شعار الموقع (Our Logo)

 

مقالات مختارة

حوار صريح مع المخرج السينمائي المصري محمد خان

عمر الشريف يفوز بـ"سيزار" أفضل ممثل

جوسلين صعب:السينما التسجيلية تمنح رؤية نافذة للاحداث

ناصر خمير: أفلامي حلم... وعندما تحلم تكون وحدك

      برتولوتشي: لقاء

رندة الشهال: أهل البندقية يحبونني

تاركو فسكي: بريق خافت في قاع البئر

كتبوا في السينما

 

 

 

 

 

 

سمير فريد يكتب: محاضرتى فى فرانكفورت

مخرجات السينما فى مصر

من عزيزة أمير إلى إيناس الدغيدى

 

 

 

 

 

 

·         السينما المصرية قامت على اكتاف النساء، وفجرها الأول أضاءته أربع سيدات

·         فى نهاية القرن يمكن الحديث عن أربع مخرجات كما كان الحديث عن أربع فى بدايته.. هن نادية وإنعام وإيناس وساندرا

أود فى البداية أن أجيب على سؤال: لماذا أنا هنا.. لماذا قبلت الدعوة للمشاركة فى برنامج الثقافة العربية كضيف شرف فى معرض فرانكفورت الدولى للكتاب عام 2004.

نحن فى مصر والعالم العربى نواجه تيارا فاشيا تزداد قوته كل يوم يجمع بين القوميين والإسلاميين.. وعندما أقول إسلاميين لا أعنى من يدينون بالدين الإسلامى، وإنما الذين يعملون على إقامة دولة دينية فى مصر.

لم تكن النازية تمثل الثقافة الألمانية، وإنما تيار من تياراتها، وكذلك الفاشية العربية. لقد قبلت الدعوة وحضرت إلى هنا لأعلن عن موقفي ضد تلك الفاشية العربية، وانتمائى إلى من يقاومونها فى مصر والعالم العربى، ومن يقاومونها من ألمانيا، ومن كل دول العالم.

وجدت السينما، وتوجد، فى أى بلد، عندما تتوفر ثلاثة عناصر أساسية:

العنصر الأول: المسرح، أى تأليف وتمثيل المسرحيات، وإدراك أنها أعمال فنية خيالية مثل الرسم والموسيقى وغيرهما من الفنون لا علاقة لها بالواقع حتى لو كانت مستمدة منه، ورغم أن من يمثلون الأدوار أناس حقيقيون، وليسوا مثل شخصيات اللوحات.

العنصر الثانى: حرية المرأة فى أن تمثل على المسرح وأمام الكاميرا السينمائية.

العنصر الثالث: قدر من الديمقراطية يسمح بالتعبير عن الجنس والحرية والدين، وهى الأسس التى لا تكون الدراما من دونها، أى التعبير عن علاقة الفرد بالجنس الآخر، وعلاقته بالمجتمع، وعلاقته بالكون والوجود.

ترجم العرب فى عصر ازدهار الحضارة الإسلامية التراث اليونانى القديم، والذى كان مهددا بالإبادة عندما اعتبرته الكنيسة فى العصور الوسطى الأوروبية هرطقة دينية. ولكنهم ترجموا الشعر والأدب والفلسفة، ولم يترجموا المسرح اليونانى. لم يكن ذلك لأنهم ضد المسرح، وإنما لأنهم لا يعرفوه، والإنسان كما يقال عدو ما يجهل. لم يستسغ العرب فكرة أن يكون هناك نص عبارة عن حوار وصراع بين شخصيات خيالية.

وفى مطلع القرن التاسع عشر الميلادى عام 1805 منذ مائتى سنة تماما، تولى محمد على الحكم فى مصر، وأوفد بعثة كبيرة لدراسة العلوم الحديثة فى باريس، وكان لهذه البعثة واعظ دينى هو رفاعة رافع الطهطاوى، غير أن هذا الواعظ أصبح مؤسس مصر الحديثة على الصعيد الثقافى الشامل، واستطاع أن يثبت أن من الممكن لمجتمع يدين أغلب أفراده بالدين الإسلامى أن يكون فى نفس الوقت مجتمعا عصريا، وأن ينهض كما نهضت أوروبا بعد العصور الوسطى. وكان من بين ما كتب عنه رفاعة فن المسرح كما شهده فى باريس.

وفى منتصف القرن التاسع عشر حاول مارون نقاش فى بيروت وأبوخليل القبانى فى دمشق تقديم مسرحيات مترجمة عن الفرنسية تمثلها فرق من الرجال يقومون بالأدوار الرجالية والنسائية معا. ولكن تجارب هذين الرائدين لم تستمر طويلا بسبب نظرة أغلب علماء الدين الإسلامى إلى المسرح باعتباره نوعا من العبث والخلاعة وإهدار الوقت فيما لا فائدة منه. وتوجه نقاشو القبانى إلى مصر، وبالتحديد إلى الإسكندرية حيث كانت هناك جاليات أوروبية كبيرة خاصة من اليونان وإيطاليا، وكانت لهم مسارحهم التى يحضر عروضها المصريون أيضا. ومع افتتاح دار الأوبرا فى القاهرة عام 1869، ورغم أن أغلب الفرق كانت اوروبية، إلا أن الأوبرا صنعت جمهورا من المصريين للمسرح فى القاهرة، وشجعت على وجود أول مؤلف مسرحى عربى، وهو المصرى اليهودى يعقوب صنوع.

مع اختراع سينما توجراف لوميير عام 1895 فى باريس كانت مصر قد قطعت ما يقرب من مائة عام منذ اتصالها بالحضارة الغربية الحديثة فى أوروبا فى عهد محمد على. ومع بداية القرن العشرين تطورت الحركة المسرحية، فشهد عام 1907 وقوف أول ممثلة مصرية على المسرح وهى مريم سماط، وكانت قبطية، وشهد عام 1915 وقوف أول ممثلة مصرية مسلمة على المسرح، وهى منيرة المهدية.

وبعد ثورة 1919 الشعبية الكبرى، التى أدت إلى صدور أول دستور عصرى فى مصر والعالم العربى عام 1923، أتيح قدر الحرية الذى يؤدى إلى وجود دراما حقيقية، وامتد إلى السينما عام 1927. وهكذا أصبحت فى مصر سينما أنتجت ثلاثة آلاف فيلم روائى طويل عندما توفرت العناصر الثلاث الأساسية التى ذكرتها، وهى المسرحية كعمل فنى خيالى، والمرأة كممثلة، وقدر من الحرية.

فى الثمانينيات من القرن الماضى كان هناك مشروع فيلم كويتى لتحذير الشباب من إدمان المخدرات، وبعد أن تمت كتابة السيناريو وبدأت الاستعدادات للتصوير اختار المخرج ممثلا كويتيا ليقوم بدور الشاب المدمن لأن الغرض من الفيلم إقناع الشباب الكويتى بأخطار المخدرات، ولكن الجهة المنتجة طلبت أن يقوم بالدور ممثل مصرى لأنه من غير المقبول مشاهدة شاب كويتى على الشاشة يدمن المخدرات، وإزاء رفض المخرج ذلك، لم ينتج الفيلم. وفي الثمانينيات أيضا قام منتج مصرى بإسناد أحد الأدوار فى فيلمه إلى ممثلة عراقية، ولكن الفيلم منع فى العراق، ولما سأل عن السبب قيل له إن الممثلة العراقية تقوم فى الفيلم بدور عاهرة، وهذه إهانة للمرأة العراقية.

وفى منتصف السبعينيات ذهبت إلى بغداد مع يوسف شاهين بدعوة من وزير الإعلام آنذاك طارق عزيز للمناقشة حول أوضاع السينما فى العراق، والمساعدة فى وضع تصور جديد لعلاقة الدولة بالسينما. وقد قمت مع المخرج الكبير بتفقد المعدات السينمائية، والالتقاء مع العديد من السينمائىين، ثم التقينا مع الوزير قبل سفرنا، وكانت المهمة من دون تعاقد ولا أموال. سألنى الوزير ما رأيك بعد أن شاهدت وسمعت؟ قلت: لديكم أحدث المعدات فى العالم، ولديكم سينمائيين درسوا فى معاهد شرقية وغربية، وليس مثل سوريا مثلا حيث درس الجميع فى موسكو. قال الوزير: إذن نملك المعدات والبشر، كما نملك المال، فماذا ينقص لتكون لدينا سينما عراقية؟ قلت من دون تردد: الحرية. فوجئ الرجل بردى، ونظر لى يوسف شاهين مؤنبا، وساد الصمت لحظات، وكان أول تعليق للوزير هل اشتكى إليك أحد من المخرجين أو كتاب السيناريو؟

كنت قد عرفت أن هناك العديد من السيناريوهات الممنوعة، وأن هناك فيلم عراقى أوقف تصويره بعد أسابيع لأكبر مخرج عراقى، كما شاهدت أفلام قصيرة ممنوعة. قلت للوزير وحتى لو حدث وكان هناك من اشتكى فكيف تتصور أننى سوف أقول لك، وعلى أية حال لم يشتك أحد. وطوال هذه السنوات، أكثر من ربع قرن، لم أكتب أبدا عن هذه الأفلام والسيناريوهات حماية لأصحابها.

بدأ إنتاج الأفلام الروائية الطويلة فى مصر عام 1927 على يد امرأة، وهى عزيزة أمير، منتجة وممثلة الفيلم الأول «ليلى». وفى الفترة من 1927 إلى 1939، وكان عدد مخرجات الأفلام الروائية الطويلة قليلا جدا فى كل العالم، شهدت مصر أربع مخرجات هن عزيزة أمير عام 1929 «فيلم بنت النيل»، وفاطمة رشدى عام 1933 «فيلم الزواج»، وبهيجة حافظ عام 1937 «فيلم ليلى بنت الصحراء»، وأمينة محمد عام 1939 «فيلم تيتاوونج»، والأربع ممثلات ومخرجات ومنتجات، وإحداهن وهى فاطمة رشدى كانت نجمة المسرح الأولى، وتلقب بـ«سارة برنار الشرق» نسبة إلى الممثلة الفرنسية الشهيرة، وكانت أمينة محمد راقصة إلى جانب كونها منتجة ومخرجة وممثلة.

جاءت عزيزة أمير وفاطمة رشدى وأمينة محمد من قاع الطبقة الوسطى. أما بهيجة حافظ فكانت ابنة باشا من الطبقة الأرستقراطية، تعلمت فى باريس، وكانت تعزف على البيانو، وتؤلف القطع الموسيقية إلى جانب التمثيل والإنتاج والإخراج. وكان فيلم «ليلى بنت الصحراء» الذى أخرجته مع الإيطالى ماريو فولى عام 1937 أهم أفلامها، وأهم أفلام المخرجات الرائدات.

كانت أفلام عزيزة أمير وفاطمة رشدى وأمينة محمد ميلودرامات زاعقة، ومن الإنتاج محدود التكاليف. أما أفلام بهيجة حافظ فكانت من الإنتاج الكبير، ولا تخلو من الإبداع والجرأة الفكرية. يدور فيلم «ليلى بنت الصحراء» عن فتاة بدوية فقيرة تتحدى إمبراطور إيران. وقد منع من العرض بسبب زواج الأميرة فوزية شقيقة الملك فاروق من شاه إيران فى نفس السنة «1937». ولكن بهيجة حافظ لم تستسلم لقرار الرقابة، وكانت آنذاك تتبع وزارة الداخلية، ورفعت دعوى أمام القضاء لعرض الفيلم وتعويضها عن الأضرار المالية التى لحقت بها من جراء منعه، وحكمت المحكمة لصالحها، وعرض الفيلم عام 1938.

كان آخر أفلام المخرجات الرائدات فيلم أمينة محمد «تيتاوونج» عام 1939. ومع بداية الحرب العالمية الثانية ذلك العام، وطوال فترة الحرب وبعدها، تحولت صناعة السينما فى مصر إلى صناعة كبيرة، وكانت استديوهات الجيزة هوليود الشرق بحق. وما أن أصبحت السينما صناعة كبيرة، وتجاوزت مرحلة الهواية والمغامرة حتى ظهر الوجه الذكورى الكامن للمجتمع المصرى، وتم طرد النساء من عالم الإخراج، واقتصرت أدوارهن على التمثيل والمونتاج والماكياج وتصميم الأزياء، ولم تكن هوليود الشرق فى ذلك تختلف عن هوليود الغرب.

بعد ثورة يوليو 1952 لم يختلف الأمر، ولم تعد المرأة للوقوف وراء الكاميرا كمخرجة لأفلام روائية طويلة منذ عام 1939 إلا عام 1966 عندما أخرجت النجمة والمنتجة ماجدة «من أحب». والفيلم اقتباس لرواية الأمريكية مرجريت ميتشل الشهيرة «ذهب مع الريح»، أو بالأحرى اقتباس للفيلم الأمريكى المأخوذ عنها، ولكن مع تحويل الحرب الأهلية الأمريكية إلى حرب فلسطين عام 1948. لم يحقق الفيلم أى نجاح على أى مستوى، فلم تعاود ماجدة التجربة. ولكن اختلف الأمر مع إنشاء التليفزيون عام 1960، وتخرج أولى دفعات معهد السينما عام 1964.

منذ منتصف الثمانين، أى فى العشرين سنة الأخيرة، لم يعد وجود فيلم من إخراج إمرأة صار خبرا، من الأمور العادية، سواء فى الأفلام التسجيلية وأفلام التحريك أو الأفلام الروائية الطويلة وهى موضوع حديثنا. ويمكن الحديث عن أربع مخرجات فى نهاية القرن كما كان الحديث عن أربع فى بدايته، بالصدفة، وهن نادية حمزة وإنعام محمد على وإيناس الدغيدى وساندرا نشأت. وفى العام الماضى عرض أول أفلام هالة خليل وأول أفلام كاملة أبوذكرى، وهناك أكثر من مخرجة تصور أو تستعد لتصوير فيلمها الأول.

قدمت نادية حمزة فى أفلامها عالما نسائيا خالصا يعبر عن رفض  كامل للرجال حتى الصعيد الجنسى. بينما لم تعبر إنعام محمد على عن عالم النساء، وقدمت أفلام سياسية وطنية محافظة. وهى إلى جانب كونها مخرجة سينمائية مخرجة تليفزيونية من أعمالها المعروفة مسلسل عن حياة المغنية الكبيرة أم كلثوم. وفى سوق السينما الآن إيناس الدغيدى التى أخرجت أول أفلامها عام 1985، وساندار نشأت التى أخرجت أول أفلامها عام 1998 ،أما ساندرا فقد بدأت قوية بفيلم التخرج من معهد السينما «الشتاء الأخير»، الذى يعد من تحف الأفلام المصرية القصيرة، كما بدأت بداية قوية مع فيلمها الروائى الطويل الأول «مبروك وبلبل»، ثم استسلمت تماما للسينما الكوميدية التجارية السائدة منذ أواخر العقد الأخير من القرن الماضى، وحتى الآن.

أما إيناس الدغيدى فهى أهم مخرجة سينمائىة مصرية للأفلام الروائية الطويلة، فقد أخرجت أكبر عدد من الأفلام لمخرجة من حيث الكم، وتوازنت من حيث الكيف، فلم تهتم بمعالجة قضايا النساء فقط كما فعلت نادية حمزة، ولم تتجاهل هذه القضايا كما فعلت إنعام محمد علي وساندرا نشأت، وإنما أرادت أن تكون مخرجة وامرأة بنفس القدر.

وتتميز إيناس الدغيدى بالجرأة فى الأحاديث والتصريحات وليس فى الأفلام فقط مما جعلها هدفا مستمرا للقوى الفاشية التى تريد أن تسيطر على مصر. وقد تعرض أحدث أفلامها «مذكرات مراهقة» للكثير من الهجوم الذى وصل حتى إلى مجلس النواب عن طريق ممثلى التيار الفاشى الذين تركوا كل مشاكل مصر، وثاروا لتناول المشاكل الجنسية للمراهقات.

إيناس الدغيدى أتمت منذ أيام فيلمها الجديد «الباحثات عن الحرية»، وعنوانه يدل على موضوعه، ولا توجد فى مصر والعالم العربى اليوم مشكلة أكبر من مشكلة البحث عن الحرية للنساء والرجال معا.

جريدة القاهرة في 9 نوفمبر 2004