صناع السينما يبحثون عن بدائل بعد إيقاف "الجونة"
المهرجان لم يكن ساحة لاستعراض الفساتين ومتخصصون يؤكدون:
من الصعب تعويضه
حميدة أبو هميلة كاتبة
بعد أن هدأت العاصفة التي أعقبت الإعلان المفاجئ عن إيقاف
مهرجان "الجونة"
السينمائي في مصر هذا العام، وخفتت تأويلات البيان الذي جاء بطعم "الإلغاء"
وليس مجرد التأجيل، يمكن الآن الحديث عن الطرف الذي كان ينتظر هذه الفعالية
ليحصل على مساهمة ولو بسيطة في طريقه نحو تحقيق أحلامه. فما مصير مشروعات
شباب السينمائيين الذين كانوا يضعون أملهم في هذه المنصة سنوياً من أجل
ترويج أعمالهم وتطويرها، بخاصة تلك التي تتميز بطابع غير تجاري؟!
كان العنوان العريض للمهرجان المستقل الذي يقف وراءه رجل
الأعمال نجيب
ساويرس،
بأنه ساحة لاستعراض الأزياء، لكن المتابع لحلقات النقاش والورش والندوات،
سوف يعرف بسهولة أنه كان محفلاً سينمائياً مهماً يعرض أبرز الأفلام
العالمية والعربية، ويمنح مساحة للتواصل بين صناع السينما من مختلف دول
العالم، ويعطي فرصاً شتى لإنتاجات لم تكن لتلقى الدعم بسهولة.
أفلام منصة "الجونة"
المهتمون بالسينما يبحثون الآن عن بدائل لمنصة "الجونة"
التي كانت تصل جوائزها الإجمالية إلى 300 ألف دولار لأعمال في مراحل
التطوير والتسويق والإنتاج. وهي أعمال أثبتت جدارتها في ما بعد بالمشاركة
في فعاليات دولية والحصول على جوائز رفيعة، وبينها "كابتن الزعتري وبنات
عبد الرحمن والرجل الذي باع ظهره ويوم الدين وسعاد و200 متر".
وعلى مدار خمس سنوات، شكل شهر أكتوبر (تشرين الأول) من كل
عام مناسبة خاصة جداً للسينمائيين الطامحين لتنفيذ مشروعات، من خلال منصة
"الجونة" التي انضمت لمسابقات أخرى تابعة للمهرجانات السينمائية في
المنطقة، لتمثل جهة دعم كان العاملون في هذا المجال بحاجة ماسة إليها. الآن
اختفت تلك المنصة، وأصبح التنافس أشد شراسة، حيث ينحصر في عدد أقل من
المهرجانات العربية البارزة، بينها "القاهرة
السينمائي الدولي
والبحر الأحمر السينمائي، وأيام قرطاج السينمائية، ومراكش"، خصوصاً أن
اختفاء مهرجان "الجونة" يأتي بعد أعوام قليلة من غياب مهرجانين سينمائيين
مهمين هما "أبو ظبي ودبي" عن الخريطة، فهل ستكون تلك البدائل كافية؟!
يرى مدير المكتب الفني لمهرجان القاهرة السينمائي الدولي،
أندرو محسن، أنه حتى في أثناء استمرار مهرجان "الجونة"، "لم يكن الدعم بشكل
عام كافياً، لطالما كان عدد المشروعات أكبر من الفرص المتاحة"، لافتاً إلى
أنه بجانب المهرجانات الكبرى التي تتضمن منصات مماثلة وبينها القاهرة
والبحر الأحمر، "هناك أيضاً مؤسسات أخرى في المنطقة العربية معنية بصناعة
السينما تستقبل مشروعات متنافسة، وتختار الأكثر مطابقة لشروطها وتمنحه من
صندوقها الداعم".
وتابع محسن: "بالطبع غياب منصة الجونة سيكون له تأثير سلبي
في هذا الصدد، وعلى الرغم من أن المبالغ الممنوحة لم تكن ضخمة بعد تقسيمها
على الجوائز، لكنها كانت تساعد بكل تأكيد".
تمويل حكومي
التجارب السينمائية المختلفة تواجه دوماً مصاعب في التمويل،
وهو أمر يشترك فيه المحترفون وكبار الصناع وليس فقط فنانو الجيل الصاعد،
بالتالي فإن اختفاء مهرجان "الجونة" من المشهد سوف يزيد من تلك التعقيدات.
وهنا يطرح مدير المكتب الفني لمهرجان القاهرة السينمائي الدولي الحل القديم
الجديد الذي ينادي به السينمائيون منذ عقود، "من المهم أن يكون هناك دعم من
الجهات الرسمية، وهو أمر يحدث في كبرى الدول. فالمساعدات الحكومية للسينما
أمر مطلوب بخاصة السينما الفنية والمشروعات غير التقليدية، المعروف أنها لا
تحقق إيرادات كبيرة في شباك التذاكر كي يتمكن أصحابها من تقديم أعمال
مغايرة للسائد".
إدارة مهرجان "الجونة" السينمائي كانت قد أعلنت في 19 يونيو
(حزيران) عن تأجيل وقائع الدورة السادسة، التي كان من المقرر إقامتها في
الفترة من 13 و22 أكتوبر، وقالت في نص البيان إن الإرجاء سوف يكون حتى
"العام المقبل في موعد يتم تحديده لاحقاً". كما كانت التبريرات التي ساقها
البيان رمادية وغامضة أثارت الحيرة والجدل، ولم تجب على كثير من التساؤلات.
ومن هنا استقبل المعنيون هذا البيان الرسمي بتوجس وقلق
وغضب، وبينهم المخرج عمرو سلامة الذي كتب تدوينة عبّر فيها عن شعوره
بالخسارة بعد تأجيل دورة 2022، جاء فيها: "توقف مهرجان الجونة بالتأكيد يضر
بالمشهد الثقافي المصري، المهرجان أصبح من أهم المهرجانات في المنطقة،
وبإلغائه توقف مصدر رزق لكثير من الشباب العاملين فيه، ومصدر للتعلم
والتدريب، وكان سبباً للتواصل بين الفنانين المصريين، وأيضاً التواصل بين
الفنانين المصريين والعرب والأجانب. كان فرصة لعرض الأفلام المصرية لجمهور
عالمي والاحتفاء بها، وفرصة لمشاهدة أفلام عظيمة ومهمة عالمية، هذا غير
الندوات والنقاشات".
خسارة محزنة... ولكن
كذلك وصف الناقد الفني رامي عبد الرازق توقف "الجونة" بأنه
"خسارة كبيرة ومحزنة" للمشهد السينمائي العربي والإقليمي، معتبراً أن تعدد
المهرجانات والمنافسة بينها يثري المجال، وهو أمر ينطبق على كل فعاليتها
بما فيها مستوى البرمجة والتنظيم ومنصات الدعم.
ويرى عبد الرازق أن كل مهرجان يحاول أن يعطي أفضل ما لديه
لإثراء الصناعة، مشدداً على أن "الجونة" السينمائي خلال أعوام قليلة "قطع
شوطاً كبيراً في كل تلك النقاط، بالتالي تعويضه لن يكون سهلاً أبداً".
ويلفت عبد الرازق، النظر إلى أن مهرجان
البحر الأحمر السينمائي
في السعودية، بات يمثل واحدة من أهم منصات الدعم للسينمائيين سواء في ما
يتعلق بتطوير السيناريوهات على مستوى التمويل، أو غيرها من الأمور.
وأضاف، "المشروعات التي كان من المقرر تقديمها للجونة
بالطبع سوف تتفرق على بقية المؤسسات والفعاليات في المنطقة العربية، وبينها
مؤسسة الدوحة للأفلام ومهرجان مراكش وغيرها. فكل تلك المنافذ لم يكن ينبغي
أن نفقد أحدها، فخسارة مهرجان الجونة لا تعوض، ومن الصعب ملء الفراغ الذي
تركه، في ما يتعلق بعروض الأفلام ومستواها وتنوعها أو على مستوى الدعم.
فالمهرجان عُرف بحصوله على عدد لا بأس به من الأفلام الجيدة والعروض الأولى
المتميزة عالمياً وإقليمياً، وبالطبع جانب من تلك الأعمال سوف يذهب
لمهرجانات أخرى".
ويعتقد عبد الرازق، الذي شارك على مدار 13 عاماً بشكل فاعل
في مجموعة كبيرة من المهرجانات الفنية البارزة، أن أهمية "الجونة" تكمن
أيضاً في حرصه على عرض أفلام قيمة من كبرى مهرجانات العالم، وهي قيمة كان
يتميز بها مهرجان أبو ظبي قبل إيقافه. |