شعار الموقع (Our Logo)

 

 

أردم قلبي في ووندكني Burry MyHeart at WoundedKnee كتاب صدر قبل نحو عشرين عاما يؤرخ في قرابة‏400‏ صفحة مجزرة أمريكية ضد قبيلة الـسيو الهندية‏.‏ يتناول دوافعها وحيثياتها ومن ثم وقائعها ونتائجها والجهات التي عارضتها وتلك التي أقدمت عليها‏.‏ ويذكر في وصف مؤلم‏,‏ وحشية الجنود وهم يهاجمون مواقع القبيلة التي كانت يوما فخر القبائل الأمريكية فيما عرف لاحقا بالولايات المتحدة الأمريكية‏.‏ بعد قصف مخيماتهم هجم الجنود المخيم وقتلوا الصغار والكبار دون استثناء‏.‏ قطع بعضهم أثداء النساء وأخذوا يلعبون بها مثل الغولف‏.‏ اعتدوا وعاثوا وذبحوا الي حد الثمالة ثم تركوا بصماتهم التي استنكرها بعض الساسة وقليل من الجنود وباركها آخرون كثر‏.‏

فيلم هيدالجو يبدأ بالمجزرة‏,‏ لكنه لا يصورها بل يحيط بها‏.‏ علي قبيلة سيو‏,‏ التي كانت قبل ذلك بأعوام ليست ببعيدة‏,‏ سجلت انتصارا عسكريا ساحقا علي قوات الجنرال كاستر‏,‏ تسليم أسلحتها لجنود متربصين‏.‏ وعندما تقع مشادة فردية بين هندي وجندي يفتح الجنود النار علي أهل المخيم‏.‏ قطع الي بطل الفيلم وهو متجه إلي شأنه قبل أن يتوقف وينطلق عائدا الي المخيم علي ظهر جواده‏.‏ قطع الي المخيم وقد امتلأ بجثث الهنود الذين كانوا بدأوا تسليم أسلحتهم بسلام لكنهم لم يمهلوا الفرصة كاملة‏.‏ المذبحة ليست الوحيدة التي يستلمها الفيلم من التاريخ الفعلي‏.‏ أيضا بطل الفيلم هو شخص عاش ومات بالفعل وترك وراءه سيرة ذات شأن غريب‏.‏ فرانك ت‏.‏ هوبكنز‏,‏ كما يؤديه فيغو مورتنسن‏,‏ هو رجل من أب أيرلندي وأم هندية‏,‏ لكنه نما بشعر أشقر وسحنة بيضاء لا يستطيع أحد أن يعلم أنه نصف هندي إذا لم يعترف فرانك بذلك‏.‏ وهو عاش تلك الفترة ومات عن‏86‏ سنة اونحوها في العام‏.1951‏ شارك في نحو‏400‏ سباق جياد فاز بمعظمها وأحد أصعب السباقات التي خاضها وقعت في البلاد العربية عندما دعي للاشتراك في سباق عبر الصحراء‏.‏ إلي هذا الحد كل شيء حقيقي‏.‏ ما فعله الفيلم أو أضافه علي الحقيقة هو نتاجات خيالية بعضها ضروري للزوم الدراما وبعضها ربما كان استنتاجا تلقائيا أو استفاضات فرضية‏.‏ لكن الحقيقة والواقع والخيال والدرما تؤلف جميعا فيلما جيدا‏,‏ وإن لم يخل من الشوائب‏,‏ يخرجه جو جونستون جيروسيك بارك‏3‏ ويقوم ببطولته إلي جانب فيغو مورتنسن عمر الشريف وزليخة روبنسون‏,‏ و‏(‏المغربي‏)‏ سعيد تاجماوي ولويس لومبارد‏.‏ بالإضافة الي هؤلاء فرس موستنانغ يؤدي فعلا ما هو مطلوب منه ويضيف حزنا رقيقا في أكثر من موقع‏.‏

لم يتجاوز الفيلم الأمريكي هيدالجو الجديد النظرة التقليدية التي تشي بالكثير من عدم الفهم لمفردات الحضارة العربية والإسلامية مثل الادعاء بأن الرسول صلي الله عليه وسلم كان قرصان قبل أن يصبح نبيا فضلا عن مغالطات جغرافية وتاريخية أخري‏!‏
هيدالجو هو اسم الحصان ولب الموضوع‏.‏ تقع الأحداث في العقد الأخير من القرن التاسع عشر عندما يسمع الشيخ رياض‏(‏ عمر الشريف‏),‏ وهو المتابع لكل ما له علاقة بقصص الغرب الأمريكي القديم‏,‏ عن هوبكنز وادعائه بأن فرسه هو بطل جياد العالم في السباقات فيرسل إلي الولايات المتحدة وكيل أعماله عزيز‏(‏ آدم ألكسي‏-‏ مول‏)‏ ليطلب منه إما التنازل عن الادعاء أو قبول الاشتراك في سباق الصحراء الذي تبلغ مسافته نحو‏2000‏ كيلومتر‏.‏ هوبكنز يقبل بالاختيار الثاني علما بأنه لم يكن يعلم شيئا عن الجياد العربية‏.‏ فرسه من نوع الموستانغ وهذا النوع‏,‏ بعلم الجياد‏,‏ هو ينحدر من دم مكسيكي‏-‏ أسباني وهو أصغر حجما من الفرس العربي الأصيل ما يجعله أقل وزنا وأقصر خطي في السباق في وقت واحد‏.‏

وهناك دافع آخر وراء قبول هوبكنز‏:‏ الكوابيس التي تنتابه من جراء مشاهد القتل التي حضرها عندما فتح الجنود الأمريكيون النار علي الهنود الحمر‏.‏ في هذا‏,‏ وسريعا من بعد اللقطة الأولي من الفيلم‏,‏ يلتقي هيدالجو مع فيلم الساموراي الأخير لإد زويك‏.‏ ففي ذلك الفيلم الذي قام توم كروز ببطولته نري ضابطا‏(‏ خيالي النشأة‏)‏ هو كروز محملا بذكريات وكوابيس قتل مماثل أقدم عليه بنفسه ضد الهنود الحمر ثم ضد الجنود الأمريكيين أنفسهم خلال الحرب الأهلية الأمريكية‏.‏ فرانك هوبكنز‏(‏مورتنسون‏)‏ يشترك مع كابتن ألجرن‏(‏ كروز‏)‏ في أنه ضمير الأمة المثقل‏.‏ ثم يشتركان معا في أن كلا منهما يتوجه بعد ذلك إلي بلاد بعيدة يمارس فيها ما كان يقوم به‏.‏ في الساموراي الأخير ينتقل كابتن ألجرن للعمل إلي جانب القوات اليابانية الرسمية في جهدها المبذول لإبادة الساموراي قبل أن ينتقل إلي قوات الساموراي نفسها مواجها القوات النظامية‏...‏ أمر يدرك أنه كان عليه القيام به خلال الحرب ضد الهنود الحمر‏.‏ أما فرانك هوبكنز فهو يهرب من كوابيسه بالإقدام علي مغامرة لا تختلف عن مغامراته السابقة‏:‏ هو وحصانه عليه أن يفوز بالسباق في صحراء العرب كما كان عليهما الفوز في الأراضي الأمريكية‏.‏ كل من فرانك وألجرن كانا يحاولان الهرب من كوابيسهما بالشرب‏,‏ وكل منهما في نهاية الأمر أدرك أن لمحنته امتدادات عالمية‏.‏ كذلك كل منهما يخرج مما قام به بصداقة وطيدة مع الحاكم‏.‏ ألجرن مع الحاكم الياباني‏(‏ بعد كشف خيانة رئيس وزرائه‏)‏ وفرانك مع الحاكم العربي‏(‏ بعد كشف خيانة وكيله عزيز‏).‏

اختلافات جوهرية

نقاط الاختلاف الجوهرية‏,‏ هي أن فيلم الساموراي الأخير يدافع عن اليابان ويحترم تقاليدها‏.‏ فيلم جو جونستون يتحدث كثيرا عن التقاليد والإرث الديني والاجتماعي لكنه لا يستطيع أن يدافع عن شيء في أمر المرأة المحجبة لا يعرف دواعي تحجبها لكي يحترم أو لا يحترم‏,‏ في أمر المشيئة الإلهية والقضاء والقدر لا يفهم بعد ذلك الفلسفي والديني لكي يؤمن بهما كما نفعل‏.‏ لذلك هو فعلا مغامرة أمريكي في أرض العرب‏,‏ يصل بمفاهيمه ويواجه الأصدقاء والأعداء بها ويغادر من دون مساس فعلي بها‏.‏ أي فيلم يتوخي قليلا من التبادل الثقافي والإنساني بين الشعوب كان يستطيع أن يظهر جانبا استفاد منه الأمريكي من الحياة العربية‏.‏ هذا الفيلم‏,‏ كما كتبه جون فوسكو‏,‏ لا يفعل‏.‏

فوسكو يحب نوع الوسترن بلا ريب فهو كتب مسدسات شابة قبل ثمانية أعوام وسبيريت‏:‏ فرس السيمارون الذي أنتج كرتونيا‏.‏ وهو أمضي‏12‏ سنة يبحث في حياة فرانك هوبكنز لكي يتسني له كتابة هذا السيناريو‏.‏ لا ضير فيما لو أمضي سنة منها في فهم الحياة العربية ليس توددا منا‏,‏ بل لمنح الفيلم قدرا من الحقيقة‏.‏ مثلا لو قرأ قليلا لأدرك أنه لم يكن هناك سباق خيول من موقع قريب من الربع الخالي إلي دمشق‏.‏ كانت هناك رحلات‏.‏ ولو قرأ قليلا أكثر لأدرك أن خط الشام‏-‏ الحجاز‏-‏ مكة كان بعيدا كل البعد عن الربع الخالي‏.‏ الربع الخالي كان خاليا لأن أحدا لم يتخذه طريق ذهاب وإياب‏,‏ وهو في أي الحالات لا يقع في الطريق من وإلي دمشق‏.‏ ثم لو قرأ أكثر لوجد أنه ليس هناك ذكر في القرآن الكريم لبعض ما يورده ولعرف أن محمدا صلي الله عليه وسلم‏,‏ لم يكن قرصان طريق‏,‏ قبل نبوته‏,‏ كما يدعي أحد العرب في الفيلم‏.‏

الربع غير الخالي

إذ ننتزع حقول الألغام هذه منذ البداية باستثناء بعض ما سيرد عرضا‏,‏ نستطيع الآن أن ننصرف إلي الفيلم الذي يتميز بحسنات سينمائية عديدة‏.‏ بعد سنوات قضاها في السيرك الأمريكي يستدعي السخرية من تاريخه وفروسيته‏(‏ الحال نفسها مع الساموراي الأخير‏)‏ يقرر فرانك قبول دعوة الشيخ رياض والاشتراك بفرسه في السباق العربي‏.‏ يصل وأول ما يواجهه خط من العبيد السود المكبلين إلي سوق الرقيق‏(‏ أريد مؤرخا عربيا يبت في قدر اشتراكنا في هذه المأساة الإنسانية‏-‏ هل كنا تجار رقيق بعد الإسلام أم لم نكن؟‏).‏

يتعرف علي الشيخ رياض الذي يسكن في خيمة شاسعة مع ابنته جزيرة‏ (روبنسون‏)‏ التي هي كل من بقي لديه من أولاد‏.‏ وحين يمد الأمريكي يده للمصافحة يمتنع الشيخ‏(!)‏ لكنه يستقبله بود ويعرض عليه الاشتراك في السباق لقاء عشرة آلاف دولار إذا ما فاز‏,‏ وأمل الفوز ضعيف لأن الموستانج لا يمكن له أن يفوز بالصحراء العربية حيث سيمر السباق لا في الربع الخالي وحده بل في أرض تسمي محيط النار‏.‏ في المكان نفسه نتعرف إلي ابن شقيق الشيخ واسمه كاتب‏(‏ سيلاس كارسون‏)‏ وهو أمير شرير والبريطانية آن دافنبورت التي تعيش في تلك الصحراء لكي تشارك في السباق مع كاتب والتي تتودد إلي هوبكنز لعله ينسحب من السباق مقابل مبلغ من المال أو ليلة من المتعة أو كليهما معا‏.‏

الباقي سجال من المشاهد البديعة‏.‏ الصحراء العربية لم تبد جميلة‏(‏ وقد تم تصوير الفيلم في المغرب‏)‏ بقدر ما كانت جميلة في هذا الفيلم إلا قبل‏40‏ سنة عندما صورها ديفيد لين في لورانس العرب‏(‏ ومع عمر الشريف أيضا‏).‏ المناخ المغامراتي جيد وجو جونستون يعرف كيف يستخرج من فيلم ذي طراز قديم في رسم الشخصيات والمواقف مشاهد مشوقة ومثيرة‏.‏ الترفيه موجود لكنه لا يأتي عائقا دون دراسة الشخصيات الماثلة ولا هذه تعيق الترفيه المنسج‏.‏ ويمر الفيلم بتلوينات من المشاهد الصحراوية‏:‏ فخاخ‏.‏ مطاردات‏.‏ رمال متحركة‏.‏ عاصفة ترابية هائلة‏.‏ هجوم من الجراد‏...‏ ليس أي منها وقع في الرحلة الحقيقية لهوبكنز في البلاد العربية‏,‏ لكنها ضرورية لفيلم يريد تقديم مادته بإطار مسل وكنوع من المغامرات كانت السينما الأمريكية درجت عليها منذ أيام السينما الصامتة‏.‏

بثلاث كلمات

فيجو مورتنسن‏,‏ خارجا من مغامراته في أرض الخيال المطلق في سيد الخواتم يعمد إلي تجسيد غير عنجهي للشخصية الأمريكية‏.‏ لا يستطيع أن يكون وهو الممثل الذي يريد أن يطرح نفسه جادا‏,‏ هذا من ناحية‏,‏ ولا من صالحه أن يكون وهو يستند إلي خلفية شخصيته كإنسان محمل بأعباء ذكرياته‏.‏

عمر الشريف رائع في دوره هذا‏.‏ مرة أخري‏,‏ عندما يشق الفيلم طريقه إلي الأسواق العربية في مصر أو بيروت أو سواهما‏,‏ سيتساءل البعض عن السبب الذي يقبل فيه الشريف تمثيل دور في فيلم سيرونه معاديا أو مشوها وكفي‏.‏ لكن الأستاذ عمر يستطيع أن يرد بثلاث كلمات‏:‏ رفضه الدور لن يدفع صانعي الفيلم لتغيير منهجهم‏.‏ رفضه الدور سيؤدي إلي استبداله بغيره‏.‏ رفضه للدور سيعزله مجددا عن التمثيل في هوليوود ‏(وهذا فيلمه الهوليوودي الأول منذ أكثر من‏16‏ سنة باستثناء دوره الصغير في المحارب الثالث عشر‏).‏

باقي الممثلين جميعا جيدون والمرء يهنيء روبنسون وكارسون وعددا آخر من الممثلين الذين كان عليهم دراسة العربية الفصحي لكي يؤدوا الأدوار‏.‏ صحيح أنه في مطلع وصول هوبكنز إلي أرض العرب نفاجأ بممثلين ثانويين يتحدثان شيئا غريبا منسوبا إلي اللغة العربية‏,‏ لكن من بعد ذلك كل ممثل يقرأ العربية باللكنة الأجنبية التي عادة ما نسمعها من بعض المستوطنين والمستشرقين‏.‏ هذا علي غرار ما نراه في فيلم آلام المسيح حيث كان علي كل الممثلين تعلم الآرامية والتمثيل بها وهي لغة لا تخلو بدورها من كلمات عربية كثيرة‏.‏

هيدالجو جيد في شتي نواحيه الفنية ولو شيء له تجاوز النظرة التقليدية لما هو عربي‏,‏ وفهم التاريخ والثقافة والسعي لمد جسر بين الشعوب لكان عملا كلاسيكيا في مجاله‏*

الأهرام العربي في  24 أبريل 2004

كتبوا في السينما

 

مقالات مختارة

حوار صريح مع المخرج السينمائي المصري محمد خان

عمر الشريف يفوز بـ"سيزار" أفضل ممثل

جوسلين صعب:السينما التسجيلية تمنح رؤية نافذة للاحداث

ناصر خمير: أفلامي حلم... وعندما تحلم تكون وحدك

      برتولوتشي: لقاء

رندة الشهال: أهل البندقية يحبونني

تاركو فسكي: بريق خافت في قاع البئر

 

 

يقوم ببطولته عمر الشريف وفيجو مورتنسون

الافتــراء علـي الرســول في فيلـم أمـريكي جـديـد‏!‏

المخرج جوجو نستون يوجهه عمر الشريف قبل بداية التصوير

محمد رضا