خاص بـ "سينماتك"

خاص بـسينماتك.. خاص بـسينماتك.. خاص بـسينماتك.. خاص بـسينماتك.. خاص بـسينماتك..     خاص بـسينماتك.. خاص بـسينماتك.. خاص بـسينماتك.. خاص بـسينماتك.. خاص بـسينماتك..     خاص بـسينماتك.. خاص بـسينماتك.. خاص بـسينماتك.. خاص بـسينماتك.. خاص بـسينماتك..     خاص بـسينماتك.. خاص بـسينماتك.. خاص بـسينماتك.. خاص بـسينماتك.. خاص بـسينماتك..     خاص بـسينماتك.. خاص بـسينماتك.. خاص بـسينماتك.. خاص بـسينماتك.. خاص بـسينماتك..     خاص بـسينماتك.. خاص بـسينماتك.. خاص بـسينماتك.. خاص بـسينماتك.. خاص بـسينماتك..    

 

السابق

 

 

التالي

خاص بـ"سينماتك"

السينما الشعرية ليست براءة إختراع، ولا هي من صنع الخبازين

حوار مع الناقد االسينمائي المصري "أمير العمري"

قراءة نقدية في "أفلام من الإمارات"

"الطاحونة الحمراء" .. الفيلم والمخرج

مهرجان الفيلم العربي في روتردام:

أين العراق ؟

روتردام (هولندا)/ صلاح هاشم

 

 

 

 

لم يكن مهرجان الفيلم العربي في روتردام, الذي تنظمه جمعية أهلية عربية صغيرة في المدينة, ويديره الفلسطيني محمد أبو ليل, والتونسي خالد شوكات, والناقد السينمائي العراقي انتشال التميمي, وبخاصة في دورته الخامسة المنصرمة, في الفترة من 1 الي  6 يونيو2005 مهرجانا عاديا اعتياديا ويمر مرور الكرام, مثل بعض المهرجانات السينمائية الحكومية في بلادنا, وهي في الأغلب من صنع الموظفين, ولا تترك أثرا. بل كان مهرجانا متميزا, سينمائيا وإعلاميا وإنسانيا, لأنه كشف عما ما تستطيع الجمعيات الأهلية المستقلة الصغيرة, في إطار الجاليات المهاجرة إلي هولندا, أن تحققه, إذا وجدت دعما وتشجيعا من الحكومة المعنية, وأقامت جسرا من الحوار البناء الفاعل المؤثر في أوساط الشعب الهولندية, ونجحت في مخاطبة كل طبقاته, ومن ضمنهم من يعنيهم الأمر من المهاجرين العرب في الداخل, الذين حضروا إلي هنا من المغرب وفلسطين ومصر وسوريا والعراق وغيرها, وتوافدوا علي المهرجان بكثرة.وعلي الرغم من أن المهرجان عرض فيلما وثائقيا بعنوان " الشعور بالبرد " لهالة لطفي من مصر, وكان معبرا بالفعل عن حالة الطقس في المدينة, ومتطابقا معه في تلك الأيام الأولي من شهر يونيو, حيث كان الجو باردا إلي حد ما, ومتقلبا ومطيرا أحيانا في روتردام, المدينة الثانية في هولندا, ببنوكها وأبراجها الأسمنتية العالية التي تناطح السحب, حيث تجري حركة التجارة علي قدم وساق, وروتردام كما هو معروف, ثاني أكبر ميناء في العالم بعد شنغهاي في الصين, ويصل تعداد سكانها إلي أكثر من 500000 نسمة. إلا أن "الشعور بالدفء" كان الشعور العام الذي طغي علي أجواء المهرجان, الذي أمتعنا وثقفنا بأفلامه, وروج من خلال حلقات النقاش والدراسة التي عقدها, مثل حلقة نقاش" صورة العرب في السينما الأوروبية" لمشاعر الدفء والحب والتفاهم والإنسانية, إلي جانب عرضه لأفضل الأفلام الجديدة فنيا وإنسانيا, القادمة من أنحاء العالم العربي. كما أتاح المهرجان فرصة للالتقاء بنجمة سينمائية كبيرة هي الفنانة المصرية ليلي علوي, التي قبلت ومن دون شروط, أن نصحبها في رحلتها إلي المهرجان والمدينة, والتعرف إلي أهلها من المهاجرين العرب, والإنصات إلي أحاديثهم وهمومهم وشكواهم, وتشجيع محاولاتهم, من خلال المهرجان, لتصحيح صورة العرب في هولندا, عن طريق ثقافة وحضارة السينما في بلادنا..

وكانت ليلي علوي, نجمة السينما العربية الأولي عن جدارة, وسفيرة السينما المصرية الجديدة, حضرت حفل افتتاح المهرجان, في صحبة المخرجة إيناس الدغيدي " الباحثات عن الحرية ", وأسامة فوزي مخرج فيلم " باحب السيما "وتألقت ليلي في الحفل بثوبها الأزرق المشغول بالترتر واللآلي ء والخرز الملون, وتحدثت كعادتها, بتواضع الفنان, وبكلمات بسيطة صادرة لتوها من القلب, فحكت عن اعتزازها بتكريم المهرجان لها, وعرض فيلمها " بحب السيما" لأسامة فوزي, وذكرت أنها تشرفت بأداء دور تلك ألام المضطهدة المقموعة في الفيلم , وما أكثر الأمهات والنساء المقموعات المضطهدات في بلادنا, وأضافت أن الفيلم هو صرخة ضد التعصب بكافة أشكاله, ودعوة إلي التمرد والحرية, وشكرت المهرجان والجالية العربية في هولندا علي دعوته, وحفاوة الاستقبال. وكان الجمهور الكبير احتشد حول ليلي علوي بمجرد وصولها, واصطحبها من المطار الي قاعة العرض " سينيراما " حيث جرت مراسيم حفل الافتتاح, وحملها وقد كادت تذوب في الضجيج والزحام بين جمهرة من الصحفيين والمصورين إلي الداخل, وبمجرد ظهورها, فرقعت زغاريد قوية من هنا ومن هناك, ارتجت لها جدران قاعة العرض في سينما " سينيراما " CINERAMAفرحا وابتهاجا وغبطة, ثم ألقت ليلي علوي كلمتها تلك بحضور وفد سينمائي مصري كبير, ضم الناقد علي أبو شادي رئيس المركز القومي للسينما في مصر, والكاتب السيناريست محفوظ عبد الرحمن, والناقد السينمائي سمير فريد..

وكان مهرجان الفيلم العربي في روتردام متميزا أيضا من ناحية الأفلام التي اختارها للعرض, وقدمت بانوراما لأبرز الأفلام العربية التي تطرح بصدق واقع مشكلاتنا وهمومنا وتناقضات مجتمعاتنا العربية تحت الشمس, مثل فيلم " بحب السيما " لأسامة فوزي من مصر, الذي نعتبره اقوي الأفلام العربية التي عرضها المهرجان, إذ يحكي الفيلم أساسا عن " قيمة الحرية", وهو يندد بالتعصب المقيت البشع بكل أنواعه في مصر, ويضرب لنا مثلا من الستينات, من خلال قصة هذا الطفل البريء" نعيم " الذي يعشق السينما, ويحلم بأن يصبح مخرجا سينمائيا, فإذا به في مواجهة ذلك الأب القمعي الظالم, الذي لا يعرف طعم الحياة الحلوة, ويخاف من سلطة الدين وعقابه, أن يذهب إلي النار, ويخشي أن يرتكب خطيئة في كل خطوة, فيعذبه زبانية جهنم. وإذا بهذا الطفل,  يتحايل علي التمرد والعيش, في هذا الجو الاسري المسيحي الخانق, وينتصر في النهاية لحب الحياة والحرية, والشعور بالدفء في رحاب السيما. ولم نشعر أبدا في فيلم أسامة فوزي بأنه معني فقط بالمسيحيين في مصر, بل وجدناه فيلما عن مصر وأهلها, لكل المصريين مسلمين وأقباط مسيحيين, ولا غرابة أن يستدير الطفل في آخر لقطة من الفيلم, ويشاهد التلفزيون, وهو يودع أهله في عراك, فلا يلتفت إليهم ولا يعبأ بهم, وينتصر في النهاية للصورة, أي للإبداع والفن, وهو يحثنا أن نطير, ونحلق بجناحين, في سماء الحرية, وندلف إلي المياه من دون وجل. وكان " بحب السيما " أثار حين عرض في مصر, زوبعة من الجدل, بسبب نظرته المتحررة للمسيحية, ووصل الأمر إلي قيام بعض رجال الدين الأقباط, برفع دعوى قضائية ضده, غير أن الجمهور الواعي في مصر, اقبل علي الفيلم الذي تألقت فيه تفاحتنا ليلي علوي, وحقق له نجاحا شعبيا منقطع النظير, وأدرك بفطنته أن أسامة فوزي, سعي بحس الفنان وضميره الواعي, لانتقاد جميع أنواع الاضطهاد والتعصب المقيت, في بر مصر العامرة بالخلق..

أين العراق ؟

كما عرض المهرجان أيضا فيلم " الذاكرة المعتقلة " للمغربي جيلالي فرحاتي, ويحكي عن ذاكرة النضال السياسي في المغرب, وينبه إلي أهمية اشتغال السينما " علي ذاكرة الماضي, لفهم الحاضر, قبل اختراع المستقبل الجديد, وفيلم" في الدار البيضاء الملائكة لا تحلق " لمحمد عسلي, الذي عرض كنموذج للسينما المغربية الناهضة, التي تشهد في السنوات الأخيرة طفرة غير مسبوقة, وبخاصة في ما يتعلق بالإنتاج, حيث صار معدل ما ينتج من أفلام روائية طويلة, لا يقل عن عشرة أفلام في السنة..

وقد تحققت هذه الطفرة كما يذكر الناقد السينمائي المغربي مصطفي المسناوي, نتيجة عدة عوامل, لعل أهمها الدعم الذي تقدمه الدولة من خلال "صندوق الدعم" التابع للمركز السينمائي المغربي, ويبلغ مقدار الدعم السنوي حاليا 28 مليون درهم, أي ما يزيد علي 3 ملايين دولار, واتساع مجال الحريات العامة بالمغرب خلال السنوات الأخيرة, وبخاصة مع تولي ملك جديد مقاليد الحكم, ودخول مواهب سينمائية جديدة شابة, درست السينما في الخارج, مثل فوزي بن سعيدي وحكيم بلعباس ونور الدين ألخماري وغيرهم, دخولهم إلي ساحة الإخراج السينمائي بالمغرب ضمن مجموعة من السينما المغربية الصاعدة..

وعرض مهرجان الفيلم العربي في روتردام أيضا فيلما تسجيليا فذا, يحكي عن مأساة الشعب العراقي بأكمله, الذي مازال يسأل أين العراق, ولخصها الفيلم باقتدار وجرأة وذكاء, واختير للمشاركة في مهرجان لايبزيج في ألمانيا, وسوف يسافر إليها بعد مهرجان روتردام, وأعني به فيلم "أين العراق " للمخرج العراقي المتميز باز شمعون البازي, الذي يحكي عن مخرج عراقي, يحاول قبل 75 يوما من أسر الجيش الأمريكي صدام حسين, يحاول الدخول إلي وطنه, بعدما قضي أكثر من 27 عاما من النفي الإجباري في كندا, فإذا به بعد أن اخفق في محاولة الدخول, يلتقي مجموعة من العراقيين المشردين علي الحدود, بين العراق والأردن, ومن ضمنهم عمال بلا عمل, وسائقي شاحنات,  ولاجئين منهكين معذبين من سنوات الحرب العراقية الإيرانية, والعقوبات والاعتقال التعسفي, والتعذيب والخوف من الإعدام, ويروح هؤلاء, يحكون في أسي, عن السنوات المظلمة, التي عاشوا في ظل ديكتاتورية الجزار الأسير,  ونظامه الدموي. وهي حكايات مرعبة, يقف لها شعر الرأس, وتخلع القلب, غير أن أبرز ما يميز هذا الفيلم " أين العراق " لباز شمعون الذي أسرنا بتوهجه السينمائي الفني, هو هذا التكثيف السينمائي في الفيلم الذي يحيله إلي قطعة من الشعر السينمائي المصفي, ومن دون أن يفرض المخرج حضوره ويظهر في الفيلم, ومن دون إطالة أو فضفضة أو رهرطة, وشروحات وتعليقات عقيمة مملة وثرثرات لاتنتهي, فجاء علي النقيض من الافلام العراقية الكثيرة التي صورت داخل العراق بالفيديو, وحكي لنا فيها مخرجوها عن زياراتهم لأهاليهم وذويهم, وانشغلوا بما هو نرجسي وذاتي, وقتلوا في أفلامهم روح السينما الحقيقية, في حين هلكنا باز شمعون سعادة وغبطة, بتلك الجوهرة السينمائية الصغيرة, وبصوت تلك المغنية العراقية التي تودع العراق في نهاية الفيلم, وهي تقول له في حسرة وأسي أن حبك هلكني. وذكرتنا تلك اللقطة باللقطة الأخيرة في فيلم  العراقي سعد سلمان " بغداد أون-أوف ", وهو من نفس النوع الوثائقي الذي يقترب من نبض الواقع, ويمسك بتوهج الحياة ذاتها, وصوت ذلك المغني الذي يطلب من قطار الليل الطويل في الفيلم, أن يعرج علي بغداد, لكي يسمعنا أغنية الحب الحزينة. وكانت كل هذه الأفلام وغيرها, في مجملها, كانت تتساءل, كما في فيلم مخرجنا العراقي, أين ومتي وكيف, أي كانت تطرح من خلال السينما, تساؤلات الوجود ألكبري, وتفلسف حياتنا..

السينما لكنس الهراء العام

أين هو العراق, راحت هذه الأفلام التي عرضت في المهرجان تسأل, ومتي ينتهي الظلم في بلادنا, وكيف تصبح الحياة مع الشعور بالبرد, في فيلم المصرية هالة لطفي الجميل, تصبح أكثر دفئا وتسامحا وعدالة وسعادة, وجديرة حقا بأن تعاش.. لكن ظهرت في المهرجان, كما ذكرنا, المخرجة المصرية ايناس الدغيدي, التي حملت إليه مزهوة,  ونحن نسأل علي ماذا, حملت إليه فيلمها الأخير " الباحثات عن الحرية " الذي روعنا بقبحه الفني, واعتبرناه شتيمة بذيئة للنسوان, و فيلما رديئا علي كافة المستويات, وعنصريا ومعاديا للعرب, من خلال ترويجه لأبشع صور الانحطاط الأخلاقي السيئة, التي تحط في خنادق الكارهين للعرب في أوروبا, والجمعيات اليمينية الفاشية المتطرفة, وتعتبرهم مصدرا لكل السوءات في المجتمعات الأوروبية الغربية, وعالة عليها, وينبغي تطهيرها منهم, ولازلت لا اصدق, أن فيلما كهذا, عن ثلاث نساء عربيات في باريس, يمكن أن يصنع, ويكون به كل هذه الأخطاء الفنية والعري الفاضح والمشاهد الجنسية المجانية الساخنة, ثم يسمي من بعد فيلما. ولاعجب أن تغادر القاعة بعد نهاية الفيلم, وأنت تخبط كفا بكف, وتسأل أين الفيلم, كما فعل مخرجنا العراقي باز شمعون البازي في فيلمه , وراح يسأل أين العراق. هذا العراق الذي قتل الجميع بعشقه, مثل هذا الأسمر الجميل, الذي راحت تتغني به الست منيرة المهدية في فيلم " عندما تغني النساء " لمصطفي حسناوي, وتقول لنا أنه ملك عليها روحها, وهلكها. ولاشك أن معظم الأفلام التي شاركت في المهرجان, ومن ضمنها فيلم " الرحلة ألكبري " للمغربي الفرنسي إسماعيل فروخي, ساهمت إعلاميا في تكوين صورة صحيحة عن العرب وثقافاتهم وأديانهم , وكشفت أن دين الإسلام هو دين التسامح عن جدارة ..

رحلة تصالح بين ثقافتين

إذ يحكي " الرحلة الكبري " عن الحج إلي بيت الله الحرام, أحد أركان الإسلام الأساسية, ويمثل الخلفية التي تدور عليها أحداث الفيلم المؤثر والدا فيء والجميل, الذي يصالح مابين جيلين وثقافتين في فرنسا, ويقربنا أكثر, من خلال الرؤية التي يقدمها لدين التسامح , يقربنا أكثر من إنسانيتنا, كما يؤكد أن الفن الجيد فقط, هو سفيرنا للتواصل والتفاهم, في إطار صراع الحضارات الدائر, مع شعوب العالم, وان الثقافة تسبق السياسة والسياسيين, علي هذه السكة, إذ تمهد الثقافة وتفتح الطريق للتواصل مع كل الموجودات والمخلوقات, وتتسامي من خلال الفن الجيد, والأعمال السينمائية المتميزة, تتسامي بأرواحنا. وكان المهرجان عرض فيلمين جميلين حقا من تلك العينة, فيلم " لاهنا ولالهنية " الروائي القصير للمغربي رشيد بوتونس, عن عامل مغربي في فرنسا يحال علي المعاش, وكتب له السيناريو إسماعيل فروخي, وقد بدا لنا لجودته, واضطلاع الممثل المغربي القدير حميدو بالبطولة فيه, بدا لنا فيلما طويلا من أجمل الأفلام التي عرضها المهرجان, ولا تقاس الأفلام, في رأينا, بطولها أو قصرها, بلونها أو جنسيتها, , بل تقاس بقيمتها الفنية , وماهو ضروري, ولا نعلم أننا نحتاجه.. ونريده..

وفيلم " عندما تغني النساء " للتونسي مصطفي الحسناوي الذي يحكي عن مطربات مصر في الثلاثينات, ومن ضمنهن المطربة العملاقة منيرة المهدية, وكن من النساء المصريات, اللواتي نادين إلي تحديث المجتمع, وقاتلن من اجل الحصول علي حقوقهن, وذهبن إلي ابعد من ذلك, إلي تسجيل الأناشيد القرآنية. ويناقش الفيلم قضايا النساء والتحديث, وعلاقتهن بأجسادهن والسلطة والأزهر ومشايخه, ويربط بين هموم النساء في الحاضر, حيث يبدأ الفيلم داخل محكمة للاحوال الشخصية وقضايا الطلاق, ونضالات الممطربات مثل ام كلثوم ومنيرة المهدية في الماضي, من اجل تحرير المرأة, وحصولها علي حقوقها, ويكتسي الفيلم كله بنسيج سينمائي باهر ناعم, من القطيفة والحرير والدانتلا, جعلنا نحلق من متعة المشاهدة والطرب, والتأمل والفهم العميق, لكي يصبح في النهاية قطعة منا..

"غير صالح": الظروف لا تصنع فيلما

وكان المهرجان احتفي ايضا بمجموعة من المونتيرات , في تكريم خاص لرائدات السينما العربية, تضم المونتيرة المصرية نادية شكري " أحلام هند وكاميليا " و التونسية كاهنة عطية " بيزنس " والسورية  انطوانيت عازرية " نجوم النهار " , استمرارا لتقليد اتبعه ومنذ دورته الاولي, في تحية وتكريم باقة من فناني السينما العربية, فاتاح لنا فرصة اللقاء مع انطوانيت, ولف سجائر الدخان كما يفعل اغلب الهولنديين, ومنهم تعلمناها, وصارت عادة , ومهد لصداقات انسانية رائعة, أكدت علي هذا الجانب "الإنساني" المهم, وربما كان أهم مافي تلك المهرجانات السينمائية العربية قاطبة. وكنت من أول مقابلة لي مع انتشال التميمي المدير الفني لمهرجان الفيلم العربي في روتردام علي محطة القطار القادم من باريس, كنت توقعت, بل عرفت علي الفور, أننا سنقضي أياما وذكريات سعيدة مع المهرجان الصاعد, في صحبة الجاليات العربية المهاجرة الي روتردام من فلسطين ولبنان والعراق وسوريا, والتعرف الي شجونهم واحلامهم, وكذلك الوافدين إلي المكان من السينمائيين والمخرجين , من اليونان والكويت والسويد والمغرب ومصر وغيرها. ذلك لأن المهرجان الحقيقي يعلن عن نفسه من الوهلة الأولي, ويهتم بالإنسان, ويوفر له كل سبل الراحة, حتى يكرس كل وقته لمتابعة أفلامه وأحداثه, ويعيش زمنه. ومثل كل الأشياء, كان لمهرجان الفيلم العربي في روتردام, زمنه الخاص, الذي يحتاج إلي معايشته كاملا, ومن بعد تكتب عنه, وعن الأصحاب القادمين إليه, وهم يحملون ذات الهم: هم السينما الذي يشغلنا جميعا, وفي دماغ كل واحد فكرة, ومشروع كتاب ومهرجان وفيلم. وكانت هذه أول مرة أجد فيها هذا الاهتمام الإنساني البسيط, غير المترفع, الذي يجعل الإنسان الوافد إلي المهرجان, كما تفعل السينما في جل أفلامها العظيمة, مثل قصيدة للشاعر الفرنسي العظيم جاك بريفير عن المطر, في قلب ومحور اهتمام السينما والمهرجان والقائمين عليه. ونشكر هنا المهرجان علي اهتمامه وعنايته بتوفير سبل الراحة للجميع, وعلي أرفع مستوي, وخلق أجواء إنسانية حميمية من التفاهم والتواصل والمحبة, تشرح القلب العليل وتنعشه, ولاشك انها اهم دعامة من دعامات وأسباب نجاح مهرجان الفيلم العربي في روتردام, من خلال تأسيس أرضية للتآلف والتحاور والتعارف, في حين تقتلك أجواء المهرجانات الحكومية, بخناقاتها ومشاداتها ,علي تذكرة مطعم يا حسرة, والانتظار بالساعات, لصرف كارنيهات دخول, وكأنك تشاهد مسرحية من نوع (الفارس) أو الكوميديا ديلارتي الهزلية التهكمية, من اخراج الإيطالي داريو فو. ولن تجد أي شيء من هذا في "مهرجان الفيلم العربي في روتردام " , الذي استطاع أن يطور, وبخاصة في دورته الخامسة تلك, يطور من اهتمامه بالإنسان, الذي هو الموضوع الأساسي للسينما, وبخاصة حين تتسع دوائرها, لتصل إلي آخر نقطة في الكرة الأرضية,كي تنقل إلينا صورة لتعاستنا وحيرتنا, في أجواء الحرب و ألازمات, والمشاكل والانهيارات ألكبري, مع استمرار الاحتلال في فلسطين, والشعور, كما في فيلم هالة لطفي, احد الأفلام المتميزة التي عرضها المهرجان, الشعور بالبرد في الوطن الأصلي. هذا الشعور بالبرد, الناجم عن ضياعنا في أوطاننا, وبسبب الوحدة والإحساس بالغربة في مجتمعاتنا العربية, التي تدير ظهرها للإنسان, ولا تعبأ أو تهتم بأمره, وهنا في روتردام,سوف يجمعك المهرجان حتما بالمهاجرين العرب من المغرب, واللاجئين السياسيين من العراق, فيحكون لك عن الأهوال التي غاشوها, والملاحظ انه في معظم الأفلام العراقية الجديدة, وهي مجرد ريبورتاجات فيديوية قاصرة في الأغلب , لن تجد إلا البكاء علي الأشياء التي انهارت وضاعت, والتباكي عليها , حتي صار كل فيلم عراقي أجارك الله مناحة, ولا توجد في الوقت الحاضر أي سينما عراقية. هناك فقط محاولات سينمائية مترددة كما في فيلم " غير صالح " للعراقي عدي رشيد, الذي يعتبر أول فيلم عراقي روائي طويل يتم انجازه في بغداد بعد سقوط نظام صدام حسين الجزار الدموي,  ويحكي عن حيرة وضياع مجموعة من الشباب ميسون وحسن وناصر, وذلك من خلال تعقيدات حياتهم الجديدة في الايام التي اعقبت سقوط النظام, وذلك الموت الذي صار رفيقا لهم في رحلتهم الي المستقبل. وكان يمكن ان يكون " غير صالح " جوهرة سينمائية حقيقية, لو ان مخرجه عدي رشيد انشغل بالهم السينمائي الحقيقي في فيلمه , انشغل بالإمساك بالصورة السينمائية المعبرة عن الدمار والموت والرعب فقط, ولم يلتفت إلي  كل هذه الشخصيات والثرثرات والتساؤلات التي قتلت روح الفيلم, وكانت اقرب ما تكون إلي انشغالات هاملتية قاصرة, من نوع اكون ام لا اكون, ولم يترك مخرجنا صورة تعبر فيلمه, من دون تعليق أو تساؤل أو شرح وتكرار, حتى زهقنا من فيلمه, واشتغالا ته علي ما هو ذهني, وإهماله لما هو مرئي, ومعبر بنفسه وفي ذاته عن الوضع الإنساني المدمر وظروفه, كما لم تكن هناك حاجة ضرورية, إلي وضع عنوان لكل شهادة في الفيلم, لكن عدي انشغل بتدبيج تعليق أدبي ذهني عقيم, كان ثقيلا علي الفيلم كما الرصاص, وراح يتساءل ويشرح, ويعلق ويتباكي, ويلف ويدور بشهادات إنسانية قاصرة , ونسي أن الفيلم كله بصوره ومشاهده, وبخاصة في اول ربع ساعة في بداية الفيلم, وعوضا عن تلك الشهادات, كان يمكن أن يكون شهادة بليغة صامتة عن الرعب, و"القيامة الآن" التي قامت في العراق, بدلا من تلك الثرثرات التي حالت دون, وأعاقت تطوره., وكنا نصيح إن كن يا أخي كن , اصنع فيلمك, وخلصنا , لكنه خسارة أضاع الفيلم بتهور واندفاع وحماقة..

والخطر أن ينجذب المخرجون العراقيون إلي تلك الدائرة, دائرة أفلام الفيديو,عبر أفلام "الزيارات العائلية" التي تجدها الآن في كل مهرجان سينمائي عربي بالكوم أي بكثرة, وستوضع كلها في سلال المهملات, فقد مللنا تلك أفلام هراء, تجعلك تغادر القاعة بعد انقضاء خمس دقائق من بداية الفيلم, وليس فيها من السينما الفن أي شيء بالمرة. ولاشك أن مسئولية تأسيس سينما عراقية جديدة, ومعاهد دراسية سينمائية, وأسس صناعة معتمدة, تقع علي كاهل السينمائيين العراقيين المشتتين في المنفي, ودعمهم لتلك المشروعات السينمائية التي تحاول أن تنهض في الوطن, مثل مشروع المخرج السينمائي العراقي سعد سلمان لتوثيق " ذاكرة الخراب ", وهي تحتاج, أول ما تحتاجه سينماتنا العربية الناشئة في المهد, تحتاج إلي بلورة مفاهيم صحيحة عن السينما التي يريدون في أرض بكر, كما تحتاج أيضا إلي كنس الهراء العام , والانتصار للسينما الفن, بدلا من التباكي دوما, وتدبيج الشكاوى عن الظروف الصعبة المؤلمة والشائكة حتما, التي تصنع في إطارها الأفلام وسط الدمار والحرب, والأفضل في رأينا أن تكون أفلاما صامتة ومتحررة من إغراءات الكلام والتفسير والشرح والتبسيط, كي تنفذ بشغف الصورة وتوهجها الصامت, الي قلوبنا مباشرة, وتجري مع الدم في عروقنا, مثل ذلك الفيلم العراقي الصغير " أين العراق ؟ " لباز شمعون البازي الذي صار قطعة من لحمنا. ومبروك علي مهرجان الفيلم العربي في روتردام نجاحاته إعلاميا وسينمائيا وإنسانيا, وتمنياتنا له بالتوفيق والنجاح في دوراته القادمة..

جوائز المهرجان

منحت لجنة تحكيم الافلام الروائية برئاسة المخرج الفلسطيني ميشيل خليفي  ومشاركة المغربي فوزي بن سعيدي والمصرية ماجدة واصف  والعراقية ميسون باججي, ولجنة تحكيم الافلام الوثائقية برئاسة المخرج الناقد اللبناني محمد سويد, ومشاركة الكاتب والناقد السينمائي العراقي عدنان احمد حسين, والتونسية مولكا المهداوي, الجوائز التالية :

*الأفلام الروائية الطويلة:

·         الصقر الذهبي: فيلم " الذاكرة المعتقلة" لجيلالي فرحاتي.المغرب

·         الصقر الفضي: فيلم "بحب السيما" لاسامة فوزي وبطولة ليلي علوي ومحمود حميدة.مصر

*الافلام الروائية القصيرة:

·         الصقر الذهبي: فيلم "اسانسير" لهديل نظيم. مصر

·         الصقر الفضي: مناصفة بين فيلم "يوم الاثنين" لتامر سعيد.مصر وفيلم " لاهنا ولاهنية " لرشيد بوتونس.المغرب

*الافلام الوثائقية الطويلة :

·         الصقر الذهبي: فيلم "الشعور بالبرودة" لهالة لطفي.مصر

·         الصقر الفضي: فيلم "غير خذوني"  لتامر سعيد.مصر

*الأفلام الوثائقية القصيرة:

·         الصقر الذهبي: فيلم "ازرق رمادي" لسمير زيدان.سوريا

·         الصقر الفضي: فيلم "أنت عارف ليه" لسلمي يسري الطرزي. مصر

*جائزة العمل الأول ( مالية , وتمنحها قناة آرتيه للأفلام.) :

·         مناصفة بين فيلم "الرحلة الكبري" لإسماعيل فروخي. فرنسا.. وفيلم "غير صالح" لعدي رشيد. العراق

 

كلام الصور

ملصق المهرجان

لقطة من فيلم " أين العراق: لباز شمعون البازي

لقطة من فيلم : غير صالح " لعدي رشيد

 

14 يونيو 2005

 

 

 

 

 

 

 

لقطة من فيلم "أين العراق"

لقطة من فيلم "غير صالح"

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

التالي
أعلى
السابق