شعار الموقع (Our Logo)

 

مقالات مختارة

حوار صريح مع المخرج السينمائي المصري محمد خان

عمر الشريف يفوز بـ"سيزار" أفضل ممثل

جوسلين صعب:السينما التسجيلية تمنح رؤية نافذة للاحداث

ناصر خمير: أفلامي حلم... وعندما تحلم تكون وحدك

      برتولوتشي: لقاء

رندة الشهال: أهل البندقية يحبونني

تاركو فسكي: بريق خافت في قاع البئر

كتبوا في السينما

 

 

 

 

 

 

رسالة مُشجِّعة جعلته يستمرّ في مهرجان بيروت للفيلم الوثائقي

محمد هاشم

بدأ طبيعياً وهادئاً وأصبح دولياً

نديم جرجورة

 

 

 

 

 

تجاهل المُتكاسلين

نديم جرجوره

لا يُمكن الاكتفاء بـ"السعي الجدّي إلى ردم الهوّة القائمة بين الجمهور السينمائي العربي والأفلام الوثائقية" فقط، كما جاء في تقديم الملفّ الصحافي الخاص بالدورة السادسة لـ"مهرجان بيروت الدولي للأفلام الوثائقية"، على الرغم من أهمية هذا الهدف الثقافي والفني، طالما أن هناك هوّةً سحيقةً وأخطر بين هذه الأفلام والغالبية الساحقة من الإعلاميين والصحافيين العاملين في الشأنين الثقافي والسينمائي ومُدّعي ممارسة النقد السينمائي. ذلك أن هؤلاء يتجاهلون الفيلم الوثائقي الذي احتلّ، منذ سنين طويلة، حيّزاً كبيراً في المشهد الثقافي والصناعة السينمائية والوعي المعرفي في بلاد الغرب، شعبياً ونقدياً وإعلامياً واجتماعياً، ولا يمنحوه مساحةً مقبولةً في دائرة اهتماماتهم المهنية (لن أزيد فأقول "اهتماماتهم" الثقافية والفكرية والفنية)، ولا يجدونه عملاً يستحقّ المشاهدة والمتابعة. والفيلم الوثائقي عاجزٌ عن اختراق هذه اللامبالاة الإعلامية والصحافية العربية، مع أن الفيلم الوثائقي العربي تحوّل، أقلّه في الأعوام القليلة المنصرمة، إلى نمط إبداعي متميّز بلغته الإنسانية والثقافية والفنية، ومتوغّل أكثر فأكثر في داخل المشهد السينمائي والنتاج الفني العربيين، ومؤثّر في الوعي المعرفي، على الرغم من صعوبات عدّة لا تزال تعترض طريقه نحو تواصل أفعل بينه وبين الجمهور، كأن يغيب عن البرمجة في الصالات السينمائية التجارية والمحطات التلفزيونية والاهتمام الإعلامي/الصحافي والنقدي، من دون تناسي استثناءات قليلة، كالتوجّه التلفزيوني العربي إلى إنتاج الفيلم الوثائقي (العربية) أو إلى إنشاء محطة مُتخصّصة بهذا الفيلم (الجزيرة).

إذا تغاضى البعض عن مدراء الصالات السينمائية التجارية ومسؤولي البرامج في غالبية المحطات التلفزيونية العربية الذين يجدون في الفيلم الوثائقي عائقاً أمام ارتفاع نسبة المشاهدين، مما يدفعهم إلى عدم إدراجه في روزنامة العروض السنوية، فإنه يستحيل تجاوز ما يفعله مدّعو النقد السينمائي وعاملون في الصحافة والإعلام الذين يتجاهلون هذا النوع السينمائي، ويغيّبونه عن وظيفتهم، ويلغون وجوده، ظنّاً منهم أن السينما ليست إلاّ "الفيلم الروائي الطويل". وإذا تنازل بعضهم من عليائه، أدخل الفيلم الروائي القصير في حسابه المهني والنقدي.

إنها "الطامة الكبرى": ذلك أن هؤلاء لا ينتبهون، وربما لا يريدون الانتباه، إلى أن الفيلم الوثائقي وُلد قبل الروائي، وعرف تطوّرات فنية وتقنية وثقافية وإنسانية لافتة للنظر، سمحت له بأن يفرض نفسه في المشهد الدولي. لا يُدرك هؤلاء أن له جمهوراً وصالات عرض ومحطات تلفزيونية متخصّصة ومجلاّت سينمائية نقدية جدّية ومهرجانات دولية خاصة به. لعلّهم لا يكترثون بالسينما أصلاً، إذ يكتفون منها بالمُسلّي والشعبي والرائج، لكنهم لا يُدركون أنه لم يعد ممكناً التعامل مع الفيلم الوثائقي كأنه مجرّد تحقيق تلفزيوني ينتهي "مفعوله" بعد عرضه مباشرة، وأنه لم يعد مسموحاً إبقاؤه في المرتبة الثانية كأنه لقيط سينمائي.

السفير اللبنانية

4 نوفمبر 2004

 

بدأت الدورة السادسة لـ"مهرجان بيروت الدولي للأفلام الوثائقية" مساء الاثنين الفائت، وتستمر لغاية العاشر من تشرين الثاني الجاري، في صالة سينما "أريسكو بالاس" في منطقة الصنايع.

بهذه المناسبة، صدر ملفّ صحافي أنجزه الزميل نديم جرجوره، تضمّن حواراً طويلاً أجراه مع مؤسّس المهرجان ومديره محمد هاشم، هنا نصه.

انطلقت الفكرة من تعلّقي الشخصي بالسينما الوثائقية، ومن شعوري الدائم بأن المهرجانات السينمائية الموجودة هنا وهناك تتعامل مع الفيلم الوثائقي كأنه "درجة ثانية". أردت إيجاد حيّز خاص بهذه السينما، ومساحة مستقلّة تعطي الفيلم الوثائقي حقّه كفن وصناعة وثقافة وإبداع. التقيت في هذه الفترة مرسيل برسودير، الذي يعمل في مجالي الإنتاج والتصوير الوثائقي، فشجّعني كثيراً وساعدني على تأسيس المهرجان، ودفعني إلى بلورة أفقه وتحديد أهدافه.

نظّمنا، برسودير وأنا، الدورة الأولى في الفترة بين السابع والعشرين من أيلول والثالث من تشرين الأول 1999، في صالة تابعة للمجمّع السينمائي اللبناني "أمبير" في فندق "ماريوت" (الجناح). لكن برسودير، لأسباب متعلّقة بطبيعة عمله وسفره، انسحب تاركاً وراءه أثراً طيباً عليّ وعلى المهرجان الذي لولا مساعدته وتشجيعه ودعمه المعنوي الدائم له لما انطلق، وبفضله أدركت بعض أهمّ التفاصيل الخاصة بكيفية تنظيم مهرجان سينمائي له أبعاد ثقافية وفنية وفكرية متنوّعة.

لم تكن هناك قواعد صارمة في عملية الاختيار. أردت أن تنفتح الدورة الأولى على التجارب كلّها، وأن تقدّم أكبر قدر ممكن من الأفلام الوثائقية الطالبية والمُحترفة. اخترت ما توفّر لي من أفلام، بعيداً عن أي تحديد متعلّق بتاريخ الإنتاج أو بجنسية المخرج أو بفنيته وحرفيته، فإذا بي أحصل على نحو خمسة وسبعين فيلماً لبنانياً وعربياً وأجنبياً.

قرار الاستمرار

الامتحان الفعلي والمحطّة الأساسية والحاسمة في مسار المهرجان تمثّلا بالدورة الثانية. فمع اقتراب موعدها، لم يكن هناك قرار بإقامتها أو باستمرارية المهرجان. لم أكن أنوي إحياء دورة ثانية أو ثالثة أو عاشرة. اكتفيت بالأولى وشعرت بأن حلماً ما تحقّق. غير أن ما حصل في ما بعد أعادني إلى دائرة العمل الجدّي بجعلي أتّخذ قرار الاستمرار: في يوم جعلته موعداً لاتّخاذ قرار من اثنين، إما التوقّف عن إحياء المهرجان وإما الاستمرار به، وصلتني رسالة من مديرة "الجمعية العالمية للأفلام الوثائقية" حينها بيتسي ماكلاين تشكرني فيها على دعوتي إياها إلى عضوية لجنة التحكيم الخاصة بالدورة الأولى، وعلى إتاحتي لها فرصة زيارة لبنان ومشاهدة أفلام وثائقية عدّة. ما لفت نظري في رسالتها ملاحظتها أن لا أحد في المنطقة العربية مهتمّاً بالفيلم الوثائقي، ولا حتى في منطقة الشرق الأوسط. أسعدني هذا الأمر ونبّهني إلى ضرورة البحث عن أي وسيلة ممكنة للاستمرار في تنظيمه سنوياً، خصوصاً أن تل أبيب أسّست مهرجاناً وثائقياً بعد مرور شهرين اثنين على ولادة مهرجاني، مما حمّسني أكثر للعمل في اتّجاه تحسين شروط إقامته في بيروت تحديداً، وأردت مواجهة المهرجان الاسرائيلي رغبة منّي كمواطن لبناني عربي في إعلان حبّي للفيلم الوثائقي أولاً ولبيروت ثانياً، التي لا أزال أصرّ على إحياء المهرجان فيها، أكان ذلك في داخل حرم جامعي أم في قاعة مسرح أم في صالة سينما.

إذاً، تضافرت عوامل عدّة ساهمت في حسم قراري في اتّجاه الاستمرار: عدم وجود مهرجان سينمائي متخصّص بالفيلم الوثائقي في العالم العربي. رغبتي في المشاركة الفعلية في تحريك النشاط الثقافي في بيروت. تعلّقي الكبير بالفيلم الوثائقي. قناعتي بأن الفيلم الوثائقي أقدر من الروائي على تسليط الضوء على واقعنا ومشاكلنا وأحلامنا. اهتمامي الثقافي والفني بهذا النوع السينمائي، معتبراً إياه سلاحاً فعّالاً في مواجهة المخاطر المحدقة بنا كعرب. وصول الفيلم الوثائقي الغربي إلى مرحلة متقدّمة جداً من التطوّر والنضج وقوة التأثير، بفضل قدرته على التوغّل أكثر فأكثر في تشعّبات الواقع الإنساني العالمي بامتداداته الاجتماعية والسياسية والثقافية والإعلامية والاقتصادية وغيرها. حماسي المتزايد للفيلم الوثائقي اللبناني والعربي، ظنّا مني أن المهرجان قادرٌ على تحقيق نقاط عدّة، منها: أولاً، إفساح المجال أمام هذا الفيلم للتواصل مع جمهوره اللبناني والعربي. ثانياً، لقاؤه سينمائيين عرباً وأجانب.

حيّز جغرافي وذاكرة ثقافية

إثر قراءتي رسالة بيتسي ماكلاين قرّرت الاستمرار في تنظيم دورة سنوية للمهرجان، مقتنعاً أني سأتفرّغ له بشكل كامل في وقت قريب للغاية، جاعلاً منه عملي ومهنتي. بعد الدورة الثانية، التي أقيمت بين التاسع والعشرين من تشرين الثاني والثالث من كانون الأول 2000 في مبنى "إروين هول" في حرم "الجامعة اللبنانية الأميركية"، اكتشفتُ أن الدورة الأولى أفضل، علماً أن أهمية الثانية كامنة في أنها حسمت خياري وجعلتني أقرّر الاستمرار في تنظيمه وإحيائه. أعترف أن الدورة الأولى أفضل بمستويات عدّة: الأفلام، الحضور، المناخ... لذا، فإن الدورة الثالثة، التي نُظّمت بين الأول والسابع من تشرين الثاني 2001 في "مسرح المدينة"، شكّلت ما أسمّيه "نقلة نوعية وكبيرة" لمهرجان بدا لي أنه، في هذه الدورة تحديداً، فرض وجوده واتّخذ لنفسه شكلاً أوضح، وبدأ يمتلك جمهوراً خاصاً به. كما أنه انتقل إلى قاعة تابعة لمؤسّسة ثقافية وفنية هي "مسرح المدينة"، بعد خوضه تجربتين جماهيريتين مرتبطتين بمكانين مختلفين: صالة سينمائية تجارية ("أمبير" في فندق "ماريوت") وقاعة مسرح وعروض متنوّعة في داخل مؤسّسة أكاديمية بحتة (الجامعة اللبنانية الأميركية). هذا يعني أن المهرجان اتّسع قليلاً، وبات أفق علاقته بالجمهور أكبر، من دون أن يلغي اهمية التجربتين السابقتين، إذ إن لكل مكان من المكانين الآخرين فضاءه المتميّز بخصوصيته في التعاطي مع جمهوره.

شهد "مسرح المدينة" ثلاث دورات متتالية: الثالثة، ثم الرابعة بين الثالث والتاسع من تشرين الثاني 2002، والخامسة بين السادس والثالث عشر من تشرين الثاني 2003. ثلاث دورات متتالية في حيّز جغرافي يتمتّع بجمهور متنوّع تراوح بين شباب متحمّس للعمل الثقافي والفني ومخضرمين اختبروا تجارب المدينة وعاصروا تحوّلاتها وشهدوا حروبها، وباتوا اليوم أكثر تمسّكاً بها، فوجدوا في "مسرح المدينة"، وفي ما يختزنه من تاريخ ونتاج، محطّة للتأمل ولمعاينة نتاج أفواج من الشباب المثقف والملتزم سياسياً واجتماعياً وإنسانياً. اخترت "مسرح المدينة" في بيروت، بل في منطقة مجاورة لشارع الحمرا، لأني مؤمن بأن هذا الحيّز الجغرافي لا يزال القلب الثقافي لبيروت والوجه الحضاري لعاصمة لبنان. ومع إقفال المسرح، لم أجد إلاّ صالة سينما <<أريسكو بالاس>> في منطقة الصنايع، على بُعد أمتار قليلة من "مسرح المدينة" في كليمنصو، كي أستمرّ في إحياء المهرجان، إذ إني لست راغباً في تنظيم مهرجان ذي أبعاد ثقافية وجمالية وفكرية وفنية خارج بيروت. ذلك أن ضمير بيروت وحقيقتها كامنان هنا، في هذه المساحة الجغرافية بما فيها من ذاكرة وتاريخ ومحطّات وتفاصيل وحكايات.

إذا أمكن اعتبار الدورة الثالثة بمثابة "التأسيس الفعلي للمهرجان"، فإن اكتسابه بُعداً دولياً حقيقياً حدث في الدورة الخامسة. فهو استوفى معايير دولية عدّة، إذ بات تنوّعه الدولي أكبر، على مستوى الأفلام والضيوف والمسابقة. أضف إلى ذلك كلّه أني احترمت مواعيد المهرجانات الأخرى الموضوعة في الروزنامة الدولية، التي تفرض الانتباه إلى ضرورة ألاّ يكون هناك مهرجان سينمائي متخصّص بالمجال نفسه في مدينة واحدة، أو متداخل ومهرجان آخر في بلد مجاور. ففي بيروت، لا وجود لمهرجان سينمائي وثائقي آخر، مما سمح لي باكتساب أحد المعايير المطلوبة للحصول على صفة "دولي"، إلى جانب التنويع الدولي في جنسية الأفلام المختارة: في الدورة الخامسة، اختيرت أفلام من خمس وعشرين دولة، وأقيمت مسابقة رسمية خاصة بأفلام طالبية دولية بعد أن حافظت (هذه المسابقة) على طابعها المحلي باختيارها أفلاماً طالبية لبنانية فقط. في الدورة السادسة، أضفت إلى المسابقة الرسمية أفلام محترفين تقلّ مدة كل واحد منها عن خمسة وأربعين دقيقة، إذ اعتبرتها مقياساً للفيلم الوثائقي القصير، بينما الطويل فيلم تزيد مدته على ثلاثة أرباع الساعة. يُفترض بالمسابقة الرسمية، بعد الدورتين السابعة والثامنة، أن تستقبل أفلاماً طويلة. هذا جزء من الخطّة الموضوعة. لكن، كي أصل إلى هذه المرحلة، عليّ أن أمرّ بخطوات متنوّعة، وأن أتمكّن من تشكيل أكثر من لجنة تحكيم تهتمّ كل واحدة منها بنوع أو بشكل سينمائي معيّن (...).

اكتساب صفة "دولي"

ما تغيّر بالنسبة إلى المهرجان منذ دورته الأولى لغاية اليوم كامن في نقاط عدّة، أبرزها أن تطوّره تمّ بشكل طبيعي وهادىء: أثار اهتماماً دولياً به ازداد (هذا الاهتمام) دورة تلو أخرى، إذ إن المؤسسات والمهرجانات الدولية تبادر من تلقاء نفسها للاتصال بنا، للاستعلام عن فيلم أو لطلب ثانٍ أو لاقتراح إشراك ثالث. بات المهرجان محطة أساسية في خارطة المهرجانات السينمائية الوثائقية الدولية، وموعداً منتظراً. كما نجح في أن يحصل على ميزة "العرض الدولي الأول" لأفلام عدّة في قارة آسيا، أي قبل أن تُعرض في مهرجان الفيلم الوثائقي في اليابان، مثلاً. بهذا، اكتسبت بيروت حقّ "العرض الدوليّ الأول"، وأصبحت مدخلاً لأفلام عدّة إلى هذه القارة الشاسعة. وتمكّن المهرجان من أن يتحوّل إلى سوق، وإن بشكل متواضع، تباع فيها الأفلام وتشترى، كما حصل في العام الفائت حين اشترت المحطّة التلفزيونية الفضائية "العربية" أفلاماً عدة شاركت في الدورة الخامسة لعرضها على شاشتها، والمحطة التلفزيونية الفضائية "العالم" التي تزمع شراء حقوق عرض أفلام أخرى أيضاً.

هذه كلّها ساهمت وتساهم في جعل المهرجان محطة دولية لا تعرض الأفلام فقط، بل تتحوّل إلى سوق سينمائية على غرار ما يحدث في المهرجانات الكبرى في العالم.

السفير اللبنانية في 4 نوفمبر 2004