شعار الموقع (Our Logo)

 

مقالات مختارة

حوار صريح مع المخرج السينمائي المصري محمد خان

عمر الشريف يفوز بـ"سيزار" أفضل ممثل

جوسلين صعب:السينما التسجيلية تمنح رؤية نافذة للاحداث

ناصر خمير: أفلامي حلم... وعندما تحلم تكون وحدك

      برتولوتشي: لقاء

رندة الشهال: أهل البندقية يحبونني

تاركو فسكي: بريق خافت في قاع البئر

كتبوا في السينما

 

 

 

 

 

 

قراءة في ثلاثة أفلام كلاسيكية للنجمة الراحلة

جانيت لي

بطلة سايكو التي ماتت مرتين

 هوليوود ـ محمد رضا

 

 

 

 

 

 

تقرير الطبيب الذي انتقل إلي الفيلا التي تسكن فيها جانيت لي أكد ما قالته ابنتها جايمي لي كيرتس‏.‏ لقد ماتت بهدوء‏..‏ طبيعيا‏.‏ من دون حادث‏.‏ من دون عمد‏.‏

لكن هذا ينافي الحقيقة‏..‏ جانيت لي ماتت بينما كانت تأخذ حماما‏(‏ دوش‏).‏ دخلت إليه وفي نيتها النوم هنيئا بعده‏.‏ أدارت الحنفية وهطل الماء رذاذا غزيرا ورجعت برأسها إلي الوراء كما لو كانت تستنشق الحياة من جديد غير مدركة أن شخصا محدودبا تسلل إلي غرفتها في ذلك الفندق النائي ثم اقترب من الحمام‏.‏ رفع سكينه‏.‏ فتحت عيناها‏.‏ صرخت‏.‏ هوت السكين‏.‏ مرة‏.‏ مرتين‏.‏ عشرة‏.‏ الماء اختلط بالدم‏.‏ و‏....‏ ماتت مقتولة‏.‏

هذا ما حدث في الواقع لكنه حدث علي الشاشة عندما أقدم ألفرد هيتشكوك علي إخراج واحد من أفضل أفلامه سنة‏1960‏ ليس سايكو‏.‏

جانيت لي‏,‏ التي توفيت في الرابع من تشرين الأول‏/‏ أكتوبر من هذا العام عن‏77‏ سنة‏,‏ ماتت قبل موتها في ذلك الفيلم التشويقي ـ النفسي الرائع وستعرف دائما به‏.‏ كل وكالات الأنباء التي سارعت لنقل الخبر‏,‏ كل المعلقين والنقاد الذين كتبوا عن موتها‏,‏ قارنوها منذ السطور الأولي‏,‏ بفيلمها ذاك‏.‏ مثلت غيره طبعا‏,‏ لكن ذلك الفيلم بقي البصمة الأكيدة في حياتها علما بأن دورها فيه لم يزد علي الـ‏20‏ دقيقة الأولي‏.‏

بداية هوليوودية

لا أريدالإنضمام إلي كاتبي النعوات‏.‏ لكن لابد من مقدمة تعرف لجيل يجهل ما كانت عليه السينما من قبل‏,‏ من هي‏.‏ ولدت جانيت لي باسم جانيت هيلين موريسون في السادس من تموز ـ يوليو سنة‏.1927‏ والممثلة‏(‏ الراحلة قبلها‏)‏ نورما شيرر اكتشفتها عبر صورة‏.‏ رشحتها وشركة مترو غولدين ماير وقعت معها عقدا لقاء‏50‏ دولارا في الأسبوع وذلك حين كانت جانيت في التاسعة عشرة من عمرها‏.‏ مترو منحتها اسم لي بدل اسمها الطويل ووضعتها أمام الممثل فان جونسون في غرام روزي ريدج‏.‏ تبعا لنجاحها في الأداء ونجاح الفيلم ارتفع أجرها‏(‏ إلي‏150‏ دولارا في الأسبوع‏)‏ ونجمها إلي درجة اتكال مترو غولدين ماير عليها لتظهر في ستة أفلام سنة‏1949‏ وحدها‏.‏ لابد أن المشقة كانت كبيرة‏,‏ لكن جانيت لي أحبت النجاح وأحبت السينما والتمثيل وأمت عملها بجهد ومتعة‏.‏

وقفت أمام روبرت ميتشوم في علاقة خلال العطلة وأمام فان هفلن في فعل عنيف‏,‏ وكانت واحدة من ممثلات الفيلم الرومانسي الخفيف نساء صغيرات واستعان بها جون واين لتكون الفتاة التي تنتظر عودته من الحرب في ملاح الطائرة‏,‏ أما فكتور ماتيور فأحبها حين التقي بها في مغامراته الإفريقية في فيلم سافاري‏.‏ وأمام توني كيرتس‏ (الذي أحبته وتزوجته وأنجبت منه الممثلة جايمي لي كيرتس‏)‏ لعبت هوديني والفايكنغز والثنائي النموذجي‏.‏ تتذكره في سيرتها التي نشرت كتابا قبل نحو ثماني سنوات فتقول‏:‏ أنا وتوني قضينا وقتا رائعا في فترة لامعة ومثيرة من حياة هوليوود‏.‏

جانيت لي كانت ممثلة صالحة لأدوار عدة‏.‏ كانت الحبيبة والصديقة والمرأة التي في خطر والزوجة التي تقف إلي جانب زوجها‏.‏ كانت جيدة في الكوميديا وجيدة في الدراما وجيدة في أفلام الرعب‏.‏ وكانت مقنعة وأليفة في كل ما مثلته‏.‏ في مذكراتها كشفت عن كم هي معجبة بهوليوود الأربعينيات والخمسينيات وكم هي منتقدة لها أيضا‏.‏ هاجمت بجرأة شركة يونيفرسال عندما تلاعبت بفيلم أورسن ويلز الرائع لمسة شريرة أمام شارلتون هستون في‏.1958‏ ولاحقا ذكرت‏:‏ كان فيلما غير منضبط لكنه كان رائعا ويونيفرسال لم تفهمه فقصت منه مشاهد علي كيفها قاضية علي ما طمح إليه المخرج‏.‏

المهماز العاري‏:‏ بريئة في الحب

واحد من أدوارها المثيرة للاهتمام دورها في فيلم الوسترن المهماز العاري‏TheNakedSpur‏ أخرجه سنة‏1953‏ أحد أفضل مخرجي أفلام النوع وهو أنطوني مان مع جيمس ستيوارت في البطولة لجانب كل من روبرت رايان ورالف ميكر وميلارد ميتشل‏.‏ القصة هنا تحوي خمس شخصيات‏.‏ روبرت رايان مجرم هارب وبصحبته فتاة بريئة‏(‏ جانيت لي‏)‏ تحبه كونه الرجل الأول في حياتها‏.‏ هناك مكافأة كبيرة لمن يلقي القبض عليه ما يحث جيمس ستيوارت علي تعقبه طمعا في الجائزة التي سيشتري بقيمتها مزرعة ليأوي إليها ويتزوج ويحقق حلم الإنسانية في السرمدية‏.‏ في بحث ستيوارت عن رايان في بعض الجبال الوعرة‏(‏ تم تصوير الفيلم في الجبال المطلة علي نهر كولورادو في الولاية ذات الاسم نفسه‏)‏ يلتقي بعجوز‏(‏ ميلارد ميتشل‏)‏ ويعرض عليه نصيبا من الجائزة إذا ما ساعده في إلقاء القبض علي رايان‏.‏ خلال معركة بنادق يحاول ستيوارت تسلق الجبل لمباغتة المجرم رايان لكنه لا يستطيع‏,‏ فهو ليس متسلقا بارعا للصخور العمودية الشاهقة‏.‏

هذا حين يصل الجندي المسرح رالف ميكر فينضم إلي ستيوارت وميتشل لقاء حصة من الجائزة‏.‏ يتسلق ميكر الصخور بسهولة ويباغت رايان فتقع بينهما مشادة قبل وصول ستيوارت وإلقاء القبض علي طريدته‏.‏ من هذه النقطة وصاعدا يتحول الفيلم لا إلي مجابهات ومواقع قتال فقط‏,‏ بل إلي لعبة نفسية كان المخرج مان ماهرا في القبض عليها وتمييز شخصياته بها‏.‏ الموقعة الأخيرة فوق تلك الصخور المطلة علي النهر الجارف من أفضل ما طبع من معارك في أفلام الغرب‏.‏ رالف ميكر يحاول الخروج بالغنيمة وحده‏.‏ العجوز ميتشل يصدق رايان من أنه سيثريه إذا ما ساعده في الهروب‏,‏ أما جانيت لي فتغير معسكرها‏.‏ تنتقل من رايان المخادع إلي ستيوارت الشريف ولو بظلالات سوداء‏.‏

لمسة شريرة‏:‏ كل شيء في العينين

فيلمها الرائع الآخر في الخمسينيات كان لمسة شريرة مع شارلتون هستون وأورسن ويلز الذي أخرج الفيلم أيضا‏.‏ هذا هو فيلم تشويقي عن الفساد والرغبة في الانعتاق والسلطة‏.‏ يبدأ الفيلم بكاميرا تحتل الدقائق العشر الأولي بحركة واحدة ماتزال من أفضل ما شوهد علي الشاشة‏:‏ الموقع هو الحدود الأميركية ـ المكسيكية‏.‏ الكاميرا تقبع في الجانب الأمريكي للأسلاك الشائكة ترتفع من الأرض‏.‏ تتحرك يمينا‏.‏ تتجه إلي الشريط الحدودي وتتجاوزه علي الرافعة ثم تهبط الأرض من جديد وتتقدم من شخصيات الفيلم‏.‏ أبيض وأسود ورائع ولا يصنعون ربع قيمته هذه الأيام‏.‏

جانيت لي هنا هي الزوجة التي تصاحب زوجها شارلتون هستون في عودتهما من المكسيك‏.‏ حين وصولهما إلي نقطة الحدود تنفجر سيارة مفخخة‏(‏ نعم‏!‏ في ذلك الحين كان يوجد سيارات مفخخة ـ في السينما علي الأقل‏)‏ وشارلتون هستون يجد نفسه‏,‏ وهو الشرطي العائد من الإجازة‏,‏ مشدودا للبحث فيما حدث‏.‏ من هو الضحية ومن هو الجاني ولماذا‏.‏ في خلال مهمته يكتشف سلطة فاسدة متمثلة برئيس البوليس في تلك المنطقة‏(‏ ويلز‏)‏ ما يعرضه وزوجته للخطر‏.‏ والعين تحصر نفسها بجانيت لي في كل مرة تظهر فيها الممثلة متسائلة أو حذرة أو خائفة‏.‏ شيء في هاتين العينين لا يمكن إغفاله يساعدها علي بلورة تعبير يتواصل في اللحظة ذاتها مع الإحساس الذي تنقله إلينا‏.‏

سايكو‏:‏ هيتشكوك ولي

بعد عامين مثلت‏20‏ دقيقة من الـ‏120‏ دقيقة مدة عرض سايكو‏.‏ ليس إنها كانت منسية وكانت بحاجة إلي العمل‏.‏ بل لأن أحدا لا يمكن أن يقول لا لسيد التشويق ألفرد هيتشكوك إذا ما ناداه‏.‏

خطة ألفرد هيتشكوك كانت بسيطة

قدم للمشاهدين نجمة محبوبة في أوج شهرتها‏.‏ اقتلها بعد‏20‏ دقيقة‏.‏ تحصل علي الصدمة الأولي إذ لا يتوقع أحد أن يتخلص الفيلم من بطلته‏,‏ وإن فعل فليس بهذه السرعة‏.‏ لكن هذه الصدمة ليست الوحيدة وليست مفبركة بل تنتهج أسلوبا بالغ الإقناع والقوة‏.‏

الكاميرا في فضاء المدينة‏.‏ الكاميرا تسبح كما لو تبحث عن بيت من البيوت‏.‏ كما لو كانت تقول‏..‏ هذه القصة هي واحدة وفي كل بيت هناك قصة‏.‏ تتقدم الكاميرا من بيت علوي في مبني قديم‏.‏ تدخل من النافذة‏(‏ أسلوب هيتشكوك البصاص‏)‏ وتلتفت يسارا‏.‏ جانيت لي انتهت من ممارستها الحب مع رجل متزوج‏.‏ أمريكا الأخلاقية آنذاك كانت ستجد في هذا المنوال سببا آخر لشهقة تعجب‏.‏ لكن هيتشكوك سيستخدم حقيقة إنها امرأة علي علاقة غير أخلاقية مع متزوج ليبني عليها شخصية متناقضة‏.‏ حين نراها بعد قليل في المكتب الذي تعمل فيه تتحمل ثقل دم أحد زبائن المدير تريد أن تشعر بالعطف حيالها‏,‏ لكن جانيت لي‏-‏ ألفرد هيتشكوك لا يدعانك‏.‏ هناك شيء مرتب‏.‏ السكرتيرة ستحمل حقيبة من المال لتودعها في المصرف لكنها لن تفعل‏.‏ ستركب سيارتها وتنطلق تاركة مدينة فينكس‏(‏ عاصمة ولاية أريزونا‏)‏ في صباح اليوم التالي‏.‏

هنا ما منعك من التعاطف معها دون أن تدري السبب‏.‏ ليست فقط علي علاقة مع رجل متزوج تريد أن تهرب معه بل هي سارقة أيضا‏.‏

علي الطريق تلفت انتباه شرطي دراجة‏.‏ لعبة هيتشكوك المفضلة هو وضع أرطالا من الاسئلة حول ما الذي سيقع‏.‏ لماذا لفتت انتباهه؟ لماذا ينظر إليها وهي تبتعد بعدما أيقظها من سباتها العميق وراء المقود علي جانب الطريق؟ حين تدخل محلا لبيع وشراء السيارات المستعملة تتصرف بعصبية تزداد حين تري الشرطي من بعيد يرقبها‏.‏ الشرطي ـ وهذه شغلته ـ يعلم أن هناك شيئا خطأ في هذه الصورة وأنت تعلم ما هو‏..‏ ومعرفتك هي التي تولد فيك التشوق لمعرفة ما إذا كان سيقدم علي شيء من شأنه كشف خطتها وكشف المال المسروق الذي في حوزتها‏.‏ أنت معها ومعه‏.‏ أنت متحفز لشيء يقع‏.‏

هيتشكوك لا يتركك ترتاح قبل أن يصل بها‏,‏ في ليلة ماطرة‏,‏ إلي فندق علي كتف الطريق الصحراوي الرابط بين ولايتي أريزونا وكاليفورنيا‏.‏ فصل جديد يبدأ بوجود الراحل أنطوني بيركنز في دور الرجل الوحيد في ذلك الفندق‏.‏ حين تصل لي تسمع جدلا مرتفعا في بيت لا يقع بعيدا عن الفندق‏.‏ بعد ذلك يأتي الشاب ويعتذر عما سمعته الزبونة من خناقة‏.‏ يتحدث وإياها‏.‏ شيء يتم طبخه وأنت لا تعرف ما هو‏.‏ لكنه بالتأكيد فندق وحيد‏.‏ أنطوني بركنز هو العامل الوحيد فيه‏:‏ المستقبل وراء المكتب‏,‏ المنظف له في النهار‏.‏ الخادم الذي يحمل العشاء ويعده أيضا‏.‏ والقاتل الذي يدخل الحمام‏,‏ وراء جانيت لي وهو مرتد زي والدته العجوز وفي يده تلك السكين‏.‏

تستطيع فقط أن تتخيل مدي رعب المرأة التي تدفع سريعا ـ بعد‏20‏ دقيقة ـ ثمن خطاياها وعلي نحو غير متوقع‏.‏ لي ماتت بعشرين طعنة أو نحوها‏.‏ مع كل واحدة تقفز أو توميء بعينيك خشية أن تفلت واحدة من ضربات القلب غير محسوبة‏..‏ لكن من دون عنف وبأقل نسبة من الدم‏.‏ شيء لا يعرف أحد كيف ينجزه علي هذا النحو ويكون مؤثرا‏.‏ لا أحد‏.‏ سر هيتشكوك وحده‏.‏

خلاصة

·         جانيت لي قالت في كتابها إنها منذ أن مثلت ذلك الدور وهي تخشي أخذ حمام‏.‏

·     أنطوني بيركنز منذ أن مثل دور القاتل ومستقبله دمغ بإطار نمطي لم يستطع التخلص منه‏.‏ أنا منذ أن شاهدت ذلك الفيلم وهو يزورني مرة كل يوم‏!*‏

الأهرام العربي في 6 نوفمبر 2004