كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

ملفات خاصة

 
 
 

السينما الإيرانيّة متوّجة في «برلين»

من يعرف حصان نيتشه، من يذكر بادر ــ ماينهوف؟

زياد عبد الله

مهرجان برلين السينمائي الدولي

الدورة الحادية والستون

   
 
 
 
 
 
 

بين ألمانيا الستينيات وطهران الزمن الراهن، عاش جمهور «البرليناله» على وقع قصص الحب المجنونة والثورات والانفصالات... الدورة 61 التي أسدل عليها الستار أوّل من أمس، كانت دورة الشباب بامتياز

برلين | إنعام بطلة شريط «أحمر شفاه» للإسرائيلي جوناثان ساغال، اغتصبها جندي إسرائيلي (راجع المقال أسفل الصفحة)، أمّا سيمين بطلة «انفصال نادر وسيمين» للإيراني أصغر فرهادي، فتهجر زوجها نادر على أمل مغادرة طهران نهائياً. من جهته، يتتبع السينمائي الألماني أندريه فيل جيل ما بعد الحرب العالمية الثانية في بلاده، وخصوصاً حركة «بادر ـــــ ماينهوف» وحركات اليسار الألماني الرديكالي في باكورته الروائية «إن لم نكن نحن، فمن؟»، بينما يعيد البلغاري بِلّا تار في «حصان تورينو» السينما إلى منابعها الأولى.

حمل برنامج الدورة 61 من «مهرجان برلين السينمائي» تواقيع مخرجين شباب في تجاربهم الأولى، ما رفده بتنوّع أسلوبي كبير... المهرجان الذي اختتم أمس، منح جائزة «الدب الذهبي» للسينمائي الإيراني أصغر فرهادي، عن شريطه «انفصال نادر وسيمين»، وجائزتي الأداء النسائي والرجالي لممثليه مجتمعين. بعد «عن إيلي» (الدب الفضي ـــــ 2009) عاد فرهادي هذا العام بفيلم جميل آخر (احتفى به بلده قبل أيّام، راجع المقالة عن «فجر 29» في الصفحة المواجهة)، وكان من المتوقع فوزه منذ البداية. هذا هو الفيلم الإيراني الأول الذي يتوَّج بـ«الدب الذهبي»، ليكون عزاءً محتملاً لجعفر بناهي الذي بقي مقعده في لجنة التحكيم خاوياً. طيف السينمائي الإيراني حضر بقوّة من خلال عرض مجموعة من أفلامه، وتخصيص خيمة تضامنية معه.

يستدعي فرهادي مدينة طهران، في شريط يبدأ في قاعة المحكمة وينتهي فيها. عمل مبني على الحوارات، وعلى مشاهد سريعة مؤلّفة من لقطات متعددة. الحوار درامي بامتياز، بحيث يقود أي تطور طفيف في الأحداث إلى أزمة. الحبكة بسيطة: سيمين تريد السفر، أمّا نادر فمن المستحيل أن يقدم على هذه الخطوة، وخصوصاً أنّه يرعى والده المصاب بالزهايمر. قرار منطقي وبسيط، يُدخِل البطل في نفق طويل من المشاكل. هو يستعين مثلاً بخادمة لتعتني بالعجوز، فتكتشف أنّه يبول في ثيابه. وبما أنه رجل غير محرَم، فإنّها لن تنظّفه، إلا بعد أخذ فتوى بجواز ذلك عبر الهاتف.

يضعنا فرهادي أمام شريط محكم الإنجاز، يخوض في مشاكل الطبقة الوسطى الإيرانية التي يمثّلها نادر وسيمين، وصولاً إلى الطبقة الفقيرة التي تمثّلها الخادمة وزوجها... تصير نقاط الالتقاء بين الطبقتين المتوسطة والفقيرة مساحة للإضاءة على وطأة الديني والاقتصادي والاجتماعي، وانعكاساته على الحياة اليومية للفرد الإيراني.

أما «الدب الفضي ـــــ جائزة لجنة التحكيم»، فكانت من نصيب «حصان تورينو»، للمخرج الهنغاري بلّا تار الذي كان أيضاً صاحب الحظّ الأوفر من إعجاب النقاد. نحن أمام فيلم متطرف سينمائياً، منحاز إلى لقطة المشهد، ومبني على المكان. يستعين تارة بقصة نيتشه الشهيرة في زيارته لتورينو الإيطالية أواخر القرن التاسع عشر. هناك التقى مصادفةً بحصان عنيد، يرفض الحركة، رغم سوط صاحبه المنهال عليه بلا هوادة. نعرف أنّ نيتشه ارتمى على ظهر الحصان باكياً، وكانت تلك بدايةً لعقد كامل من الجنون والهلوسة عاشه الفيلسوف الألماني حتى آخر أيامه.

هذا ما حدث لنيتشه، لكن ما الذي حلّ بالحصان؟ هذا السؤال سيكون معبراً إلى فيلم يتتبع ثلاث شخصيات: الحصان، صاحب الحصان وابنته. يعيش الثلاثة في مكان ناءٍ، وبيت بدائي متآكل، لا تدخله إلا الرياح العاتية. منذ اللقطة الافتتاحية المدهشة لحصان يجرّ عربة، سيمتدّ السرد على سبعة أيام. يترجم كلّ يوم سينمائياً بمجموعة لقطات طويلة عن حياة ذاك الرجل وابنته، وما تنطوي عليه أيامهما من تكرار ورتابة... بل إن لقطات كثيرة ستكون مكرَّرة، وصولاً إلى اليوم السابع. وعكس الأسطورة الدينية لخلق العالم في سبعة أيام، ستكون أيام بلّا تار السبعة أياماً لفناء كلّ شيء، في تراجيديا مبنية على معاناة الحصان المحتضر.

من جهته، حصد السينمائي الألماني أندريه فيل «جائزة ألفرد باور» الممنوحة تيمّناً بمؤسس المهرجان، عن فيلمه «إن لم نكن نحن، فمن؟». استوقف هذا الشريط النقاد، من خلال استعادته لحقبة حساسة في التاريخ الألماني الحديث، وتحديداً مرحلة «الجيش الأحمر/ جماعة بادر ـــــ ماينهوف»، وحركات اليسار الراديكالي الألماني. في أوّل أفلامه الروائية، بعد سلسلة أعمال وثائقية، يقدّم فيل رصداً سينمائياً استثنائياً لجيل ما بعد الحرب العالمية الثانية. يتناول الشريط الكاتب والناشر بيرنوارد فيسبر (أوغست ديل) وزوجته وتر انسلين ( لينا لوتار) التي تنخرط في العمل الثوري، هاجرة فيسبر وابنها، في علاقة يتجاذبها الحب الجنوني والخيانات. شبح هتلر يلاحق بيرنوارد، بسبب ماضي والده النازي، وتمضي الأحداث على وقع الحراك الثقافي والثوري في ستينيات برلين الغربية، وما فيها من أدب وفن... وحالة يأس تعقب الأحلام وتفضي إلى الانتحار.

جوائز المهرجان

إلى جانب «الدب الذهبي» حصد «انفصال نادر وسيمين» جائزتي أفضل أداء نسائي وأفضل أداء رجالي لمجمل ممثلاته وممثليه. وقالت رئيسة لجنة تحكيم المسابقة الرسميّة، الممثلة الإيطالية إيزابيلا روسيليني، إن قرار منح الفيلم الجوائز الثلاث اتخذ بالإجماع.وإلى جانب بلّا تار الفائز بـ«الدب الفضي ـــــ جائزة لجنة التحكيم» عن «حصان تورينو»، حصد السينمائي الألماني الشاب أولريش كولر جائزة «الدب الفضي ـــــ أفضل إخراج» عن فيلمه «مرض النعاس»، وفيه يتطرّق إلى قضية الناشطين في مجال التنمية في دول العالم الثالث.

وحصل الأميركيان جوشوا مارستون وأنداميون موراتاي على جائزة «الدب الفضي» لأفضل سيناريو، عن فيلمهما «غفران الدم». أما جوائز فئة الأفلام القصيرة، فكانت كاملةً من نصيب كوريا الجنوبية، إذ نال الأخوان شان ووك وشان كيونغ بارك «الدب الذهبي» عن «ليلة الصيد»، فيما نالت مواطنتهما المخرجة هيو جو يانغ جائزة «الدب الفضي» عن شريطها «الليل المكسور».

 

الإمارات اليوم في

21.02.2011

 
 
 
 
 

مهرجان برلين السينمائي الدولي (9):

فوز فيلم إيراني بجائزة الدب الذهبي يثير الجدل في برلين

محمد رُضا

سنوات ضوئية

* الكاميرا غير الخفية

* ما زلت على اعتقادي وبل يزداد هذا الاعتقاد رسوخا: معظم من يستخدم الكاميرا كما لو كان يحرك أصبعه في الهواء يفعل ذلك لأنه لا حس فنيا لديه يرشده إلى كيف يستخدم الكاميرا لصالح الفيلم. في أفلام هؤلاء تتحرك الكاميرا كما لو كانت الجزرة أمام المشاهد. تلهث. تصعد. تهبط. تستدير يمينا أو يسارا. ترتجف. تهتز وكل ذلك باسم الواقعية أو «الطبيعية».

الحقيقة هي أن تأطير اللقطة، وإضاءتها، وتحديد حجمها وزاويتها، والانتقال من لقطة إلى أخرى ضمن منهج فني، أمر غير سهل على الإطلاق. صحيح أن القرار في التصوير يتخذه مدير التصوير، لكن هذا يعمل بمقتضى منهج المخرج وكيف يعالج موضوعه الدرامي ولأي غاية. المخرج الذي لا يعرف كيف يوضب لقطاته وبالتالي مشاهده، سيجد من السهولة بمكان كبير أن يطلب من مدير تصويره أن يحمل الكاميرا واللهاث وراء الممثل حينا وأمامه حينا ثم تركه ورمي نظرة على المكان وربما على سيارة مارة أو امرأة ترمي مياها وسخة في الشارع قبل أن تستدير في عودة إلى الممثل.. كل ذلك من دون دواع فعلية.

في أحد الأفلام التي شاهدتها مؤخرا تنحدر الكاميرا من الممثل السائر في الطريق لكي تتبع حذاءه الأيسر. لماذا؟

ما يفعله مثل هذا المخرج هو الطلب من المشاهد النظر إلى الفيلم من خلال الكاميرا وليس مباشرة، بينما لا شيء علي الإطلاق؛ حتى التمثيل أو الإخراج، يجب أن ينزع نحو معاملة نافرة متدخلا بين الجمهور وفيلمه، فما البال بالتصوير؟

* الدب الذهبي بلون أخضر: أخيرا فازت السياسة

* كما انقسم الحضور حيال فيلم «نادر وسيمين» حين عرضه، انقسموا ثانية حين إعلان النتائج.

الانقسام الأول كان تبعا لمشاهدة الفيلم. كثيرون أحبوا الفيلم لخصاله الفنية والخطابية، وكثيرين أيضا اعتبروه فيلما جيد الصنع، إنما ليس بالجودة التي يدعيها الفريق الأول.

الانقسام الثاني تبع إعلان جوائز الدورة الحادية والستين الحالية مساء التاسع عشر من الشهر الحالي. صفق البعض وصفر البعض، لكن إذا ما كانت الغالبية بالعددية، فإن عدد المصفقين غلب على عدد المصفرين.

المشكلة هي أن الفيلم، الذي هو دراما اجتماعية حول تبعات الانفصال لزوجين قررا أن طريق كل منهما يختلف عن الآخر، يصب في وسط وضع سياسي ساخن يحيط بالوضع الشامل لمنطقة الشرق الأوسط. ومع أن لجنة التحكيم لم تشر إليه، إلا أنه كان هناك على المنصة كما كان هناك حينما تم عرض ذلك الفيلم وفي كل يوم آخر.

وبما أن ما يحدث في إيران حاضر بقوة، فإن منح الفيلم جائزة الدب الذهبي كان فعلا سياسيا أكثر منه أي شيء آخر. الأمل، لا بد داعب المهرجان ولجنة التحكيم، هو أن يحرج ذلك الحكومة الإيرانية ويرد على قرارها بحرمان جعفر بناهي من السفر. ففي نهاية الأمر، كان من المفترض بالمخرج الإيراني المقيد إلى قرار بإدانته لفيلم لم يحققه بعد، أن يشترك في لجنة التحكيم التي ترأستها الممثلة الإيطالية إيزابيلا روسيليني، وقرار بمنح الفيلم الإيراني «نادر وسيمين» الجائزة الأولى (وجائزتي أفضل تمثيل نسائي وأفضل تمثيل رجالي) هو من باب الرد من ناحية، ومن باب التعاطف مع منتقدي النظام؛ هذا على الرغم من أن «نادر وسيمين» لا ينتقد شيئا. إنه ليس فيلما سياسيا ولا يهدف إلى أن يكون؛ وإلا لما سُمح له بالانتقال إلى المهرجان الحالي.

لكن السؤال عما إذا كان فوز هذا الفيلم الدرامي الاجتماعي الذي لا بأس بمستواه (أخرجه أصغر فارهادي الذي سبق له أن أخرج فيلما لافتا أيضا بعنوان «حول إيلي») سيحرج فعلا نظاما ماضيا في تعسف الناس والمثقفين وأهل المهنة السينمائية. بالتالي، من هو الذي يضحك أخيرا: مهرجان برلين معتقدا أنه أسدى للنظام ضربة ما؟ أم النظام الذي نال الجائزة رغم كل شيء؟

المضحك - المؤلم هو أن نيل الجائزة أمر معنوي لا حجم تأثيريا له على الإطلاق، وأن أصغر فارهادي فاز على كتفي مخرج آخر اضطرته الظروف لكي يبقى في مكانه غير قادر، كما قال في رسالته إلى المهرجان، إلا على الحلم. فكيف يمكن أن يساعده فوز فيلم إيراني باستثناء مباركته الطيبة؟

* محن عائلية

* الأمر الآخر هو التالي: فيلم أصغر فارهادي عبارة عن موضوع جيد معالج بإدارة فنية مركبة، لكنه ليس خرقا للمعتاد الفني. الفيلم الثاني في عداد الفائزين هو «حصان تورينو» الذي لم يتضمن المهرجان ما يتجاوزه من حسنات فنية وطريقة تنفيذ. موضوع من خارج العالم الذي نعيش فيه يلتقي وشجون شخصياته الإنسانية البسيطة. ومعالجة سينمائية تصر على الصعب وتصهره في جماليات رائعة.

النتيجة التي توصلت إليها لجنة التحكيم لا يمكن أن تكون كما جاءت لو أنها حكمت على النواحي الفنية وحدها وتركت السياسة للنظم وأهل تلك المهنة، لكن مرة أخرى، ولن تكون الأخيرة، تغلب ما يعتقد بأنه مصلحة سياسية على ما هو سينمائي بحت. طبعا كان من الأسوأ أن ينال فيلم آخر الجائزة الأولى أو الثانية. أفلام المسابقة هذا العام كثير منها لم يرتق إلى المستوى الجيد الذي تعودناه من المهرجان. الغالبية كانت على قدر معين من الجودة لا ترتفع عنه، بما في ذلك الأفلام الألمانية التي قيل فيها (على الورق) إنها تعبر عن سنة قوية من الإنتاجات. أحد هذه الأفلام «إذا لم نكن نحن، من؟»: دراما اجتماعية عن كيف انساق الشباب الألماني في الستينات إلى حياة من البذخ العاطفي والسياسي، خالطين بين الجنس والمخدرات والسياسة. إذا ما كان الفيلم أراد التعبير عن فترة، فهو سقط في الانضمام إلى التأطير وخوض التاريخ كما يقرأه. قائم على الحوار وخال من فرص تعبير حقيقية، لكنه ليس رديء الصنع مطلقا، بل عادي في طريقة سرده لدرجة لا تخلو من الملل.

الفيلم التركي «يأسنا الكبير» لسيفي تيومان أفضل حالا لكن ليس بكثير. كذلك أفضل حالا من الفيلم التركي الذي شوهد في مطلع هذه الدورة لياسمين سمدريللي. إنه حول صديقين من سنوات بعيدة يستقبلان شقيقة صديق ثالث لتعيش معهما في الشقة الكبيرة الهادئة شرط تركها وشأنها وعدم التعرض لها، وذلك إثر محنة عائلية وقعت لها. لكن كل منهما واقع في حبها لا محالة. الفيلم من هنا يرصد تغير حالتهما السابقة. ليس أن الصديقين يتعاديان بسببها، لكن بالطبع هناك تلك اللحظات التي يود كل منهما لو أنها تحبه هو. فيلم تيومان بذلك دراما عاطفية مثيرة للاهتمام ومشغولة بحس كلاسيكي هادئ بلا مغامرات فنية أو أسلوب عمل لافت.

«أودم» الإسرائيلي (أيضا من المنطقة ذاتها التي ضمت هذا العام تركيا وإيران وإسرائيل) عن المرأتين الفلسطينيتين اللتين تلتقيان في لندن بعد طول غياب وتسردان، كل للأخرى ولنا، مزيجا من الذكريات العاطفية وتمران على أحداث ومواقف سياسية عانتا منها حينما كانتا تعيشان في رام الله. مرة أخرى، نجد الموضوع المهم المعبر عنه بجفاف فني على يدي المخرج جوناثان ساغال على الرغم من صدق رغبته في وصم الاحتلال الإسرائيلي بالاغتصاب رابطا ما حدث لهما بما يحدث للأرض الفلسطينية.

* انفجارشرنوبل

* أما باقي الأفلام الآتية من دول أوروبية فبعضها لم يكن يخلو من تحديات، لكن الهدف ضاع عليها فلم تصبه. المثال الأوضح هو فيلم «سبت بريء» للروسي ألكسندر ميندازه حول ربيع سنة 1986 عندما اشتعل الأفق في شرنوبل بلون برتقالي بعدما انفجرت محطة شرنوبل فجأة. الفيلم يقع في يوم واحد حيث يحاول بطل الفيلم (أنطون شاغان) إنقاذ نفسه وصديقته وحين تفوتهما الفرصة ينضمان إلى حفلة عرس تقام على الرغم من كل المخاطر الصحية التي يعلم الجميع مداها. من نصف ساعة أولى تعد بعمل صارخ، إلى ساعة لاحقة يقضيها المخرج في فوضى من الصورة والصوت. الأولى تصبح لهاثا لا طائل منه، والثانية ضجيجا يشبه ذلك الذي ينتج عادة عن أصوات طحن نحاسية ممتزجة مع صوت موتور قطار قديم سقطت سماعات الصوت في داخله.

وبالأمس، قبل النتائج عرض فيلم ألباني، وهي المرة الأولى في تاريخ المهرجان الذي يتم فيه عرض فيلم من هناك: إنه «غفران من الدم» لجوشوا مارستون (أميركي) عن ثأر بين عائلتين في قرية ألبانية ومعاناة بطل الفيلم الشاب جراء هذا الوضع، وأيضا معاناة شقيقته التي عليها أن تبيع الخبر بدلا من أبيها الهارب خوفا من القتل. كل ما كان يحتاجه هذا الفيلم هو شيء من البعد الاجتماعي الأوسع للحالة التي يرصدها لأن الحكاية كما هي لا تخرج عن نطاق قصة عادية معزولة عن محيطها قدر الإمكان. فيلم جيد، كما الحال مع الفيلم التركي «يأسنا الكبير» ومثله أيضا يبقى محدود الطموحات والنتائج. وفي حين نال «نادر وسيمين» الدب الذهبي وتبعه «حصان تورينو» حاصدا الدب الفضي، نال، كما ذكرنا، فريق ممثلي الفيلم الأول، ذكورا وإناثا، جائزتي التمثيل. أما جائزة أفضل مخرج فذهبت للألماني أولريخ كولر عن «مرض النوم» الذي تدور أحداثه في أفريقيا حول امرأة ألمانية تجد أن عمل زوجها هناك يباعدها عنه. وكالعادة، ذهبت جائزة السيناريو للفكرة وليس لحيثيات الكتابة وبذلك نالها «غفران من الدم» علما بأن بعض قصوره عائد إلى السيناريو ذاته. في مجال التصوير حصد ووجيش ستارون الجائزة في هذا المجال وهو الذي صور فيلم «الجائزة»، أحد تلك الأفلام المصنوعة بكاميرا مهزوزة.

 

الشرق الأوسط في

21.02.2011

 
 
 
 
 

انفصال نادر وسيمين الإيراني ينتزع الدب الذهبي في برلين

فاز بالجائزة الكبرى وجائزتي دب فضي لمجموع الممثلين في الفيلم

(برلين - أ ف ب)

حصد فيلم 'انفصال نادر وسيمين' للمخرج الإيراني أصغر فرهادي الجوائز الرئيسية في الدورة الحادية والستين لمهرجان برلين، بفوزه بالدب الذهبي، فضلا عن جائزتي دب فضي لأفضل ممثلة وأفضل ممثل لمجموع الممثلين في الفيلم.

ابتسم الحظ للمخرج الإيراني أصغر فرهادي في مهرجان برلين السينمائي في دورته الحادية والستين، حيث حصد فيلمه «انفصال نادر وسيمين» جائزة الدب الذهبي لأفضل فيلم وجائزتي دب فضي لمجموع ممثليه.

وهذه النتيجة لم تشكل مفاجأة لأحد من متابعي المهرجان، فقد رشح أكبر النقاد الفيلم لنيل الجائزة الأبرز، نظرا إلى الهم الإنساني الذي يحمله، ولمعالجته بواقعية وذكاء أزمات المجتمع الإيراني اليوم. ونال الفيلم ثلاث جوائز رسمية في برلين وجائزتين جانبيتين. وقال فرهادي لدى تسلمه الجائزة: «ما كنت لأفكر أني سأفوز بالجائزة... في المرة الأخيرة التي كنت فيها في المهرجان لم أكن لأعتقد أني سأعتلي مجددا هذا المسرح». وسبق لفرهادي أن فاز بجائزة الدب الفضي كأفضل مخرج في مهرجان برلين عن فيلم «عن إيلي» عام 2009. وأضاف: «أود أن أستغل هذه الفرصة لأتوجه بتفكيري الى شعب بلادي، البلد الذي كبرت فيه وتعلمت التاريخ».

وتابع: «إنه شعب كبير، إنه شعب صبور وشعب طيب. أتوجه بتفكيري الى جعفر بناهي. وأظن فعلا أن مشاكله ستحل قريبا، وأنه سيتمكن من المجيء الى هنا العام المقبل».

وبعد توزيع الجوائز قال للصحافيين: «أنا سينمائي ولست بطلا. لو تفوهت بكلام سياسي على المسرح هل كان ذلك ليغير شيئا؟ إلا أن فيلمي يمكنه أن يغير شيئا».

ويصور الشريط بواقعية شديدة وبذكاء في المعالجة، لا تبتعد عن بساطة الطرح وقوة الحجة لمختلف الأطراف، حيث لا ينحاز المخرج لأي طرف، بل يصور مأزق الفرد ومحاولته الدائمة إيجاد حلول يخرجه من التمزق الذي يعيشه.

يطرح الفيلم أسئلة أكثر مما يقدم إجابات لينحاز أولا للإنسان، ويطل ليس فقط على هموم المجتمع الإيراني، بل على هم إنساني شامل يتمثل في تمزق زوجين تحت ضغط الحياة الحديثة ومتطلباتها.

وينطوي «انفصال نادر وسيمين» على حس إنساني رفيع، ويلامس العديد من القضايا مثل علاقة الأجيال ببعضها والوحدة والمرض والانفصال وحسن وسوء الأفعال وتضامن الأسرة وتفككها، حيث إن إيران بلد ترتفع فيه نسبة الطلاق بشكل كبير. وكان المخرج أصغر فرهادي اعتبر أن فيلمه «دعوة إلى إعادة النظر في منظومة الأخلاقيات التي تحكم المجتمع»، وهو ينتقد القوانين وكيفية تطبيقها بطريقة آلية من قبل قضاة يعالجون القضايا الاجتماعية بشكل بيروقراطي دون التفات الى الظروف التي تحكم الشخص الذين يقاضونه. كذلك ينتقد العلاقة بالدين الذي يحول أحيانا دون الالتفات الى حلول عملية في الحياة اليومية، حيث تبدو أحكام التقليد والدين عبثية في مواجهة الواقع.

ويعتبر أصغر فرهادي من أكبر المواهب في السينما الإيرانية في جيله. ومنحت لجنة التحكيم، التي ترأستها الممثلة الايطالية - الأميركية إيزابيللا روسيليني، وغاب عنها المخرج الإيراني جعفر بناهي بسبب منعه من مغادرة البلاد، جائزتها الكبرى لفيلم المجري بيلا تار «حصان تورينو» الذي صور بالأبيض والأسود على مدى ساعتين ونصف الساعة، عملا ميتافيزيقيا خاصا.

ويرتكز الفيلم على حادثة أساسية في حياة الفيلسوف الألماني فريديريك نيتشه دفعته إلى الصمت طوال السنوات التي سبقت موته حين رأى أمامه حوذيا يضرب حصانه الذي يرفض التحرك فيحيط بجسمه الحصان كي يمنع الحوذي من مواصلة ضربه.

أفضل سيناريو

منحت لجنة التحكيم جائزة الدب الفضي لأفضل سيناريو لفيلم المخرج الأميركي-الألباني جوشوا مارستون عن فيلمه «فدية الدم» الذي يتناول قضية الثأر في المجتمع الألباني، من خلال قصة عائلة تعيش مأساة حقيقية بسبب ضلوع الأب في حادثة قتل، ما يعرض حياة ذكور العائلة للخطر ويحطم عالمهم المستند الى الكثير من تقنيات التواصل رغم عيشهم في قرية نائية.

أفضل مخرج

كذلك كافأت لجنة التحكيم المخرج الألماني أورليخ كوهلر بجائزة الدب الفضي لأفضل مخرج عن فيلمه «مرض النعاس» الذي تدور أحداثه في القارة السمراء، ويناقش مسألة فائدة المساعدات الأوروبية الطبية للقارة.

ومنحت جائزة ألفريد بوير مؤسس مهرجان برلين لأفضل عمل تجديدي للمخرج الألماني أندرس فييل عن فيلمه «من أذن إذا لم نكن نحن؟» الذي يتناول بروح ساخرة وحس عال بالمسؤولية حياة مجموعة من الشباب الألمانيين المنتمين إلى اليسار المتطرف، عارضا مصيره في مرحلة الستينيات والسبعينيات خصوصا، لكن مع ربط ذلك بالماضي النازي لألمانيا وما ورثوه من ذلك الماضي عن جيل الآباء.

ولقي هذا الفيلم المستند الى الكثير من الوثائق لمخرجه الآتي الى السينما من عالم الوثائقي الكثير من الإعجاب من جمهور المهرجان والنقاد على حد سواء.

وينتمي الفيلم الى أعمال مجموعة من المخرجين في ألمانيا يعيدون النظر بتاريخهم المعاصر، مسلطين الضوء على كثير من الجوانب المنسية في هذا التاريخ.

وبدت لجنة التحكيم في برلين جذرية في خياراتها حين لم تلتفت الى أفلام نالت الإعجاب مثل أعمال ثلاثية الأبعاد كفيلم التحريك الفرنسي الرائع والشاعري «حكايات الليل» لميشال أوسلو.

 

الجريدة الكويتية في

22.02.2011

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004