في هذه الحلقة من كتاب تاريخ السينما العالمية للمؤلف ديفيد روبنسون نتعرف على مرحلة جديدة من تحولات السينما مع نهاية الحرب العالمية الثانية وظهور التيار الواقعي الذي يقول عنه روبنسون:أمر حتمي ألا يتحقق المثال الزافاتيني للواقعية الجديدة كاملاً كما تصوره زافاتيني ولاجتي في كثير من الافلام التي كتبها هو نفسه، والتي كشفت دائماً عن غرام لا مفر منه بالتقاليد العاطفية والدرامية. غير ان هذا الالتفات المتواصل الى الواقع كانت له اثاره العميقة والبعيدة المدى على سينما ما بعد الحرب.. شكل زافاتيني فريق عمل مثمر مع «فتى الشاشة الاول» سابقاً فيتوريو دي سيكا 1907 ـ 1974، بادئاً بفيلم «bambini ci guardano» 1943 حيث استخدم ممثلين محترفين نجوماً ولكنه تناول مشاكل الحياة الاسرية بأمانة وصراحة أثارتا اعتراضات قوية من جانب النظام الفاشي، وفي الافلام التالية استطاعا الاقتراب اكثر من مثل زافاتيني مرتجلين الاحداث في مواقع التصوير، شوارع روما كما هي «بوابة السماء» 1946، و«ماسحو الاحذية» 1946 حيث يقدم زافاتيني وصفاً قاسيا للحياة الأليمة التي يحياها ماسحو الاحذية الاطفال وهم يصارعون من اجل البقاء في شوارع روما ما بعد الحرب. اما افضل اعمالهما معا فهو «سارقو الدراجات» 1948 الذي جاء أقرب ما يمكن الى تصورات زافاتيني عن خلق الافلام من الدراما الطبيعية للحياة الواقعية، وجوهر قصة الفيلم هو ما يمكن ان تعنيه سرقة دراجة من كوارث لصاحبها، حيث عليها يتوقف عمله، الذي حصل عليه بشق الأنفس وحياته كلها، وفي «معجزة في ميلانو» 1951 جرى ادخال قدر من فانتازيا كلير على الاطار الواقعي الجديد. اما امبرتو دي 1952 فكان آخر فيلم كبير في اطار الشكل الاصلي والنقي للواقعية الجديدة، وهو يصور بدقة وحميمية المآسي الصغيرة التي تفرضها الوحدة على كهل متقاعد، وقد قام بالادوار كلها، كما في «سارقو الدراجات» ممثلون غير محترفين. على المستوى العالمي يعتبر «روما ـ مدينة مفتوحة» 1945 لروسيللينى هو اول افلام الواقعية الجديدة إثار للانتباه، وكان روبرتو روسيلليني 1906 ـ 1977 قد اخرج قبل ذلك مجموعة متنوعة من الافلام التسجيلية والروائية، من بينها بعض الاعمال الدعائية للفاشية. ولقد استطاع الفيلم، الذي تم تصويره في شوارع روما وبالحد الادنى من التمويل، ان يعيد تشكيل احداث المقاومة بحيوية بالغة جعلت المشاهدين يشعرون ان ما يرونه واقع حقيقي.وفي «السلام» 1946 تخلى روسيلليني عن استخدام الممثلين في «روما ـ مدينة مفتوحة» قام بالبطولة الدو فابريزي وانا مانياني وقدم ست قصص من الحياة في ايطاليا عند نهاية الحرب وفي «المانيا سنة صفر» 1947 حاول روسيلليني، بنجاح اقل، نقل تجربة الواقعية الى المانيا المهزومة. كما قام بتطبيق تقنيات الواقعية الجديدة على موضوع تأريخي في «فرانشيسكو، عدو الله» 1950. من بعد «استحواذ» لم يقدم لوتشينو فيسكونتي 1906 ـ 1976 منفرداً فيلماً روائياً آخر حتى 1948 حيث «الارض تهتز» ذلك الموضوع الذي كان ينوي تقديمه في ثلاثية ولم يتمكن إلا من الجزء الاول فقط، ويعد هذا الفيلم قمة من قمم الواقعية الجديدة، ولكنه لم يعرض إلا لفترة قصيرة بسبب طبيعته غير التجارية بالمرة وصعوبة اللهجة الصقلية، في نسخته الاصلية. على المتفرج الايطالي، ويدور موضوعه حول عائلة من الصيادين البسطاء تصارع ـ بلا امل، ففيسكونتي يزدري الحلول السهلة ـ ضد نظام قمعي وقدر لا يرحم. وشخصيات الفيلم واطاره ومأساته مضفرة كلها ببعضها البعض في تكامل، ان المشاهد سيرى احداثاً كأنها حقيقة، ولكنه سيحرم من ذلك الاحساس السهل بالرضا أو التطهر الناتج عن التعاطف أو التماهي. ثم جاء فيلمه التالي على النقيض تماماً، وان ظل مخلصاً لمباديء زافاتيني بمتابعته للمآسي الصغيرة المضحكة في الحياة العادية: حيث يرسم bellissima ـ 1951، قصة امرأة يدفعها طموحها لفوز طفلها في مسابقة للمواهب السينمائية الى الاستعداد للتضحية بكل شيء نفسها، زواجها، بل وطفلها ذاته. وبعد اثنتي عشرة سنة من «الارض تهتز» عاد فيسكونتي الى افكار الواقعية الجديدة مرة اخرى في «روكو وأخوته» 1960، حيث يقدم قصة هجرة بعض فلاحي الجنوب الى شمال ايطاليا الصناعي في معالجة اوبرالية ضخمة. وكان قد قدم قبله «احساس» 1953، و«الليالي البيضاء» 1957، عملين تاريخيين رومانتيكيين شديدي الزخرفة. البيان الإماراتية في 25 أبريل 2004 |
برتولوتشي: لقاء |
تاريخ السينما العالمية الواقعية الجديدة تفرض نفسها مع نهاية الحرب |
|