شعار الموقع (Our Logo)

 

 

أنبياء الله ظهروا على الشاشة.. من حقنا -في العالم العربي والإسلامي- أن نناقش مشروعية هذا الظهور أو عدم مشروعيته، لكن ما سينتهي إليه نقاشنا لن يمنع ظهورهم في أفلام جديدة، ولن يكون ملزما للسينما العالمية التي حسمت هذا الأمر منذ أكثر من قرن من الزمن.

كل الأنبياء عدا محمدا

بشكل قاطع نستطيع أن نؤكد أن السينما العالمية قدمت كل الأنبياء الذين ورد ذكرهم في التوراة والإنجيل مثل النبي داود والنبي سليمان والنبي يحيى (يوحنا المعمدان)، وأنبياء الله: نوح وموسى وإبراهيم، وقبل كل هؤلاء كانت هناك مئات الأفلام التي تناولت السيد المسيح وواقعة الصلب.

والأكثر من ذلك أنه تم تقديم عدد ضخم جدا من الأفلام عن حياة الرهبان وعالم الأديرة والكنائس، منها أفلام "رجل اسمه بيتر"، و"قصة راهبة" الذي قامت ببطولته "أودرى هيبورن"، و"فندق السعادة السادسة"، وفي عام 1957 قدم المخرج أوتوبرمنجنر فيلم "القديس جوان"، وعاد عام 1963 ليقدم فيلما عن "الكاردينال". ومن ثم فلا نبالغ إذن حين نقول: إن محمدا صلى الله عليه وسلم كان هو النبي الوحيد (المعروف) الذي لم يظهر على الشاشة.

البداية مع نشأة السينما

فمنذ بداية السينما في العالم وهي تقدم أفلاما يظهر فيها أنبياء، إن لم تكن تلك الأفلام تدور بالأساس عن حياة نبي.

وإذا كان الظهور الأول للسيد المسيح على الشاشة مع بداية ظهور السينما فإن النبي موسى لم يتأخر ظهوره طويلا، فلم تكد تمر سنوات قليلة إلا وبدأت الأفلام التي تتناول حياته تظهر فيلما تلو الآخر واستمر الوضع على هذا النحو، حتى لا يكاد عقد يمر دون أن يكون فيه فيلم يتناول حياة موسى أو جانبا منها، وقبل سنوات قليلة شاهد العالم كله، عدا العالم العربي فيلم أمير من مصر الذي يدعي -دون أي دليل علمي- أن رمسيس الثاني‏، هو فرعون موسى‏، ولم يكن الفيلم "أمير من مصر" سوى نسخة من فيلم الوصايا العشر الذي أخرجه سيسيل دي ميل عام 1924 وأعاد تقديمه عام 1959، في إنتاج أكثر عصرية.‏

وبين فيلم أمير من مصر وفيلم سيسيل دي ميل الثاني كان هناك فيلم "موسى" الذي تم إنتاجه عام 1975، وتناول في ثلاث ساعات قصة موسى عليه السلام كما روتها التوراة منذ ولادته وحتى أصبح شيخا عجوزا، فيحكي عن نبوءة أفزعت الفرعون بمجيء مولود جديد يهدد عرشه، وكيف تحايلت أم موسى على هذه النبوءة بوضع مولودها في سلة ألقتها في النهر الذي ذهب بها إلى قصر الفرعون ليعيش فيه موسى حتى تأتيه الرسالة.

ثم يمضي الفيلم في سرد القصة التي نعرفها، وقد اشترك في إنتاج هذا الفيلم الضخم شركة "آي تي سي" الإنجليزية التي يملكها إسرائيلي من أصل روسي يدعى صير لوكريد ومؤسسة "راي" الإيطالية.

فيلم "الوصايا العشر" حكى القصة نفسها في ثلاث ساعات وأربعين دقيقة، وقد تم تقديمه -كما قلنا- مرتين، وإذا كان طبيعيا أن يخرج الفيلم الثاني بمستوى تقني عال فإن ما حدث هو أن الفيلم الأول لم يكن أقل من حيث ضخامة المستوى الإنتاجي أو التقني، فقد بنى دي ميل ديكورات كاملة لمدينة مصرية قديمة، بمبانيها وتماثيلها، والأهم من كل ذلك والأضخم منه هو مشهد شق البحر، فقد بنى حوضين في منتهى الضخامة وقام بطلاء جدرانهما بالزئبق، ومن هذين الحوضين اندفعت المياه بشدة فجاء مشهد انشقاق البحر وغرق جنود الفرعون بشكل مبهر، وهو المشهد نفسه الذي استعانت به فيما بعد أعمال تاريخية مصرية منها مسلسل "لا إله إلا الله"!

ضخامة الإنتاج أيضا كانت واضحة في عدد المجاميع الضخم، فقد استعان سيسيل دي ميل بعشرين ألف كومبارس وخمسة عشر ألف حيوان، وهو عدد شديد الضخامة، توزع بين من تبعوا موسى في خروجه ومن كانوا يقومون بمطاردتهم من جنود الفرعون الذين غرقوا في البحر.

يحسب لهذا الفيلم أيضا أنه جمع بين أكثر من ممثل مهم، فقد قام بدور النبي موسى شارلتون هستون فيما قام يول براينر بدور الفرعون، وهو الدور الذي نال عنه جائزة أوسكار كأحسن ممثل دور ثان.

وما دمنا نتحدث عن سيسيل دي ميل (ولد عام 1881 ومات 1959)، فطبيعي أن نقول إنه أحد من ربطوا تاريخهم الفني بإخراج الأفلام التي تتناول سير الأنبياء أو جانبا منها لدرجة دفعته إلى إعادة صياغة القصص نفسها أكثر من مرة، ومن الأفلام ذات الإنتاج الضخم غير فيلم  "الوصايا العشر" الذي قدمه مرتين (1924، 1956): فيلم "الصليب والصليبيون" 1937 و"شمشون ودليلة" عام 1948، وهي أفلام تعد علامة بارزة في تاريخ الفيلم السينمائي بشكل عام.

نشير هنا إلى أن  شارلتون هستون قام أيضا بدور يوحنا المعمدان (نبي الله يحيى) في فيلم "أجمل القصص المحكية" الذي أخرجه جورج ستيفنز عام 1963، كما أن يول براينر قام أيضا بأداء دور النبي سليمان في فيلم "سليمان ومملكة سبأ" الذي أخرجه كنج فيدور عام 1959.

نبي الله يحيى ظهر أيضا في أكثر من عشرة أفلام منها سالومي (1918) وسالومي (1953)، وملك الملوك (1961)، وسيمون الصياد (1959)، وسالومي (1974)، والإغواء الآخر للمسيح. ومن أنبياء الله الذين ظهروا على الشاشة أيضا نبي الله إبراهيم وقام بدوره جورج سكوت في فيلم "الإنجيل"، وهو الفيلم نفسه الذي قام فيه جون هيوستن بدور نبي الله نوح، كما ظهر في العشرينيات من القرن الماضي فيلم حمل عنوان "سفينة نوح"، وقبله كانت هناك أفلام "سالومي" و"قضاء سليمان" (عن قصة سليمان والمرأتين) و"شاؤول وداود" وفيلم "موسى" الذي ظهر عام 1910، وهو الفيلم نفسه الذي أعيد إنتاجه عام 1975.

وفي الثلاثينيات ظهر العديد من الأفلام التي ظهر بها أنبياء مثل "أغنية المهد"، و"جحيم دانتي"، و"حديقة الله"، و"الضوء الأخضر"، و"أبناء المدينة"، ومع بداية الخمسينيات عادت هوليود وقدمت مسرحية أوسكار وايلد "سالومي" التي ظهر فيها نبي الله يحيي (يوحنا المعمدان)، و"سدوم وعمورة".

وبعد كل ذلك أنتجت الشركة الفرنسية "بوزاتي" فيلم "داود وجوليت"، أما فيلم "يوسف على أرض مصر" فكان من إنتاج شركة "تانهاوزر" الأمريكية، وكل هذه الأفلام تميزت بالإبهار البصري؛ وضخامة الإنتاج وكثرة عدد الممثلين.

السينما الأمريكية في المقدمة

السينما الأمريكية كانت صاحبة النصيب الأكبر من إنتاج هذه الأفلام ومن الاستفادة منها ماديا على الأقل، حدث ذلك على الرغم من أن مؤسسات السينما الإيطالية مع بداية القرن العشرين أنتجت قصصا شبه توراتية مثل "كوفاديس" و"كابيريا".. لكن سرعان ما دخلت هوليود الحلبة وأنتجت في البداية أفلاما ذات طابع ديني ثم بدأ الإنتاج الضخم بظهور فيلم "من مزود الصليب" عدة مرات؛ وهو ما شجع المخرج والمنتج الأمريكي جريفيث على تقديم أفلام أضخم مثل "التعصب" و"جوديث".

صحيح أن السينما الإيطالية عادت بعد ذلك وقدمت أفلاما عديدة غير أنها لم تستطع أن تنافس هوليود، بل على العكس أفادتها بأن استقدمت نجوما ممن لمعوا في السينما الأمريكية، بل وأحيانا مخرجين، وساعدتهم على تقديم أفلام أمريكية تمت صناعتها على الأراضي الإيطالية!

هكذا كانت هوليود هي صاحبة الحضور الأقوى في الأفلام التي تناولت حياة الأنبياء أو من ورد ذكرهم في الأناجيل والتوراة، غير أن النقطة التي كان فيها تميز ما للسينما الفرنسية أو الإيطالية عن هوليود كانت بالنسبة للأفلام التي تناولت شخصيات القديسين والمصلحين الدينيين؛ إذ قدمت كل دولة أفلاما كثيرة عن الشخصيات التي تنتمي إليها؛ فالسينما الفرنسية قدمت مثلا أفلاما عن "برناديت" (أنشودة برناديت)، ثم "القديسة تيريزا" التي تم إنتاج خمسة أفلام فرنسية عنها بين عام 1926 و1989، والقديس فانسان دي بول الذي ظهر في السينما لأول مرة عام 1947.

بقي أن نقول إن العالم العربي لم يشاهد من تلك الأفلام على كثرتها غير عدد محدود جدا.  

________________________

* صحفي وناقد سينمائي مصري

موقع "إسلام أونلاين" في  24 أبريل 2004

كتبوا في السينما

 

مقالات مختارة

حوار صريح مع المخرج السينمائي المصري محمد خان

عمر الشريف يفوز بـ"سيزار" أفضل ممثل

جوسلين صعب:السينما التسجيلية تمنح رؤية نافذة للاحداث

ناصر خمير: أفلامي حلم... وعندما تحلم تكون وحدك

      برتولوتشي: لقاء

رندة الشهال: أهل البندقية يحبونني

تاركو فسكي: بريق خافت في قاع البئر

 

 

أنبياء الله على شاشة السينما

ماجد حبتة *