ملفات خاصة

 
 

سينمائيون عن تأجيل «الجونة»:

لا تمنعوا الفن

إيمان كمال

الجونة السينمائي

الدورة السادسة

   
 
 
 
 
 
 

· داود عبد السيد: كان غنيًا بالأفلام.. ولا أحد مجبر على مشاهدة الفساتين

· مجدى أحمد على: شجع مهرجان القاهرة على تقديم المنح الإنتاجية

· أمجد أبو العلاء: السودانيون اهتموا بفوز فيلمى فى الجونة.. أكثر من تكريم فينيسا

· هاله خليل: على الدولة تقديم دعم لوجيستى لعودة المهرجان

· سلوى محمد على: وفّر مشقة السفر للخارج.. وأحضر أهم الأفلام من المهرجانات الكبرى

· تامر كروان: منتجع لتجمع السينمائيين.. ومشاهدة أكبر قدر من الأفلام فى فترة زمنية قصيرة

فى سنوات قليلة استطاع مهرجان الجونة السينمائى أن يصنع صدى على المستوى الجماهيرى والنقدي، وأيضا بين صناع الأفلام فبعضهم من الشباب وجد فى المهرجان فرصة لتطوير مشاريعهم السينمائية فى مرحلة قبل الإنتاج، وحصولهم على منح داعمة.

آخرون اعتبروا المهرجان ملتقى فنياً وسينمائيًا لمشاهدة الأفلام وحضور حفلات الموسيقى الحية إلى جانب الندوات والورش التى كان يحرص صناع المهرجان على إقامتها على هامش العروض السينمائية، والحرص على وجود متاحف فنية تضم أعمالًا لإحسان عبد القدوس ويوسف شاهين وأنسى أبو سيف.

لكن، وبإعلان تأجيل الدورة السادسة للمهرجان، أصيب الكثير من السينمائيين بخيبة أمل لكونها إنذارًا بإغلاق نافذة سينمائية مهمة أتاحت لهم التواجد ومواصلة تقديم أفلامهم، وآخرون عوضهم المهرجان عن الأموال الطائلة التى ينفقونها فى حضور مهرجانات عالمية أتاح الجونة عرض أهم الأفلام المعروضة بها.

أى مهرجان يملك مقومات النجاح فهو مهم، ومهرجان الجونة السينمائى والقاهرة من المهرجانات المهمة، ومهرجان القاهرة تحسن أداؤه بشكل واضح بعد إقامة مهرجان الجونة.

وتوقف المهرجان خسارة كبيرة، فقد حضرت المهرجان لمدة عامين، وكان غنيًا بالأفلام ومقامًا فى مكان ممتع، أما من يتحدثون عن الفساتين والعرى فمن لا يعجبه هذا الأمر ببساطة لا أحد يرغمه على الفرجة، ولكن للأسف المصريون لا يعرفون معنى الحرية الشخصية والديمقراطية، رغم أن القانون يكفل لكل شخص أن يفعل ما يريد، ففى رأيى من كانوا ضد المهرجان ببساطة مخطئين تمامًا، والأزمة تعود أيضًا لمشكلة جو عام من عدم حرية التعبير والرأى، فلابد أن يتعود الناس أولًا على الحرية.

المخرج داود عبد السيد

بالتأكيد حزين للغاية على هذا القرار، فالمهرجان كان تأكيدًا على أن دور رجال الأعمال لا يقتصر فقط على الربح السهل، لكن أيضا لابد وأن يكون هناك دور مطلوب ومرغوب فى التنمية الثقافية، والحقيقة بأن الوحيدين الذين يقومون بهذا الدور هم آل ساويرس سواء من خلال جائزة ساويرس الثقافية فى الأدب، وأيضًا جائزة أحمد فؤاد نجم وأنا عضو مجلس أمناء بها.

وأستبعد كل ما أشيع عن أن السبب هو رغبة الدولة، أو تأثير كورونا، أو الحرب الروسية الأوكرانية، فإذا كانت الأسباب مادية فهى للبداية القوية للمهرجان والتى تكلفت كثيرًا.

ولكن المهم أن الخسارة كبيرة لأن المهرجان تسبب فى نوع من المنافسة الطيبة، وشجع مهرجان القاهرة على فكرة المنح الإنتاجية برغم اعتراضى على أن الأمر لم يكن بشفافية كافية، وكان يحصل على المنح أشخاص مختارة سلفًا لكى تحصل على الجوائز، لكن الفكرة نفسها ممتازة، فدعم الأفلام والمخرجين وكتاب سيناريو مراحل قبل الإنتاج، فهى أهم ما استحدثه المهرجان.

لكن الخطأ الكبير هو صرف مبالغ طائلة لحضور نجوم كبار، وأيضًا أن المهرجان لم يكن شعبيًا رغم أنه فى إحدى الدوارت كانت هناك محاولة بأن يعرض أفلام فى الغردقة ليكون هناك تواصل مع الجمهور، فمن الخطأ أن المهرجان يحضر ويدعو كل ضيوفه بشكل أو بآخر لابد وأن يكون أيضًا موجّه للجماهير العادية لنقل الثقافة السينمائية، بصرف النظر عن عدد من يشاهدون الأفلام من الضيوف المدعوين من القاهرة والإسكندرية والعالم العربي، إلى جانب عدد من يذهب للمكان من المصيفين، فحتى إن زاد فيظل عددًا قليلًا.
ففى رأيى أن المهرجانات لابد وأن تحتك بالسكان الأصليين لمدينة ولى تجربة لم تكن ناجحة فى مهرجان شرم الشيخ، فالمنتجعات غير مناسبة لإقامة مهرجانات، ولكن فى كل الأحوال خسرنا مهرجانًا مهمًا وكبيرًا
.

المخرج مجدى أحمد على

مهرجان الجونة حدث عربى مهم جدا ووجود مهرجان بهذا الحجم كان عظيمًا جدا، خاصة وأنه استطاع فى سنوات قليلة أن يحقق صدى ليس على مستوى الوطن العربى فقط، ولكن أيضًا على مستوى العالم الذى بات يعرف المهرجان.

حضرت المهرجان فى الدورة الثانية وكانت تجربة لطيفة بالنسبة لي، فكنت مشاركًا بفيلمى «ستموت فى العشرين» والذى حصل على الجائزة الكبرى وقتها، وحينما ذهبت للسودان بعدها الناس ركزت على جائزة الجونة أكثر من الجائزة التى حصلت عليها من مهرجان فينسيا، لأن ببساطة السودانين مهتمين بالمهرجانات المصرية، والجونة كان ملفتًا للنظر بالنسبة لهم، بعكس فينسيا فهو غير معروف لعامة الشعب فى السودان والذى كان مهتمًا بوجود فنانين سودانين فى الجونة.

فى العام التالى حضرت كعضو لجنة تحكيم واستمتعت بمشاهدة أفلام من أفضل ما يكون، منها أفلام تمثل الأوسكار نيابة عن دولها، فكان جهدًا كبيرًا من انتشال التميمى وأمير رمسيس فى تحضير الأفلام واختيارها من مهرجانات عالمية مثل كان وفينسيا وبرلين، وهو جهد كبير ظلمته الصحافة التى ركزت على «تريندات» السجادة الحمراء والفساتين وهى ليست مشكلة من المهرجان، لكنها مشكلة التغطية التى تجاهلت كل هذا الجهد وحتى فى تطوير الأفلام وتسويقها، فأيضًا شارك فيلم «وداعًا جوليا» وهو فيلم سودانى أنتجه ويخرجه محمد كردفانى وسنقوم بتصويره فى شهر أكتوبر المقبل، والفيلم استمد سمعته من الجونة، والذى أفادنا كثيرًا فى مشوار الفيلم حتى تقرر تصويره هذا العام، لكن الصحافة تتجاهل ذلك.

أيضا فيلم «كباتن الزعتري» والذى عرض فى الدورة الخامسة وكنت منتجًا مشاركًا فيه، وهو إنتاج وإخراج على العربي، فكانت حالة عظيمة جدًا مع أبطال الفيلم من مخيم اللاجئين السوريين فى الأردن، وفى نفس الدورة عرض الفيلم اللبنانى كوستا برافا، وفيلم «أميرة» لمحمد دياب» و«ريش» لعمر الزهيري، فالجونة يعنى أفلام عظيمة لكن الناس اختارت الحديث على الملابس رغم أنهم لا يتحدثون عنها فى مهرجانات أخرى.
فالحقيقة أنا حزين جدًا وأتمنى أن يكون التأجيل بالفعل لمدة عام فقط من أجل أن تقوم إدارة المهرجان بترتيب أوراقها، لكن أتمنى ألا يحدث إغلاق تام مثل ما حدث فى مهرجان أبو ظبى ودبى، لأنه كان التوقع من البعض أن المهرجان ما دام غير مدعوم من الدولة فهو بغرض تسويقى فقط، ولذلك أقول للقائمين عليه: «لا تشمّتوا العزال فينا» والعزال هنا المقصود بهم كل المتحفظين ومن يرون بأن المهرجانات عبارة عن فساد.
والجانب الآخر أن المهرجان كان يقدم خدمة حقيقية وعظيمة من خلال الماركتينج لكل صناع الأفلام، وأتمنى أن يستمر وتزيد الأفكار، فكان هناك مخطط بأن يجذب المكان الكتاب ويتواجدون فى الجونة لكونها مكانًا مناسبًا للكتابة، وأعلم أن الفكرة كانت فى بال القائمين على المهرجان، أتمنى أن ينتبهوا لأن غياب المهرجانات تتسبب فى تراجع تقدم السينما والتى دعمها الجونة فى الفترة الماضية وإن كنت أتفهم أيضًا بأن لكل شخص ظروفه
.

المخرج السودانى أمجد أبو العلاء

أتمنى أن يكون قرار التوقف لسنة واحدة فقط كما أعلن، حتى يدبر القائمون عليه أمورهم إذا كان السبب هو الميزانية، ويكون هناك رعاة للمهرجان.

فبأى شكل من الأشكال لا يجب أن يكون هناك سبب لتوقف مهرجان من المهرجانات القليلة والنادرة فى مصر الذى يعتبر مستقلًا عن الدولة وبالتالى لا يكلف الدولة أعباء مادية، ولذلك يجب على الدولة أن تسهم بدعم لوجسيتى وتقديم تسهيلات خاصة وأن المهرجان وصل إلى مكانة مهمة.

وإذا كان هناك تحفظ أو رأى فى أى أمر يمكن التعامل مع هذه الأمور وظبطها فى إطار بقاء مهرجان موجود بدعم الدولة وتسهيلات غير مادية، فوجود مهرجان مستقل ماديًا هو ميزة وفرصة كبيرة لمصر، تشجع مستثمرين ورجال أعمال للمساهمة فى أنشطة ثقافية وفنية.

وقد كنت حريصة على حضور فعاليات المهرجان على نفقتى الخاصة، وأشهد بالمجهود الكبير المبذول فى الحصول على أفلام مهمة، والماستر كلاس، وورش تطوير السيناريوهات والدعم المقدم للأفلام، فالجونة دعم فيلم «الرجل الذى باع ظهره» للمخرجة كوثر بن هنية والذى نافس فى الأوسكار عن تونس، وأفلام أخرى شاركت فى مهرجانات عالمية، إلى جانب الضيوف الأجانب والاهتمام بترويج السياحة.

ولا يمكن أن ننكر بأن الجونة تسبب فى أن يصبح هناك دعم لمهرجان القاهرة والذى ظهر بشكل مشرف فى آخر عامين، لتصبح هناك منافسة جميلة وقوية بين المهرجانين سواء فى الضيوف وحتى الأفلام وهو مناخ صحى ومحبب، فمثلًا سعى القاهرة لوجود إمير كوستوريتسا كعضو لجنة تحكيم فى الدورة السابقة وتكريم تيرى فريمو مدير مهرجان كان السينمائي.

وأعتبر أن هناك حالة ترصد ضد المهرجان، خاصة بعد اتهامه بالإساءة لسمعة مصر بعد عرض فيلم «ريش» والمهرجان ليس جهة إنتاج، ولكن محاولة وصم الفيلم لوصم المهرجان وأصحابة، رغم أن هناك أفلام عرضت مثلًا فى مهرجان القاهرة مثل «الشوق» والذى حصل على جائزة فى سنة عرضه، وصوّر أماكن صعبة فى مصر، فلو أردنا لصنفناه بأنه يسيء لسمعة مصر، ولو أراد أحد أن يقول عن فيلمى «قص ولزق» بأنه يسيء لسمعة مصر سيقول، والحديث عن الفساتين وهى نفسها الموجودة فى أغلب المهرجانات، ولكن الفكرة هنا هى حالة التربص المقصود بها مهرجان الجونة رغم أهميته وقيمته.

المخرجة والكاتبة هالة خليل

استطاع مهرجان الجونة أن يدعم شباب المنطقة العربية وأفلامهم، وانتشال التميمى وأمير رمسيس كانوا حريصين على الحصول على الأفلام الفائزة فى المهرجانات العالمية مثل كان وفينسيا وبرلين، وقبل الجونة كنت أسافر لمهرجان كل عام وهو أمر مكلف جدًا، لكن الجونة أتاح بتكلفة أقل حضور للأفلام المهمة التى يعرضها المهرجان.

إلى جانب الندوات المهمة مثل ندوة صناع السينما عن المرأة وشاركت بها منة شلبى والمخرجة جيهان الطاهرى وهى مخرجة من أصول مصرية وكان حديثًا مهمًا وشيقًا عن سينما المرأة.

وحضور الفنان أوين ويلسون للمهرجان وندوته المهمة عن تجربته مع المخرج وودى آلن وحديثه عن الحضارة المصرية.

إلى جانب الجزء الخاص بالترويج السياحى من خلال الضيوف الأجانب، وأيضًا زيادة عدد الأفلام القصيرة بعد الجونة بسبب التطوير والجوائز التى تحصل عليها هذه الأفلام.

كما استطاع المهرجان أن يصنع كوادر مهمة فى صناعة المهرجانات عملت بعدها فى مهرجان البحر الأحمر وفى مهرجانات فى المنطقة العربية والتى تستفيد بخبراتنا وطاقتنا الشبابية فى صناعة المهرجانات.

أما السجادة الحمراء فـ90% مثلًا من الأوسكار ريد كاربت تذاع لساعات طويلة وبيوت أزياء عالمية تستعد لهذه الأحداث، فأول سجادة حمراء فى مهرجان القاهرة كان وقتها مصمم الأزياء هانى البحيرى هو من صمم الفساتين، وحاليًا هناك أكثر من 100 مصمم ودار أزياء، وهو ما يؤكد حدوث رواج فى مهنة مهمة أثرت بدورها أيضًا على صناعة الأزياء فى الدراما والسينما.

الفنانة سلوى محمد على

بالنسبة لى المهرجان تجربة ممتعة، واعتبره منتدى لتجمع كل السينمائيين المصريين والعرب للحديث عن السينما والمشاريع، فكنا نشاهد كثيرًا من الأفلام فى فترة زمنية قصيرة، فالسفر إلى مدينة مثل الجونة سهل بعكس السفر لمهرجانات فى الخارج فالأمر يكون متعبًا، وأتمنى ألا يتم تأجيله لكى لا نخسر مهرجانًا مهمًا.

وبالنسبة لى كان أهم ما فى المهرجان هو هذا التجمع، إلى جانب الفعاليات التى تحدث على الهامش مثل حفلات الموسيقى الحية، وأيضًا سينى جونة والذى كان يمنح الشباب فرصًا لتمويل أعمالهم من مهرجان مصري، وهو ما يعطينا أفضلية من كل الوطن العربى من داخل مصر وهو مهم لإثراء الثقافة السينمائية فى مصر وأرجو ألا نخسر ذلك.

أما حالة الجدل عن المهرجان، فالجدل فى مصر قائم طوال الوقت، وأى مهرجان به جزء فنى بحت وجزء له علاقة بالإبهار والشكل.

 

####

 

تأجيل "الجونة 2022".. المعنى والخسائر

بقلم: أسامة عبد الفتاح

لم تكن ردود الفعل العامة على خبر تأجيل دورة هذا العام من مهرجان الجونة السينمائي، لتُقام العام المقبل في موعد يُحدد فيما بعد، غريبة أو مفاجأة في مجتمع ما زال يعاني من آفة التطرف الديني، وما زال هواه وهابيا رغم كل المحاولات المعلنة لتحديث الخطاب الديني ومكافحة الإرهاب، الفكري منه قبل المسلح، ورغم أن معقل الوهابية نفسه بدأ يتخلص من قيودها.

فما إن أعلنت إدارة المهرجان عن خبر التأجيل في 19 يونيو الحالي، حتى انطلقت صيحات الفرح والشماتة من مدعي التدين، وإحداهن ممثلة مغمورة معتزلة قالت إنه أحسن خبر سمعته هذا العام لأن المهرجان ينشر الفجور، كما أعرب تاجر دين يزعم أنصاره أنه داعية عن سعادته لإغلاق باب الكفر والفاحشة، مضيفا أن هذا المهرجان ليس فيه ما يفيد الناس.

لن أدخل في جدل حول الحكم الديني والأخلاقي على الأحداث والمواعيد الثقافية، لأنه لا جدوى من مناقشة المتطرفين والمتعصبين، لكنني سأتوقف عند نشر معلومات خاطئة قائمة على كلام مرسل لا يستند إلى أي دليل أو حتى قرينة.. فمن أين جاء "الداعية" بمعلومة أن المهرجان لا يفيد أحدا؟ هل حضره؟ هل قابل من شاركوا فيه واستفادوا من أقسامه وبرامجه؟ هل راجع أوراقه ومستنداته؟ أم ينطق فقط عن الهوى؟

لم ينكر أو ينف أحد أن هناك جانبا سياحيا في جميع المهرجانات السينمائية حول العالم - ومنها "الجونة" - قائما على الترويج للمدينة التي تستضيف المهرجان، وهذا يحدث في كل مكان، من "كان" إلى الأقصر.. كما لم ينكر أو ينف أحد أن حضور الفنانات حفلي الافتتاح والختام يتطلب ارتداء فساتين سهرة كما يحدث في جميع مهرجانات العالم وأيضا في جميع المهرجانات المصرية من الاسكندرية إلى أسوان، ولا أدري لماذا التركيز على فساتين "الجونة" وحدها دون غيرها!

لكن ما يجهله تاجر الدين، السعيد بجهله، أن كل هذه المظاهر الاحتفالية لا تمثل أكثر من 10% من فعاليات وأنشطة مهرجان الجونة، وأي مهرجان سينمائي، والغلبة لعروض الأفلام والندوات والورش والمحاضرات، والمناقشات بين صناع الأفلام والجمهور، وبين السينمائيين وبعضهم البعض.. كما يجهل التاجر أن هناك من استفادوا فعلا ومباشرة من إقامة خمس دورات لهذا المهرجان عبر منصته لدعم مشروعات أفلام السينمائيين الشبان حتى تخرج إلى النور.

والمعروف أن "منصة الجونة السينمائية" من أهم أجنحة مهرجان الجونة السينمائي، وتُعد خطوة حقيقية من أجل دعم صناعة السينما وشباب العاملين بها، ومثالا جيدا على عدم اكتفاء المهرجانات السينمائية بعرض الأفلام ومنحها جوائز، وامتداد دورها لدعم الصناعة المهمة التي تعاني، ليس في مصر فقط ولكن في العالم العربي كله.

وعملت الورشة على توفير فرص احترافية للمشاركين، وصناع الأفلام، من أجل توسيع شبكات التواصل فيما بينهم، والعمل علي زيادة فرص إنتاج وتوزيع المشروعات السينمائية، وكذلك توفير ورش سينمائية، وندوات، ومحاضرات وموائد حوار مع خبراء في صناعة السينما يساعدون صناع السينما الشباب في الحصول على فرص للتعلم، إضافة إلى بناء شبكات تواصل تساعدهم على إنجاز مشروعاتهم التي تحتاج إلى دعم فني ومادي.

وفي دورة المهرجان الخامسة، العام الماضي، اختارت المنصة 12 مشروعًا في مرحلة التطوير و6 أفلام في مرحلة ما بعد الإنتاج، بناءً على المحتوى والرؤية الفنية وإمكانية التنفيذ المالية. وترشحت تلك المشروعات للفوز بجوائز قيمتها 300 ألف دولار أمريكي مقدمة من المهرجان ورعاته وشركائه.. أي أن 18 مشروع فيلم عربي يعمل فيها عشرات السينمائيين العرب استفادت بدعم يقترب من ثلث مليون دولار يا من تدعي أن أحدا لا يستفيد من إقامة المهرجان، وهذا في الدورة الأخيرة فقط، أي أن حجم الدعم في الدورات الخمس مجتمعة يقدر بملايين الدولارات التي استفاد منها مئات السينمائيين العرب بين مخرجين ومنتجين وموزعين.

ولإرضاء الشوفينية المصرية، لابد من ذكر أن كثيرا من المستفيدين من الدعم مصريون، فمنذ انطلاق المنصة، حصلت العديد من مشروعات الأفلام المصرية التي شاركت فيها على سمعة عالمية وفازت بالعديد من الجوائز في المهرجانات السينمائية الدولية، ومن بينها "يوم الدين" لأبو بكر شوقي، و"سعاد" لآيتن أمين، و"كباتن الزعتري" لعلي العربي، بالإضافة لمشروع أحمد فوزي صالح "هاملت من عزبة الصفيح" الذي شارك في ورشة الأتيلييه التي أُقيمت خلال الدورة الـ75 من مهرجان كان السينمائي، ومشروع مراد مصطفى "عائشة لا تستطيع الطيران بعد الآن" الذي شارك في ملتقى الإنتاج المشترك في الدورة الـ20 لمهرجان أيام قبرص السينمائية الدولي، كما اختير لبرنامج البحر الأحمر بالتعاون مع مختبر تورينو لتطوير الأفلام.

ويعني تأجيل المهرجان، ببساطة شديدة، وقوع خسائر محققة أهمها حرمان هؤلاء السينمائيين من هذا الدعم، وتفويت فرصة الخروج إلى النور على العديد من مشروعات الأفلام العربية.. كما يعني – وهذه النقطة في منتهى الأهمية – حرمان مئات المصريين من مصدر رزق شريف، وأعني العاملين في المهرجان والمتعاملين معه من مسئولين ومبرمجين وفنيين وموظفين وعمال وسائقين وأصحاب متاجر.. إلى آخره.

وتُضاف هذه الخسائر الاقتصادية إلى الخسائر الفنية المتمثلة في حرمان الجمهور والسينمائيين، الذين لا يستطيعون السفر لحضور المهرجانات الدولية الكبرى، من مشاهدة أفلام تلك المهرجانات المهمة، والتي كان مهرجان الجونة ينجح كل دورة في عرض كثير منها.

 

####

 

أحمد شوقي يكتب:

بين الشماتة والإحباط: ماذا خسرت السينما بغياب مهرجان الجونة؟

مهما بلغ قدر جموح عقلك وسعة خيالك، يصعب أن تتفهم إعلان مثقف سعادته بإلغاء حدث ثقافي، أو احتفال سينمائى بتأجيل مهرجان سينمائي، خاصة لو كان هذا التأجيل يرتبط برؤية ضبابية وخبرات سيئة تجعله بالنسبة لبعض المفسرين أقرب للإلغاء المُقنّع. نتحدث بالطبع عن القنبلة التى انفجرت بالإعلان عن تأجيل الدورة السادسة من مهرجان الجونة السينمائى إلى أجل غير مسمى.

وبينما يؤكد القائمون على المهرجان، فى اتصالات شخصية أجراها كاتب هذه السطور، أن التأجيل مجرد حدث عارض سيعود المهرجان بعده لطبيعته خلال العام المُقبل، يبدو شبح ما جرى فى مهرجان دبي، بكل ما امتلكه من قوة وتأثير على مدار عقد ونصف، بعدما أعلن منتصف عام 2017 عن قرار مماثل بالتأجيل، لم ير بعده النور مطلقًا، حتى وإن ظل وضعه المُعلن هو «مؤجل لا مُلغى»، واستمرت صفحته الرسمية حتى مطلع العام الحالى تنشر أخبارًا ومتابعات وكأن المهرجان لا يزال قائمًا!

آراء الطرفين لها وجاهتها، فصُناع الجونة لديهم مشروعهم الذى آمنوا به واجتهدوا لإتمام خمس نسخ ناجحة فى مجملها، والمتخوفون لديهم سابق الخبرات المُحبطة التى يزيدها فى حالتنا ضغط اقتصاد عالمى يعانى منه الجميع منذ اندلاع الحرب فى أوكرانيا، ترك بصمته الثقيلة فى كل مكان، وقطاع الثقافة والسينما ليس استثناءً.

إلا أن بين أولئك وهؤلاء يقف العقل عاجزًا عن تفسير موقف المبتهجين والمحتفلين، أو ربما يُفسره بما يُصنف صاحبه فى موقع غير لائق: محافظ استفزته ممارسة البعض لحريتهم الشخصية ولو لأيام من كل عام، غاضب لفظ المهرجان فيلمه أو شخصه فخلق الرفض عداوة شخصية أو غافلا لا يعرف ما قد يُحدثه غياب مهرجان مثل الجونة من أثر، وكلها تفسيرات لا تترك صاحبها فى موضع يسمح لرأيه بالاقتراب من الموضوعية أو الأهمية.

لنفترض حسن النية ونحاول أن نوضح لمن لا يعلم ماهية المهرجانات السينمائية فى عالمنا المعاصر، وما الذى كان مهرجان مثل الجونة يقدمه، وما الذى ستخسره صناعة السينما وثقافتها بغيابه عن المشهد؟، ولو كان غيابًا مؤقتًا.

سجادة حمراء وأفلام

من بعيد، وعبر شاشات الفضائيات ومنصات التواصل الاجتماعي، تبدو المهرجانات قائمة بالأساس على السجادة الحمراء، نجوم يظهرون فى أبهى – وأحيانًا أغرب – الأزياء لالتقاط صور جذابة، يتحدث بعضهم بحب حقيقى عن الأفلام، ويردد أغلبهم عبارات مكررة تشى بأن صاحبها لم يشاهد فيلمًا طيلة السنوات الأخيرة إلا مضطرًا. هذا الجانب من المهرجانات يتعرض دومًا للهجوم، تارة من المحافظين وتارة من المثقفين الغاضبين الذى يصممون على تذكيرنا بأن هذه ليست السينما.

بالفعل السجادة ونجومها ليسوا هم السينما، لكنهم جانب رئيس ومؤثر من صناعتها. الجانب الذى لولا وجوده وتألقه وجاذبيته الفطرية، لما كان من الممكن أن توجد العروض وتموّل الأفلام ويتمكن صناع السينما الحقيقيون من تقديم أصواتهم للعالم. تمامًا مثلما تلعب الأفلام التجارية الخفيفة دور المحرك الذى يضخ الأموال للصناعة مانحة قبلة الحياة للأفلام الصغيرة والتجارب المغايرة. دور لعبه بساط الجونة الأحمر ببراعة منقطة النظير، تشهد بها الكتابات المنتقدة قبل الداعمة.

إذا أخذنا خطوة أبعد من حفلات الافتتاح والختام وأضواء البساط الأحمر، سنجد المستوى الثانى الذى تأسست بفعله المهرجانات السينمائية منذ أن انطلق مهرجان فينيسيا عام 1932: معرض الأفلام. يجتمع على شاشات المهرجانات عدد كبير من الأفلام التى لا يجد أغلبها مساحة للعرض داخل آليات التوزيع التقليدية، وكلما تمكن المهرجان من امتلاك الأفضل والأكثر والأحدث من الأفلام، كلما ارتفعت قيمته بين منافسيه.

كل من حضر المهرجان أو تابع قائمة أفلامه يعرف أن «الجونة» نجح خلال عمره القصير أن يكون أحد أهم معارض الأفلام فى مصر. نجاح أدى لتزايد مستمر وملحوظ فى أعداد الجماهير خاصة من غير المدعوين: الشباب الذين صاروا يزورون المنتجع كل عام لمشاهدة أفلامه. يمكن أن نلمس هذا النجاح فى تحول نشاط سينمائى أقدم مثل «بانوراما الفيلم الأوروبي» خلال الأعوام الأخيرة إلى ظهير قاهرى للمهرجان، تُعرض فيه أفلام الجونة لجمهور العاصمة بعد أسابيع من المهرجان.

الصناعة تبكى داعمها

نترك العنصرين السابقين لقطع خطوة أعمق نحو عوالم صناعة السينما، وتحديدًا السينما المغايرة والمستقلة التى يعانى صناعها من أجل تمويل أفلامهم. وهنا تبرز الأهمية الأكبر للجونة، والتى ظل بعض الناس غير قادرين على إدراكها حتى بعد إتمام خمس دورات من المهرجان. فالجونة منذ تأسيسه وضع دعم صناعة السينما المصرية والعربية هدفًا رئيسًا، من خلال طيف من البرامج المتنوعة لدعم وتمويل مشروعات الأفلام وصناع السينما، على قمتها منصة الجونة «سينى جونة بلاتفورم»، برنامج المهرجان المخصص لمساندة مشروعات الأفلام فى مرحلتى التطوير وما بعد الإنتاج.

على مدار الدورات الخمس، تم توزيع جوائز قيمتها تزيد على المليون دولار، لدعم عشرات الأفلام التى خرج كثير منها للنور لتُعرض فى مهرجانات العالم الكبرى، ناهيك عن قدر يوازى أو يزيد، من الصفقات والاتفاقات التى أبرمت على هامش المهرجان من خلال التشبيك بين صناع المشروعات والجهات المهتمة من ممولين ومنتجين وموزعين وممثلى مهرجانات. إن لم تكن هذه قيمة مضافة ومؤثرة لصناعة السينما الجادة فماذا يمكن أن تكون؟

كل ما سبق أنشطة معلنة ظلت متاحة لمن يريد أن يعرف، بينما ظل البعض مصممًا على المعارضة والرفض التى تطورت إلى سخرية وشماتة بائسة. ولعل المحتفل بتوقف المهرجان بحاجة لأن يسأل نفسه عن المتضرر الأكبر: هل هم الأخوة ساويرس الذين سيفقدون أسبوعًا مسليًا من أسابيع عامهم؟ أم هم صناع السينما وجمهورها ونقادها الذين خسروا كل ما سبق؟

 

جريدة القاهرة في

30.06.2022

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004