تتساءل الكاتبة والمخرجة السينمائية الفلسطينية، ليانة بدر، في فيلمها الأخير «حصار» «مذكرات كاتبة»: ماذا تفعل الكاتبة وسط حرب هوجاء حين تجف الحروف ؟ .. هل تستطيع الصورة أن تكتب ؟ .. هل يمكن للكاميرا أن ترسم في لعبة الضوء والعتمة جزءاً مما يحدث؟ .. هل يمكن أن تعكس الأشواق الصارخة للوصول إلى القدس، حيث العائلة، مسقط الرأس. حين تكون هناك كل هذه الحواجز والإغلاقات والأسوار؟! .. من الحصار المضروب على رام الله، منذ بدء عملية إعادة الاحتلال الإسرائيلي للمدينة، ترى ليانة الحياة في أعمال الفنانين، وفي حيوية الحياة اليومية، وشظايا المباني التي دمرها جنود الاحتلال، ومنها وزارة الثقافة الفلسطينية، حيث تعمل. تحاول ليانة من خلال فيلم «حصار»، الذي عرض في مسرح وسينمات القصبة برام الله، مؤخرا، أن تقول «ليست الحياة في مكان آخر»، كما يقول ميلان كونديرا، «فليس هناك إلا فلسطين، حتى لو كانت تحت كل هذه الاحتلالات والحصارات». وتقول ليانة عن الفيلم، الذي يعد الرابع في مسيرتها السينمائية، بعد «فدوى .. حكاية شاعرة فلسطينية»، و«زيتونات»، و«الطير الأخضر»: كوني كاتبة والكاتب يعبر بكتابته عن الأفق العام والمشاعر المحيطة به، وجدت أن سنة كاملة من الحصار في رام الله، يمكن لها أن تكون محوراً لعمل فني مصور، خصوصاً أنني كنت قد كففت عن الكتابة بانتظام منذ بداية هذا الحصار .. كنت أقوم بالكتابة بشكل شبه يومي، ثم وجدت أن الحصار يقلص العالم، ويجعله مقنناً في أشكال رتيبة ومكرورة عناوينها: «منع التجول، الاشتباكات، القنص، الاعتقالات ...» .. كنت أعتقد في الماضي أن تغير الظروف أحد أهم أسباب تدفق الكتابة التي تثري الحياة بأشكال جديدة من التحرر، لكن توقف كل هذا التدفق عندما صرت كغيري قابعة وسط إغلاق مظلم يفرضه الاحتلال الإسرائيلي علينا منذ «سبتمبر» 2000. وتضيف بدر: خلال «الاجتياح الكبير» لرام الله والمدن الفلسطينية في «مارس»، و«أبريل» من العام الماضي، كنا نعيش وسط حرب طاحنة، تحيطنا الجدران من كل مكان .. وكان عزائي الوحيد هو أنني كنت في ساعات منع التجول أقوم بتصوير شذرات مما يحصل، رغم المخاطر التي تعرضت لها، حيث تعرض ولتهديد بإطلاق النار، أكثر من مرة، كما رشقت بقنبلة غاز، آذتني كثيراً. وفيما اذا كانت الصورة السينمائية أكثر قدرة على التعبير من الكتابة تقول ان الصورة بمثابة عزاء وقتي، يداوي جروح اللحظة الراهنة .. الكتابة تستطيع القيام بهذه الوظيفة بصورة أكثر عمقاً، لكنها تحتاج إلى بعد زمني، يفصل الكاتب عما يعايشه، ليعيد لاحقا إنتاج إبداعاته عن هذه المعايشات، كما أن الصورة السينمائية قادرة على الوصول إلى أكبر عدد من الناس، حاملة معها القضية، ومختصرة الزمن، خصوصاً أنها لغة عالمية. وتشير الى انها كانت توثق تلك الفترة من خلال الصورة لاحساسها بأنها قد تستفيد من توثيق هذه الصور لاحقاً .. وربما كان لذلك علاقة بالقدرة على تحدي العجز، لا سيما أنني على قناعة بأن الصورة قادرة على اختراق حصار الرصاص والمدرعات .. لم تكن عملية التوثيق المصورة هذه سهلة، فقد كنت أصور مشاهد فيلم «حصار»، خلال الساعات القليلة التي كانت سلطات الاحتلال ترفع فيها منع التجول المفروض على المدينة. فيلم «حصار» : الفيلم عبارة عن مفكرة شخصية وعامة في الوقت ذاته، فهو يعكس من خلال مذكراتي حيوية الحياة الفلسطينية، ويظهر كيف أن الفنانين الفلسطينيين لم يتوقفوا عن العمل طوال الوقت، كما يصور آلام الفلسطينيين ومعاناتهم جراء سياسات الاحتلال، كما أنني أحاول أن أقول عكس ما قاله ميلان كونديرا، ف«الحياة ليست في مكان آخر .. فلسطين ولا غيرها». تقول ليانا بدر في حين ان فيلم «زواج رنا؟» الذي اعدت نصه والسيناريو واخرجه هاني الاسد قد يكون هناك بعض التقاطعات لأن الفيلم يتحدث عن القدس، التي عشت فيها، ومن الطبيعي أن يظهر عشقي للمدينة وما أحمله من ذكريات داخل النص .. إنه صدق وليس إفلاس. معظم كتاب فلسطين بحسب ليانة لا يستطيعون الكتابة بشكل منتظم في ظل هذه الظروف الصعبة .. هناك أزمة عامة لمبدعين كثر، ولست أنا وحدي، وكون أن للتعبير طرقاً وأشكالاً متعددة، فلا المشكلة في تغيير الأداة الفنية لرفد الإبداع وإن بشكل مختلف .. الأفلام التي قدمتها حصلت على عدة جوائز في مهرجانات عربية ودولية، وأشاد بها نقاد معروفون على المستوى العربي، ورغم ذلك أرى أن الجوائز ليست مقياساً لنجاح هذا الفيلم أو ذاك .. المهم هو ألا تقدم أعمالاً دون المستوى، ثم إن الكاتب في بلادنا لا يستطيع فرض إبداعاته، بسبب الأزمة الحقيقية والواضحة في النشر والتوزيع في المدن الفلسطينية، وهنا تكون الكاميرا أكثر أهمية من حيث التأثير، خصوصاً عندما تحتجب الكلمات ولا أقدر على الكتابة .. النقلة التقنية الحالية التي نعيشها أتاحت لنا امتلاك كاميرات لم تكن متوفرة لدينا في وقت سابق، ما خلق فرصاً للكثيرين لصنع أفلام كان العديد منها منافساً، واستطاع أصحابها إثبات أنفسهم من خلالها.. ثم إن الكاميرا تتحدى العجز وتخترق الحصار. الافلام الروائية لا تشغل اي حيز في اهتمام ليانة التي تقول: أنا مع التخصص، لذا لا أفكر بالإقدام على إخراج أفلام روائية، كما أن هناك مشكلة في إنتاج مثل هذه الأفلام، فإذا كان «ينشف ريقنا» كي نؤمن تكاليف فيلم تسجيلي قصير، فما بالنا بالأفلام الروائية . مشكلة التمويل هي العائق الأكبر أمام تطور السينما الفلسطينية. وتعتقد ان السينما الفلسطينية كأي سينما في العالم، هناك الجيد، وهناك الرديء .. لكن أعتقد أن السينما الفلسطينية تتطور بصورة سريعة، حتى باتت تحفر اسمهما بجدارة في العديد من المهرجانات السينمائية العالمية. اخيرا تحلم ليانة أحلم بفيلم عن القدس، يقدم شيئاً عميقاً غير ما تم تقديمه في وقت سابق .. لا أعرف التفاصيل الكاملة لهذا الفيلم، ولا أعرف إن كان سيرى النور يوماً أم لا، كما أحلم بتنمية جيل من الأطفال الفلسطينيين سينمائياً. البيان الإماراتية في 24 أبريل 2004 |
برتولوتشي: لقاء |
أعمالها تخترق الحصار ليانة بدر الجوائز ليست مقياساً والمهم جودة العمل |
|