ملفات خاصة

 
 
 

هل يستطيع المغرب أن يتجاوز أزمة العرض السينمائى؟

ناهد صلاح

المهرجان الدولي للفيلم بمراكش

الدورة التاسعة عشرة

   
 
 
 
 
 
 

قاعات السينما في المغرب: التحديات الثقافية والمجتمعية، هذا الموضوع الذي اتخذه مهرجان الرباط لسينما المؤلف عنوانا للمائدة المستديرة في دورته المنعقدة حاليا، هو موضوع يثير العديد من الأسئلة حول أزمة حقيقية يعيشها المغرب د، أزمة تعبر عن التفاوت بين حجم الإنتاج السينمائي المغربي وعدد صالات العرض، وهي أزمة تمتد بشكل أو أخر إلى خارج المملكة المغربية، لبلاد عربية أخرى ومنها مصر بطبيعة الحال وبحكم الصناعة، خصوصا في السنوات الأخيرة مع التطور التكنولوجي وازدياد منصات العرض السينمائية وتقلص دور العرض، وربما أصبحت ملحوظة بشكل كبير بالتوازي مع جائحة كوفيد ١٩ التي عمقت من حجم الأزمة.

بدت الأزمة أكثر شدة ولا سيما مع احتضار عدد كبير من صالات العرض السينمائية سواء بالهدم أو الإهمال، بما يعني تأكيد فكرة أفول نجم الفرجة في الصالات  المغربية، والتي ترسخت بشكل ما منذ مطلع السبعينيات، وزادت في مراحل لاحقة كما حدث في أواسط التسعينيات، ما أسهم  في غياب شغف الفرجة لدى قطاع عريض.

في هذا الإطار انخفض عدد الصالات مثلا من نحو 240،  عام 1980، إلى 150 في نهاية التسعينيات الفائتة، وتطور الأمر مع حضور  أقراص "دي في دي"، في بداية الألفية الثالثة، ثم الإنترنت والمنصات الرقمية،  رغم الدور المهمّ الذي لعبه المركز السينمائي المغربي، في رقمنة وتحديث الصالات المتبقّية (يبلغ عددها اليوم نحو 40 شاشة في مجموعها)، وإنشاء المجمّعات السينمائية، التي أصبحت الوسيلة الأساسية لجذب جمهور ما زال لديه هذا الشغف والتهيوء النفسي للخروج والذهاب إلى دور العرض.

على نفس الصعيد لابد من الإشارة إلى حجم الإنتاج السينمائي المغربي المتزايد سنويا، وكذا حضوره،  في المهرجانات العالمية في السنوات الأخيرة، إلا أن هذه نقطة لم تعالج مشكلة التسويق في ظل اغلاق المزيد من دور العرض في المغرب.

   عمق مشكلة التسويق هذه، تشدنا إلى سؤال ملح وهو: أي مصير ستواجهه السينما المغربية في ظل التزايد الكبير في عدد الأفلام المنتجة سواء محليا أو إنتاج مشترك، بينما هي تفتقد فرصة عرضها امام الجمهور المغربي والعربي وحتى الأوروبي، باستثناء بالطبع عروض المهرجان؟..

في رأيي أنه للخروج من هذه الأزمة يجب الدفع لإعادة الاستثمار في هذا قطاع تطوير صالات العرض وكذلك استثمار المنصات الرقمية لترسيخ حضور الفيلم المغربي محليا وعربيا، بما يسهم في انتشار اللهجة المغربية بعيدا عن الترجمة الفرنسية التي تشكل عقبة كبيرة أمام العديد من المتفرجين.

 

اليوم السابع المصرية في

22.11.2022

 
 
 
 
 

الجرأة في السينما المغربية بين الواقعية والإثارة

سجال واسع إذا ما كانت تنتمي إلى الواقعية أم انحراف عن رسالة الفن والانجرار وراء الربح

حسن الأشرف 

"لقطة جريئة ومشهد جنسي صريح وتلميحات وإيحاءات جنسية وكلام بذيء وفاحش"، هذه توليفة صارت ظاهرة في بعض الأفلام المغربية، تندلع سجالات ونقاشات حادة أحياناً بين الجمهور والنقاد في شأن تصنيف الأعمال السينمائية التي تحمل هذه الرؤية، هل في خانة جرأة التعبير وتشخيص الواقع أم في خانة "الصدام مع الذوق والانحراف عن رسالة الفن"؟

مشاهد جنسية وكلام ساقط

آخر الأفلام السينمائية المغربية التي يمكن تصنيفها ضمن نعت "الجريئة"، فيلم "أزرق القفطان" للمخرجة مريم التوازني الذي أثار جدلاً واسعاً في سياق عرضه ضمن المسابقة الرسمية للدورة الـ19 للمهرجان الدولي للفيلم بمراكش الذي نظم في نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي.

واتهمت أصوات عديدة الفيلم الذي تم اختياره لتمثيل المغرب في مسابقة الأوسكار 2023 في فئة "الفيلم الروائي الطويل الأجنبي"، بكونه يتعمد الترويج لثقافة التسامح مع المثلية الجنسية بلقطات وصفها البعض بـ"مشاهد فجة" ويمكن تعويضها بأخرى ضمنية تعبر عن الموضوع، فيما صرحت مخرجة الفيلم مريم التوازني بأنه لا يتناول المثلية الجنسية تحديداً، بل يتطرق إلى الحب برؤية واسعة وشاملة من دون حدود"، معتبرة أن "الفيلم يترجم ويعكس الواقع المغربي كما هو".

ومن الأفلام السينمائية المغربية التي أثارت جدلاً كبيراً بسبب "المشاهد الجنسية" أو "الكلام البذيء" في حوارات الممثلين، فيلم "ماروك" للمخرجة ليلى المراكشي، الذي اشتمل على لقطات عري "صدمت" حين عرضه قطاعاً كبيراً من الجمهور المغربي. فيلم "الزين لي فيك" للمخرج نبيل عيوش أيضاً من بين الأفلام "الجريئة" التي أثارت سجالات ونقاشات واسعة، بسبب تضمنه مشاهد ساخنة كثيرة، فيما تعرضت حينها بطلة الفيلم الممثلة لبنى أبيضار لهجوم عنيف دفعها إلى مغادرة البلاد.

وفي السياق حصل موقف طريف مع فيلم "بورن لأوت" المغربي الذي أثارت بعض مشاهده جدلاً كبيراً خلال الأيام الماضية، على الرغم من أن الشريط تم عرضه في القاعات السينمائية منذ 2017، حيث انتشر مشهد الممثلين إدريس الروخ وسارة بيرليس في "وضع جنسي"، رافقته انتقادات حادة.

وتنحو أفلام سينمائية مغربية أخرى إلى استخدام لغة دارجة في حوارات بعض الممثلين لتشخيص واقع الأحياء الشعبية أو لتمثيل مشاهد ترتبط بعالم الانحراف والإجرام والدعارة، بينها فيلم "الزيرو" للمخرج نور الدين الخماري الذي تضمن حوارات وشتائم ساقطة.

جرأة مشروطة

يقول الناقد الفني والسينمائي فؤاد زويريق لـ"اندبندنت عربية"، "المشاهد الجريئة إبداع أيضاً وطريقة تناولها في الأفلام تخضع لآليات وقواعد تختلف باختلاف الأحداث والمواقف ومشاعر الشخوص"، يضيف، "مثل هذه المشاهد تعبير جسدي إبداعي ضروري لإضفاء الروح والحياة على العمل، وإعطائه واقعية وصدقية أكثر إقناعاً لدى المتلقي بحسب السياق الدرامي المطلوب".

وأوضح، "أوافق على إقحام أو إدراج مثل هذه المشاهد في العمل السينمائي بحسب المتطلبات الفنية والدرامية، وأعترض عليها إذا كانت مخصصة فقط من أجل الإثارة المجانية المبالغ فيها التي يتبعها بعض المنتجين والمخرجين لجذب فئة معينة من الجمهور من أجل الربح المادي".

واسترسل الناقد "إقحام مثل هذه المشاهد ليس إبداعاً بل يدخل ضمن الأفلام الإباحية الفارغة والخالية من العمق الجمالي والفني والفكري والفلسفي الذي ترتكز عليه السينما الجادة"، مردفاً أنه "لا يجد أي مشكل في نقل كلام الشارع إلى السينما بواقعيته المجردة من أي لغة مصطنعة قد تؤثر في مضمونه العام أو تحرف سياقه التواصلي".

وأوضح "كلام الشارع يبقى كلام شارع بكلماته وتعابيره، ويعبر عن فئة محددة من الشخوص، وانتقال هذه الشخوص من الواقع إلى السينما لا يحتم عليها تغيير خطابها وتجميل كلامها، وإلا خرجنا من الواقع المعيش الذي يعرفه ويعيشه الجميع إلى المدينة الفاضلة بأخلاق وسلوكيات وتصرفات ولغات ملائكية بعيدة كل البعد عن واقع الشارع، شرط أن يكون هذا الخطاب مشمولاً بسياق درامي مطلوب ومقنع وليس مجانياً".

ولفت زويريق إلى أن الفيلم السينمائي يختلف عن الدراما التلفزيونية، فالأخيرة لها محددات لأسلوب خطابها وآليات وخطوط لا يجب تجاوزها ما دام الوسيط الذي يمر عبره موجوداً في كل بيت ويهم الأسرة بالدرجة الأولى، أما السينما فهي فضاء عام ودخوله يتم بشروط تحددها طبيعة الفيلم نفسه، وجمهوره غير مرغم على شراء تذكرة هذا العمل أو ذاك، فله كامل الحرية في الإقبال على فيلم من الأفلام أو مقاطعته".

جرأة صادمة 

في المقابل يرى الناقد السينمائي مصطفى الطالب، في تصريح خاص، أن "دور السينما أن تتطرق بشكل فني وجمالي إلى مواضيع إنسانية واجتماعية تدفع من خلالها المشاهد إلى طرح تساؤلات حول وجوده وحياته، أو أنها تطرح رؤى لخلخلة بعض المسلمات أو التقاليد أو الأحكام المسبقة، وهنا تكمن جرأة الإبداع السينمائي".

أضاف، "بعض السينمائيين انحازوا للمعنى السلبي للتحرر عن طريق إقحام مشاهد جريئة صادمة لذوق المشاهد وبيئته الثقافية، سواء تعلق الأمر بمشاهد إباحية أو كلام بذيء يستهجنه الإنسان خصوصاً في المحيط الاجتماعي المغربي الذي له خصوصياته الاجتماعية والقيمية والدينية الذي تؤسس لهويته حتى وإن انفتح على العالم".

وأوضح، أن "مسوغات هؤلاء السينمائيين في ذلك هو نهج الواقعية، على الرغم من أن هذا المصطلح يطلق على عواهنه، لأن الواقعية في السينما العالمية لها إطارها التاريخي والفني، فالواقعية الإيطالية التي ظهرت بعد الحرب العالمية الثانية جاءت لتتمرد شكلاً ومضموناً على أفلام الاستوديوهات الغارقة في الخيال والأحلام والبطولة التي لا علاقة لها بواقع بئيس وعبثي سوريالي خلفته الحرب التي دمرت الإنسان ورغبته في الحياة".

وتابع "لامست الأفلام الإيطالية الواقعية واقع الإنسان في حياته الفردية والاجتماعية ومعاناته اليومية، فجمعت سينمائياً بين التخييل وتسجيل الواقع في الفضاء العام، بعيداً من الربح المادي الذي يمكن أن تحققه أفلام بمشاهد ساخنة أو جريئة".

واستطرد الناقد بأن "مبدأ الواقعية كما يفهمه هؤلاء السينمائيون الذي يسعون إلى تحقيق الشهرة والربح المادي واستقطاب الشباب من خلال بعض البهارات الجنسية وغيرها التي تعزف على إيقاع الغرائز يتعارض مع ماهية الفن وغاياته الإنسانية والقيمية".

ووفق الطالب، "الفن لا ينقل الواقع بل يوحي إلى الواقع من خلال الرؤية الفنية للمبدع السينمائي، وللسينما وسائلها المتعددة في ذلك، فالفن يرتفع بالمشاهد وبواقعه من أجل تحقيق المتعة الجمالية أولاً، ثم التفاعل مع العالم الذي يقدمه في كل تجلياته".

ويرى الطالب أن هؤلاء السينمائيين الذي يعيشون في حالة انفصال مع محيطهم الثقافي يحتاجون إلى التصالح مع ذواتهم وبيئتهم الاجتماعية والعودة إلى الكتابات الحقيقية والعميقة حول الفن وليس المزيفة".

 

الـ The Independent  في

26.11.2022

 
 
 
 
 

"مهرجان مرّاكش" (1/ 2):

دورة استثنائية ببرمجة تركّز على تقبّل الآخر

مراكش/ سعيد المزواري

بعد احتجاب اضطراري لأكثر من عامين، عاد "المهرجان الدولي للفيلم بمرّاكش" في دورته الـ19 (11 ـ 19 نوفمبر/ تشرين الثاني 2022)، ليؤثّث، في 9 أيام، فضاءات المدينة الحمراء بالفرجة السينمائية، وأجوائها المحتفية بالحياة. دورةٌ استثنائية، شعارها استدراك الزمن الكوفيدي الضائع، ما انعكس على البرمجة ثراءً استثنائياً، شكلاً وانسجاماً في طرحها، المركِّز على فكرة التعايش بين الثقافات وتقبّل الاختلاف، وزخماً تجسّد تحديداً في حضور عددٍ يستعصي على الحصر من سينمائيي الصف الأول.

76 فيلماً من 33 دولة، توزّعت على المسابقة الرسمية، والعروض الاحتفالية (غالا)، والعروض الخاصّة، وقسم "القارة الـ11"، وعروض المُكرّمين، وبانوراما السينما المغربية، إلى أنشطةٍ أخرى متنوّعة، منها 10 حوارات مع سينمائيين مرموقين، بينهم "النادر" ليوس كَراكس وجيم جارموش وأصغر فرهادي وجيريمي آيرونز، والفائزَين بـ"السعفة الذهبية" في آخر دورتين من مهرجان "كانّ"، روبن أوستلوند وجوليا دوكورنو.

يُترجم تركيز المسابقة الرسمية على الأفلام الأولى أو الثانية لمخرجيها، في عروض أولى في أفريقيا والشرق الأوسط، سعي المهرجان لتسليط الضوء على مواهب جديدة، والمساهمة في إطلاقها. توجّهٌ أعطى ثماراً، تمثّلت بحضور المخرج الأسترالي جاستن كورزل ("ماكبث"، "نيترام") عضواً للجنة التحكيم، كنوعٍ من الوفاء للمهرجان الذي أدّى دوراً في إشهار فيلمه الأول "جرائم سنوتاون"، المُتوّج بجائزة لجنة التحكيم، برئاسة إمير كوستوريتزا، عام 2011، كما قال ردّاً على سؤال "العربي الجديد" له، في المؤتمر الصحافي المعقود لتقديم أعضاء لجنة التحكيم، برئاسة المخرج الإيطالي باولو سورنتينو، وعضوية الممثّلة الألمانية ديان كروغر، والممثّلة والمخرجة اللبنانية نادين لبكي، والممثّل الفرنسي طاهر رحيم، والمخرجة المغربية ليلى المراكشي، والممثلة الأميركية فانيسا كيربي، ولم يحضر الممثل الأميركي آيزاك أوسكار والمخرجة الدنماركية سوزان بيير لـ"ظروفٍ قاهرة".

من أبرز مضامين المؤتمر، الاختلاف الجوهري في وجهات النظر بين سورنتينو ولبكي حول وظيفة السينما، ومدى جدوى الالتزام في حلّ الإشكالات السياسية والاجتماعية، احتاج معه الإيطالي إلى الحديث بلغته الأمّ لتفصيل رؤيته.

توّجت النجمة الذهبية (الجائزة الكبرى)، لأوّل مرةٍ، فيلماً إيرانياً، لم يكن ضمن ترشيحات النقاد والمهنيين، فاقتراحه الجمالي ليس أفضل المُقدَّم في المسابقة: "حكاية من شمرون" لعماد الإبراهيم دهكردي. عملٌ مشدود الإيقاع، رغم حبكته المتوقّعة إلى حدٍّ ما، يُقدّم مشهداً قاتماً عن مجتمع إيراني يتآكله الإدمان والتفكّك العائلي والهجرة إلى الخارج كمنفذٍ وحيد، عبر قصّة إيمان، الذي يعيش مع أخيه الأصغر ووالده المعتلّ، ويصارع لكسب قوت عيشه، فيستسلم لفخّ بيع المخدّرات. في الفيلم نزعة تشاؤمية، تترجم رؤية المخرج لوضع عدم الاستقرار في إيران، قوامها لازمة عمليات بيعٍ وتفويتٍ ورحيلٍ وشيكٍ، وهدم كلّ جميل، كما في الحبكة الثانوية، التي يقاوم فيها إيمان إغراء المال المُقدّم إليه من خاله، للسماح بقطع أشجار نمت في القرية العائلية؛ أو حين يرهن سجّادة فارسية (بكلّ حمولتها الرمزية)، أهدتها إليه أمّه المتوفاة، للحصول على دفعة أولى من المخدّرات.

جائزة لجنة التحكيم مناصفةً بين فيلمين صادقين وجميلين: "الرّوح الحيّة" (ألما فيفا) للفرنسية البرتغالية كريستيل آلفيس ميرا، و"أزرق القفطان" للمغربية مريم التّوزاني. يحكي الأول، بعينَي الطفلة سالومي، يوميات قرية برتغالية، ترزح تحت معتقدات بالية، بإيقاع يمزج التأمّل بالتوتّر بين أفراد العائلة الكبيرة، قبل أنْ تُلقي وفاةُ الجدّة القريةَ برمّتها في دوّامة فوضى، ساهمت قوى الطبيعة (حرائق وزخّات مطرية) في تأجيجها. يكشف الفيلم، بمجازية، عن ميزوجينية مترسّخة لا تزال تتّهم النساء بالشعوذة القروسطية، وتطيّرٍ أرعن، تبدو في ضوئه شخصية الخال المكفوف أكثر سكّان القرية تبصّراً وحكمة.

اتّسم "أزرق القفطان" (ثاني روائيّ طويل للتّوزاني) باقتصادٍ في الحبكة وحميمية، ليروي قصّة حليم، خيّاط أزياء مغربية تقليدية، ذي شخصية مرهفة، وزوجته مينة، المتحكّمة بحزمٍ في شؤون المحلّ، الذي يشتغل فيه يوسف كمتعلّمٍ شابّ وموهوب، فينشأ تقاربٌ بينه وبين حليم، تفطن له مينة بالتّوازي مع استفحال مرضها، ويتكوّن مثلّث حبّ غير تقليدي، تتناوله المخرجة بحساسية وتوحّد مع دواخل شخصياتها، وتُفصح فيه بإشاراتٍ أكثر من عبارات، وتقطّر الأحاسيس من النظرات ولحظات الصّمت، معتمدةً على أداء رفيع للممثّلين الكبيرين، صالح بكري ولبنى آزابال.

هناك تبئير مرآوي، يقرن هيكل الفيلم، السردي والجمالي، بمسار حياكة قفطان تقليدي أزرق، مع التقاط الكاميرا، في لقطات مكبّرة، مُلامسة ومداعبة يد حليم لتفاصيل العُقَد والزّخارف الجميلة، مُعبّرةً عن فكرة أساسية مفادها أهمية تقبّل الاختلاف في اختيارات الحبّ، لأنّها الاختيارات نفسها القابعة وراء تفرّد النظرة في فنّ التصميم والطّرز، وتجعل من لازمة التأنّي والاشتغال على التفاصيل -التي ما لا يفتأ الزوجان يذكّران بها الزّبونات الملحّات على تسلّم طلباتهنّ- مرثيةً لفنّ تقليدي آخذ في الاختفاء، بحكم هيمنة الطّرز الآلي، والزّخارف المصنّعة والمجرّدة من روح الشغف وآدمية اليدويّ، وحمولة هذا الطّرح المرّ المحيلة على نزوع المجتمع إلى الأحادية، والافتقار إلى التعاطف مع كلٍّ مختلف.

إلى ذلك، نالت السويسرية كارمن جاكي جائزة أفضل إخراج، عن فيلمها الطويل الأول "برق"، وحاز آرسويندي بينيك سوارا جائزة أفضل ممثل عن تأديته شخصية الجنرال في "سيرة ذاتية"، للإندونيسي مقبول مبارك؛ وفازت الكورية الجنوبية تشوي سونغ يون بجائزة أفضل ممثلة عن دور الأم في "رايسبوي ينام" للكندي الكوري الأصل أنتوني شيم: فيلمٌ قويّ ومؤثّر، ربما استحق مكانة أرفع في سجلّ الجوائز، بفضل توفّق مخرجه في التقاط مشاعر العزلة والتمزّق، التي تجتاح أمّاً عزباء كورية، وطفلها دونغ هيون في كندا، بعد فرارهما من ماضٍ مأسوي في بلدهما الأصلي، فيُصبحان ضحية العنصرية والعنف المعنوي في بلد الاستقبال، خاصة أنّ العلاقة بينهما يشوبها سوء فهمٍ متأصّل، يجد جذوره في تكتّم الأم على ماضيها.

يتميّز أسلوب شيم في الإخراج باشتغال رائع على الاختزال، والمشهد الطويل، والكاميرا المتحرّكة بانسيابيةٍ لتعبّر عن "وجهة نظر روح الأب المتوفّى"، بحسب تعبيره، ما يمنح الفيلم طابعاً شخصانياً، يُضاعف من تأثير قصّته النّاهلة من سيرته الذاتية.

يظلّ "أشكال"، للتونسي يوسف الشابي، أبرز الغائبين عن لائحة المتوّجين، نظراً إلى نصّه الخبيء والقاضّ، عن ترسّبات وخيبات ما بعد الربيع العربي، والذريعةُ تحقيقٌ بوليسي في ظاهرة جثث متفحّمة يُعثر عليها في بنايات في "حدائق قرطاج". حيٌّ غير مُكتمل في تونس العاصمة، أنشئ لفائدة أعيان النظام القديم، عادت أعمال البناء إليه حديثاً بعد توقّفها مع اندلاع الثورة. استثمار الشابي المُلهَم للفضاء ينهل من تأثير الفنّ المعاصر بلقطات ثابتة وعامّة، تجعل منه مسرحاً يختزل المدينة بأسرها. يسعى المُحقّقان فاطمة وبطل إلى سبر الأفقية، بحثاً عن دلائل ومشتبه فيهم في جرائم قتل مُفترضة، ما تفتأ عمودية الفضاء وعدم اكتماله وقتامته، تعيدهما إلى النقطة الصفر، بإيحاءاتها إلى تجريدٍ تعكسه طبيعة القاتل، التي تزداد هلامية مع تقدّم الأحداث، في إشارة بليغة إلى تعبيره عن فكرة سياسية ودينية مُستعصية على القبض، لأنّها تسري في أوصال المجتمع وأنساق تفكيره.

لعلّ الخيط الذي ينظّم طرح جُلّ أفلام المسابقة، اغتراب الشخصيات في منظومة جماعية تضطهد فردانيّتها، ولا تجد سوى العزلة والكتمان ملجأً، إلى أنْ تنفجر مكبوتاتها في تصرّفات لا إرادية، ذات بعد غرائبي (انجذاب فاطمة إلى النار في "أشكال"، وعنف دونغ هيون في "رايسبوي ينام"، وسرنمة إيزابيل الثائرة في "الروح الحيّة"، وكابوس الطائر الذي يقضّ مضجع إيمان في "حكاية من شمرون"، وقرار حليم المتمرّد في نهاية "أزرق القفطان").

بعد أربع دورات، رافق المهرجان فيها 88 مشروعاً من أفريقيا والعالم العربي (بينها 48 فيلماً مغربياً)، حقّق بعضها مساراً حافلاً في مهرجانات دولية مرموقة، كـ"ريش" لعمر الزهيري، و"زنقة كونتاكت" لإسماعيل العراقي؛ اشتملت دورة 2022 لـ"ورشات الأطلس" على أشغالٍ، استفاد منها حاملو 23 مشروعاً، في مراحل التطوير والتصوير وما بعد الإنتاج، بينها حوار جَمَع المشاركين بأصغر فرهادي، ولقاءان عن مهنة كاتب السيناريو ورهانات توزيع الأفلام المستقلّة، تلتها حصص عمل مع المخرجة التونسية أريج السهيري عن إدارة الممثّلين غير المحترفين، ومع المخرجة اللبنانية رنا عيد عن استخدام الصوت كعنصر سردي، إضافة إلى لقاءَين آخرين، أحدهما عن الاشتغال على الأرشيف في الأفلام الوثائقية والروائية، والآخر عن التعريف بمسار منتجين من العالم العربي وأفريقيا.

أما الجوائز، فبلغت قيمتها المالية 106 آلاف يورو موزّعة على 7 مشاريع، منها منحتان لمرحلة ما بعد الإنتاج: "إن شاء الله ولد" للأردني أمجد الرشيد، و"ديسكو أفريقيا" للوك رزاناجاونا (مدغشقر)، وجائزة تطوير لفيلم طويلٍ، للمغربي سعيد حميش، بعنوان "البحر البعيد"، و"كش حمامللّبنانية دانيا بدير. جائزة "آرتي كينو" للتطوير نالها "تمنتاشر" للمصري سامح علاء.

 

العربي الجديد اللندنية في

28.11.2022

 
 
 
 
 

مهرجان مرّاكش (2/ 2):

منصّة سينمائية لاكتشاف المواهب الصاعدة

مراكش/ سعيد المزواري

في إطار التكريمات المختلفة، في الدورة الـ19 (11 ـ 19 نوفمبر/ تشرين الثاني 2022) لـ"المهرجان الدولي للفيلم بمرّاكش"، تسلّم المخرج الأميركي جيمس غراي "نجمة مرّاكش الذهبية" من الممثلة الفرنسية ماريون كوتيار، تكريماً لمسارٍ وضعه في مقدّمة مؤلّفي جيله الثّابتين على تحقيق صرحٍ فيلميّ هائل بصدقه وثرائه الجمالي ونطاق طرحه، يُترجم مساعي فنّية لاكتشاف المجهول ظاهراً، وسبر أغوار النفس البشرية في الباطن، مع لازمات مثل تمرير الشاهد بين الأجيال، والعلاقة الإشكالية مع الأب.

قبل عرض آخر أفلامه وأكثرها شخصانية، "يوم هرمجدون"، عن طفولته ما قبل انتخاب رونالد ريغان -من دون أنْ يمنعه ذلك من تناول ثيمات بالغة المُعاصَرَة، كجدوى الوقوف مع الحقّ، وتأثير الاختيارات الفردية في المآلات الجماعية- حثّ غراي، في خطابه، الفنّانين على مواصلة الإبداع "لأنّ العالم بحاجة ماسّة إلى أعمالهم"، مُقدّماً مثلاً على أهمية السينما، وكونها أعظم فنٍّ أنتجته البشرية، بعدد الأفلام الخالدة، المُنتجة في الأعوام القليلة التالية لاكتشاف السينما الناطقة، ما يدلّ على مدى تعطّش الإنسانية وتوقها الدفين إلى الفنّ السابع، كوسيلة تعبير جديدة، ذات بلاغة خاصّة.

أما المخرجة المغربية الرائدة فريدة بنليزيد، فركّزت، في خطاب تكريمها بنجمة ذهبية، على محطّات من مسارها، الذي يكاد يعكس مراحل تطوّر السينما المغربية، انطلاقاً من إنتاج "جرحة في الحائط" (1978) للجيلالي فرحاتي، أحد الأفلام المؤسِّسة لتوجّه سينما المؤلّف في المغرب، مروراً بأول وأجمل أفلامها كمخرجة، وأحد أهمّ الأفلام الحاملة للحساسية النسوية في الإخراج الأفريقي والعربي: "باب السما مفتوح" (1988)، قبل أنْ تضع بصمتها على أولى خطوات النجاح الجماهيري للأفلام المغربية، بكتابة سيناريو "البحث عن زوج امرأتي" (1993)، لمحمد عبد الرحمن التازي، بعد مساهمتها مع الراحل نور الدين الصايل في كتابة نصّ فيلم مهمّ آخر، للمخرج نفسه، بعنوان "باديس" (1989).

شكّلت بادرة تكريم النجم البوليوودي الشاب رانفير سينغ ("غولي بوي" لزويا أختار) استمراراً لعادة المهرجان في إتاحة الفرصة للجمهور المراكشي، الشغوف بالسينما الهندية، والمحتشد كلّ مساء في ساحة "جامع الفنا" للقاء نجومه المفضّلين، في وصلات احتفاء يمتزج فيها الرقص بترديد مقاطع غنائية من أفلام المكرّم.

تكريم الممثلة البريطانية تيلدا سوينتن من أكثر لحظات الدورة الـ19 تأثيراً وتوحّداً مع روح فنانة من طينة العظماء بعد أنْ سرد المخرج السويدي روبن أوستلوند، في كلمته، لائحةً بأسماء المخرجين المرموقين المحظيّين بفرصة إدارتها في أفلامهم، متسائلاً بحسرة: "لماذا لستُ ضمن هذه اللائحة؟". ثم عُرض فيلم مونتاج قصير لمقتطفات من أعمالها، أظهر لمحةً عن حربائيتها الأسطورية المتنقّلة بين الأشكال والأنواع السينمائية، والطيف الواسع للأحاسيس، الذي تستدعيه بنظراتها ولغة جسدها، مُقتصدةً تارة، وانفجاريةً تارة أخرى. ثم ظهرت بقامتها الفارهة، وشخصيتها الكاريزمية، على مسرح "قاعة الوزراء" في "قصر المؤتمرات"، ككائن خرافي خرج للتوّ من عالم الخيال، تحت سيل تصفيق حارّ وطويلٍ للحضور الواقفين جميعهم. وضعت سوينتن يدها على فمها، غير مُصدّقة أنّها ستتسلّم "نجمة ذهبية" من يدي ابنتها، في مفاجأة حرص المنظّمون على إخفائها، ثمّ تمالكت نفسها بصعوبة، لتركّز في خطابها على المكانة الخاصة التي يحظى بها مهرجان مرّاكش في قلبها، مُشبّهةً ميليتا توسكان، مستشارة الأمير مولاي رشيد، رئيس المهرجان، بـ"حورية البحر التي لا يستطيع أحدٌ مقاومة إغراء ندائها"، ومُثنيةً على تموقع مسابقة المهرجان كمنصّة لاكتشاف المواهب الصاعدة وإطلاقها، ومُذكّرة بدور السينما في تحقيق عيش الثقافات ومزجها، خاتمةً كلمتها بنداء "تحيا السينما. يحيا الاختلاف".

افتُتح المهرجان بـ"بينوكيو"، فيلم تحريك لغييرمو دِلْ تورو ومارك غوستافسون، الذي يقدّم قراءةً جديدةً في رائعة كارلو كولّودي عن الدمية الخشبية. يموقع السيناريو الأحداث، بضربة معلّمٍ، في زمن الفاشية الإيطالية، ليقول أشياء مهمّة للغاية، عن تقبّل الاختلاف، والحدود بين الآدمية والتوحّش، عاكساً إحدى الثيمات المحورية في مُنجز الجهبذ المكسيكي.

شكّل عرض "ولد من الجنّة" لطارق صالح قمةً شاهقةً في فئة العروض الاحتفالية "غالا"، بفضل مشاعر التوتّر الحابس للأنفاس، والطرح المتسامي بتساؤلات حارقة وغير مهادنة عن ظاهرة التديّن المنافق، ومأزق امتزاج الدين بالسياسة في المجتمعات العربية. يحكي الفيلم، بمفاتيح تمزج بين نوعي التجسّس والتعلّم، قصّة آدم (توفيق برهوم)، الشابّ الملتحق بالأزهر للدراسة، فيلفي نفسه وسط دوامة من الدسائس، وحرب دنيئة جداً بين أطراف تجسّد السلطتين الأمنية والسياسية، الساعيتين لبسط نفوذهما على المعلَمَة الدينية، واللتين يمثلهما الضابط إبراهيم (أداء كبير لفارس فارس) من جهة، وقوى ظلامية تحاول جرّها إلى هاوية التطرّف، في الجهة الأخرى. كلّ ذلك عبر نصّ يمتح من الازدواجية والتّأرجح، المُتيحَين لتعدّد القراءات. وتُعدّ شخصية الشيخ "نجم"، المؤثّرة برماديّتها واستعصائها على التصنيف، أبرز نجاحاته، يُطرّز على منوال عناصر من الثقافة الشعبية المعاصرة (مسابقات اختيار أفضل الأصوات، استعراض المناظرات الانتخابية، إلخ.) مشاهد عظيمة تقول، من داخل ميكروكوسم الأزهر، مصير المواهب المتفرّدة في المجتمعات الوصولية، وتتمثّل ببلاغة الصورة وميكانيزمات طبخ نتائج الانتخابات، ذات نسب النجاح التسعينية.

حضر السينمائي الأميركي بول شرايدر، رغم متاعبه الصحّية، لتقديم فيلمه "البستاني الرئيسي"، تمثيل جويل إدغيرتون وسيغورني ويفر، مُبلّغاً رسالة اعتذار عن الغياب من صديقه أوسكار آيزاك، ومُشيداً، بحساسيته النقدية، بروعة فيلم طارق صالح، الذي حرص على متابعته في "قاعة الوزراء". وضع شرايدر، بفيلمه الأخير هذا، لبنة جديدة في سلسلة أفلامٍ كبيرة، تستكشف دواخل شخصيات معقّدة، تنتدب العزلة وتدوين المذكّرات، والغوص في مجالات اختصاص تستغرقها بالتفاصيل، وتنتشلها من ماضٍ مأسوي، يلجم العقول والقلوب، ويلتصق بالجلود، في انتظار خلاصٍ تبحث عنه بمرافقة شخصيات بريئة في رحلتها للانعتاق.

بعد التديّن في "فورست ريفورمد" (2017)، وعالم المقامرة في "عدّاد الأوراق" (2021)، جاء دور البستنة في "البستاني الرئيسي"، في نصّ يُقيم توازياً مُعبّراً بين خصوصيات تلاقح الأجناس والانبعاث بعد الموت لدى النباتات، وتضارب دواخل شخصية البستاني بين ماضي العنصرية في صفوف النازية الجديدة، ونداء الحبّ الباعث مع شابة سمراء تقاوم إدمان المخدّرات.

أما الفلسطينية مها الحاج، فصاغت، في فيلمها الطويل الثاني "حمّى البحر المتوسط"، حكياً مُرهفاً، وحواراً دالاً يمتح بكوميديا سوداء، ويعكس -بموشور أفلام نشوء الصداقة، واستعارة الاكتئاب- وضعية وليد، رجلٌ فلسطينيّ انطوائي (أدّاه ببراعة عامر حليحل)، يعيش في حيفا، ويسعى لأنْ يصبح كاتباً. لكنّ وصول جار مُقبل على الحياة يقلب وجوده رأساً على عقب، ويأخذهما معاً في رحلة روحية، غير مأمونة العواقب، تتخلّلها لحظات غموض وتشويق، كمَشاهد الصيد الليلية الآسرة، التي صاغتها المخرجة بتحكّم ودقّة، رغم البساطة الظاهرة لأسلوبها.

قسم "عروض خاصة" أتاح مُشاهدة أفلام معاصرة لمخرجين نالوا الإشادة من نقّاد ومهرجانات دولية، كـ"المحكور ما كيبكيش" للمغربي الإنكليزي فيصل بوليفة، و"عودة إلى سيول" للكمبودي دافي شو، و"لا دببة" للإيراني جعفر بناهي، و"تحت الشجرة" للتونسية أريج السحيري. خلق "ملكات"، للمغربية ياسمين بنكيران، احتفاءً كبيراً بسخاء الممثلات نسرين الراضي ونسرين بنشارة وريحان غاران وجليلة التلمسي، وطرافة حميد نيدر في دور ضابط شرطة إنساني. يعتمد الفيلم على جمالية أفلام الطريق، وحوار ذكيّ وطريف، لرصد تقارب أمّ عازبة، فارّة من السجن، مع ابنتها وفتاة أُرغمت على الزواج من دون حبّ. جانب خرافة "عيشة قنديشة"، التي تعبر الحكي، يبدو متكلّفاً إلى حدّ ما، وطابع النسوية الأولية المُقحم لم يسدِ خدمةً جيدةً للفيلم، حين نأى به عن الصدق والإبداع في مفاتيح النوع، إلى نيات متشنّجة.

يظلّ عرض "سانت أومير" للفرنسية أليس ديوب أحد أرفع لحظات المهرجان، التي أفصحت عن أحد أجمل أفلام العام، بقصّة مستوحاة من أحداث حقيقية، عن روائية شابّة تتابع محاكمة لورانس كولي (غوسلاجي مالاندا)، الأمّ المتّهمة بقتل ابنتها البالغة من العمر 15 شهراً، بتخلّيها عنها في أحد شواطئ شمالي فرنسا. فيلمُ محاكمة، يأخذ وقته في سرد الوقائع، بحوارٍ مكتوب بعناية فائقة، ودقّة في التعابير والأوصاف، لتوضيح وجهات النظر، وخلخلة قناعات الروائية راما (كايجو كاغيم) والمشاهدين حول مدى صدق الأم، وجعلهم يتساءلون عن معنى الإدانة وموقع المسؤولية، في ارتباطٍ بخطّ مباشر مع إرث جان رونوار، والجملة الشهيرة في حوار "قواعد اللّعبة" (1939): "آفة هذا العالم أنّ لكلّ (واحدٍ) دوافعه".

أكملت البانوراما عقد الأفلام المغربية الـ15، المعروضة في مختلف أقسام المهرجان، كجديد فوزي بن السعيدي "أيام الصيف"، و"عبدلينو" آخر أفلام هشام عيّوش، و"أسماك حمراء" لعبد السلام الكلاعي، و"زيارة" لسيمون بيتون، و"في زاوية أمي" لأسماء المدير. هذه الأفلام شاركت في الدورة الـ22 (16 ـ 26 سبتمبر/أيلول 2022) لـ"المهرجان الوطني للفيلم بطنجة".

أمّا أفلام "القارة 11" -المتّسمة بجرأة التناول وقوّة الثيمات، ببرمجةٍ تمزج السينما المعاصرة بكلاسيكيات مُرمّمة حديثاً من السينما العربية والأفريقية- فشكّلت، بتطلّبها وفرادة اقتراحاتها الجمالية، فرصة لهروب جمهور متحف "إيف سان لوران" في رحلات حسية رفيعة، كـ"الإبحار في الجبال" لكريم أينوز، و"مونا موتو" لجون بيار ديكونغي بيبا. وكان أوجها عرض "ترجيع وتشغيل"، فيلم مونتاج بديع للسنغالي آلان غوميس، أنجزه انطلاقاً من صُوَر خام لبرنامج فرنسي، سُجِّل مع موسيقي الجاز ثالونيوس مونك، قبل حفلته المسائية في باريس عام 1969. يبدو مونك في الفيلم ضحية منزوعة الإرادة لآلة إعلامية، لا تتوانى عن تعذيبه معنوياً، بحثاً عن صُنع أكبر قدر من الصُور النمطية بشاعةً حوله. كجميع المؤلّفين، ينحو غوميس بالفيلم (رغم أنّه لم يُصوّره، مستعيناً بمعجزة المونتاج واختيارات راديكالية) إلى ثيمته الأصلية: ممرّ عذاب تقطعه الشخصيات بحثاً عن خلاصٍ ما، حيث تحضر الموسيقى، غالباً، بشكل ما.

أما "باسيفيكشن"، التحفة الحسّية والتشكيلية للدّاندي الإسباني الموهوب ألبرت سيرا، فتقع في مكان ما بين "تحت البركان" لجون هيستون، و"موانا" لروبيرت فلاهيرتي: قصّة مُفوّض سامٍ للجمهورية الفرنسية في تاهيتي (أكبر جزر بولينيزيا الفرنسية)، يواجه تداعيات انتشار شائعة، مفادها قرب استئناف التجارب النووية الفرنسية في الجزر. بنزعةٍ عبثية، لا تخلو من إشارات بليغة عن مأزق الإنسان الغربي، وروابط الاستعمار، ونزعة التدميرية الذاتية الحاضرة في ثيمة التجارب النووية، يُبطل الفيلم كلّ نيات السرد الاعتيادي، لفائدة تأمّلٍ عميق للتناقضات الكامنة في الجنس البشري، بفضل مَشاهد منزاحة، تمزج إطارات مغرقة في سحر الطبيعة البولينيزية، المحيلة إلى الفردوس المفقود، وأجواء السلاح النووي، المُهدِّد بفناء موعود.

 

العربي الجديد اللندنية في

29.11.2022

 
 
 
 
 

سينمائية مغربية:

السينما المصرية رائدة في المنطقة وموضوعات الأفلام المغربية فرضت واقعا جديدا

أ ش أ

قالت المنتجة والموزعة المغربية أسماء أكريميش، إن السينما المصرية رائدة في المنطقة ولها تاريخ ممتد لعقود طويلة، مشيدة بأهمية ما قدمته ويمكن أن تقدمه عبر الإنتاجات المشتركة في العالم العربي.

وأكدت المنتجة المغربية، في تصريح لوكالة أنباء الشرق الأوسط اليوم الخميس، أن السينما المصرية من بين أهم السينمات التي قدمت العديد من الأعمال الخالدة، موضحة أن كل المجتمعات العربية تربت وتشبعت من الفن و الثقافة المصرية.

وقالت إن السينما المغربية حققت نجاحا كبيرا خلال السنوات الأخيرة، مضيفة أن جودة الأفلام المغربية والموضوعات التي تناقشها فرضت نفسها على الساحة المحلية والدولية، كما حجزت العديد من الأفلام المغربية أماكنها في المهرجانات الكبيرة.

ولفتت إلى أن الدعم الذي تقدمه المملكة المغربية لتمويل الأفلام في المغرب يسهم بقدر كبير في إنتاج عدد لا بأس به في السنة من الأعمال؛ ما يتيح الفرصة لبروز أفلام جيدة لها قدرة تنافسية دوليا، كما تتحول إلى عامل مهم كذلك في الترويج للسينما المغربية بالخارج، لافتة إلى أن اللهجة المغربية لم تعد عائقا بشأن بيع الأعمال السينمائية المغربية في العديد من المنصات الدولية والعربية، لكن لا يزال العائق موحدا بالنسبة للتوزيع في القاعات السينمائية خصوصا عربيا.

وأشارت إلى أن قاعات السينما في المغرب أصبحت تشهد حضورا ملحوظا من قبل الجمهور، مطالبة بزيادة عدد قاعات السينما في المغرب من أجل تلبية رغبات نسبة كبيرة من الجمهور لمشاهدة الأعمال المغربية والأجنبية.

وأوضحت أن توزيع الأفلام في المغرب والوطن العربي بات يحتل أهمية كبرى وأنها تقوم حاليا بتوزيع عدد من الأفلام المهمة في المغرب وأوروبا، وأنها تسعى للتواجد في الساحة العربية عبر توزيع العديد من الأفلام الأجنبية والمغربية أيضا.

وشددت أسماء أكريميش على أن مصر تعد من الدول الأوائل التي تحقق فيها الأفلام الجماهيرية نسب مشاهدة عالية في الوطن العربي، مشيدة بصناعة السينما في مصر وما تقدمه على مدار تاريخها، متطلعة لأن تكون هناك تسهيلات أكبر فيما يخص الإجراءات والتصاريح التي تحتاجها شركات الإنتاج الأجنبية لتأخذ موقعها الطبيعي في خريطة أهم وجهات التصوير الأعمال الأجنبية خصوصا لما تتوفر عليه من مواقع ومزايا إنتاجية تجعلها على رأس القائمة.

وتابعت أن المغرب يتجه في الوقت الراهن لإنتاج متنوع من الأفلام الوثائقية والتجارية والأفلام الروائية الطويلة التي تشارك في المهرجانات، وأن الجيل الجديد في المغرب يمتلك عناصر موهوبة يمكنها أن تصنع الفارق في تاريخ السينما المغربية، موضحة بشأن الإنتاج الأجنبي في المغرب أن بلادها حقق نقلة كبيرة على هذا المستوى، وأن العديد من الأعمال السينمائية الهوليودية والعالمية تصور في المغرب، نظرا لما تقدمه المملكة المغربية من مزايا ك 30% "كاش ريبايت" وإعفاء ضريبي 20% ، إضافة إلى كافة التسهيلات اللوجيستية والسلاسة الجمركية على المعدات والأسلحة التي تقدمها السلطات المغربية.

وأضافت أن التقني المغربي ميزة إضافية؛ لكونه يعد من أكفأ التقنيين في العالم نظرا لتمرسه لسنوات طويلة على يد أهم الأسماء في الإنتاجات الدولية التي تصور في المغرب ، من عوامل الجذب الأخرى يجد التنوع في التضاريس و مواقع التصوير مما يمنح للمخرجين و المنتجين الأجانب الرفاهية الفنية في الاختيار لتنفيذ أعمالهم.

 

الشروق المصرية في

01.12.2022

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004