شعار الموقع (Our Logo)

 

 

حين تلقي شركات الأفلام قنابلها الكبيرة هذا الصيف عبر إنتاجاتها من الأفلام المتخصصة في الحركة والمطاردة والتشويق، والمكلفة إنتاجا لأجل ضمان عنصر الدهشة لدى جمهور المراهقين وما فوق،  فإن الأسماء المعروفة وراء الكاميرا من المخرجين ستختلط بتلك الأسماء الجديدة التي تقف وراء الكاميرا لأول او ثاني مرة فقط.

سابقا كان الحال عبارة عن فترات انتظار طويلة يمضيها المخرج الجديد. يبدأ بمجموعة من الأفلام الصغيرة، رعباً او كوميدياً او تشويقاً، قبل أن يستطيع المطالبة بحقه في إخراج فيلم ذي ميزانية تفوق مجموع ميزانيات أفلامه كلها.  والجميع يعلم أن هذه الطريقة هي الأجدى والأكثر ضمانا.

في العشرينات والثلاثينات كانت قلة نادرة من المخرجين تستطيع أن تبدأ تسلم مهام رئيسية قبل أن تمضي سنوات من العمل على إنتاجات صغيرة. حينما برز اسم جون فورد كواحد من كلاسيكيي السينما الأمريكية في أواخر الثلاثينات، كان أمضى عشرين سنة قبل ذلك في إخراج الأفلام غير المشهورة. المخرج كلارنس براون أخرج 40 فيلماً قبل أن ينال أول أوسكار. سام وود لم ينجز “لمن تقرع الأجراس” الا من بعد أن أمّ تنفيذ نحو عشرين فيلما سابقا.

في السبعينات مالت هوليوود لأول مرة للاستعانة بمخرجين جدد تماما. لكن فرنسيس فورد كوبولا وجورج لوكاس ومارتن سكورسيزي حققوا أفلاما صغيرة قبل أن يحقق كل منهم عمله الكبير الأول. صحيح أن الفترة بين بدء تحقيق كل منهم فيلمه الصغير الأول وفيلمه الكبير الأول ليست طويلة، لكن المطلعين أدركوا أنهم أمام مواهب لا يمكن الاستهانة بها.

الحد من الكلفة

الآن، تحوّل الأمر الى ما يشبه التسابق على الاستعانة بالخبرات الجديدة التي لم تنجز بعد تجاربها الشخصية وراء الكاميرا، لا تزال تحمل في طيّاتها تساؤلات حول معايير ومقاييس فنية. ولا تزال تبحث عن أسلوب خاص بها، اذا ما أمكن لها التمتع بذلك الأسلوب يوما.

الحاصل هو أن خمسة عشر فيلما هذا الصيف، بينها بضعة أفلام بالغة الكلفة، ستوضع بين أيدي خمسة عشر مخرجا جديدا. هذا في الوقت الذي ارتفع فيه معدّل كلفة الفيلم الواحد الى 110 ملايين دولار، ناهيك عن كلفة ترويجه والدعاية له. هذا أعلى معدل كلفة بلغها الفيلم الأمريكي الى اليوم.

وفي حين أن هناك مخاطرة كبيرة في وضع مثل هذا المبلغ بين يدي مخرج جديد كان يعتقد أنه سيكون محظوظا لو استطاع إنجاز فيلم بميزانية مليون دولار او مليونين، فإن المسببات التي تدفع بشركات الأفلام لفتح بوّاباتها للمخرجين الجدد تثير قدرا من الطرافة. ففي الأساس تتم الاستعانة بهؤلاء المخرجين الجدد للحد من الكلفة. فبينما صار صعبا الإتيان بمخرج من صنف تجاري أول، مثل ريدلي سكوت او أوليفر ستون او جون وو او سواهم، لأن كلفة الواحد من هؤلاء تتراوح بين 5 و7 ملايين دولار بالاضافة الى ما يطلبه من حصة من العائدات التجارية، أخذت هوليوود تبحث عن بدائل على أساس أن أي مليون يمكن ادخاره هو ربح لها يسجله المشروع حتى من قبل أن يبدأ.

تجربة سابقة

والحال هذه فإن الاختيار لا يزال ملك كل إنتاج على حدة. ففي مستطاع كل انتاج المراهنة على مخرج كبير أسس اسمه او المراهنة على مخرج ناشئ يعتقد أنه سيكون كبيرا. بمعنى إن الجهة المنتجة تعلم ان المخرج الكبير لديه إمكانيات ثبت تداولها وثبتت قدراتها. ستدفع له أكثر لكنه تجاوز فترة التجريب، هذا حل، او أنها ستفكر بخطف مخرج واعد قبل أن يخطفه غيرها.

وبينما سنرى أفلاما للكبار (ريدلي سكوت ينهي تصوير “مملكة الجنة”، أوليفر ستون وراء “طروادة” الخ...) الا أننا سنرى عددا من الأفلام الكبيرة لمخرجين جدد. أصغر هؤلاء سنا واحد اسمه جون تشو ينجز حاليا “باي باي بيردي”، وفيلما موسيقيا بميزانية 80 مليون دولار.

تشو كان حتى العام الماضي لا يزال يدرس السينما في جامعة كاليفورنيا الجنوبية. اكتشفه منتج اسمه دوغلاس ويك وتقدم به الى شركة فوكس التي قبلت المجازفة.

على أن هذا الاتجاه ليس جديدا على نحو كامل. خلال السنوات الخمس عشرة الأخيرة أقدمت هوليوود على توفير عدد من الأفلام المتوسطة او الكبيرة الى عدد من المخرجين الجدد. ولم تكن النتيجة دوما في صالح هذا الإتفاق. فحين يخفق الفيلم لا يخفق وحده، بل يسقط مباشرة ذلك المخرج الجديد الذي جيء به للغاية. وهذا ما حدث مع داني هوستون، داني كانون، مايكل دينر، ألسون أندرس والعديد غيرهم من الذين اضطروا للاختفاء عن الساحة. لا أحد يستعين بهم لأن أفلامهم، بصرف النظر عن جودتها او رداءتها، لم تحقق إيرادات ذات شأن او سقطت كليا.

وشركات الأفلام لا تريد الانتظار انهم كما لو كانوا يقطفون محصولا قبل أن ينضج او حتى قبل أن يتم اختباره. عندما حقق فرنسيس فورد كوبولا “العرّاب” كان أظهر براعته في عدد من الأفلام الصغيرة بينها واحد باسم “دمنتيا 13”. وجورج لوكاس أخرج THX1138  وبيتر بوغدانوفيتش أخرج “أهداف” و”آخر عرض سينمائي” ... ومع أن هذه الأفلام لم تحقق أرباحا تجارية، الا أنها أعجبت من كان يبحث حينها عن المواهب الصحيحة لقيادة العجلة.

والواضح أن هوليوود اليوم تُدار بعقلية مختلفة. العقلية التي تجذب إليها هؤلاء الباحثين عن الفرصة الأولى، ويا ليتها تكون كبيرة، مخاطرين بمستقبلهم، قد لا يدركون أنهم من الصغر بحيث يمكن لهوليوود السيطرة عليهم أكثر مما يمكنها السيطرة على المخرجين الكبار. بكلمات أخرى، لا تستطيع هوليوود التحكم بأفلام كوبولا او سكورسيزي او سكوت او ستون او سواهم ودائما ما تجد أن الخلافات تؤدي الى عرقلة سير الفيلم وتكبيده مصاريف أعلى. ولا تستطيع أن تفرض الكلمة الأخيرة حول كيف سيخرج الفيلم الى الجمهور لأن المخرج الكبير ضمن في عقده ألا يتم أي تعديل الا بعد موافقته.

اما الجدد من المخرجين فمن شدة رغبتهم في دخول البوّابات المنيعة مستعدون للتخلي عن أي بند ينص على تدخلهم في النتيجة الأخيرة. بذلك تكون هوليوود إشترت حوافزهم وسيطرت عليهم في ذات الوقت.

وليس هناك حاليا مثال أوضح مما حدث مع فيلم “ألامو” الذي انتقل من بين مخرج مجرّب الى مخرج جديد تبعا لاختلاف وجهات النظر.

ففي الأصل أقدمت شركة ديزني على بحث موضوع هذا الفيلم الوسترن الكبير مع المخرج رون هوارد (“عقل جميل”، “المفقودة” الخ...). الذي غاب دارسا المشروع ثم عاد بفيلم ميزانيته تبلغ 125 مليونا بما فيها 7 ملايين دولار له و7 ملايين دولار لشريكه في الإنتاج (برايان جايزر) الى جانب حصتهما من المبيعات.

ديزني لم توافق إذ لم تكن تنوي صرف أكثر من 80 مليون دولار على المشروع. (تكلف في الحسبة الأخيرة 95 مليونا) فانسحب هوارد (الذي ليس أفضل الكبار على أي حال)، وتم إدخال مخرج طازج اسمه جون لي هانكوك الذي سبق له أن أخرج فيلما واحدا من قبل هو “ذ روكي”. النتيجة هنا سقوط المغامرة بأسرها، ربما ليس لأن رون هوارد كان يستطيع أن يضمن نتيجة أفضل (“المفقودة” لم يحقق إيرادات عالية وهو أخرجه كبديل عن “ألامو”) لكن بالتأكيد لأن الموضوع أكبر حجما من قدرات المخرج الذي آلت المهمة إليه.

بين النجاح والفشل

وهناك مثال على كيف يخفق المخرج الجديد اذا ما تسلم مهمة تتعلق بالبزنس أكثر مما تتعلق بالفن. فحين رغبت شركة مترو غولدوين ماير في إنتاج فيلم “السير بفخر” جاءت بالمخرج الجديد كيفن براي لتحقيقه. براي لم يخرج فيلما من قبل لكنه قرر أنه سيحقق عملا قابلا للنجاح بصرف النظر عن التنازلات. وهو بدأ بذلك من الخطوة الخطأ بلا ريب.

“السير بفخر” هو فيلم صغير من إخراج فيل كارلسون تم تحقيقه سنة 1973 وشهد رواجا بين هواة أفلام الأكشن، ما حوّله الى عمل كلاسيكي. قصة شريف بلدة  قرر القضاء على الفساد على الرغم من قيام العصابة بمحاولة قتله ونجاحها بقتل زوجته. وبعصاه الكبيرة اقتحم معاقلها وحطّم مؤسساتها وأثبت أن القانون قوّة لا يجب أن يُعلى عليها. ذلك الفيلم تكلف نحو 3 ملايين دولار (أو أقل) وجلب ضعف هذا المبلغ (او أكثر).

الحال الجديد هو التالي: براي غيّر في المظهر. أنتج فيلما صغيرا بميزانية محدودة (30 مليون دولار) وحين تم عرض الفيلم انزلق وفيلمه من دون أثر يذكر.

المستقبل في مثل هذه الحالة متفاوت النتائج.

بعض الأفلام سينجح وبعضها الآخر سيخفق. لكن من الذي يستطيع التأكيد على أن النتيجة لها علاقة بالمخرج؟ بمعنى آخر: هناك أكثر من عنصر يدفع المشاهد في امريكا او حول العالم لمشاهدة فيلم او الامتناع عنه ومن بينها الموضوع. ماذا لو أن فيلما مثل “طائرة الصول” للمخرج جيسي تيريرو (القادم فقط من بضعة أفلام فيديو كليب) نجح لأن فيه بضعة نجوم غناء والكثير من العري؟ او ماذا لو فشل؟ الذي سيعاقب هو المخرج وليس المنهج او التفكير وراء الفيلم. ذلك الذي هو من مسؤولية الجهة المنتجة.

كل واحد من هؤلاء الجدد يعلم أنه مقبل منذ البداية على تجربة إما ينفذ منها سالما او تضربه بقوّة فيرتدع وتتساقط أحلامه. لكنهم جميعا يريدون خوض المغامرة بصرف النظر عن عواقبها. لأن هؤلاء أيضا ما عادوا يثقون كثيرا في المستقبل ولا يثقون مطلقا في تموّجات الفكر السائد بين منتجي هوليوود وشركاتها.

الخليج الإماراتية في  25 أبريل 2004

كتبوا في السينما

 

مقالات مختارة

حوار صريح مع المخرج السينمائي المصري محمد خان

عمر الشريف يفوز بـ"سيزار" أفضل ممثل

جوسلين صعب:السينما التسجيلية تمنح رؤية نافذة للاحداث

ناصر خمير: أفلامي حلم... وعندما تحلم تكون وحدك

      برتولوتشي: لقاء

رندة الشهال: أهل البندقية يحبونني

تاركو فسكي: بريق خافت في قاع البئر

 

 

يرحبون بتدخل الآخرين في عملهم

هوليوود تراهن على المخرجين الجدد