بين الاطراف فهذا ايضاً منطقي، وقد ادى عمر الشريف دوره متحدثاً باللغة العربية وبطلاقة على الرغم من ان الفيلم يؤكد على الجانب الثقافي للأمير «بن رياض». وانه يقرأ الكتب المترجمة او بلغتها الاصلية ومن الممكن ان يتحدث بالانجليزية ويحاور ضيفه دون وسيط، لكن التناقض يظهر جلياً عندما يستعان بممثلة غير عربية لتؤدي دور «جزيرة» وتأتي لغتها العربية مشوهة ومتكسرة وهي ابنة الامير!، اما الاغرب والاعجب انها تحاور الفارس الاميركي بلغة انجليزية سليمة الامر الذي يجعلنا نستهل اصدار الاحكام الفنية السلبية على الفيلم، فكيف تتعلم الفتاة العربية وتجيد لغة اجنبية وهي نفسها المدانة بارتداء غطاء الوجه وسلبية الارادة في اختيارها لشريك حياتها؟ الجزئية الاخرى التي اسهب الفيلم في تقديمها هي عملية التآمر من قبل الفرسان العرب على الفارس الاميركي حتى لا يفوز بالسباق، ونختار من هذه المؤامرات ان يدفع احد الفرسان مبلغاً من المال لحراس بئر الماء حتى لا يشرب الفارس او حصانه ويموتان من العطش غير ان الفارس الاميركي يقوم بهجوم ذكي ويحصل على الماء بعد تغلبه على الحراس، هل نعيد قراءة هذا المشهد بشيء من التغيير على ضوء قراءتنا للسيناريو بكامله؟ نعم .. فالسباق ليس سباقاً للخيول وانما هو مجاز لسباق اخر، وافتراض خروج الاميركي منه هو ايضاً افتراض مجازي، ولهذا لن تكون بئر الماء الا شيئاً افتراضياً يحمل دلالة اخرى لبئر البترول الذي يمد الصناعة الاميركية بالحياة، فماذا يفعل الاميركي ليضمن استمرارية حياته؟ ان مشهد الاستيلاء على بئر الماء ما هو الا انعكاس لمشهد وضع اليد على بئر البترول. عموماً الفيلم محمل بدلالات كثيرة ووسائل مقصودة، لا شأن لها بحقيقة سباق كان يقام في فترة زمنية معينة من عدمه، وان يغضب الجمهور من الشكل العام الذي ظهر به الانسان العربي فإن التفاصيل تحمل ما هو اشد واقسى من الشكل، فالاسقاطات لم تكن عبثية او مجانية حتى نمر عليها مرور الكرام، فالانسان العربي بهذه الصورة في الفيلم هو انسان ضعيف تكبله معتقداته الدينية وعاداته الاجتماعية ولابد من مساعدته لكي يتخلص منها، والانسان العربي ليس بمقدوره ان يحمي بيئته وعائلته . وهو يحتاج لحماية من نوع خاص، الى اخر الاسقاطات الكثيرة التي لا تنفصل بأي حال من الاحوال عن الواقع المعاش وسلسلة الاصلاحات المفروضة على المجتمع العربي، فما هو الحل اذن؟ تأتينا النهاية لتقول لنا ان التقاء المصالح لابد وان يفرض نوعاً ما من الخدمات المتبادلة والعلاقات الجديدة، يتصافح الامير «بن رياض» والفارس الاميركي وتستبعد الاميرة البريطانية من السباق والمصافحة. ليعود الفارس الى بلده ويطلق جميع الخيول بما فيها حصانه «هيدالجو» الى البراري كما كان حاله من قبل وكأن الحصان الفائز بجائزة السباق قد اشترى حرية جميع الخيول وكأن الفارس الاميركي قد قام بواجبه بوضع بذور الحرية والانعتاق من القيود لمجتمع انساني حتى ولو كان هذا المجتمع بعيداً عن تفاصيل حياته الخاصة. في النهاية نأتي على اهمية مشاهدة هذا الفيلم من عدمه، لكننا سنقع في اشكالية قديمة جديدة لم تحسم حتى الان وهي فتحنا للأبواب امام الاخر حتى نتعرف على طريقته في التفكير وكيف ينظر لنا حتى نستطيع التعامل معه؟ ام نغلق الابواب ونكتفي بادعاء المعرفة بأمورنا وليذهب الآخر برؤيته الى الجحيم؟ وبما اننا بصدد عمل فني سينمائي يحتاج الى فعل ورد فني مماثل، وفي ظل غياب الردود وانغلاق الاسواق المفترض وصول الرد اليها ننصح بمشاهدة الفيلم ولكن بوعي تام بكل الخفايا، فالفيلم ليس عملاً فنياً خالصاً وانما هو طرح سياسي له اهدافه المقصودة، وعلى المشاهد ان يضع اعصابه تحت السيطرة بعيداً عن الانفعالية المتوقعة. البيان الإماراتية في 26 أبريل 2004 |
برتولوتشي: لقاء |
فيلم أثار غضب الجماهير Hidalgo يتلاعب بصورة العربي في سباق واقعي عزالدين الأسواني |
|