مايك لي المخرج البريطاني المتمرد
القاهرة ـ فوزي سليمان |
«لا كرامة لنبي في وطنه» جملة يرددها دائما في أحاديثه المخرج الإنجليزي مايك لي، وهو ما ينعكس على أداء المعجبين به خاصة حينما يقول «المشكلة أن ثقافة أفلامي ليست الثقافة السائدة في السينما البريطانية». وإذا كان «لي» يبدو محظوظا في الخارج فإنه لايزال مهمشا في وطنه، وينكرون عليه المكانة التي يستحقها، لكن يبدو أن هذا المسلك في سبيله للتغيير بعد أن أخرج فيلمه الأخير «فيرا دريك». بداية يجب أن نتذكر أن «لي» مستفز في أحاديثه وفي آرائه اليسارية الثابتة التي تعارض النظام الطبقي الانجليزي، وهو ما يزعج الكثيرين. كما ينظر البعض بشك في منهجه غير التقليدي في الإخراج، ما جعله خلال السنوات السابقة يجد صعوبة في تمويل أفلامه. فهو لا يبدأ إخراج أي فيلم على أساس سيناريو أو حتى فكرة لقصة، بل إنه يقوم بجمع حفنة من الممثلين، ويسأل كل ممثل أن يبني ويطور شخصيته التي تتعلق بشخصية معروفة وأن يرتجل مواقف عنها، وهو عمل يمكن أن يستغرق أسابيع بل أشهرا. كما يستغل العلاقات بين الممثلين ويقوم بابتكار نص يصبح بعد تدريبات مكثفة ومناقشات هو سيناريو الفيلم، وعادة يختارون العنوان معا في النهاية، وهو أمر يزعج المنتجين، الذين تعودوا على أن تقدم لهم سيناريوهات جاهزة أو على الأقل معالجة، ويعترف «لي» بأن المنتجين ينزعجون منه إذا قال لهم إنه في سبيله إلى صنع فيلم، ولا يعرف هو نفسه شيئا عما سيتناوله، «إنهم يفضلون سيناريو جاهزا، أحيانا يسايرونني وأحيانا أجد نفسي من دون عمل». ولهذا فإنه لم يتمكن إلا من إخراج تسعة أفلام في طوال مسيرة امتدت أكثر من ثلاثين عاما، مضت سبع عشرة سنة بين فيلمه الأول والثاني، عمل خلالها في التليفزيون والمسرح، ويقول الناقد الإنجليزي فيليب كيمب في فصل «مخرجو العام» بدليل السينما الدولي لعام 2005 «إنه كان في إمكانه أن يقدم أعمالا كثيرة إذا كان مستعدا للتنازل ـ ولو قليلا ـ ولكن التنازل كلمة ليست في قاموسه ـ ويظل في عناده متشبثا بأفكاره». وقد ولد «مايك لي» في «هارتفورد شاير» في 20 فبراير لعام 1943، ونشأ في سالفورد ـ لانكشير حيث كان والده، وكان أجداده من المهاجرين الروس، وهو لم يكن طالبا لامعا ليس بسبب قلة ذكائه بل بسبب تمرده على النظام الاكاديمي، وقد وجد نفسه أكثر في رسوم الكاريكاتير والمشاركة في المسرح المدرسي في مسرحيات وجوجول وحصل على منحة تعليمية في لندن، ثم التحق بالدراسة المسائية لدراسة الإخراج بمدرسة «التقنية الفيلمية» واتجه للإخراج المسرحي. وعرض مسرحيته العاشرة «لحظات مفقرة» على مسرح توتنهام بلندن، ولم تجد قبولا لدى النقاد ولكن الفنان الكبير ألبيرت فيني قام بتمويل فيلم عنها عام 1977 كانت التعليقات النقدية عنه متحفظة، لكن الترحيب والحماس جاء من أميركا، حيث امتدحه أحد النقاد بأنه تحفة تمثلت عظمته ليس في الإخراج أو الموضوع فحسب بل في تفرد تمثيله. رغم هذا المديح لم يقتنع أي من المنتجين البريطانيين بتمويل فيلم آخر له، ولكن بعد عرض الفيلم على شاشة «BBC» عرض عليه أن يشارك في المسلسل الناجح المشاغب مسرحية «اليوم» وإخراج «لي» أول مسرحية تليفزيونية بعنوان «أشغال شاقة» 1973 وتزوج من إحدى بطلاتها. ظل «لي» يعمل طوال السبعينات في المسرح رغم اعتقاده أنه وسط أدنى من السينما التي يراها ظاهرة أكثر صحية ونضجا ورغم تحفظاته هذه على المسرح فقد حققت له إحدى مسرحياته في مسلسل «مسرحية لليوم» بعنوان «مجانين في مايو» عام 1976 شهرة كبيرة وشاهدها حوالي ستة عشر مليون مشاهد. آثر «لي» ألا يعمل مع نجوم معروفين مفضلا عليهم ممثلين أقل شهرة ليعمل هو على تشكيلهم بنهجه الخاص وعلى هذا حقق هؤلاء الممثلون نجاحا بقيادته التي كشفت عن مواهبهم.ويحلل «لي» بروح نقدية عهد رئيسة الوزراء مارجريت تاتشر في فيلم «آمال كبيرة» تعرض من خلاله لحياة أعضاء أسرة من مختلف المشارب. أما أكثر أفلامه عنفا وخشونة فهو «المرأة» (1993) فرغم نظرته الاشتراكية اتسم بشيء من الفوضوية، وقد حقق له جائزة أحسن مخرج في مهرجان كان.وقد حقق لي نجاحا أكثر في فيلم «أسرار وأكاذيب»، (1996) حيث حصد السعفة الذهبية لمهرجان كان وخمسة ترشيحات للأوسكار. وقد أشاد النقاد بالتناقض والصراع بين شخصيتين أساسيتين في الفيلم أم بيضاء تميل للشجار وامرأة سوداء ناجحة تصر على أنهاـ أمها الحقيقية، وتأخذ الأسرار والأكاذيب في التكشف، وقد تناول «لي» بجرأة وشجاعة مشاكل الطبقة والجنس والقيم العائلية، بطريقة ذات نظرة عالمية خارج نطاق «إنجليزيته» التي عرف بها. ويعود «لي» في فيلم «كل شيء أو لا شيء»، (2002) حول حياة زوجين فقدا معني الحياة وأصبحت حياتهما معا خالية من أي هدف أو فرح. ولكن من خلال صدفة تعيسة يعود إليهما الأمل في النهاية.آخر أفلام «لي» فيلم «فيرادريك»، (2004) يعود به إلى الفترة التي نشأ فيها في الخمسينات، ورغم الظروف الصعبة فإن أسرة دريك رغم أنها لم تكن ثرية فإنها سعيدة. ويجمع بين أفرادها الحب والمودة وكانت الأم فيرا (أدت دورها ببراعة إيميلدا ستاونتون)، رغم عملها الشاق في خدمة بيوت الأثرياء فهي لا تتخلف عن مساعدة الآخرين، ومن بين من تساعدهم نساء شابات يقعن في ورطة بسبب حملهن غير الشرعي، مما يعرضها للمساءلة القانونية والاتهام بأنها مذنبة، وقد استطاع «لي» كمخرج أن ينتزع منها امكاناتها كممثلة قادرة على التعبير. والأمر نفسه مع الممثلين الآخرين، ورغم قيمة الفيلم فقد رفضه مهرجان كان عام 2004، ورحب به مهرجان فينسيا حيث فاز بالأسد الذهبي، وفازت بطلته ستاونتون بجائزة أحسن ممثلة، ولعل هذا النجاح حقق لـ «لي» ما يستحقه، ليس على اعتبار أنه أكثر مخرج في بلده يتميز باستقلاليته وفرديته واستفزازه فحسب بل باعتباره أيضا الأفضل والأجمل. البيان الإماراتية في 7 يوليو 2005 |