خاص بـ "سينماتك"

خاص بـسينماتك.. خاص بـسينماتك.. خاص بـسينماتك.. خاص بـسينماتك.. خاص بـسينماتك..     خاص بـسينماتك.. خاص بـسينماتك.. خاص بـسينماتك.. خاص بـسينماتك.. خاص بـسينماتك..     خاص بـسينماتك.. خاص بـسينماتك.. خاص بـسينماتك.. خاص بـسينماتك.. خاص بـسينماتك..     خاص بـسينماتك.. خاص بـسينماتك.. خاص بـسينماتك.. خاص بـسينماتك.. خاص بـسينماتك..     خاص بـسينماتك.. خاص بـسينماتك.. خاص بـسينماتك.. خاص بـسينماتك.. خاص بـسينماتك..     خاص بـسينماتك.. خاص بـسينماتك.. خاص بـسينماتك.. خاص بـسينماتك.. خاص بـسينماتك..    

 

السابق

 

 

التالي

 

خاص بـ"سينماتك"

السينما الشعرية ليست براءة إختراع، ولا هي من صنع الخبازين

حوار مع الناقد االسينمائي المصري "أمير العمري"

قراءة نقدية في "أفلام من الإمارات"

"الطاحونة الحمراء" .. الفيلم والمخرج

الاحتمالات تراوحت بين الولايات المتحدة وإيطاليا واللجنة منحتها لفرنسا

السعفة الذهبية بين ما حدث وما كان يجب ان يحدث

الإيطالى جيوردانا يتساءل: لماذا يولد البعض في نعيم بينما يتحول آخرون بسبب الشقاء إلى قوادين وعاهرات؟!! والدنماركي فون ترير يفتح كتاب التشغيل الذي يحكم به السادة العبيد!!

القاهرة/ غادة عبدالمنعم

 

 

 

 

لم يتوقع أحد فوز الفيلم الفرنسى الطفل بجائزة السعفة الذهبية فى هذا العام حيث كان من المتوقع فوز الفيلم الفرنسى الاختباء أو الفيلم الايطالى ما أن تولد لا تستطيع الاختباء وربما الفيلم الامريكى ماندرلاى  بالسعفة الذهبية.. وقد جاء فوز فيلم الطفل الذى كان مستبعدا تماما من الفوز صادما للكثيرين  حيث اعتبر من قبل الكثيرين فيلما مملا أقرب للأفلام التليفزيونية ..

لكن الميل الفرنسى الاصيل لاحتضان كل ما يتناول قضايا الطفل او المشردين انتصر هذه المرة أيضا على يد المخرج البوسنى رئيس لجنة التحكيم أمير كوستوريكا ، والذى كان من المنتظر ان يرد الجميل لفرنسا التى ساعدته كثيرا فقد كان ميلاده الفنى بها كما يردد دائما حيث توقع الكثيرون أن تمنح الجائزة لفيلم فرنسى لكنهم توقعوا أن يحصل عليها الفيلم الفرنسى الآخر المشارك فى المسابقة " كاشيه " أو الاختباء لكن لجنة التحكيم منحت كاشيه جائزة أفضل مخرج.. بينما ذهبت السعفة الذهبية للطفل

الفيلم الايطالى عندما تولد لا يمكنك الاختباء والذى كان مرشحا بقوة للحصول على السعفة الذهبية هذا العام كان الفيلم الوحيد فى المسابقة الرسمية الذى اثار دموع المشاهدين فى صالة العرض.. والفيلم من اخراج المخرج الايطالى ماركو تيلو جيوردانا وهو مخرج مقل فى عمله فرغم ان له من العمر 55 عاما الا انه لم يخرج سوى خمسة أفلام فقط حيث بدأ عمله فى مجال الاخراج منذ عام 1980 وقد عرض له المهرجان من قبل فيلمين فى قسم نظرة خاصة وقد فاز احداهما بجائزة مسابقة نظرة خاصة عام2003

يبدأ المخرج فيلمه بسيل من الأحداث التافهة مما يدفعك للتساؤل عن هدف المخرج من استعراض الانشطة التافهة لهذه الاسرة الايطالية المرفهة ويستمر الحال على ذلك حتى تنتهى الربع ساعة الأولى من الفيلم ثم  يبدأ الايقاع فى السخونة ..

يتعرض الطفل ساندرو للغرق عندما يسقط من فوق مركب والده الشراعى .. فيزداد الايقاع سخونة ..بداية من مشاهد مقاومة الطفل للغرق وحتى انتشاله على يد بعض قراصنة الهجرة.. وعلى غير المتوقع تأخذنا الاحداث فى اتجاه مختلف عما كنا نتخيل ..فنجد أنفسنا مع الطفل على مركب شبه معطل ولا يكاد يقوى على الطفو فوق الماء حيث يتكدس عشرات من فقراء العالم الثالث ممن يجمعهم حلم واحد بالهجرة لإحدى الدول الغنية ..منذ انتشال الطفل من الغرق نبدأ التعرف على عالم مختلف تماما ..هو العالم الموازى لعالم المجتمعات المرفهة فى الدول الثرية .. عالم الفقراء الذين يدفعون كل ما يملكون لقاء محاولة محفوفة بالمخاطر وغير قانونية للهجرة للدول الغنية .. هنا يبدأ المشاهد فى اجراء عشرات المقارنات التى لا تنتهى فى ذهنه  بين أسرة الطفل ساندرو ووالده الذى يملك قاربا حديثا يتنزه فيه مع صديقه محاولا ابهار السائحات واستمالتهن وبين هذا المركب الخشبى المهدم بماكينة تشغيله السيئة والبشر الذين دفعوا كل ما يملكون فى مقابل رحلة غير انسانية حيث يتكدسون متزاحمين لايجدون الطعام ولا الماء النظيف ولا حتى المكان المناسب لقضاء الحاجة.. محاصرين بالماء..  واحتمال الغرق وامكانية انكشاف امرهم وترحيلهم .. والاسوأ من كل هذا – بالنسبة لهم - احتمال ان يكون امر الرحلة كله مجرد واقعة نصب حيث يقضون أياماً فى هذا العذاب ثم يجدون انفسهم على شواطىء احدى دول افريقيا من جديد.. ويستخدم المخرج حادثة تعرض ساندرو للغرق ليدخل بنا لهذا العالم حيث يخفف من الايقاع مجددا ويستخدم كاميرته كأداة للتأمل .. وهنا فقط عندما نصل لهذه المرحلة من رحلة المخرج نغفر له الربع ساعة الاولى التى صحبنا فيها لاجواء الحياة اللينة المريحة لاسرة ساندرو.. هنا فقط تكتسب الربع ساعة الاولى اهميتها وندرك الطابع شبه الوئائقى للفيلم ..

فى هذا المجتمع الجديد نتعرف على عدة شخصيات أهمها شخصيتى رادو وإيلينا.. ورادو هو الشاب الذى يتعهد ساندرو بالرعاية حيث يساعده في ادعاء الفقر حتى يجهض بذلك رغبة قراصنة الهجرة فى خطفه وطلب فدية من اهله ..وهو من يعلمه سبل الحياة والبقاء على هذا المركب القذر غير الانسانى.. أما ايلينا فهى الفتاة التى تماثل ساندرو فى العمر تقريبا والتى تقدم نفسها على انها أخت رادو.. وبعد نظرة متفحصة لهذه الأحوال السيئة يعود المخرج ليزيد من ايقاع الفيلم حيث يغادر القراصنة المركب بمن عليها قرب شواطىء ايطاليا ويتركونها بغير ربان.. وبمجيء خفر السواحل ثم سلطات الهجرة ندخل مع الفيلم لعالم آخر حيث نرى معسكرات المهاجرين غير الشرعيين ممن يتم الامساك بهم وكشف أمرهم، وحيث نتعرف أيضاً على القوانين التى تحكم هؤلاء.. وتسير بنا الأحداث فى هذه المرحلة على مستويين أحدهما مستوى اسرة ساندو التى تستقبل طفلها العائد وتحاول رد الجميل للشابين الدرو وايلينا ، والآخرمستوى المهاجرين فى معسكراتهم وما يحكمهم من قواعد وقوانين .. وهى القوانين التى تجعل من امكانية مساعدة ساندرو لرادو وايلينا مستحيلة ..هنا يبدأ التحول .. وتظهر جوانب أخرى من شخصية رادو حيث يتحول من الشخص الشهم الذى يدافع عن الطفل ساندرو ويساعده على البقاء إلى هارب من سلطات الهجرة ثم إلى سارق.. وفى النهاية قواد يدفع بأخته - الطفلة تقريبا – إلى طريق الدعارة..  ان هذا التحول الكبير والذى يتوالى فى مفاجآت الواحدة تلو الأخرى يدفعنا للتساؤل: هل ولد هؤلاء المهاجرون غير الشرعيين ليتحولوا إلى مجرمين؟ أم ان القوانين التى تحكم الهجرة فى الدول المتقدمة هى التى تدفع هؤلاء إلى سلوك أسوأ الطرق للبقاء؟ .. وهل حقا يولد البعض ليعيش حياة مرفهة بينما يكافح آخرون ليتحولوا إلى عاهرات وقوادين؟!! هل قوانين الدول المتقدمة والتى تم اختراعها لحماية هذه المجتمعات هى نفسها التى تنتج المجتمعات المهمشة داخلها؟!..هذه هي التساؤلات التى تواجه الطفل ساندرو بطل الفيلم والذى لا يستطيع ان يحدد موقفه من الدرو وايلينا ولا يستطيع ان يقرر هل يكرههما ام يرثى لهما.. وقد علق المخرج على ذلك قائلا انه اختار ان يكون البطل طفلا لان الطفل هو الاكثر تفتحا حيث لم يتم قولبة ذهنه ومشاعره بعد، لذا فهو الاقدر على التساؤل والاندهاش.. بقى أن نؤكد أنه طالما أننا ذكرنا أن قاعة العرض بمهرجان كان قد امتلأت بالدموع والآهات عند مشاهدة الفيلم فمن نافلة القول التأكيد على جودة الأداء التمثيلى وخاصة للممثلين الصغيرين توما فلاد الكندرو (فى دور رادو) واستير هازان (فى دور الينا)..    

كتاب تشغيل العبيد

أما الفيلم الآخر الذى كان مرشحا للحصول على السعفة الذهبية هذا العام فكان الفيلم الأمريكى ماندرلاى لـلمخرج الدنماركى لارس فون ترير وقد جاء هذا الفيلم شديد الشبه ببعض افلامه السابقة وخاصة دوجفيل والذى عرض عام 2003 فى المسابقة الرئيسية بمهرجان كان ، من بطولة نيكول كيدمان وبول بيتانى .. ولاس فون ترير ليس بالمخرج المجهول فى مهرجان كان فرغم ان فيلمه الأخير ماندرلاى لم يفز بأى جائزة هذا العام إلا انه قد سبق له الفوز بخمس جوائز من جوائز كان لخمسة من افلامه  السبعة السابقة ولعل أشهر هذه الجوائز جائزة السعفة الذهبية لفيلمه الرقص فى الظلام والتى حصل عليها فى عام 2000 ..

يستخدم ترير فى فيلمه ماندرلاى كل اساليب الايهام في كافة عناصر الفيلم من ماكياج واداء تمثيلى وملابس واضاءة وغير ذلك لكنه يستخدم خشبة مسرح وديكورا مسرحيا مختصرا يذكرنا ببداية المسرح الاغريقى بدلا من اللوكيشن الداخلى والخارجى وقداصبح هذا الاسلوب أسلوبا محببا لدى ترير وشبه خاص به ..حيث يترك هذا الشكل المسرحى ليؤثر على اداء ممثليه من جهة وعلى استقبال مشاهديه من جهة أخرى..

وفى فيلمه ماندرلاى نجح هذا الأسلوب الخليط بين المسرحى والسينمائى والواقعى والتجريدى فى دفع المشاهدين للتفاعل الفلسفى مع افكاره التى طرحها فى الفيلم نتيجة لتوالى الانفصال والاندماج مع الدراما ، مما اعطى لهم الفرصة لتكوين منظور ناقد وساخر من احداث روايته وساعد على إحداث ذلك التأثير استخدام التعليق الصوتي والعناوين المكتوبة التى قسمت الفيلم لعدة فصول فدفعت المشاهد للتعامل معه وكأنه كتاب وبالتالى التعامل معه بشكل فكرى فى الاساس.. ومن الغريب ان هذا المدخل الفكرى نجح تماما فى الوصول لقلب المشاهد ومشاعره ربما كما تنجح الرواية فى التأثير العاطفى فى القارئ..

ولكى ندرك مدى هذا التأثير وضرورته علينا أن ندرك أولا أن فيلم ماندرلاى لا يقدم قصة العبودية فى هذه المزرعة المسماة "ماندرلاى" التى تصفها البطلة بأنها تأخرت عن التاريخ سبعين عاما حيث ظلت العبودية بها حتى الثلاثينات بينما كانت قدانتهت من جميع انحاء الولايات المتحدة منذ ستينات القرن السابق _ لاحظ هنا اشارة التأخر_لكنه بشكل او آخر يقدم رؤية ربما لكل الدول والمجتمعات التى تأخرت والتى يبدو أن أساليب ومحاولات تحديثها والحاقها بالحضارة لا تجدى كثيرا!!

تبدأ أحداث الفيلم برحلة صيد تصحب  فيها جراس الشابة المتفتحة والدها ..  وعند مرورها على مزرعة أجدادها العتيقة ماندرلاى وقبل ان تزور جدتها التى تعيش لحظاتها الأخيرة .. تهمس لها الخادمة السوداء بأن تيموثى يُجلد  وعندما تستفهم عن السبب وكيف يحدث هذا تكتشف ان نظام العبودية مازال ساريا فى أراضى ماندرلاى.. تحاول الفتاه الشابة التحرر من ارث اسرتها الظالم وتحرير عبيد مزرعتهم وتطلب من والدها ان يمنحها مهلة لذلك..  ومن خلال هذه الحيلة للمخرج والسيناريست ترير نكتشف الاساليب التى اتبعتها اسرة جراس فى استمرار استغلالها للعبيد، وهى أساليب تم الحفاظ عليها فى كتاب خاص بالاسرة يشرح سيكولوجية كل شخصية من شخصيات العبيد وطريقة السيطرة عليه.. واسلوب كل منهم فى الحياة والتلاعب والتملص من العمل.. وينصح الكتاب بكل ما يخصهم بداية بطرق تشغيلهم وحتى كمية  الطعام التى يجب ان يحصل عليها كل منهم .. تعتبر جراس ان هذا الكتاب مهينا لكنها امام كسل العبيد وعزوفهم عن العمل تضطر إلى اللجوء لتعاليمه.. لكنها لا تستخدمه للسيطرة عليهم كعبيد ولكن لدفعهم للعمل.. خاصة بعد رفضها لقبول عرض المقامر الأبيض الذى يعترف لها بأنه يغش فى لعب الورق ويؤكد لها انه الاقدر على ادارة المزرعة.. حيث يعرف كيف يدفع هؤلاء الزنوج  للعمل بطرقه الملتوية.. لكن عرضه يثير تقززها فترفضه قائلة انها لا تحتاج لجاسوس فى مزرعتها لكنها تحتاج لمجتمع جديد يتم فيه تقدير قيم العمل والتعليم والديمقراطية.. من هنا تضطر جراس لاستخدام كتاب الأجداد أو مايمكن ان نسميه دليل التشغيل حيث أن الراحة الجديدة وابتعاد حد السيف عن رقاب عبيدها سابقاً جعلتهم يتحولون إلى عمال كسالى يرفضون العمل ويقضون أوقاتهم فى اللهو .. فلا تجد منهم مساعدة ولا اعترافاً بالفضل ولكن تمرد وتملص ولؤم.. تلجأ جراس للكتاب لتعرف كيف تتعامل مع كل منهم وتجبرهم بطرق قانونية وحيل نفسية على العمل والتعلم وممارسة السلوك المتحضر والديمقراطية وتخلق لهم الحلول لاصلاح مساكنهم وزراعة الارض.. تنام وسطهم وتحلم بالشاب الاسمر تيموثى وتهفو إليه .. وبين شعورها بالأمل فى تحولهم إلى مجتمع متحضر وشعورها باليأس منهم تهب عاصفة ويكاد الزرع يموت وتقترب جراس من حافة اليأس لكنها تفاجأ بتيموثى يقترح الحلول ويعزز الهمم ويبدأون فى الزراعة والتماسك من جديد.. ورغم الطعام القليل والمرض تولد روح جديدة فى ماندرلاى ولكن للأسف فإن وجود هذه الروح لا يعنى اختفاء إرث التخلف واللؤم فى المزرعة..  فها هى السيدة العجوز تسرق طعام الطفلة التى تموت من الجوع وها هي روح الثأر تستيقظ فى نفس والد الطفلة.. وهنا تظهر اول بادرة فى السيناريو على ان كل شىء ليس كما يبدو وأن طريق التحضر لا يسير دائما فى اتجاه واحد.. ويبدو من أحداث الفيلم أن هناك شيئاً  خفياً ، عنصرا أو عدة عناصر فى نفوس من ولدوا وتربوا على العبودية،  شيئا يدفعهم للنكوص ورفض الحضارة .. وتتوالى الخيانات حيث يُسرق عائد بيع المحصول ويبحثون عن السارق حيث يتعرف عليه العبيد ويعاقبونه لكنهم يلاعبون جراس لعبة جديدة ويطالبونها بالتعرف بنفسها على السارق، الخائن.. تتكشف الحقائق كلها مرة واحدة امام جراس فهؤلاء العبيد ليسوا الصورة الصافية للطيبة والنقاء وهم قد لا يستحقون الثقة التى اولتها لهم حتى أنها تكتشف أن كبيرهم وأحكمهم  هو نفسه من قام بكتابة الكتاب "دليل التشغيل" .. اذن الكتاب ليس مكتوبا كما كانت تعتقد جراس على يد احد البيض لكنه مكتوب على يد كبير السود بنفسه حيث كتبه لسيدته ..نعم.. أو ليس هو كبيرهم والا فكيف يكون كبيرهم ان لم يقم بنفسه ببيعهم !!. تنهال جراس بالضرب على تيموثى اعتقادا منها انه السارق.. وتقرر الذهاب مع والدها .. لكن عربة والدها تغادر تاركا لها رسالة بعدما رآها تضرب تيموثى وهو يهنئها لأنها أثبتت انها ابنة ابيها .. تهرب جراس من كل شىء.. لأنها فى الحقيقة ليست ابنة ابيها وهى لا تستطيع الاستمرارفى هذه اللعبة .. الفيلم اذن ليس فقط عن ماندرلاى المزرعة المتخيلة لكنه عن لعبة يحكم فيها الكبار الصغار والأقوى الأضعف والأكثر حضارة الأقل ..حيث يتعلم من يتم استغلالهم كيف يحصدون الفرص الضئيلة..  يتعلمون اللؤم .. كيف يخون بعضهم بعضا.. وكيف يبيع كل منهم أخاه للسيد..  وفى مجتمع تصبح هذه قواعده  فإن الفيلم يرى أن مثل هذا المجتمع قد يقاوم الحضارة والديمقراطية .. الفيلم يثير اذن  التساؤلات حول هل يستحق العبيد ممن خنعوا لعبوديتهم التحرر.. وهل يمكن للعالم الثالث ان يفرض عليه التحرر من قبل مثقفى العالم الاول الذين يطالبون له بحريته مجبرين بلادهم المستغلة على ذلك؟.. كيف تدور اللعبة؟.. وهل هى لعبة عادلة؟   .. والأهم هل ستستمر اللعبة ؟..

الطفل الذى فاز بسعفة كان الذهبية

وبينما لم يحصل أي من هذين الفيلمين الجيدين على أية جوائز هذا العام فقد مُنحت السعفة الذهبية لفيلم الطفل وهو فيلم متوسط القيمة .. وعموما فاذا عاد نجاحه لشىء فليس الا لأداء بطله الصادق جيرمى رينير والذى اقنعنا تماما بأدائه لشخصية المتشرد غير المنتمى. وفى تصورى أن البطل هو الشخصية المحورية فى الفيلم كما أنه هو الطفل الحقيقى.. ففيلم الطفل لا يدور عن الطفل المولود حديثا لهذا الوالد المتشرد الذى يسرق وينصب ويبيع كل شىء حتى طفله .. لكنه يدور عن الطفل الكبير – الوالد نفسه - الذى لا يتحمل أى مسئولية.. وهذه الشخصية هى كاراكتر واقعى تماما موجود بكثرة فى عوالم المتشردين.. وهو ليس بالشرير ولا الطيب.. لا يتعلق بشىء ولا يرغب فى شىء.. يبيع كل ما تطاله يده وينفق كل ما فى يده .. ويفعل أي شىء.. يسرق .. ينصب.. لكنه رغم ذلك لا يرغب فى إيذاء أحد  .. انه الشخصية المثالية للتكوين النفسى للطفل الذى يبحث عن المأوى  وعندما يجده لا ينتمى إليه ..

والفيلم لا يدعى اى شىء ولا يحاول طرح هذه الشخصية للنقاش الفلسفي.. فهو فيلم واقعى.. تدور أحداثه خلال عدة  أيام بعد  ولادة الطفل من الام سونيا (قامت بالدور دوبرا فرانسوا).. تحمل سونيا طفلها وتبحث عن والده الذى استغل فرصة ذهابها للمستشفى للولادة فقام بتأجير حجرتها.. وعندما تجده لايسعد كثيرا، لكنه لا يبدو متضايقا ايضا..  وعندما تلومه على تأجير مأواها، يقوم ببعض أعمال السرقة مع عدد من الصغار ويؤجر عربة بمقعد للطفل .. وبعد أيام لا يتورع عن محاولة بيع الطفل.. وعندما تنهار سونيا وتدخل المستشفى  يذهب لاسترجاعه .. ويعود به باكيا طالباً السماح.. وعندما ترفض مسامحته يذهب لسرقة سيدة كانت تتعطف عليه.. وما أن يتم القبض على الولد الذى كان يشاركه فى عملية النشل حنى يذهب ويعترف ..

الفيلم اذن مغموس فى تراب واقع المهمشين فى فرنسا وهو لا يناصرهم ولا يدينهم لكنه يقدمهم بحيادية مسلطاً الأضواء على قسوة الحياة .. ليس على قسوة حياتهم بوجه خاص لكن على قسوة الحياة بشكل عام.. وهو يقدم رسالته هذه بواقعية تكاد تكون مزعجة حيث يتابع بدقة هذا الطفل الكبير الهامشى الذى لا أمل فى اصلاحه .. وكما نشاهد سيناريو واقعيا فى هذا الفيلم فنحن أيضا نشاهد هذا السيناريو وقد تم تنفيذه – إخراجه - بأسلوب واقعى ..حيث يتم تصويرمعظم المشاهد فى الهواء الطلق ..فى الشوارع والخرابات  بما يتماشى مع حياة المشردين  .. فى اسلوب واقعى  فرنسى الطابع .. وهو تقريبا نفس الاسلوب الذى استخدمه مخرج الفيلم لوك داردنيه فى فيلمه السابق روزيتا والذى سبق له الحصول على السعفة الذهبية وجائزة افضل ممثلة فى مهرجان كان عام 1999..

 

27 مايو 2005

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

التالي
أعلى
السابق