كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

ملفات خاصة

 
 
 

مهرجان برلين السينمائي الدولي (4)

روسيليني نقطة الوسط بين أطراف لجنة التحكيم.. ومستقبل مشاركة الأفلام العربية غامض

محمد رُضا

مهرجان برلين السينمائي الدولي

الدورة الحادية والستون

   
 
 
 
 
 
 

* اللقطة الأولى

* لماذا لن تقوم للسينما العربية قائمة؟

* في صميم الجواب مباشرة: لأننا لا نملك سوقا موحدة لعرض إنتاجاتنا في الداخل وإنجاز حركة تمويل فاعلة على صعيد الدول العربية المختلفة.

هذا السؤال وجوابه مستلهم من دورة مهرجان فيها أفلام من معظم أنحاء العالم المنتج، باستثناء الدول العربية المتعددة (باستثناء فيلمين قصيرين). أما لماذا لا نملك هذه السوق فالحديث يطول ولو أنه من الممكن اختصاره أيضا: إذا لم يكن السبب التشرذم القائم بين بعض هذه الدول، فبسبب عدم وجود إنتاجات مشتركة، وإذا لم يكن بسبب عدم وجود إنتاجات مشتركة، فلأنه لا توجد هيئات ومؤسسات خاصة تعمل بلغة: اعمل محليا وفكر عالميا.

لا يمكن مقارعة هوليوود، لكن يمكن تكوين سينما تستفيد من المعطيات اللغوية المشتركة. السينما الإسبانية لديها سوق داخلية كبيرة، لكن سينماها تسافر إلى معظم بقاع أميركا اللاتينية وتستمد من اللغة التي تجمعها بالقارة هناك (باستثناء البرازيل التي تتحدث البرتغالية وبعض البقع الفرنسية التأثير) مخزونا إضافيا تحقق عبره مزيدا من الانتشار وبالتالي من الإيرادات.

إلى ذلك، ليس هناك مثل هذا الطموح. السينمائي العربي ما زال يؤمن بالعمل منفردا. قليلون هم الذين يرتبطون هذه الأيام بتيارات أو يحلقون كسرب واحد في فضاء الفن، كما كان الحال عندما ألف غالب شعث وعلي عبد الخالق «جماعة السينما المستقلة» في السبعينات، أو حين التأم شمل محمد خان وعاطف الطيب وبشير الديك في شلة عمل سموها «أفلام الصحبة».

العمل منفردا يسهل التقوقع على ما هو أقل تحديا وتأثيرا على أساس أن المخرج أو الممثل أو الكاتب أو أيا من سواهم سوف يسعى لتفسير وممارسة السينما على النحو المعتاد وليس على النحو الصحيح بالضرورة.

وفي حين تعلم النظم الإنتاجية والصناعية معاني الالتزام والتحدي والعمل الجماعي، فإن السينما العربية تبقى داخل سياجها وبما تيسر من أعمال. وباستثناء السينما المصرية، فإن الفيلم الأول لمخرج عربي ما قد يكون الأخير، أو في أحسن الأحوال سيبقى الوحيد لبضع سنوات قبل أن تثمر جهوده عن جهات تمويلية داعمة.

مثال واحد ربما كان كافيا: رضا الباهي، مخرج تونسي كان قادرا في النصف الثاني من السبعينات وحتى نهاية الثمانينات على تحقيق فيلم جديد كل سنتين إلى ثلاث. هذا حين كانت سينما شمال أفريقيا ومخرجوها ما زالوا يثيرون اهتمام الفرنسيين.

في عام 2002، أي قبل تسع سنوات أنجز «صندوق عجب» ومن حينها صور مشاهد من فيلم عانى من مشاقه، هو «براندو براندو» ولا يزال يعمل فيه حتى الآن.

عندنا كل سينما تريد أن تقوم بذاتها على الرغم من أن المقومات المحلية غير كافية. إذا أخذت السينما اللبنانية التي تنشط حينا وتمر بفترة جفاف حينا آخر، تجد أنها لا تملك ما يكفي من حجم مشاهدين محليين مما يجعلها تتوق للعروض الفرنسية وبعض الأوروبية الأخرى، وهذا ليس سبيلا لخلق صناعة سينمائية. أما الأفلام العراقية المنتجة فحالها اليوم أسوأ مما كانت عليه بالأمس نظرا لأن الدعم الحكومي مفقود. ذلك الدعم كان يعوض قليلا (وبغض النظر عن الرسالات السياسية التي إن لم تسر في هذا الاتجاه سارت في سواه). الآن على الفيلم العراقي أن يجول بين عواصم أوروبية وعربية لكي يجمع تكلفة إنتاجه وغالبا ما يخفق في استردادها من عروضه مهما اتسعت. يعرض فيلم «ابن بابل» لمحمد الدراجي في نيويورك، لكن لن تجده بين الأفلام الخمسين الأكثر إيرادا. لن تجده في لائحة مجلة «فاراياتي» المؤلفة من 105 أفلام.

كل ذلك مدعاة للأسف، لكنه واقع يجيب عن السؤال المطروح الذي يشعر به هذا الناقد كلما وجد نفسه يبحلق في أفلام المسابقة، غثها وسمينها، متمنيا لو أن فيلما عربيا يمزق المتوقع ويصل إلى هذا المحفل أو ذاك.

1. Sandok.jpg

* إيزابيلا روسيليني: من معطف أبيها إلى رئاسة لجنة التحكيم

* بينما لا يزال مكان المخرج الإيراني جعفر بناهي، وسط لجنة التحكيم شاغرا بانتظار أن تسمح له سلطات بلاده بالسفر لكي يشغله (وهي لن تسمح) تقوم الممثلة إيزابيلا روسيليني بمهامها كرئيسة لجنة تحكيم روعي فيها أن تستوعب التنويع التقليدي، ففيها الممثل، والمخرج والمنتج والمنتمي إلى جسد فني ملهم آخر لا يمكن الاستغناء عنه في السينما. فإلى جانب روسيليني كممثلة، هناك الممثلة الألمانية نينا هوس، والمخرج الكندي غاي مادن والمنتجة الأسترالية جان تشامبان والممثل الهندي أمير خان ومصممة الأزياء الأميركية ساندي باول.

كيف سيتم لهذه النخبة التي لا يجمعها إلا المنهج العريض للعمل السينمائي، الاتفاق على الجوائز هو أمر لا يمكن معرفته ما دام أن السجالات والنقاشات ستكون، كما الحال دائما، منغلقة وستبقى سرية. لكن السؤال جائز: غاي مادن مخرج مستقل بأفكار مجنونة، أمير خان من صلب السينما الهندية التجارية، نينا هوس ممثلة موهوبة من منتصف التسعينات، أما المنتجة تشامبان فهي تعمل باختيارها مع المخرجة النيوزيلندية جين كامبيون ذات الأسلوب المناهض تماما لأسلوب غاي مادن، ولو كان جعفر بناهي هنا لاكتمل التشرذم على الآخر.

لكن روسيليني لديها خبرة التأقلم والمثابرة والصبر الطويل. حين كانت في الثالثة عشرة من عمرها أصيبت بمرض اسمه «الجنف» يصيب خلايا الجسم فينهك البدن بأسره. لثمانية عشر شهرا بقيت تخضع للعمليات والمراحل الطويلة للاستشفاء ولجبس بحجم جسمها النحيل، قبل أن تخرج من التجربة وقد انتصرت على حالتها لتنتقل إلى عرض الأزياء والتمثيل بعد سنوات قليلة.

إنها ابنة المخرج روبرتو روسيليني، أحد رواد السينما الواقعية الجديدة في إيطاليا من الممثلة الأميركية إنغريد برغمن. هي نصف توأم (ولدت قبل شقيقتها إيزوتا بثلاثين دقيقة). وفي حين توجهت إيزوتا حين كبرت إلى الأدب الإيطالي فتعلمته ثم درسته، جذبت الأضواء ابنة السينما إليها عن طريق عرض الأزياء والعمل مع شركات الدعاية للمساحيق. في سنة 1976، حين كانت في الرابعة والعشرين من عمرها، التحقت بوالدتها التي كانت على أهبة التمثيل في فيلم درامي من إخراج المعروف فنسنت مانيللي بعنوان «مسألة وقت». كانت أقل الممثلين، وبينهم إلى جانب والدتها ليزا مانيللي وتشارلز بوير وفرناندو راي، شهرة. لكنها لفتت الأنظار مما جعلها تبقى في الوسط الفني منذ ذلك الحين وإلى اليوم.

لم تمض إلا سنوات قليلة حتى وجدناها في بطولة فيلم «ليالي بيضاء» لتايلور هاكفورد، لاعبة دور صديقة راقص الباليه ميخائيل بارشينكوف في قصة هروب من خلف الستار الأحمر للنظام الشيوعي إلى الحرية. ورد هذا الفيلم الدعائي سنة 1985 وحقق نجاحا لا بأس به علي المستوى التجاري، لكن الفيلم الذي أنجز لها خدمة فنية لائقة كان فيلم ديفيد لينش المثقل بالإيحاءات الغامضة والأجواء الساخرة والداكنة معا «مخمل أزرق» لجانبها في الأدوار الرئيسية دين ستوكول وكايل مكلاكلن ودنيس هوبر ولورا ديرن وجميعهم أموا العرض الذي أقيم للفيلم في مهرجان كان السينمائي سنة 1986 وبعد أربع سنوات ظهرت في فيلم آخر للينش هو «قلوب طائشة» أو حسب عنوانه الأصلي Wild at Heart ما بين الفيلمين مثلت إيزابيلا ستة أعمال إيطالية وأميركية، لكن أيا منها لم يحقق نجاحا مميزا. وهذا استمر لما بعد «قلوب طائشة» ليس لأنها ليست موهوبة الأداء، بل لأن المشاريع المسندة إليها لم تحفل إلا نادرا بالمعالجة الفنية الصارمة التي تستطيع الإفادة منها كما الحال في فيلمي لينش المذكورين.

لا يمكن بالطبع لقاء أي عضو في لجنة التحكيم لكن لو كان ذلك ممكنا لسألها الناقد عن فيلمها الذي انتهت من تصويره مؤخرا بعنوان «دجاج بثمر الخوخ»، ليس لعنوانه الغريب بل لأنها تؤدي فيه زوجة شخص اسمه ناصر علي (يقوم به ماثيو أمالريك)، وأحد ممثلي الفيلم هو الجزائري الأصل جمال دبوس. وهذا ليس كل جديدها، لديها فيلم تم تصويره في فرنسا بعنوان «ينوع متأخر» Late Bloomers يقود بطولته الأميركي ويليام هيرت وآخر كندي عنوانه «ثقب المفتاح» Keyhole تم تصويره في كندا.. وهنا بيت القصيد: «ثقب الباب» من إخراج غاي مادن.. أوه.. فما الذي يمكن لنا أن نستوحيه من هذه العلاقة المهنية؟ هل ستتمدد باتجاه جبهة موحدة، أو أنهما أوعى من أن يدخلا في لعبة تراض مسبق؟

* أفلام اليوم:

Almanya ألمانيا إخراج: ياسمين سامدريللي تمثيل: فيدت أرنسن، فخري ياردم، ليلايي هاوسر كوميديا/ تركيا/ المسابقة

* من المحتمل أن يكون اختيار فيلم «ألمانيا» كان له وقع مفاجئ على مخرجته التركية ياسمين سامدريللي، إلا إذا كانت اعتقدت أنها حققت إنجازا مهما بالفعل. نعم هو فيلم يتعامل وأوجاع الهجرة والمهاجرين واختلاف الثقافات، ونعم لديها أفكار مثيرة للاهتمام في هذا الخصوص كما في طريقة وتوقيت المشاهد المثيرة للفكاهة، لكن الفيلم ليس فيلم مهرجانات ولا يجب أن يكون.

بالنسبة لنقاد غربيين، فإن المرء يفهم حماستهم للفيلم على أساس أنه معالجة ترفيهية لموضوع مهم، وهو بالفعل كذلك، لكن هذا لا يعني بحد ذاته نجاحا للمعالجة نفسها. القصة التي كتبتها المخرجة نفسها تنتقل من الستينات إلى اليوم وتعود إلى الوراء ثم تتقدم إلى الأمام بسلاسة في بعض الأحيان، وعلى نحو قفزات غير مجدية في أحيان أخرى.

بداية موفقة مع مزج من لقطات تبدو موثقة إلى أخرى حية نتعرف فيها على حسين (فيدت أرنسن) حال وصوله إلى ألمانيا مهاجرا من بلدته الأناضولية، ثم ننتقل إليه في الزمن الحاضر وقد أصبح كبير السن يمني النفس بالعودة إلى بلدته. في بداية الأمر يطرح موضوع البقاء مع عائلته الكبيرة التي تحتوي على أولاده وزوجاتهم وأحفاده كما على زوجته، لكنه لاحقا ما يذكر أنه قصد تمضية الصيف فقط. من حفلة الغداء المعجوقة وذات التنفيذ المسرحي إلى حكايته قبل وصوله إلى ألمانيا أول مرة وكيف أحب تلك المرأة التي تزوج منها لاحقا وأنجب. ثم إلى الحاضر قليلا، ثم إلى تكملة الخط التاريخي حيث عودته من ألمانيا ليعود بزوجته، وأولاده الصغار الثلاثة إلى ألمانيا حيث يتم فتح فصل جديد هنا مع استمرار تناوب الأحداث. الفيلم يغطس تحت ثقل هذه التنقلات بالتدريج حتى إذا ما انتقل لمواصلة حكاية قرار حسين العودة بأسرته الواسعة في الزمن الحالي إلى تركيا، هبطت الوتيرة ومضى الجزء ما قبل الأخير من الفيلم كمتابعات باهتة التأثير. المجموعة المختارة من الممثلين جيدين، خصوصا بالنسبة لشخصيتي الجد وزوجته. وهناك في النصف الأول من الفيلم تقع أفضل الملاحظات بالنسبة للاختلاف الثقافي بين الأتراك المسلمين والألمان المسيحيين بعضها على شكل كابوس يتراءى للجد في اليوم الذي سيحصل على جواز سفر ألماني، إذ يحلم بأن المسؤول عن تسليم جوازات سفره يقول له: «من الآن وصاعدا سيكون عليك أن تشرب البيرة وتأكل لحم الخنزير مرتين في الأسبوع» ثم يقدم للتركيين صحنين من اللحم فيتردد في حين لا تمانع زوجته الطعام على أساس حماسها لنيل الهوية الألمانية. مشهد طريف يخدم تعليقا تركيا على الفواصل الاجتماعية التي يتعرفون إليها في حياتهم الغربية.

احتمالات الفوز: دون المعتدلة على عكس فيلم «عسل» التركي (بكل أحداثه) الذي نال ذهبية مهرجان برلين في العام الماضي.

* الجائزة/ The Prize إخراج: باولا ماركوفيتش تمثيل: باولا غالينيللي هرتزوغ، لورا أغوريكا المكسيك/ بولندا/ ألمانيا - المسابقة

* يقوم هذا الفيلم على ملاحظة تفاصيل كثيرة وعلى نحو دائم. رغم ذلك، فإن أحد أهم نقاط ضعفه هو أن تلك التفاصيل (الواقعية) ليست واقعية تماما. المخرج ماركوفيتش تعيش في المكسيك حاليا، لكن فيلمها الذي يحمل أعلام دول كثيرة (ولو أنه مقدم باسم المكسيك) يتحدث عن تجربة عايشتها حين كانت في السابعة من عمرها ولجأت ووالدتها إلى الشاطئ هربا من حكم العسكر في تشيلي حيث ولدت.

إنه حول أم (أغوريكا) وابنتها الصغيرة (هرتزوغ) اللتين تعيشان، لسبب يتم الكشف عنه لاحقا، على شاطئ أرجنتيني معزول وكئيب. والكآبة هنا شرط مفروض على الفيلم ويؤدي دوره في هذا النطاق وبالتلاؤم مع كم من الكآبة التي يتم تقديم الأحداث من خلالها من دون تمييز. على ذلك الشاطئ، هيكل لبيت مهجور اتخذته الأم منزلا. الهواء يصفع النوافذ والباب مرتفع عن الأرض ما يسمح بالمطر النفاذ إلى داخل البيت والأثاث أقل من بسيط. سنعلم لاحقا أن المرأة هاربة من الفاشيين (خلال السبعينات ولو أن الفيلم لا يذكر ذلك صراحة) وأن زوجها (أب الفتاة) لا بد أنه قتل. لكن حين تبدأ الفتاة بالالتحاق بمدرسة قريبة تتفق معها والدتها على ألا تذكر شيئا عن أبيها. وتختلق الفتاة حين يتم سؤالها كذبة مفادها أن والدها يعمل في بيع الستائر، وأمها ربة بيت. لاحقا ستحكي الفتاة لأمها كيف كذبت على الصف وكيف صدقت المعلمة والتلاميذ الكذبة، ثم ولنحو دقيقة كاملة تبدأ ضحكا يخرق الآذان من دون أن نستطيع مشاركتها السبب أو نعرف ما المقصود بإطالة توقيته.

والكثير من المشاهد هي أيضا طويلة ولا تقول شيئا (مفيدا أو غير مفيد)، مثل ذلك المشهد الأول الذي نتابع فيه لنحو أربع دقائق الفتاة ذاتها وهي تمشي على الشاطئ، ثم كل تلك المشاهد الساحلية الأخرى بعدما تعرفت الفتاة على صديقة من عمرها وأخذتا تمضيان الوقت في اللعب والاستلقاء على الرمال. كل تلك المشاهد وسواها هي مجرد كاميرا مفتوحة من دون استقبال فاعل أو مهم. يمر المشهد والفيلم بكامله بعد ذلك مسطحا ولولا أنه صرخة ضد الفاشية لما كان لديه أي شيء يمنحه باستثناء حسن إدارة مخرجته لممثليها صغارا وكبارا. لكنها صرخة لا تصل إلا على نحو مركب وبشق الأنفس. ولجانب أن مشاهد كثيرة ضائعة سدى فإن المخرجة تخفق في ناحيتين رئيسيتين، الأولى تتمثل في طريقة استخدام الصوت فإذا هو مفتعل ومضج وأحيانا ما يصدر عن أشياء غير معروفة، والثانية في رسم حدود مكانية لما يدور. لا أحد يعرف أين موقع المدرسة من الشاطئ وفقط بعد نحو نصف ساعة نكتشف موقع البيت من البحر. الأدهى أن الدقة ليست من مميزات هذا الفيلم ففي مشهد ماطر بشدة تقف المدرسة تحت المطر من دون نقطة ماء واحدة تسقط عليها. شعرها وملابسها ووجها لا يزالان جافين علما بأنها لا تقف تحت مظلة. كذلك ليس معروفا لماذا على المدرسة أن تكون صفا واحدا وملعبا. تركيبة لا تختلف في الديكور والمواصفات عن المنزل نفسه. كل ذلك يدفع الفيلم إلى لون واحد ويفقده صدقيته تماما.

احتمالات الفوز: ضئيلة وما دون

 

####

 

وحديث راف فاينس عن شكسبير كمحلل سياسي درجة أولى

أكثر كتاب السينما انتشارا في تاريخها وحول العالم هو ويليام شكسبير الذي حين مات سنة 1616 لم تكن السينما وُلدت رغم أنها حينها كانت تحت التأسيس بفضل نظريات الضوء التي نضح بها ابن الهيثم في القرن التاسع ميلادي وتداولها علماء وباحثون إلى أن توصلوا إلى توظيف كل ما تراكم من هذه الدراسات في منتصف ثمانينات القرن التاسع عشر وما بعد.

الوجهة الوحيدة لكتابات ويليام شكسبير كانت المسرح وهو وضع طنا من المؤلفات الكوميدية والتراجيدية من دون أن يعلم أنه سيغزو بها عالما مختلفا هو عالم السينما. لم ير سينمائيون عاشوا في عصر النقلة من القرن التاسع عشر إلى العشرين أن حجم المسرحيات يعتبر مانعا إذا ما تم نقلها إلى أفلام من خمس وسبع دقائق، بل فعلوا ذلك بإقبال شديد على «ماكبث» و«الملك لير» و«هاملت»، وهذه الروايات وفوقها لاحقا «ريتشارد الثالث» و«هنري الرابع» و«هنري الخامس» و«كل ذلك اللغط حول لا شيء» و«الليلة الثانية عشرة» و«روميو وجولييت» وغيرها كانت من بين أكثر ما تردد على الشاشة من أعماله.

«كوريولانوس» (أو «تراجيديا كوريولانوس» كما كان عنوانها الأول) التي وُضعت ما بين 1605 و1608 كانت من بين أقل المسرحيات استنساخا إلى الشاشة. هناك محاولة من الفرنسي جان كوكتو سنة 1950 وفيلم تم تصويره بفيديو مبكر سنة 1979 وفيلمان تلفزيونيان أحدهما سنة 1965 والثاني سنة 1984 ثم... فيلم حالي أخرجه الممثل راف فاينس وقام ببطولته وعرض يوم أمس (الاثنين) في دورة برلين الحالية.

تاريخ راف فاينس السينمائي يعود إلى ما قبل فيلم «لائحة شيندلر» عندما استعان به ستيفن سبيلبرغ بعدما شاهده في فيلم «مرتفعات وذرينغ» سنة 1992 وإذ تتسبب «لائحة شيندلر» في رواج الممثل الذي لعب فيه دور الضابط النازي الذي يسعده قتل اليهود، انطلق لاحقا لاعبا أدوارا كثيرة بإجادة مميزة فشوهد في دور اليهودي الذي ينتقل بين الشخصيات طالبا التقرب من النازيين في «سنشاين» لاستيفان شابو وفي دور الشخصية الخيالية يوجين أونجين التي وضعها الروسي ألكسندر بوشكين في «أونجين»، كما في أفلام أكثر رواجا من بينها «الحدائقي المثابر» و«خادمة في مانهاتن» و«اللص الطيب»، وبالطبع أفلام أخيرة من سلسلة «هاري بوتر» المعروفة.

* «كوريولانوس» هو فيلمك الأول مخرجا.. لماذا النقلة إلى هذا الجانب من العمل السينمائي؟

- هذا سؤال يفتح مجالا لإجابة طويلة أو إجابات كثيرة في الحقيقة. ربما من باب الإيجاز أن أقول إن هناك أسبابا أعتقد أنها ماثلة في الفيلم، ومن بينها حبي لهذا العمل الذي لم تتطرق إليه السينما كثيرا من قبل. وحبي للمادة الشكسبيرية بوجه عام ولهذه المسرحية على نحو خاص. لكن من ناحية أخرى، لأن الإخراج هو نقطة إيجابية أعتقد أن كل الممثلين يفكرون بها على الأقل مرة واحدة في حياتهم المهنية. بعضهم يقدم عليها وبعضهم يحجم عنها.

* وماذا عن المسرحية ذاتها، لماذا اخترتها لتكون عملك الأول في هذا المجال؟

- إلى حد بعيد هي التي اختارتني. كل أعمال شكسبير مثيرة للممثل على المسرح وفي السينما لأنها ببساطة أعمال جيدة في نصوصها سواء أكانت تراجيدية أو كوميدية ساخرة. لكن هذه المسرحية أكثر من غيرها على ما أعتقد تتضمن السبب في أن شكسبير كان عبقري كتابة ويستحق هذا التخليد الذي يواكبه إلى اليوم: إنها تراجيديا بشخصية مركبة كما شخصية ماكبث، لكنها ليست شخصية ملك أو من الأسرة الحاكمة كما في «ماكبث» و«هاملت» وغيرهما، بل شخصية محارب إيطالي. البعض يضعها في مستوى التراجيديات الأشهر منها، وبعضها يرفعها إلى ما يناهزها قيمة. ما أعرفه بالتأكيد أنني وجدت فيها كل ما يطلبه الفنان من تحد. هذا ليس حكرا عليها من بين مسرحيات شكسبير، لكنه عاملا حاسما بالنسبة إليها.

* كيف تم اتخاذ القرار بتطويرها من زمنها السابق إلى الزمن المعاصر؟

- هذه المسرحية تتيح هذا الانتقال أساسا وتكشف عن أن الكثير مما نقله شكسبير عن شخصيات واقعية وأحداثها، لا يزال يحدث على نحو أو آخر اليوم. المؤسف أنه ليس لدينا شكسبير جديد يكتب عنها. ما لدينا هو منهج ويليام شكسبير في التعرض إلى تصرفات الشخصيات التاريخية (التي لم تكن بعيدة عن مداركه آنذاك) ليسبر غور أوضاعها وظروفها السياسية. لقد أعجبني كيف قامت جوليا تايمور بعملية نقل مماثلة قبل سنوات حين قدمت «تاتيوس» في مزيج من الماضي والحاضر. كذلك ما فعلته في «العاصفة» رغم أنها لم تعمد إلى نقل الأحداث بل نقل الشخصية الرئيسية من رجل إلى امرأة. فكرت أنني أريد أن أقوم بالحديث عن أوضاع اليوم من خلال نص الأمس. لذلك حافظت على النص الكلاسيكي بأسره. لم أرد أن أضحي به أو أتنازل عنه.

* ذكرت ذات مرة أن منهجك في تحضير أي دور تقوم به هو العودة إلى المصدر وقراءته. بذلك لا تحتاج إلى معايشات أخرى مثلا. هل هذا لا يزال المنهج الذي قمت به لإخراج ولتمثيل هذا الفيلم؟

- صحيح وخصوصا في هذه الحالة. إذا ما قرأت المسرحية، أو أي مسرحية لشكسبير تجد كل ما تبحث عنه موجودا هناك. التفاصيل الصغيرة المهمة لتكوين الطريقة التي ستساعدك في التعبير إلى جانب الأحداث التي تترك لك مجال تخيل الفيلم كاملا وكيف ستتناوله. لك حرية التمثيل أو للتحديد أكثر حرية أن تمثل الشخصية بفنك الخاص، لكنها ليست حرية مطلقة لأن الممثل عليه أن يستجيب لشروط وضعها شكسبير في نثره وحواراته تحددها. إنها عملية صعبة للغاية ومليئة بفرص زلات القدم لكن هذا هو سبب من أسباب حماس الفنانين لها. كما قلت هذا هو التحدي.

* الجمهور العربي يتذكرك بإعجاب في «المريض الإنجليزي».. ما هي الذكريات التي ما زالت في بالك من ذلك الحين؟

- صورنا في تونس وكان علينا الاستيقاظ باكرا في كل يوم لكي نلحق التصوير في الصباح، فكنا نغادر الفندق قبل شروق الشمس ونصل إلى مكان التصوير بعد شروقها بقليل. أتذكر شروق الشمس واختلاف الضوء واللون في الطبيعة. إنه منظر رائع خصوصا أنني أحب الصحراء. بالنسبة إلى الصحراء هي رمز للحرية والمكان الطبيعي لإنسان يبحث في بديل عن حياة المدينة. لكننا نعمل جميعا في المدينة وبالنسبة إلي علي انتهاز مثل تلك الفرص القليلة التي تتيح متابعة حياة بكر بالغة الجمال.

 

####

 

من أفلام الدورة:

فيلم عن ظل ابن الرئيس عدي صدام حسين

في أواخر العام الماضي عرض المخرج العراقي قاسم حول نسخته عن الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين من دون أن يسميه في فيلمه «المغني». هناك شاهدنا كوميديا سوداء ذات طروحات سياسية حول حياة ديكتاتور عراقي يقيم حفلة عيد ميلاده في أحد قصوره والحفلة المحفوفة بشروط تُفرض على الحاضرين تحت عين رقابة إلكترونية تتنصت على كل همسة يتبادلها اثنان، تتحول إلى تنفيذ عقوبات من بينها عقوبة أن يغني المنشد الذي جيء به من القرية بسبب صوته البديع ووجهه إلى الحائط كونه جاء متأخرا عن الموعد رغم أعذاره. أيضا من بينها سحب امرأة من جلستها مع زوجها لأنها انتقدته والرئيس كون الزوج قام فأنشد شعرا بحياته مقابل سيارة «مرسيدس». المرأة يتم جلبها إلى غرفة تقع تحت الأرض ويقف في وسطها جزار ولا نعرف ما حدث لها بعد ذلك. وينتهي الفيلم بقيام «الديكتاتور» بسحب مسدسه وإطلاق النار على امرأة أخرى شربت ولم تكتم ما تشعر به حياله.

يا له من عيد ميلاد.

أما لماذا لم يسم المخرج الرئيس فيعود إلى أنه أراد الترميز إلى كل ديكتاتور كما قال لي. في الوقت ذاته لا يمكن لهذا الترميز أن يتم لأن كل شيء هنا عراقي وكل شيء هنا موقوت بحرب على الجبهة الإيرانية وكل شيء مرهون بتشخيص أحد الممثلين المطلوب منه أن يكون شبيها سلوكا وكلاما بصدام حسين. عرض الفيلم في مهرجان دبي الأخير وبعد نحو شهر عرض مهرجان سندانس فيلما له علاقة بفترة حكم صدام حسين بعنوان «بديل الشيطان». هذه المرة من دون رمز أو ترميز. الفيلم ذاته معروض في الدورة الحادية والستين الحالية في مهرجان برلين السينمائي خارج المسابقة.

من الطبيعي أن يبقى العراق محط اهتمام السينما العالمية (وهذا الفيلم الناطق بالإنجليزية من تمويل بلجيكي وإخراج النيوزيلندي لي تاماهوري) خصوصا في عالمنا الحالي حيث هناك موضوع لافت كل يوم في حياة الناس الأمنية والسياسية والاجتماعية، فكم من الوقت سيمضي من قبل أن تنتقل أحداث ميدان التحرير الأخيرة إلى السينما سواء المصرية أو الأميركية أو غيرهما؟ وهل في الأفق فيلم عن أزمة تقرير المحكمة الدولية يُطرح كفيلم تشويقي؟ ما نعرفه أن المنتج التونسي طارق بن عمار صرح أنه سيقوم بإنتاج فيلم عن التونسي محمد بوعزيزي، ذلك الشاب الذي حرق نفسه فأشعل ثورتين.

«بديل الشيطان» هو فيلم أكشن وتشويق منفذ جيدا وهو المتوقع من المخرج الذي قدم في تاريخه بضعة أفلام مشروطة بقدراته على الإثارة البصرية المفعمة بالتوقيت وحسن الإيقاع من بينها فيلم جيمس بوند سابق هو «مت في يوم آخر» وآخرها الفيلم الذي قام ببطولته كل من نيكولاس كايج وجوليان مور بعنوان «التالي» أو «Next» إنه عن لطيف يحيى الرجل الذي يشبه عدي حسين (ابن صدام) الذي كان كل ما هو مطلوب منه أن يقف أمام فوهة المخاطر ويواجه المؤامرات (حقيقية منها ومتخيلة) ممثلا دور ابن الرئيس العراقي. ليست حياة سهلة، لكنها بالنسبة للطيف، وكما يقدمها الفيلم وظيفة كوظيفة الطباخ أو المصور أو سائق التاكسي. طبعا هي خطيرة إذا مارسها وربما أشد خطرا لو رفض ممارستها.

والأمر، على هذا النحو، يشبه الممثل البريطاني الذي قام بالدور واسمه دومونيك كوبر، فهو دور خطر إذا قبل به من حيث أنه قد يخفق فيه تبعا لسلوكيات تختلف بين الثقافتين العربية والأوروبية، ومن الخطر أن لا يوافق عليه طالما أن مسيرته السينمائية إلى الآن ما زالت في الظل وتحتاج الفيلم الذي يستطيع القيام ببطولته ليبرهن عن استحقاقه. وهو يبرهن عن هذا الاستحقاق فعلا لاعبا الدورين المتوازيين: هو لطيف وهو عدي.

حسب سيناريو مايكل توماس، الذي كتب سنة 1939 سيناريو الفيلم التشويقي «روبي كايرو» من إخراج غرايم كليفورد وبطولة أندي مكدوول وويليام نيسن وفيغو مورتنسن، فإن لطيف كان لواء في الجيش وعلى شبه كبير بعدي حسين، والأخير طلبه مباشرة بعد أن نجا من معركة وقعت في قلب المدينة. واللقاء بينهما بسيط الشكل ومباشر. عدي قال للطيف إنه بحاجة إلى من يلعب ظله في الحياة العامة. هل يستطيع القبول؟ طبعا - هذا هو المطلوب. هل يستطيع أن يقول: أرجوك سيدي أعفني؟ لا فكلمة عدي، ككلمة أبيه أيامه، لا تتحول: «إذا رفضت فإن عائلتك ستباد». لطيف سيقبل على مضض والفيلم سيستخدم هذا «المضض» ليلعب عليه لأجل منح الشخصية ضوءا إيجابيا يُستخدم عادة في الأفلام البوليسية والتشويقية (كحال هذا الفيلم) لوضع الشخصية في إطار يُثير التعاطف.

دراميا ينجز المخرج هدفه الرئيسي: مقارنة بين البريء والمذنب. بين رجلين متشابهين كل منهما نسخة مناقضة للآخر. لكن ما يخفق فيه هو كم العنف الذي يصر على تقديمه من دون فائدة. فالفيلم مناسبة للحديث عن القتل والاغتصاب والتعذيب وسوى ذلك مما كان سائدا في زمن غير بعيد. في الثمانينات أخرج الياباني الراحل أكيرا كوروساوا «ظل المحارب»، عن ذلك المواطن البسيط، في زمن بعيد، الذي من شدة شبهه بـ «اللورد» الذي يحكم المقاطعة، يتم تعيينه ظلا له: سيتصرف تماما كما لو كان هو «اللورد» باستثناء أن الحاشية تعرفه وستبقيه مربوطا بحبلها تهينه متى تشاء وتدفعه إلى الموت حين تريد، وسوف يحارب عنه. بقعة يمكن إزالتها بالغسيل. الفيلم الرائع (تحت اسم «كاغاموشا») لا يزال متوفرا على أسطوانات، ولو كان حاضرا لشوهد مرة أخرى كونه أفضل فيلم عن موضوع الإنسان البديل الذي يواجه معضلات حياته انطلاقا من شبهه بمن يحكم البلاد.

 

الشرق الأوسط في

15.02.2011

 
 
 
 
 

مهرجان برلين السينمائي في ثالث أيامه

ثورات الــ «فيس بوك» السينمائية وكوميديا الأتراك المأساوية

زياد عبدالله - برلين

برلين ليست بيضاء، تخرج من قصر «البرليناله»، ما من ثلج يغطي كل شيء، أو كما في الدورات السابقة، حيث كثافة الثلج على تناغم تام مع عروض الأفلام الكثيرة. في الدورة الـ 61 ما من آثار تدل على البرد، إنه موجود، لكن من دون ثلج يجعله فاقعاً، كما هي الحال مع الأسماء الفاقعة في السينما التي ستكون بهارات لا تضيف شيئاً على نكهة الاكتشاف التي انتقلت عدواها بكثافة إلى المسابقة الرسمية، ولم يعد على ما يبدو يكفي المهرجان البرامج الكثيرة الأخرى المخصصة لتلك الاكتشافات، ومتى كان الحديث عن النجوم فلها أن تكون هوليوودية بامتياز، الأمر الذي سنعثر عليه فقط مع فيلم الافتتاح «ترو غريت»، حيث الأخوين كوين برفقة جيف بريدجز وجوشين برولين، أو ربما وبدرجة أقل مع كيفن سبايسي وجيرمي أيرون مع فيلم «مكالمة عاجلة» المستقل، ولتكون الكلمة الفصل في برلين للسينما الأميركية المستقلة، والتجارب الإخراجية الأولى، وبما يجعلنا على مستوى عالمي أوسع أمام ما يفكر فيه جيل سينمائي جديد، سنلتقطه تماماً مع فيلم عمٌٌىَه شُ شوم سً «صراخ إلى السماء» للمخرجة فيكتوريا ماهني في تجربتها الروائية الطويلة الأولى، التوصيف الذي سنكرره كثيراً ونحن نعرض للأفلام التي نشاهدها في هذه الدورة.

قبل المضي مع فيلم ماهني، سيكون لنا أيضاً أن نتحدث عن تناول النشرات اليومية التي تصدرها المجلات السينمائية أثناء المهرجان للأحداث في مصر، فبينما اهتمت «فارايتي» بما سيحمله السينمائيون المصريون من أفلام مرتقبة من ميدان التحرير، مع تأكيد المنتج محمد حفظي أن الكثير مما حملته الأيام الأخيرة صوّر من قبل مخرجين كثر كانوا موجودين وفاعلين في ميدان التحرير، مثلما هي الحال مع المخرج أحمد عبدالله صاحب «ميكروفون» وبطل ذاك الفيلم خالد أبوالنجا، وصولاً إلى المخرجة مريان خوري صاحبة فيلم «ظلال» ومديرة شركة مصر الدولية للأفلام، والتي أفردت لها مجلة «هوليوود ريبورتر» صفحتها الأولى لسرد قصتها عن الاعتداء الذي تعرضت له أثناء قيامها بنقل بطانيات في سيارتها إلى المتظاهرين في ميدان التحرير.

من جانب، آخر فإن الثورات التي وجدت انطلاقتها من الشكبات الاجتماعية «فيس بوك» و«تويتر» لها أيضاً أن تنتقل إلى عالم السينما اليوم، إذ يكثر الحديث في «برلين السينمائي» عن الدور المتعاظم لهذه الشبكات في مجال التمويل والترويج للأفلام، وتواصل المنتجين وصناع السينما مع المشاهدين، كما هي الحال مع كيفين سميث على «توتير» الذي يتواصل مع أكثر من 1.7 مليون شخص، أو منتجين آخرين مثل يورب كورب التي طالبت من المشتركين على «فيس بوك» التصويت للسيناريو والممثلين المرشحين لمشروعها المقبل.

نترك ما تقدم جانباً ونمضي إلى «صراخ إلى السماء»، الذي يصعد - أي الصراخ - من أميركا، لعله صراخ عال جداً يحمل الكثير من التوثيق لأميركا اليوم من خلال فتاة اسمها سويتنس أوهارا (زوي كرافيتس) لم تتجاوز السابعة عشرة من عمرها من أب أبيض وأم زنجية، وفي حي يحاصره العنف والجريمة والمخدرات، والدها كحولي يتبدل مزاجه في ثوان، يضرب أمها، يضربها وكل من في البيت، لا بل إن جرعات العنف التي يحملها الفيلم ستجعل من سويتنس عرضة دائماً لكل ما يقودها إلى تغيرات جذرية ستفتح لها الباب على مصراعيه أمام عالم المخدرات، ترويجاً وإدماناً، مع محاولاتها المضنية أن تكون على غير ما هي عليه.

سيبدو كل ما تقدم مادة خصبة في أفلام كثيرة، لولا الأسلوب الذي صنعت ماهني فيلمها على اساسه، فهنا الكاميرا محمولة وعلى شيء من إضفاء روح توثيقية على الروائي، ولعلها الوسيلة الأمثل لمقاربة الواقع بكل فجاجته، والتي أصبحت توجد في تجارب كثيرة تكون عينها على رصد العالم السفلي أو الأحياء الهامشية في المدن الكبرى، والفيلم مبني وفق ثلاثة تغيرات درامية في شخصية سويتنس التي تنتقل من كونها ضعيفة وبعيدة عن ما يسود الحي من عنف، ومن ثم انتقالها إلى القوة وانخراطها بكل ما كانت تهرب منه، ومن ثم رغبتها في الهرب من الحي الذي تقطنه وكل ما يسوده، وهي تسأل مدرسها في المدرسة أن يهيئ لها منحة دراسية لا لشيء إلا لينقذها من مستقبل أسود يتربص بها إن هي بقيت في هذا الحي، التغيرات أيضاً تطال والديها، ولتبقى آليات سرد أجمل ما في فيلم الذي يمكنني اعتباره من أهم الأفلام التي شاهدتها إلى الآن، إلى جانب فيلم «الجائزة» للأرجنتينية باولا ماركوفيتش.

فيلم آخر عرض أول من أمس له أن يكون أيضاً معبراً كاملاً إلى هم ألماني وأوروبي بامتياز، ألا وهو المهاجرون والهجرة، الموضوع الذي لا يغيب عن دورات البرليناله، ففي الدورة الماضية كان فيلم «شهادة» للألماني الأفغاني الأصل برهان قرباني الذي تناول حياة المهاجرين والأقليات المسلمة في ألمانيا عبر حالات متعددة متصلة ومنفصلة، بينما تحمل هذه الدورة فيلماً بعنوان Almanya «ألمانيا» كما هي في اللغة التركية، والذي له أن يندرج ضمن أفلام النوايا الحسنة إن أردنا توصيفاً للمحتوى الذي يسعى إلى تقديمه، وبعبارة أخرى إنه فيلم يسعى لتجسير الهوة بين الألماني «الأصلي»، إن صح الوصف، والألماني المهاجر، ذي الأصول التركية تحديداً، كون الأتراك يشكلون الغالبية العظمى من الجاليات في ألمانيا، ولنعرف لماذا، فإن الفيلم سيجيب عن ذلك بشتى الوسائل، وسيقدم أولاً وأخيراً فيلماً ذا إيقاع سريع وكوميدي، له أن يكون صالحاً لتمرير كل ما يود الفيلم تمريره بخفة ورشاقة ويإيقاع يشبه إلى حد بعيد أفلاما مثل «اميلي بولان».

يبدأ الفيلم بصور وثائقية للهجرات التركية إلى ألمانية، وسرعان ما تحول تلك الصور إلى روائية مع لحظة وصول الجد الأول إلى ألمانيا، وليكون المهاجر رقم مليون وواحد الذي يصلها. لن أخوض في تفاصيل حكاية الفيلم، والذي سيقول في النهاية إن هؤلاء العمال جاؤوا إلى ألمانيا وقد كان الألمان في أمس الحاجة إليهم، هم من قاموا بإعمار ألمانيا ما بعد الحرب، وها هم أولادهم ومن ثم أحفادهم وهم يعيشون أيضاً مأزق الهوية.

كل ذلك سيقدم ضمن إطار الكوميديا والتنويع بالسرد، وليمضي الفيلم في زمنين الأول مع الجد في شبابه حين جاء ألمانيا وحياته في قريته التركية قبل مجيئه، وليستعاد ذلك من خلال الحكاية التي ترويها حفيدة الجد الكبرى إلى الحفيد الأصغر الذي يجابه مشكلة في المدرسة، كون المنطقة التي جاء منها جده غير موجودة على الخريطة في المدرسة، بينما يمضي الزمن الحاضر مع حصول الجد والجدة على الجنسية الألمانية، ورغبة الأول في العودة إلى قريته في تركيا، ولينقلب الفيلم إلى التراجيديا لكن البيضاء، وليكون الفيلم في النهاية ذا بنية تمكنه من تمرير كل مايود تمريره من إضاءات على عالم العائلة التركية المهاجرة، وعلى شيء من ملمح «توبيوغرافي» على اتصال بمخرجة الفيلم ياسمين سامديرلي (الألمانية من أصول تركية) والتي هي أيضاً في تجربته الإخراجية الأولى.

 

####

 

«برلين 2011»: دورة الاكتشافات

الافتتاح مع الأخوين كوين وتحية إلى «بينا» باوش

زياد عبد الله

يحافظ «البرليناله» هذا العام على مواضيعه الأثيرة، أبرزها قضيّة الهجرة... الدورة الحادية والستون من المهرجان العريق تعلن دخول السينما الأوروبية عالم التقنيات الثلاثية الأبعاد، وتكرم برغمان ويناهي وسكورسيزي. السينما الأميركية المستقلّة تبقى الحاضر الأقوى مع جيل جديد يقدم تجاربه الأولى

برلين ـــ الاكتشافات هي الكلمة المفتاح للدورة الحادية والستين من «مهرجان برلين السينمائي» الذي انطلق الخميس الماضي ويستمرّ حتى 20 شباط (فبراير) الحالي. أوّل تلك الاكتشافات انتقال عدوى التقنية الثلاثية الأبعاد من هوليوود إلى السينما الأوروبيّة. ها هو الألماني فيم فاندرز يشارك من خارج المسابقة الرسمية مع العرض الأول لشريطه «بينا»، المنجز بالأبعاد الثلاثة عن سيرة مصممة الرقص الألمانية الراحلة بينا باوش. يلتحق به مواطنه فيرنر هرتزوغ مع شريط وثائقي بعنوان «كهف الأحلام المنسيّة» الذي يقدّم في عرض خاص، إلى جانب الفرنسي ميشال أوسلو الذي يقدّم ضمن المسابقة شريط تحريك ثلاثي الأبعاد أيضاً بعنوان «حكايات الليل».

يحتفظ «البرليناله» هذا العام بمواضيعه الأثيرة الحاضرة في كل الدورات، على رأسها مسألة الجاليات المهاجرة في ألمانيا. كذلك يحضر الشأن الإيراني بقوة، مع تبني المهرجان لقضية السينمائي الإيراني جعفر بناهي الذي كان يُفترض أن يشارك بصفة عضو لجنة تحكيم المسابقة الرسميّة، لو لم يمنعه الحكم القضائي الإيراني من السفر خارج البلاد. هكذا، نصب منظمو المهرجان خيمةً تضامنية معه، وستعرض أفلامه ضمن البرنامج الرسمي. إلى جانب بناهي، يكرم «برلين» المعلّم السويدي الراحل إنغمار برغمان عبر استعادة كاملة لأعماله. وسيكون للأميركي مارتن سكورسيزي حصته من التكريم عبر عرض نسخة مرممة من شريطه الشهير «سائق التاكسي».

مدير المهرجان بيتر كوسليك أكّد الطابع «الاستكشافي» لبرنامج هذا العام، معلناً أنّ الدورة الحالية تمثّل «دعوة للتعرف إلى ما يصنعه الجيل الجديد في السينما». يبدو هذا الخيار واضحاً من خلال مشاركات سينمائيين يقدّمون هنا تجاربهم الأولى. طابع يُبعد الدورة الحالية عن الأجواء الاحتفالية الطاغية على الدورة السابقة التي كانت بمثابة جردة لتاريخ المهرجان واستعادة لمفاصله الرئيسية. مع جديد الأخوين كوين True Grit، أعلنت هوليوود نقطة انطلاق عروض المهرجان. الأفلام الأميركية في المسابقة تجارب مستقلّة بامتياز. «ويسترن» الأخوين كوين يشارك من خارج المسابقة، يمثّل الاقتباس الثاني لرواية تشارلز بورتيس بالعنوان نفسه بعد فيلم هنري هاثوي عام 1969. شريط الأخوين لا يحمل الكثير من أسلوبهما المعتاد. لكن نهاية الفيلم تأتي «كوينية» بامتياز، بعد أن نتابع مساعي ماتي (هايلي شتاينفلد) ابنة الرابعة عشرة للانتقام من قاتل والدها (جوش برولين) بمساعدة المارشال روستر (جف بريدجز).

بعد الافتتاح، أنصتنا بإمعان إلى ما قالته الطفلة سيسي في فيلم الأرجنتينية باولا ماركوفيتش El Premio «الجائزة» الذي يتنافس على جائزتي «الدب الذهبي» و«الدب الفضي» إلى جانب 16 شريطاً آخر. إنّه عمل أوتوبيوغرافي يروي قصة فتاة تعيش مع أمها في بيت ناء على شاطئ بحر مهجور. سرعان ما يتضح أن الفيلم الجميل، يحكي عن الديكتاتورية العسكرية التي حكمت الأرجنيتن في أواخر الستينيات. قرّرت ماركوفيتش أن تحكي تلك المرحلة من خلال طفلة.

في إطار السيرة نفسه، تشرك السينمائية الألمانية ياسمين سامديريلي من خارج المسابقة عبر فيلمها «ألمانيا». يندرج العمل ضمن أفلام ردم الهوة بين الألماني «الأصلي» والألماني ذي الأصول التركية. تقدّم سامديريلي سرداً محمّلاً بالرشاقة والكوميديا ـــــ يشبه إلى حد بعيد فيلم «إميلي بولان» ـــــ لحياة ثلاثة أجيال من المهاجرين الأتراك في عائلة واحدة. تدور الأحداث على مستويين زمنيين، الأول يوضح بداية مجيء الجد، والحاجة الألمانية الماسّة للعمالة التركية، والزمن الثاني هو الحاضر، حيث ينوي الجد العودة إلى قريته التركية، آخذاً معه كلّ العائلة، وصولاً إلى نهاية يمكن وصفها بالتراجيديا البيضاء.

وإلى جانب فيلم ماركوفيتش، يحضر ضمن المسابقة الرسميّة شريط «صراخ إلى السماء» للأميركية فيكتوريا ماهوني بوصفهما من أبرز ما عرض حتى الآن، من خلال رهانهما الواضح على تقديم الروائي بروح وثائقية. تغوص ماهوني عميقاً في عوالم نيويورك السفلية في سرد يعتمد الكاميرا المحمولة. يتتبع الشريط المراهقة سويتنس أوهارا (زوي كرافيتس) التي تعيش مع أب أبيض وأم سوداء في حي تحاصره الجريمة. والدها كحولي يعاني تقلبات مزاجية حادة، فيضرب أمها، ويضربها. جرعات العنف الزائدة، ستفتح الباب للشابة إلى عالم المخدرات. فيلم أميركي مستقل آخر يتنافس ضمن المسابقة الرسميّة، وعرض في الأيام الأولى للمهرجان بعنوان Margin Call وهو باكورة جاي سي شاندر. تتحرّك الأحداث في نطاق الأزمة الاقتصادية والأخلاقيات الرأسمالية، بمشاركة كل من كيفن سبايسي، وجيريمي آيرونز، وديمي مور، وهو التجربة الإخراجية الأولى لشاندر.

فيلم The Devil’s Double «شبيه الشيطان» الذي عرض ضمن برنامج «بانوراما» هو مثال حي على مسعى «برلين» لتقديم كل ما هو براق وجذاب. الشريط فيلم «أكشن» رديء يروي قصّة حقيقية عن لطيف يحيى شبيه عدي صدام حسين وصاحب كتاب «كنت ابناً لصدام». استخدم الكتاب كوثيقة تحوّر وفق متطلبات المخرج النيوزلندي لي تاماهوري، لبناء فيلم كامل عن شبق عدي المجنون بالنساء، والمشاهد الجنسية، والمطاردات المرتجلة.

 

الإمارات اليوم في

14.02.2011

 
 
 
 
 

حضر النجوم وغاب العرب

ابتسام عازم

برلين ــ تحتضن صالات ساحة «بوتسدامر بلاتس» قلب برلين الزجاجي عروض الدورة الحادية والستين من «مهرجان برلين السينمائي». في هذا الوقت من السنة، قد تصادف أحد مشاهير السينما، وهو يقطع الطريق قاصداً مقهى أو صالة سينما. ترى الطوابير الطويلة التي يقف فيها البعض لساعات، بغية الحصول على تذاكر. في الدورة الماضية مثلاً، اشترى جمهور المهرجان ما يقارب 300 ألف تذكرة خلال عشرة أيام.

إيزابيلا روسيليني، ابنة الممثلة الأيقونة إنغريد بيرغمان والسينمائي الإيطالي الشهير روبرتو روسيليني، تترأس لجنة تحكيم المسابقة الرسمية. أما عضو لجنة التحكيم السينمائي الإيراني جعفر بناهي فبقي كرسيه في حفلة الافتتاح خالياً، إلا من لافتة تحمل اسمه.

مدير المهرجان ديتر كوسليك قال إنّ «البرليناله» حاول «إفساح المجال أوسع أمام المخرجين الشباب والأفلام الفنية. واللافت هنا هو توجّه الأفلام الفنية (آرت هاوس) نحو استعمال التقنيات الجديدة كالـD3». بهذه الكلمات لخّص كوسليك توجهين رئيسيين للمهرجان هذا العام.

فعلى الرغم من وجود النجوم ـــــ أمثال كيفن سبيسي وجيريمي آيرونز ـــــ تبقى أغلب الأفلام المعروضة ضمن المسابقة الرسمية لمخرجين من آسيا وأوروبا لم يحققوا شهرة عالمية. بهذه الطريقة، يحاول «البرليناله» تكريس نفسه مهرجانَ القضايا السياسية والاجتماعية، ومهرجان السينما الملتزمة. رغم هذا الطابع، يبقى حضور السينما العربيّة خجولاً رغم مشاركة شريط الفنان اللبناني أكرم زعتري «غداً سيكون كل شيء على ما يرام» في مسابقة الأفلام القصيرة.

ومن ضمن الأفلام التي يتوقع بعض النقاد أنّها ستكون محطّ جدل أو إعجاب أو الاثنين معاً، شريط السينمائي الإيراني أصغر فرهادي «نادر وسيمين ـــــ طلاق» الذي تدور أحداثه حول قرار عائلة إيرانية مغادرة البلاد، قبل عزوف الزوج الذي لا يريد ترك والده المريض بالألزهايمر وحده، فتقرّر الزوجة العودة إلى منزل والديها. من العروض المرتقبة أيضاً، فيلم «حكايا الليل» لميشال أوسلو. المخرج الفرنسي معروف في ميدان أفلام التحريك، ويأخذ المشاهد إلى عالم من السحر والألوان، شبيه بحكايات ألف ليلة وليلة.

ومن الأفلام المتوقع أن تثير جدلاً حاداً، «أحمر شفاه» للإسرائيلي جوناثن ساغال، وهو من إنتاج إسرائيلي ـــــ بريطاني. يروي الشريط قصة فلسطينيتين من رام الله، تلتقيان بعد عشرين عاماً في لندن. خلال هذا اللقاء، تعودان إلى الماضي، وإلى علاقة حميمة جمعتهما بجنديين إسرائيليين في القدس الغربية أثناء الانتفاضة الثانية.

 

####

 

فيلم من إنتاجه عن محمد البوعزيزي: طارق بن عمار وصل متأخراً

طارق بن عمّار جمعته علاقة وثيقة بزين العابدين

سفيان الشورابي

ما إن وضعت «ثورة الكرامة» أوزارها، حتى أعلن نيته إنجاز شريط يتناول رمزها ومُطلق شرارتها. لكن مهلاً قليلاً، أليس المنتج التونسي المعروف هو من وقّع على «عريضة العار» الشهيرة؟

تونس ــ طارق بن عمّار يتاجر بالثورة التونسية؟ ما إن وضعت «ثورة الكرامة» أوزارها، حتى أعلن المنتج والسينمائي التونسي المعروف (1949) الذي ربطته علاقة وثيقة بالرئيس المخلوع زين العابدين بن علي، أنّه ينوي إنتاج شريط يتناول سيرة محمد البوعزيزي، البائع الجوّال الذي أحرق نفسه في سيدي بوزيد في 17 كانون الأول (ديسمبر) الماضي، مطلقاً الشرارة الأولى للثورة التي أسقطت نظام زين العابدين.

طارق بن عمار المقيم في باريس، الذي ينام على ثروة مالية ضخمة وتربطه علاقات عائلية بالرئيس الراحل الحبيب بورقيبة، اشتهر بأنّه من أبرز المساهمين في تمويل وإنتاج وتوزيع عدد من الأفلام العالمية الضخمة مثل «قراصنة» لرومان بولانسكي، وFemme Fatale لبراين دي بالما، و«لا ترافياتا» لفرانكو زيفيريللي و«آلام المسيح» لميل غيبسون، وأعمال أخرى نجح في استقطاب مخرجيها الهوليوديين لتصوير بعض مشاهدها في تونس. منذ عام 2008، يشارك بن عمار في جزء من ميزانية الفضائية المغاربية «نسمة. تي. في» بالتعاون مع حوت المال والسياسة رئيس الوزراء الإيطالي سيلفيو برلسكوني. كذلك يمتلك أكبر مخبر لتحميض الأفلام في أفريقيا يقع في قمرت التونسية.

إلى هذا الحد، لا تخرج صورة بن عمار عن نطاق رجل «البيزنس» صاحب العلاقات الأخطبوطية في عالم السينما والتلفزيون. لكن السياسة ومتاهاتها كانت أيضاً من بين اهتماماته رغم أنّه لم يظهر أي مطامع لتولّي منصب مهمّ في الدولة. لكنّ المكانة المتميزة التي كان يحظى بها هذا الرجل في القصر الرئاسي سمحت له بتسهيل شؤونه. حصل على دعم مالي من الدولة يبلغ مليون دينار راح لـ«نسمة»، رغم أن القانون يمنع تقديم دعم مادي لقنوات خاصة، إضافة إلى امتيازات أخرى عديدة كانت كفيلة بأن تدفعه إلى التوقيع على «عريضة العار» التي «ناشدت» الرئيس السابق زين العابدين بن علي الترشح عام 2014 لولاية جديدة مناقضة لأحكام الدستور.

لكن ها هو بن عمار يلتحق بالثورة متأخراً، محافظاً على غريزة رجل «البيزنس» الذي يعرف جيداً من أين تؤكل الكتف، معلناً أنّ تصوير الفيلم الذي يتناول سيرة البوعزيزي سينطلق في أيار (مايو) المقبل.
لكن قبل الدخول في تفاصيل هذا المشروع، حرص بن عمّار على الإعلان أخيراً أنّ اسمه قد أقحم في العريضة الشهيرة من دون علمه أو توقيعه. طبعاً، لم تكن لديه الشجاعة لقول هذا قبل الثورة التونسية. لكن اليوم، ولّى زمن بن علي، وشريط عن شهيد تلك الثورة يعدّ أفضل طبق يقدم للتونسيين لتسويق طارق بن عمار مناصراً للثورة. إذاً، سينتج بن عمّار شريطاً يتمحور حول حياة هذا الشاب وصولاً إلى لحظة سكب البنزين على جسمه في فعل احتجاجي على الظلم. ويتوقع أن يشمل التصوير مدناً تونسية عدة، على رأسها سيدي بوزيد مسقط رأس البائع الجوال الشاب. ولفت بن عمار في حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» إلى أنّه «سيوفّر للفيلم التقنيات العالية نفسها التي سخّرتُها لأفلامي السابقة وسأعمل على توزيعه عالمياً»، مؤكداً أنّ «العمل السينمائي هو أنجع وسيلة للحفاظ على تاريخ الشعوب». وأخيراً أضاف أنّ «السينمائيين هم قبل كل شيء سفراء شعوبهم وصانعو حكايات من منطلق واقعهم»، مستشهداً بأعمال سابقة لقيت نجاحاً لدى الجمهور والنقاد، خصوصاً فيلم «خارجون عن القانون» للسينمائي الجزائري رشيد بوشارب.

سيحمل الشريط توقيع المخرج محمد الزرن الذي بدا كأنه مورَّط في إنجاز الفيلم خصوصاً أنّه صاحب صدقية على الساحة السينمائية التونسية. وقال هذا الأخير لـ«الأخبار» إن «البوعزيزي ليس فقط ذلك المواطن في سيدي بوزيد الذي أحرق نفسه بعد تعرضه للمهانة. بل هناك البوعزيزي الشبيه في كل بقاع العالم». لعلّ الزرن أراد بذلك الردّ على الأخبار التي أفادت بأنّ عائلة البوعزيزي رفضت الحصول على عائدات الفيلم المالية التي أشار طارق بن عمار إلى أنها ستخصّص كلّها لها!

 

الأخبار اللبنانية في

14.02.2011

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004