برتولوتشي: لقاء |
عرب وايرانيون في "مهرجان لندن السينمائي" لندن - فيصل عبدالله |
تحتفل العاصمة البريطانية حالياً, وعلى مدى ستة عشر يوماً, بفعاليات الدورة الـ48 لمهرجان لندن السينمائي الدولي من خلال عرض باقة من النتاجات السينمائية, ضمت 180 شريطاً طويلاً و103 شرائط قصيرة ومن 60 بلداً. ولعل حضور السينما العربية, بعد سنوات من الجفاء, شكل العلامة الأبرز لبرنامج هذه الدورة. فمن بين ستة أشرطة موقعة باسماء عربية, يأتي العرض الأوروبي الأول لشريط "قالت ليلا" للبناني زياد دويري. وفيه يقتبس صاحب "بيروت الغربية" رواية حملت الاسم نفسه وأثارت الكثير من الجدل عند نشرها في فرنسا, لشاب يدعى شيمو من أصول شمال أفريقية. ويدور حول اعترافات حميمية صريحة للمراهقة ليلا البولندية على مسامع صديقها العربي الكاتب/ البطل. علاقة ليلا بالبطل لم تمنع ميلود, أحد الأصدقاء وزعيم عصابة الغيتو العربي في مرسيليا, من التحرش بها واستدراجها. وليكتشف البطل, ومعه أبناء الحارة, ان حكايا ليلا ومغامراتها ما هي الا وليدة الخيال, ما يحرضه على كتابة قصتهما. طعم دويري الفيلم باشارات الى هجمات أيلول والتغطيات الاعلامية التي رافقت الحرب على العراق. اما السينما الإيرانية فكعادتها تحضر بقوة في دورة هذا العام, وعبر أربعة أشرطة, ولكن هذه المرة من خلال أسماء الخط الثاني الأقل حظوة وتكريساً. ويأتي في مقدمتها شريطا "السلاحف تستطيع الطيران" لبهمن قبادي, الفائز بجائزة المحارة الذهبية لمهرجان سان سبستيان في الشهر الماضي. والشريط التهكمي "مارمولاك"(أبو بريص) لكمال تبريزي الذي حقق نجاحاً جماهيرياً منقطع النظير, بسبب موضوعه, وغدت أحداثه على كل شفة ولسان قبل ان تسحبه السلطات من دور العرض. ولئن اخترقت إيران جارها العراق أمنياً وسياسياً بعد سقوط نظام بغداد, فان شريط قبادي سجل خرقاً من نوع آخر. فصاحب "زمن الجياد الثملة" و"أغاني الوطن", سجل سابقة في معاينة حال الأكراد العراقيين ابان الحرب الأميركية الأخيرة. اما اختراقه, فجاء على شكل دعم من وزارة الثقافة الكردية. يتابع قبادي في شريطه الجديد واقع حال قرية كردية محاذية للحدود الإيرانية التركية, ومحاطة بالالغام الأرضية, غداة الغزو الأميركي للعراق, ومن خلال صبي يدعى باشو الملقب "كاكه ستلايت", لامتهانه تركيب الصحون اللاقطة. تصاعد طبول الحرب والحاجة الى متابعة أحداثها, يحيلان الصبي باشو الى نجم اعلامي, كونه الوحيد القادر على فهم شفرات نشرات الأخبار. تركيب الصحون اللاقطة وقيادة جيش من الأطفال مهمتهم نزع الالغام, لم يثنيا باشو من الوقوع في حب صبية لاجئة قدمت من مدينة حلبجة بصحبة طفلها الضرير واخ فقد ذراعيه. وحتى تتكتم تلك الصبية على سرها, يكتشف المشاهد انها أغتصبت من جنود النظام السابق وتحاول الانتحار أكثر من مرة للتخلص من اثمها. وما ان يصل خبر ضياع الطفل في حقل الالغام الأميركية, حتى يهم باشو بانقاذه, لكنه هذه المرة يقع صريع الغام المحرر ونار الحب. يقول قبادي في معرض تعليقه على شريطه: "ما ان اعلنت وسائل الاعلام العالمية نهاية الحرب على العراق. حتى شرعت في تصوير شريطي الذي لم يكن من نجومه بوش او صدام او أي من الدكتاتوريين. هؤلاء الذين أصبحوا نجوم العالم. لم يذكر أحد الشعب العراقي. ولم تكن هناك لقطة واحدة تصور العراقيين... وكأنهم كانوا ممثلين ثانويين. في شريطي قلبت المعادلة, وجعلت من الشعب العراقي وأطفال الشوارع يؤدون الأدوار الأساسية, أما بوش وصدام فهما ممثلان ثانويان". فيما يتابع شريط تبريزي قصة لص يدعى رضا الملقب بـ "ابو بريص", لقدرته على تسلق الجدران بخفة ومهارة, لحظة القبض عليه وايداعه السجن. ولكي يعاد تأهيله, يوضع رضا في زنزانة انفرادية لكسر عزيمته حتى يسهل التعامل معه. لكنه يتمكن من الهرب بثياب رجل دين, من المفارقات ان هذا الرجل كان يقرأ على رضا مقاطع من كتاب "الأمير الصغير" لأوكزوبري, الى منطقة حدودية على أمل السفر الى بلد آخر. هرب رضا هو في حقيقته بداية لحياة جديدة وبثياب غريبة عليه ناهيك باللغة التي تستشهد بالنص الديني, لذا يلجأ الى الاجابة على السليقة مستعملاً كلمات أقرب الى مفردة الشارع منها الى كلمات رجال الدين. فتراه يستعين مرة بـ"الأخ تورنتينو" وشريطه Plup Fiction, وأخرى بكلمةوWicked (لعوب) أزاء ذهول رواد المسجد. لم يكتف تبريزي, صاحب "بساط الريح" الفائز باكثر من جائزة في مهرجان فجر السينمائي والمقرب من السلطات, من توظيف النكتة والمفارقة في شريطه. انما عرف كيف يجعل من "ملالي" بلده, وفي سابقة جريئة, مادة سينمائية تقبل النقد والتهكم. الحياة اللبنانية في 6 نوفمبر 2004 |