شعار الموقع (Our Logo)

 

مقالات مختارة

حوار صريح مع المخرج السينمائي المصري محمد خان

عمر الشريف يفوز بـ"سيزار" أفضل ممثل

جوسلين صعب:السينما التسجيلية تمنح رؤية نافذة للاحداث

ناصر خمير: أفلامي حلم... وعندما تحلم تكون وحدك

      برتولوتشي: لقاء

رندة الشهال: أهل البندقية يحبونني

تاركو فسكي: بريق خافت في قاع البئر

كتبوا في السينما

 

 

 

 

 

 

رحلت عنا أخيرا

جانيت لي

بطلة "سايكو"

علي كامل

 

 

 

 

أكانت هي قيلولتها الأخيرة في تلك الظهيرة من أكتوبر؟ أهكذا بعد وهج كل ذلك الضوء ولمعان تلك المرايا وصخب كل تلك الموسيقى، تسدل "جانيت لي " جفنيها هكذا بهدوء وسلام، ومن دون ضجيج، لتغفو غفوتها الطويلة الأخيرة ؟

هكذا توقف فجأة قلب الممثلة "مس لي"  كما كان يحلو لمعجبيها أن يسمونها " في تلك الظهيرة الباردة  في منزلها الكائن في حي بيفرلي هلز في كاليفورنيا، هناك حيث كان يجلس الى سرير موتها روبرت برانت زوجها ونجمتان مضيئتان تبعتا مدارها ومدار والدهما توني كيرتس، الممثلتان جيمي لي كيرتس وشقيقتها كيلي كيرتس.

عندذاك إنطفأت شمعة في المنزل وساد صمت الموت والغياب ، وإنتهى فصل طويل كان مليئاً بالضوء والضحك والعشق والضجيج والموسيقى .

تهاوى عمود آخر من أعمدة تلك القلعة الأسطورية  "هوليوود "  ليُدوّن إسم آخر في سجلها الحافل بالذكريات .

في كتاب سيرتها الذاتية الموسوم " كانت هوليوود حقاً " 1984 كتبت جانيت لي : (..كانت عائلتي فقيرة . كنت الطفل الوحيد لأهلي . كان والدي يتنقل بنا من مكان لآخر بحثاً عن لقمة العيش ، لحين جاءت السينما وإنتشلتني من تلك العتمة ، وحلقت بي الى الأعالي ، وأرتني أماكن وأماكن لاتصدَّق .. كنت جنجر روجرز . .  نورما شيرر .. وكنت جوان كراوفورد ..

لقد إستطعت أن أغني .. أن أرقص .. كنت أعرف ، منذ صغري ، أنني أريد أن أكون نجمة في هذا الفضاء الرحب " السينما " وكان ذلك هو أمنيتي الوحيدة في هذا العالم..)..

ولدت جانيت لي وإسمها الحقيقي هو جينيتا هيلين موريسون ، عام 1927  في كاليفورنيا ، في عائلة عمالية فقيرة ، حيث كان والدها يتنقل من مهنة لآخرى ، ومن مدينة لمدينة بحثاً عن عمل .

وحدها الصدفة هي التي كشفت عن موهبة تلك الفتاة الجميلة  ذو التسعة عشر عاماً ، والتي تُذكّر بذات الصدفة التي أكتشفت فيها النجمة الهوليوودية آنا تورنر . لقد صادف وأن رأت نورما شيرر ، نجمة هوليوود في العشرينات والثلاثينات ، صورة الفتاة الشابة معلقة في مكتب إستعلامات الفندق الذي كان يعمل فيه والد جوليت الخرف ، فأخذت تلك الصورة وأعطتها الى وكيل أعمالها الذي قدمها بدوره الى ستوديو  " ميترو غولدوين ماير " ومن هناك إبتدأت رحلتها الطويلة .

إجتازت جانيت الإمتحان بتفوق ، وإقتحمت وهج الأضواء وهي إبنة التسعة عشر ربيعاً.

أما حكاية تغيير إسمها ، فقد كان أن رآها المنتج السينمائي لويس . ب . ماير ، وأعُجب بتلك الفتاة الشقراء ، فأبدل إسمها بـ " جانيت لي " وشرع أمامها الباب واسعاً لتحلّق عالياً ، نجمة ألقة ، في سماوات هوليوود .

كان ظهورها الأو ل في عالم السينما في فيلم " The Romance Of Rosy Ridge  عام 1947 حيث لعبت الدور الرئيسي  فيه أمام الممثل فان جونسون ، وكذلك في فيلم " عالمَ الموسيقى " الذي لعبت فيه الدور الرئيسي أيضاً بمصاحبة جودي غارلند وميكي روني .

ومن أدوارها الجميلة الأخرى دورها الرئيسي في فيلم " الفتاة الحلوة " ، ودورها المميز في فيلم " النساء الصغيرات " التي ظهرت فيه الى جانب إليزابيث تايلور ، جون أليسون ، ومرغريت أوبرين

أما " أختي إيلين " 1955 فقد كان واحداً من أفلامها الجميلة التي لاتنسى .

تزوجت مس لي عام 1942 من جون كارليل ، إلا أن تلك الزيجة لم تدم طويلاً ، فتزوجت ثانية من ستانلي ريميس عام 1948 إلا أنها طلقته بعد عامين . أما زواجها الثالث 1951 فكان هذه المرة من وسيم الشاشة الشهير توني كيرتس ، وهو الزواج الرومانسي السعيد الذي دام أحد عشر عاماً ، ظهرا خلالها معاً في خمسة افلام إمتدت من عام 1951 وحتى عام 1960 Houdini ، The Black Shield of  Falworth ،The Vikings ، The Perfect Furlough ، Who was that lady ?

تطلقت جانيت لي من كيرتس عام 1962 بعد أن أنجبت منه نجمتان لامعتان ، وتزوجت من روبرت برانت بعد عامين ، وهو الزواج الذي دام الى الآخر حتى ساعة وفاتها . 

في سيرتها الذاتية كتبت جانيت لي : " . توني وأنا أمضينا أوقاتاً رائعة وجميلة معاً . كانت حقبة ساحرة ومثيرة في هوليوود . لقد حدثت أشياء عظيمة كثيرة ، لكن الأعظم هو : طفلتان فاتنتان . " 

مثلت جانيت لي مايقرب الستين فيلماً ،  لعبت فيها أدواراً رئيسية مع جهابذة التمثيل في السينما ، أمثال روبيرت ميتشوم ، جيمس ستيوارت ، جون ويـن ، فكتور ماتور ، غاري كوبر ، سيناترا  وآخرين ..

ومن بين أفلامها الشهيرة والجميلة الأخرى أيضاً ، فيلم Scaramouche عام 1952، و The naked spur عام 1953 الذي لعب فيه الدور الرئيسي معها جيمس ستيوارت ، كذلك فيلم  Bye Bye Birdie عام 1963 وفيلم Harper  عام 1966  الذي لعب معها فيه الدور الرئيسي بول نيومان.

إلاأن " مس لي " كانت تعشق  من بين كل تلك الأفلام ، ثلاثة أفلام هي قريبة الى قلبها ، بل أنها تشعر بالفخر في التمثيل فيها ، على حد قولها ، والتي هي حقاً أفضل الأفلام في كل زمان ، والتي هي حسب تسلسلها التأريخي وليس أهميتها :  فيلم " لمسة الشيطان " لأورسن ويلز 1958 وكان لعب الدور معها تشارلتون هلتون وأورسن ويلز. وفيلم " سايكو " لألفريد هيتشكوك الى جانب الممثل الممسوس أنتوني بيركنز .  والفيلم الثالث وهو فيلم سياسي يتناول موضوع المكارثية والشيوعية في ظل الحرب الباردة ، والذي شاركها فيه الممثل والمغني الشهير فرانك سيناترا وهو بعنوان "  مرشح منشوريا " الذي أخرجه جون فرانكينهيمر عام 1962 .

إلا أن من بين مشاهد أفلامها الستين كلها ، يبرز مشهد القتل الشهير ، الذي تجري أحداثه في حوض الإستحمام في فيلم سايكو ، ذلك المشهد الذي عذب مخيلة المتفرجين منذ عرضه الأول وحتى وقتنا الراهن ، والذي يعتبر ، حقاً ، من أعنف المشاهد في تأريخ السينما في العالم .

لقد صور هيتشكوك ذلك المشهد في  سبعين لقطة من خلال سبعين زاوية للكاميرا ، وكانت مدة كل لقطة على الشاشة تستغرق ثانيتين أو ثلاثة بمونتاج حاد ، قاس وسريع . هل بالإمكان نسيان ذلك التقطيع الصوري ، الذي كان يصحبه زعيق كمانات موسيقى بيرنارد هيرمان المتقطع الرهيب ، ومؤثرات سكين تغمد في الجسد ، تقابلها صرخات الموت التي تطلقها الضحية جانيت لي ؟

تقول جانيت في هذا الصدد:

"ظل هذا المشهد يلازمني طوال حياتي . لقد أرعبني الفيلم بعد المونتاج .  إن تمثيل المشهد ومشاهدته ، هما شيئان مختلفان .

بتلك الموسيقى المتقطعة وومضات السكين ، تحس أن السكين متجهة نحوك مباشرة لتنغرز في جسدك .

لم أكن أعرف أن هيتشكوك سيقلب كل شيء على عقب في المونتاج . لقد ُصور المشهد في سبعة أيام ، سبعة أيام وأنا داخل حوض الإستحمام ، ولاأعرف ماذا يحدث وراء الكاميرا . لقد صور هتشكوك  سبعين لقطة ، عبر سبعين زاوية نظر للكاميرا ، وحين إنتهينا من التصوير وإبتدأ المونتاج ، ورأيت النسخة النهائية ، صعقت ، وساءلت نفسي : كيف وافقت على إداء دور بهذا العنف وتلك الوحشية ؟

لم أستطع ، حقاً ، بعد مشاهدتي الفيلم أخذ دوش ثانية أبداً . كنت أغتسل في البانيو فقط ، صدقوني ، وهذا الشيء أقوله ليس من باب الإثارة أو الدعاية . أقسم بالله أن ماأقوله حقيقة .. "

الجدير بالملاحظة أن هيتشكوك صّور الفيلم بلأسود والأبيض ، قصداً ، لتوخي أن يُحدث لون الدم صدمة قوية عند الجمهور . أما مشهد القتل فقد ولد حقاً  في غرفة المونتاج .

أما ماقالته جانيت لي ، بشأن الدوش ، فهو يذكرني حقاً بقصة طريفة مشابهة ، رواها هيتشكوك في كتابه عن سايكو يقول فيها أنه تسّلم ذات يوم رسالة من إمرأة تشكوه من أن إبنتها إمتنعت عن أن تغتسل في البانيو بعد مشاهدتها لقطة الغرق في حوض الإغتسال في فيلم " الشرير " * ، أما بعد مشاهدتها فيلم سايكو ، فقد إمتنعت هذه المرة من أن تأخذ دوش مرة أخرى . ثم سألته بعد ذلك ، ماذا عليها أن تفعل ؟ فأجابها هيتشكوك وبديهيته تقدح طرافة ، قائلاً : " أنصحكِ أن تإخذيها الى ماكنة لغسل وتنظيف الملابس !! " ..

إن الخمس وأربعين دقيقة التي لعبتها  الممثلة جانيت لي في سايكو ، ذلك المشهد الذي يتوج بموت دراماتيكي بطعنات السكين المرعبة ، نالت عليه جائزة الكرة الأرضية الذهبية ، وكذلك الأوسكار ، وأيضاً شرفة في تأريخ هوليوود .

سأُلت مرة عن شعورها وهي تُسأل دائماً عن مشهد القتل في البانيو ، على الرغم من أهمية أفلامها الستين الباقية ، أجابت : " .. أن يتذكر الواحد مشهداً واحداً عظيماً ، هو أفضل بكثير من أن يتوقف عند الكثير من الأفلام التي تخلو من هذه الصفة.."

لقد عاشت حياة حافلة بالأحداث على صعيد السينما وعلى الصعيد الشخصي . فقد كانت نجمة هوليوود الألقة في الخمسينات والستينات ، و كانت أيضاً إنسانة متوقدة الذكاء وهزلية ومسلية في حياتها العادية خارج الشاشة .

ظهرت جانيت لي في السنوات الأخيرة مع إبنتها الممثلة جيمي لي في فيلم بعنوان " الضباب " عام 1980 .

لعبت  جيمي لي عام 1998  دور البطولة في سلسلة أفلام شهيرة تدعى  " هالوين " وظهرت والدتها في واحد من تلك  السلسلة من الأفلام ، وهو " هالوين H20"..

كانت جانيت لي تتمتع بصحة جيدة حتى آخر عام من حياتها ، لكنها سقطت ضحية لمرض إلتهاب أنسجة الأوعية الدموية ، الذي لازمها عاماً كاملاً ، منهياً حياتها الأحد الماضي الثالث من أكتوبر2004 حيث توفيت  في منزلها الكائن في حي بيفرلي هلز في كاليفورنيا عن عمر ناهز السابعة والسبعين عاماً ، تاركة ورائها أثراً مميزاً منقوشاً في تأريخ السينما يصعب محوه .

في وصيتها طلبت أن يمنح إرثها جميعه الى " مؤسسة الصور المتحركة والتلفزيون " .

يضاف الى ذلك ، وكما يقول ممثلها لشؤون الإعلام جون فريزر ، أن الممثلة جانيت لي كانت أسست جمعية إجتماعية ، نظمت من خلالها صندوقاً خيرياً لجمع التبرعات من ألمع نجوم السينما من المخرجين السينمائيين في العالم ، هدفها تقديم الرعاية الصحية  والعلاج الطبي لأولئك الذين يعملون في صناعة السينما والـتلفزيون

* فيلم " الشرير " أنتج عام 1955 ( أي قبل إنتاج فيلم سايكو ) وأخرجه  المخرج الأمريكي هنري جورج كلوست . في الفيلم يتم يُخنق فيه الصبي في البانيو من قبل صاحبة المنزل الذي يقيم فيه .

 

علي كامل، سينمائي عراقي مقيم في لندن

Alikamel50@yahoo.co.uk

موقع "كيكا" في 14 أكتوبر 2004