برتولوتشي: لقاء |
«الرسالة» فيلم في ساحة القضاء بلا جواب |
فيلم «الرسالة» للمخرج السوري الاصل الاميركي الجنسية «مصطفى العقاد» يحيطه سياج قوي من الألغاز والغموض الأقرب إلى هوس العلنية، فهو لا يمثل فقط واحداً من النماذج البارزة لأزمة الفيلم الديني وعلاقته الشائكة بالرقابة سواء في المؤسسة الدينية او حتى المؤسسة الفنية. وانما هو ايضا الاكثر شهرة على خارطة الرفض المطلق وغير المسموح في التراجع ولوخطوة واحدة والنظر في امر عرضه. واللغز في هذا الفيلم بالذات انه مسموح بعرضه في كل دول العالم الا مصر وسوريا، بالرغم من أن سيناريو الفيلم حصل على كل الموافقات الرقابية بما فيها الأزهر نفسه، وحاز على اعجاب الجميع بما فيهم من علماء وشيوخ في الدين الاسلامي مثل الشيخ الراحل «محمد متولي الشعراوي» الذي صرح باعجابه بالفيلم وقال لمخرجه «نريد المزيد»، وذلك حسبما ماذكر العقاد نفسه في أحد حوارته . مشيرا إلى دهشته من موقف الأزهر الرافض لفيلمه والذي يعتبره رفضا غير مبرر ولغزا بلا حلول، مما اضطره إلى اللجوء للقضاء لعله يفصل في امر هذا اللغز المحير، ولكنه ظل ما يقرب من الـ «28» سنة في فضاء القضاء بلا جواب، حتى بعد ان عرضت احدى المحطات التلفزيونية العربية فيلمه دون الحصول على اذنه. ويعد فيلم الرسالة من أفضل الأفلام الدينية العربية التي أنتجت في تاريخ السينما، فقد كان «العقاد» سخيا إلى درجة كبيرة في انتاج فيلمه، وبذل جهدا كبيرا في توفير كل فرص النجاح الملائمة والتي تتوافق مع فكرة فيلم يبرز الدين الاسلامي دون الوقوع في فخ تيمات فنية مملة اوقديمة لايلتفت اليها احد ولاتدعو للملل. وكان ذلك واضحا في استعداداته الكبيرة التي قام بها وانتقائه أفضل الكفاءات الفنية من ممثلين ومصورين وديكورات وأزياء ومواقع تصوير، وقد حرص ايضا، بل وقبل كل ذلك على الحصول على موافقة الأزهر على سيناريو الفيلم الذي اشترك في كتابته اضافة إلى حواره اثنان من اكبر أدباء مصر وهما (توفيق الحكيم) و(يوسف أدريس) فضلا عن المخرج نفسه. ومنذ البداية خطط العقاد إلى تجاوز المشكلة الكبيرة التي واجهت معظم منتجي الأفلام الدينية السابقة وهي تقديم الفيلم باللغة الأجنبية ولكن هذه المرة ليس بطريقة الدبلجة وإنما بطريقة إنتاج الفيلم مرة ثانية بممثلين أجانب مستثمرا جميع مواقع التصوير السابقة والديكورات وما إلى ذلك، وقد أظهرت هذه الطريقة قدرة الممثل العربي على القيام بدوره على أفضل وجه وبما لا يقل كفاءة عن زميله العالمي. بل أن الكثير من النقاد العرب والأجانب أشاروا إلى هذا الموضوع فضلا عن تصريحات الممثلين الأجانب أنفسهم، وخاصة عند مقارنة أداء الفنان العالمي (انطوني كوين) بالفنان العربي (عبد الله غيث) واللذين أديا دور (حمزة) عم الرسول (ص)، وكذلك هو الحال مع الممثلة السورية (منى واصف) التي أدت دورا من أفضل أدوارها على الشاشة السينمائية. وربما كان ذلك يعود إلى الإحساس العميق الذي شعر به الممثل العربي في تقديمه لموضوع الفيلم ومسؤوليته كمسلم وعربي إزاء هذا الموضوع الذي يمسه عقائديا واجتماعيا وفكريا وسياسيا ومن كل النواحي القريبة من الشخصية العربية المسلمة، وهو ما صرح به أغلب المشاركين في الفيلم فيما بعد، كما كشف الفيلم عبر موضوعه المتماسك عظمة هذا الدين وقدرته في البقاء والانتشار ورفضه لكل أشكال العنف ودعوته الجريئة والواضحة للتسامح. ورغم كل ذلك فان الفيلم مازال ممنوعا من العرض في مصر بسبب رفض الازهر له بدعوى ظهور العديد من الشخصيات الإسلامية من الصحابة والمبشرين بالجنة في الفيلم، وهو مايتعارض مع تعليمات الازهر بمنع ظهور هذه الشخصيات مطلقا في الأعمال الفنية. وهو مايعتبره «مصطفى العقاد» امرا مثيرا للدهشة في مصر فيقول مشيرا إلى ماسبق اعلنه عن حصوله على موافقة الازهر: قد لا يعلم الكثيرون أنني أحمل موافقة لجنة الأزهر على سيناريو فيلم الرسالة، وأن العمل جيد وقد مكثت سنة كاملة في القاهرة في بداية السبعينات للإعداد لسيناريو الفيلم مع كبار الكتاب مثل توفيق الحكيم، ويوسف إدريس، فأنا مسلم، عربي لا أستطيع الإساءة للإسلام، ولهذا حرصت أن يخرج العمل في أفضل صورة ممكنة سواء من ناحية القصة والسيناريو، أو ناحية التصوير وفريق الممثلين والإخراج. ثم يضيف «العقاد»: وحسب تقرير نشرته صحيفة «البيان» الاماراتية فإنه بعد أحداث 11 سبتمبر تم بيع 100 ألف نسخة من فيلم «الرسالة» للقوات الأميركية وأجرت معهم إحدى المجلات حوارا لمعرفة سبب ذلك فقالوا أنهم أرادوا معرفة الإسلام فمنهم من اشترى كتباً وآخرون اشتروا أفلاما، أنا أقول للذين يرون في منع ظهور تلك الشخصيات حماية لأصول الدين، أن الحياة تتغير وأساليب الدعوة في الماضي كانت مختلفة، وإلا فعلينا أن نمتنع عن استخدام أساليب التكنولوجيا الحديثة لأنها لم تكن موجودة في عهد النبي. وفيلم «الرسالة» له تأثير لافت من الناحية الفنية والابداع الذي يلمسه كل من يشاهده والذي ينم عن فهم وادراك للمسألة الفنية وحدودها اللا متناهية، فكل عنصر من العناصر الفنية كان متقدا واضاف نضجا خاصا وقيمة عالية للعمل بدءا من السيناريو المتقن والتصوير الواعي لكل مفردة في السيناريو والمونتاج السلس الذي ساعد على تقديم فيلم لايمل منه وأداء الممثلين الذي يدل على ادارة مخرج متمكن حتى المجاميع كانت تحت السيطرة، اما الموسيقي التصويرية فكانت شيئا اخر، فالموسيقى التي ألفها الموسيقار الفرنسي «موريس جاري» لم تكتف بمؤازرة خطوط البناء الدرامي فقط بل كانت تنبض باتجاه اخر. اضافة إلى ذلك جاء الفيلم ايضا مؤثرا من ناحية موضوعه الذي يكشف النقاب عن رسالة الدين الاسلامي السمحاء، ولعل هذا التنامي الواضح بين الشكل الفني للفيلم وموضوعه الذي يستحق كل تقدير هو ماجعل كل من يشاهده ينبهر به، بل انه سبب جدلا مازال قائما حتى الان منذ عرضه في بداية الثمانينات من القرن الماضي بين الذين يرون اهمية عرضه وانتاج اعمال اخرى مثيلة له وبين رجال الأزهر الذين يصرون على المنع. الرأي الأردنية في 4 نوفمبر 2004 |