كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

ملفات خاصة

 
 
 

مهرجان برلين السينمائي الدولي (2)

دورة برلين الحالية تكرس سينما الأبعاد الثلاثة كتعبير فني

برلين: محمد رُضا

مهرجان برلين السينمائي الدولي

الدورة الحادية والستون

   
 
 
 
 
 
 

بعد سنوات على انهيار الجدار العازل بين شعبي وطن واحد، لا يزال السفر من لوس أنجليس إلى برلين يمر عبر مطار في بلد ثالث. تستطيع أن تختار أي شركة طيران. تستطيع أن تختار أيضا أي مدينة أوروبية لكي تكون محطتك الأوروبية الأولى قبل أن تستقل طائرة أخرى إلى مطار تاغل البرليني الدولي.

لماذا؟ لا أملك الجواب لكنه سؤال مهم. الأهم هو الواقع: حضرت برلين مرارا وتكرارا وذلك من قبل توحيد المدينة والدولة وما بعدها، والانتقال دوما كان: مباشرة من عاصمة أوروبية وغير مباشر إذا كان الانطلاق من الولايات المتحدة.

إذ وصلت إلى مطار زيوريخ قبل 40 دقيقة من الموعد المفترض للوصول (أمر نادر) وجدت الوقت للتفكير في كل تلك السنوات الـ34 التي داومت فيها (باستثناء 3 أعوام متفرقة) على المجيء إلى هذا المهرجان من أيام ما كان المهرجان يدعو الصحافيين إلى هذه الأيام حيث الميزانية ما عادت تكفي لكل هذا الكرم. ومن أيام ما كان المرء يمشي من فندقه إلى دار العرض وسط البلد، إلى حين تم بناء القصر الجديد الذي ترفرف عليه أعلام الدول المشاركة تتبلل بالمطر سنة وبالثلج سنة أخرى. وجدت أنني لا بد أنني شاهدت مئات الأفلام في برلين (ومئات أخرى في «كان» و«فينيسيا») وحاولت أن أحسب لكني توقفت سريعا. ربما الموضوع بحاجة إلى كتاب. أما الآن فعيد سينمائي آخر ينطلق وعلي اللحاق بالخطوط السويسرية لكي تنقلني إلى هناك على الوقت أو قبله بـ40 دقيقة.

* اللقطة الأولى

* فرحة العيد

* لا يمكن بالطبع إقامة مهرجان كبير كهذا المهرجان في بلد يزخر بالصناعة السينمائية تاريخا وحاضرا، ويعيش وضعا اقتصاديا مزدهرا يجعله الأول أوروبيا، حسب تصنيف «الإيكونوميست» مؤخرا، من دون أن يقدم تظاهرة خاصة بالسينما الوطنية. لكنها تظاهرة حديثة نسبيا، فالدورة الـ61 الحالية، تشهد المناسبة العاشرة فقط لتظاهرة «السينما الألمانية» ما يعني ذلك أن السنوات السابقة للعام 2000 اكتفت بتقديم الأفلام الألمانية وسط المسابقة أو في عروض التظاهرات غير المتخصصة الأخرى (فورام، بانوراما إلخ...).

لكن منذ أن أخذ المهرجان بتخصيص عرض خاص يتضمن أفضل ما تم إنتاجه محليا من أفلام والمتابع صار قادرا على رصد حركة الفيلم الألماني كما لم يستطع من قبل.

هذا العام هناك مساحة كبيرة من المواضيع التي ينهل منها السينمائيون الألمان مواضيعهم: بعضهم لا يزال يفكر في الوضع الذي كان ماثلا حين كانت البلاد منقسمة. آخرون يتحدثون عن شؤون اليوم وحدها، لكن سواء أكان الفيلم ينتمي إلى الأمس أم إلى اليوم، فإن السينما الألمانية تتمتع حاليا بنسبة إقبال كبيرة تنعكس على الدورة الحالية، ليس في إطار هذه التظاهرة فحسب بل أيضا في إطار المسابقة الرسمية أيضا.

ياسمين سامدريللي، مخرجة تركية تعيش في ألمانيا وتفكر في تركيا، وحققت فيلما مستوحى من الحالتين عنوانه «ألمانيا» يعرض في نطاق العروض الرئيسية متناولا حكاية رجل تركي اسمه حسين يلماز، هاجر إلى ألمانيا مع عائلته في منتصف الستينات (حين كانت الهجرة مسألة حاسمة في حياة المهاجر والبيئة المحيطة به معا). بعد أن عاش طويلا ينتقل به الفيلم إلى اليوم حيث يعبر عن رغبته في العودة إلى الأناضول ليعيش باقي حياته هناك. هذا سيخلق وضعا تحيط به المخرجة من كافة جوانبه الاجتماعية بأسلوب فكه.

فيلم ألماني مشترك مع فرنسا عنوانه «عدوي المفضل» للمخرج وولفغانغ مورنبيرغر حول أحداث تقع تبدأ سنة 1943 حينما سقطت طائرة عسكرية تضم ضابطا ألمانيا وابن صناعي يهودي. كلاهما نجا من الموت لكن الأيام باعدت بينهما إلى أن تم اعتقال اليهودي وإرساله إلى المعسكر. يتدخل الضابط لإخراجه من هناك لكن الحكاية ستمتد لتشمل تبادل مواقع قوى خلال السنوات اللاحقة.

في المسابقة فيلم أولريخ كولر «مرض النوم» عن وقع الانفصال الحاصل بين عائلة ألمانية تعيش وتعمل في الكاميرون (الزوج مسؤول عن مشروع محاربة «مرض النوم») وابنتها تعيش في ألمانيا. الرجل مشغول دائم بعمله والزوجة تعيش عزلتها هناك وتتوق للعودة إلى ألمانيا حتى ولو أدى ذلك إلى انفصالها عن زوجها.

هذه النماذج الثلاثة تأتي مختلفة الأساليب والاهتمامات، كذلك فيلم فيم فندرز الجديد «بينا» (أو «بينا بينا بينا» كما عنوانه الألماني). المعروض في المسابقة بالأبعاد الثلاثة.

إنه عن مصممة ومدربة رقص باليه ومسرحي الألمانية بينا بوش وحسب تصريح للمخرج المعروف فإنهما كانا قررا منذ سنوات بعيدة تحقيق فيلم عن مهنتها. حينما ماتت بينا في صيف عام 2009 قرر إحياء المشروع وجلب له راقصين مسرحيين معروفين لكي يقدموا عروضا كانت بينا صممتها. هذا وحده يبدو إنجازا فنيا مهما، لكن الجديد الذي يقوم به المخرج هو أنه يعمد إلى تقنية الأبعاد الثلاثة ليقدم من خلالها فيلما فنيا صرفا، أي على عكس السائد حيث الفيلم المجسد بات مطلبا للأفلام التجارية وحدها (تم عرض 22 فيلما بالأبعاد الثلاثة في العام الماضي وحده).

كما الأفلام المذكورة سيتم العودة إلى هذا الفيلم خلال الأيام المقبلة، كذلك لبعض الأفلام الألمانية الأخرى المتكومة في عروض تظاهرتها الخاصة. واحد من هذه الأفلام يبدو من بين الأفلام الـ11 الأكثر استحقاقا للاهتمام من تلك المعروضة في التظاهرة. إنه «الجائزة» لإلكي هوك التي كانت عاشت سنوات شبابها فيما كان يسمى بألمانيا الشرقية، وهي هنا تتذكر كيف كان الحال أيامها.

فيلم «التعليم» ينطلق بعيدا جدا متحدثا عن عالم صناعي مغلق على نفسه يعيش بين الحسابات والالتزامات ما يؤثر على وضع بطله (جوزيف باندشو) العائلي.

وعلى نحو اجتماعي أيضا يحيط فيلم «زهور مثلجة» لسوزان غوردانشيكان بوضع شاب من بوسنيا يعيش في ألمانيا كمهاجر غير شرعي وبالتالي فإن عمله غير قانوني. لكن المأزق الذي يجد المسؤولون أنفسهم طرفا فيه هو أنه بعمله هذا تمكن من مساعدة امرأة ألمانية عجوز لم يشأ أولادها العناية بها.

* فيلم «الوحدة النخبة» (بانوراما) - إخراج: جوزي باديلا - تمثيل: ووغنر مورا، إراندير سارتوس، أندره راميرو - برازيل - 2010.

هذا الفيلم المعروض في قسم البانوراما هنا، والذي شوهد خلال أيام مهرجان «سندانس» هذا العام، هو رحلة مزدوجة واحدة يقوم بها المخرج إلى موضوع فيلمه السابق الذي قطف نجاحات جماهيرية كبيرة، والثانية يقوم بها المشاهد الذي ربما قد يتطلع إلى الراحة بعيدا عن أفلام الهموم الجادة ذات الأساليب الفنية الشائكة.

الجزء الثاني هذا لم يتأخر عن تلبية احتياجات المخرج لنجاح جديد حيث فاقت مبيعاته من التذاكر ما حققه الفيلم الأول. هذا على الرغم أنه يبدو، في كثير من نواحيه، ترجمة لأي فيلم هوليوودي يدور حول قسم شرطة يحقق في جرائم غامضة. منوال الفيلم هو أن مبعث هذه الجرائم فساد الأجهزة البوليسية في البرازيل، لكن هذا الجانب كثر من خاض فيه من سينمائيي هوليوود وكون علامة فارقة في سينما كلينت إيستوود الأولى حين لعب بطولة «الفارض» في السبعينات: حكاية التحري هاري (المعروف بهاري القذر - نظرا لأساليبه غير الأكاديمية في مواجهة المجرمين) الذي يكتشف خلية بوليسية تقوم بتنفيذ عمليات الانتقام من المجرمين الذين تطلقهم المحكمة نظرا لعدم وجود أدلة.

هناك نقطة لقاء آخر بين «المجبر» (The Enforcer) لجيمس فارغو وبين «وحدة النخبة 2» هو أن كليهما جاءا ليبرهن عن براءتهما من تهم نسبت إليهما بعد فيلم سابق. فكلينت إيستوود كان قدم شخصية التحري هاري في «هاري القذر» سنة 1971 أي قبل 5 سنوات من «المجبر». الأول، من إخراج دون سيغل حمل عبر موضوعه نوعا من مباركة الحلول الفردية وتنصيب التحري كقاض وجلاد في نفس الوقت. كذلك الحال بالنسبة للجزء الأول من «وحدة النخبة» حيث كان الموضوع عن بطولة رجال البوليس في مواجهة الأشرار بكل وسيلة متاحة بما في ذلك التصرف الفردي بعيدا عن البروتوكول القضائي.

الفيلم الجديد إذا تراجع عن هذا المنحى يقوم به المخرج نفسه حتى لا يوصم بأي تبعية سياسية. هذه المرة فإن بطله المنتمي إلى وحدة عسكرية تقوم بمهام رجال البوليس حين تدعو الضرورة والعمليات المعقدة يكتشف، وقد تم نقله إلى وظيفة إدارية. إن الفساد مستشر في الجهاز الأمني لمدينة ريو دي جنيرو نفسه. الاكتشاف يؤدي به إلى مجابهات متوقعة، لكنها تبقى مثيرة، بينه وبين أكثر من شخص متضرر، بينهم سياسيون في الحكومة ورجال بوليس على حد سواء.

هناك حنكة في إدارة الأحداث وسرعة في الإيقاع وتشخيص عارف بالأمور. يستفيد الفيلم طبعا من حقيقة أن الأحداث منسوجة من وقائع ليست بعيدة عما نراه. طبعا لم يحلها شخص مثل بطل الفيلم مورا، لكن مثل هذه الأفلام تحتاج إلى بطل وهذا الفيلم ليس استثناء. مورا يقدم على العمل بإيمان جلي وهو نقطة وحيدة في العمل حين يأتي الأمر إلى تشخيص وجود إنساني ما، أما الباقون فينتشرون في الزوايا أقرب إلى الزينة منهم إلى الفعل الحقيقي المنتظر.

* رسالة جعفر بناهي إلى برلين: سأنتظر تجسيد أحلامي في أفلامكم

* وجه المخرج الإيراني جعفر بناهي يوم أمس رسالة مؤثرة إلى مهرجان برلين، وفناني السينما حول العالم تحدث فيها عن وضعه كسينمائي يرفض التراجع عن مبادئه كصاحب رؤية تود التعبير عن نفسها من خلال أفلامها. وفيما يلي مقتطفات:

«عالم السينمائي مميز بقدرته على التداخل بين الواقع والأحلام. صانع الفيلم يستخدم الحقيقة كإيحاء ويلونها بألوان مخيلته ويخلق بذلك فيلما هو عرض لأحلامه وآماله».

«الحقيقة هي أنني منعت من إخراج الأفلام خلال السنوات الخمس الماضية والآن رسميا ممنوع من حقي في العمل لعشرين سنة أخرى. لكني أعلم أنني سأواصل تحويل أحلامي إلى أفلام في داخل خيالي. أعترف أنني، كمخرج واع اجتماعيا، لن أستطيع تصوير المشكلات اليومية التي تهم شعبي».

«في الواقع، لقد ضنوا على حقي في التفكير والكتابة لعشرين سنة، لكنهم لن يستطيعوا منعي من الحلم إنه بعد عشرين سنة سيتغير الظلم والقهر إلى الحرية والتفكير المشاع». «لقد حكموا علي بعشرين سنة من الصمت. لكني في أفلام أصرخ لأجل الوقت الذي نستطيع فيه أن نتحمل بعضنا البعض، ونحترم كل وجهة نظر الآخر، ونعيش من أجله».

«حقيقة الحكم علي أنني سأقضي 6 سنوات في السجن. سأعيش للسنوات الست المقبلة على أمل أن آمالي سوف تتحول إلى حقيقة. أتمنى من رفاقي المخرجين في كل مكان من العالم أن ينجزوا أفلاما عظيمة لكي أستوحي، حين خروجي من السجن، الرغبة في الاستمرار والمشاركة في عالم من الأحلام التي تحدثوا عنها».

«سأستسلم لحقيقة وضعي وللسجانين، لكني سأنتظر تجسيد أحلامي في أفلامكم آملا أن أجد فيكم ما حرمت منه».

* أرشيف برلين: 1977

* كانت المرة الأولى والمرة الأخيرة التي يقام فيها المهرجان في الربيع. أتذكر فرق الجاز عند المقاهي والسهولة الفائقة والتنظيم الدقيق معا الموضوعين في خدمة الجميع. لم تكن الأمور معقدة بالنسبة لناقد شاب جاء يحبو حبا في تلقف السينما ومتابعة دراسته لها وللحياة من خلالها. رئيس المهرجان حينها كان المبتسم دوما وولف دونر الذي كان زار موسكو الغارقة في التقاليد المقيدة وطلب بضعة أفلام لجلبها إلى المهرجان، من بين تلك الأفلام شريط المخرجة الراحلة لاريسا شبتكو. قالوا له مستحيل. قال لهم: المستحيل هو أن أتراجع عن هذا الطلب. حتى المخرجة (التي ماتت بعد سنتين تقريبا في حادثة سيارة) لم تصدق أنه فعل ذلك. الفيلم كان «الصعود»: دراما عن الناس بعد الحرب يتضمن نقدا للفترة الستالينية لا يمكن أن تفوت أحدا. ليس هذا فقط، بل ربح الفيلم جائزة مهرجان برلين الأولى وسط فرح الجميع تحية لمخرجة موهوبة عرفت كيف تقول لا بفن.

من الأفلام الأخرى التي عرضت واستقبلت جيدا: - «ربما الشيطان» لروبير بريسون (فرنسا) - «حفلة دون» لبيرس بيرسفورد (أستراليا) - «أقنعة غريبة» لبال ساندور (المجر) - «الرجل الذي أحب النساء» لفرنسوا تروفو (فرنسا) - «نيكولوديون» لبيتر بوغدانوفيتش (الولايات المتحدة) - «العرض المتأخر» لروبرت بنتون (الولايات المتحدة) - «دوائر» لكريستو كريستوف (بلغاريا) - «بين الأسطر» لجوان ميكلن سيلفر (الولايات المتحدة) - «البناة» لجورج فونز (المكسيك)

 

####

 

ألمانيا 2030: «ثورة شباب» تقابلها «ثورة عجزة» في مجتمع المسنين

سلسلة أفلام تلفزيونية تكشف مستقبل المجتمع الألماني العجوز

كولون (ألمانيا): ماجد الخطيب

«برلين تحترق»، لكن ليس بفعل قصف الحلفاء وتحرير العاصمة من النازيين هذه المرة، وإنما بسبب ثورة الشباب عام 2030. متاريس، سيارات تحترق، شباب ملثمون يصطدمون مع الشرطة المسلحة، قناني مولوتوف تتطاير، وقتلى في كل مكان.. هذه المشاهد مأخوذة عن فيلم «ثورة الشباب» الذي عرضته القناة الثانية في التلفزيون الألماني (زدف/ZDF) قبل فترة في سلسلة أفلامها «العلمية الخيالية» التي تتنبأ بمصير المجتمع الألماني بعد 20 سنة.

كاتب سيناريو الفيلم يورغ ليودورف رفض تسمية فيلمه بـ«سيناريو رعب»، لأنه بنى كل المشاهد على حقائق مأخوذة من دائرة الإحصاء المركزية حول البنية الاجتماعية لألمانيا بعد عقدين من الآن. ويفضل ليودورف تسمية الفيلم «ديموغرافي للخيال العلمي»، أو «فيلم حقائق علمية»، وقارنه بفيلم آخر عرضته قناة التلفزيون الألمانية نفسها قبل 4 سنوات وعنوانه «ثورة المسنين»، وهو فيلم يصور انتفاضة المسنين على المجتمع بسبب إهمال الدولة لهم.

هذا لا يعني غير أن بلد الرفاهية ألمانيا سيكون عرضة لانتفاضات وصراعات أجيال قد تجعله مثل فيلم «الأفعى» الذي مثله كورت رسل للمخرج الأميركي المعروف جون كاربنتر ويصور الوضع في الولايات المتحدة مستقبلا. يستخدم فيلم «الأفعى» الخيال العلمي الهوليوودي لإيصال تحذيره للقائمين على الدولة الآن. لكن فيلم «ثورة الشباب» يؤسس وقائعه على حقائق علمية تقول بأن مفتاح الحل لانتفاضات 2030 يجب أن يصنع اليوم ومن خلال توفير ما يكفي من الرعاية الاجتماعية لجيل الألفية.

يصور الفيلم انتفاضة الشباب الضائع، الذي لا يملك ما يخسره، ضد المجتمع الذي جرده من حقوق الدراسة والتأمين الصحي. تجري أحداث الفيلم في برلين عام 2030 في حي اسمه «هوللينبيرغ» (أي جبل الجحيم)، لكن أحداث الفيلم صورت، وذلك واضح للعيان، في حي «شونبيرغ» الحالي الذي تقطنه غالبية من متوسطي الحال. وهي إشارة واضحة إلى أن مستقبل ألمانيا القريب يضمر للمجتمع هبوط الطبقة الوسطى إلى مستوى العدم، وتحول الحي شبه الراقي إلى حي معزول للخارجين عن القانون والشباب المعدمين والهاربين من ديون الشركات... إلخ.

وتتابع كاميرا الفيلم طوال 90 دقيقة حياة ومصائر 10 شباب من مواليد عام 2000، ومنحهم لذلك اسم «شباب الميلينيوم». ويستعرض الفيلم يوم ولادة البطل تيك برودنسكي بين أحضان عائلة متوسطة الحال، وكيف تتحول هذه العائلة، خلال 30 سنة، إلى عائلة معدمة لا تستطيع تمويل دراسة ابنها، ثم تتحول فيها الأم إلى مقعدة «اجتماعيا» وغير قادرة على رعاية نفسها صحيا.

تبدأ القصة بإعلان السلطات عن موت الشاب تيم برودنسكي في المستشفى، وتقول القصة الرسمية إنه حاول اقتحام المركز الوطني للمعلومات الإلكترونية، وإنه أصيب بطلق ناري. وتشك صديقته الميلينيومية صوفي والصحافية لينا في القصة، وتبدآن رحلة البحث عن تيم. وتكتشفان أنه ظل ينزف ساعة ونصف الساعة إلى أن «مات» في مستشفى حكومي من دون أن يسعفه أحد، ولأنه غير مؤمن عليه صحيا، فهو غير قادر على دفع كلفة العلاج، ولأنه أساسا «ميت» من قبل أن تقتله الرصاصة. فجيل شباب المستقبل، المحروم من كل الحقوق، لا يجد طريقة للتحرر من قيود المجتمع إلا بافتعال موته والانتقال للعيش في جحيم «هوللينبيرغ»، وهي الطريقة الوحيدة للخلاص من الديون، ومن ملاحقة الشرطة، ومن العمل القسري، وغيرها من الأسباب. شباب بلا دراسة ولا أمل ولا مستقبل، يفضلون العيش بحرمان في «هوللينبيرغ» على الاندماج في المجتمع، يتجمعون وينتظرون إشارة الانتفاضة التي تلهب شوارع برلين.

والفيلم يصور عام 2030 حيث يسود التأمين «الصحي الطبقي»، بمعنى توافر الرعاية الطبية فقط لمن يقدر على الدفع، وهو مجتمع المسنين، أي يشكل المسنون فيه أكثر من 60 في المائة، ومجتمع الأجور الدراسية العالية التي تقف حاجزا أمام ملايين العائلات من دون تأمين الدراسة لأولادها وبناتها. وعلى جيل الميلينيوم السعيد أن يعيش في مجتمع يحتاج فيه 30 مليونا لرعاية المسنين، ومالية الدولة عاجزة عن توفير ذلك، ويشكل المسنون والشباب نسبة 84 في المائة في حين أن نسبة العاملين لا تزيد على 14 في المائة. ومن يود بعد 30 سنة ضمان راتب تقاعدي بسيط فعليه أن يدفع لشركات التأمين ضعف ما يدفعه اليوم، وبهذا يعيش فقيرا ويتقاعد وهو أفقر.

وتنطبق هذه المعطيات التي يطرحها الفيلم مع توقعات دائرة الإحصاء المركزية الألمانية في فيزبادن. إذ تقول الإحصائية الرسمية إن المجتمع الألماني عام 1990 كان يتألف من 52.4 من العاملين، 47.8 في المائة من الشباب (تحت سن 17) والمسنين، وأصبحت هذه النسب على التوالي 59.2 و60.8 في المائة عام 2000، ثم ستصبح 39.3 و60.7 في المائة عام 2020، و27.2 و72.8 في المائة عام 2030، و15.2 في المائة و84% في المائة عام 2050.

الباحث الألماني المعروف يورجن ليمنسكي (59 سنة)، من معهد الدراسات السكانية في سانت أوغستين (قرب بون)، قال إن الفيلم يقترب كثيرا من الواقع. بل إنه من الممكن تلمس بعض التطورات منذ الآن، خصوصا رفع أجور الدراسة، وتقليل مخصصات التأمين الصحي، وتقليل موارد متلقي المساعدات الاجتماعية، وارتفاع معدلات البطالة.. إلخ وأضاف أن ما يتنبأ به الفيلم من تحولات اجتماعية وديموغرافية تقترب من تقديرات دائرته، شكك في درجة «الانتفاضة» التي صورها الفيلم، وقال إن استخدام العنف والعنف المضاد سيعتمد إلى حد كبير على طريقة تعامل السلطات مع الموضوع في المستقبل.

قبل أربع سنوات عرضت القناة الثانية في التلفزيون الألماني تصوراتها المستقبلية حول مصير المجتمع الألماني في فيلم أثار ضجة حقيقية في المجتمع. وتناولت «ZDF» في ذلك الفيلم، المعنون «ثورة المسنين»، مصير الأكثرية الهائلة من السكان العجائز بالضد من الأقلية الشبابية. وصور الفيلم، الذي عرض في جزءين، تناقضات الدولة المفلسة مع جيل المسنين المهمل، وصراع الأجيال في دولة صارت تتعامل مع المسنين كزائدة دودية ملتهبة لا بد من استئصالها لمنع احتضار المجتمع المريض.

وتابع الفيلم، في ضوء المعطيات الديموغرافية عن تطور السكان في المجتمع، مصير العجزة والمتقاعدين عام 2030 أيضا. فحسب تصورات المخرج سيصبح المسنون عبئا على الدولة نتيجة كثرتهم، ولا ينال منهم الرعاية الكفاية إلا من دفع جزءا كبيرا من مرتبه للتقاعد.

بل إن الموت الرحيم سيجاز في ألمانيا بعد 20 سنة، بهدف التخلص من الأعباء المالية والطبية الناجمة عن رعاية المسنين. وإذا كانت الحكومة الألمانية الحالية تحظر تصدير السموم الألمانية الصنع لاستخدامها في غرف الإعدام الأميركية، فإن حكومة 2030 ستستخدم هذه السموم «لتخليص المسنين من آلامه».

في الجزء الأول من الفيلم، ومن منظار علمي إحصائي، يستعرض المخرج كيف تعجز المستشفيات ودور المسنين عن استيعاب المسنين الذين تلفظهم عوائلهم لأسباب مادية، وكيف تتحول دور السينما إلى «جيتوهات» لحفظ المسنين كما يحفظ السردين، وكيف يتم تجميعهم في معسكرات، تقترب من معسكرات الاعتقال النازي، وتقودها شركات لا إنسانية في التعامل معهم، وكيف يتلقون الغذاء عبر شبكة أنابيب بلاستيكية تشبه قنوات توزيع البريد في الدوائر الألمانية الكبيرة. وعلى هذه الأساس تبتكر شركات رعاية المسنين «قبو النهاية» الذي يتم فيه تجميع العاجزين واختيار بعضهم كل يوم لتلقي حقنة «السم الرحيم». بل إن ألمانيا، التي تستضيف اليوم ملايين المهاجرين، ستتحول إلى دولة مصدرة للمسنين، الذين يختارون الهجرة طوعا، أو هربا من مصيرهم المحزن في ألمانيا، إلى بلدان أفريقيا.

الجزء الثاني من فيلم «ثورة المسنين» يركز على انتفاضة الأغلبية المهملة ضد الدولة. والفيلم يختلف عن ثورة الشباب في كونه وثائقيا – علميا، في حين أن «ثورة الشباب» أخذ شكل الفيلم الروائي. وتبدأ ثورة المسنين بسبب الجوع، فيهاجمون محلات الأغذية وينهبونها، ثم يقتحمون الصيدليات بغية الحصول على ما يكفي من الدواء. بعدها ينظمون أنفسهم لمهاجمة البنوك ومراكز الدولة ومراكز الشرطة بحثا عن المال والسلاح.

ويطلق الفيلم على قيادة ثورة المسنين اسم «كوماندو المسنين الغاضبين» التي تنظم أيضا عمليات احتلال شركات التأمين بهدف تأمين المال اللازم لإجراء العمليات الجراحية لهم. وطبيعي ستواجه الدولة عنف المسنين بعنف مقابل، فتفتح «سجون المسنين» لتكون بديلا لدور العجزة، وترسل القادرين منهم على العمل إلى معسكرات اعتقال تجبرهم على عمل السخرة.

حينها، وكما في فيلم «ثورة الشباب» الحالي، عبر الباحثون الاجتماعيون عن قناعتهم بأن أحداث «ثورة المسنين» لا تتناقض مع الواقع ومع التوقعات. وقال البروفسور ماينهارد مينغل، المتخصص في شؤون المتقاعدين، إن ثورة المسنين مستقبلا ممكنة لأن 33 في المائة منهم اليوم يعيشون تحت خط الفقر. وأيده بذلك البروفسور رودولف إيغ، الباحث في الشؤون الإجرامية من شرطة ميونيخ، الذي أشار إلى ارتفاع نسبة الجرائم التي يرتكبها أشخاص يزيد عمرهم على 60 سنة بنسبة 50 في المائة في السنوات العشر الأخيرة. وشهدت المحاكم الألمانية خلال هذا العقد محاكمة 160 ألف مسن بتهمة ارتكاب جنايات مختلفة.

تؤكد ذلك أيضا نتائج دراسة نشرتها مؤخرا جامعة غوتبورغ السويدية التي أشارت إلى أن المسنين أصبحوا في العقود الأخيرة أكثر «شبابا» وأكثر ذكاء وقوة. وتوصل الباحثون إلى هذه النتائج بفضل امتحانات في الذكاء واللياقة أجريت على المسنين منذ عام 1970.

وذكرت الباحثة سيمونا ساكوي أن الجيل القادم من المسنين سيكون أذكى وأقوى بفعل الرعاية الصحية الجيدة حاليا، وبفضل التغذية الجيدة، وتقدم الوعي الصحي، والتحسن الكبير في العلاج وتطور التقنيات التي تعينهم على الاحتفاظ بالذاكرة والقوة. فوسائل معالجة الزهايمر وخرف المسنين والضمور العضلي تتحسن وتتحسن معها الأوضاع الصحية للمسنين.

 

الشرق الأوسط في

12.02.2011

 
 
 
 
 

جعفر بناهي..الحاضر الغائب في المهرجانات السينمائية

ميدل ايست أونلاين/ برلين

دعوات بالجملة تلقاها السينمائي الإيراني، لكنه لن يستطيع تلبيتها بسبب سجنه من قبل السلطات الإيرانية بتهمة 'مناهضة النظام'.

بات السينمائي الايراني جعفر بناهي المدعو الدائم الى المهرجانات السينمائية الدولية الكبرى، الا انه لم يلب ايا من هذه الدعوات بسبب الحكم عليه بالسجن ست سنوات بعد ادانته بتهمة تصوير تظاهرات مناهضة للحكومة.

فبعد مهرجان كان في ايار/مايو والبندقية في ايلول/سبتمبر، يكرم مهرجان برلين الجمعة بناهي من خلال عرض افلامه بالتزامن مع الاحتفال بذكرى الثورة الايرانية في طهران.

وقد حكم على بناهي في كانون الاول/ديسمبر الماضي بالسجن ست سنوات وبمنعه عن تصوير الافلام ومغادرة البلاد لمدة عشرين عاما بعد ادانته بتهمة "المشاركة في تجمعات وبدعاية مناهضة للنظام" من خلال تصويره تظاهرات نظمت ضد النظام الايراني في العام 2009.

وجعفر بناهي البالغ الخمسين معروف بانتقاداته اللاذعة للاوضاع الاجتماعية وهو احد اهم مخرجي "الموجة الجديدة "في السينما الايرانية.

وللمرة الثالثة في غضون اشهر قليلة ترك كرسي فارغا الخميس في افتتاح مهرجان برلين ليرمز الى المخرج الذي دعي الى المشاركة في لجنة التحكيم لكنه تخلف عن ذلك بسبب منعه من مغادرة بلاده.

واكدت الممثلة والمنتجة ايزابيلا روسيليني التي ترأس لجنة التحكيم في الدورة الحادية والستين لمهرجان برلين "لا نزال نأمل بان يتمكن من المجيء. لم نتخل عن هذا الامل" مشددة على ان المهرجان اراد من خلال دعوته "اتخاذ موقف واضح مؤيد لحرية الفنان".

وجعفر بناهي حائز جائزة الكاميرا الذهبية في مهرجان كان والدب الفضي في مهرجان برلين والاسد الذهبي في البندقية. وقد اعتبر مدير المهرجان ديتر كوشليك انه نال "عقابا صارما جدا على فيلم غير موجود حتى".

ويفيد انصار بناهي ان الحكم الصادر عليه اتى بالاستناد الى مشاهد لا تشكل فيلما.

واعتبر الفيلسوف الفرنسي برنار هنري ليفي احد كبار داعمي المخرج الايراني ان تكريم المهرجان لبناهي "مهم" جدا. واضاف "هذا يسمح بالضغط على القضاء وعلى الضحية. لانه بالنسبة لبناهي ما من شيء يدفعه الى اليأس اكثر من شعوره بانه تم التخلي عنه".

وتابع برنار هنري ليفي يقول ان "مهرجان برلن لا يكفي" داعيا "عالم السينما" الى الوقوف "خمس دقائق صمت تكريما لبناهي" الذي وضع في الاقامة الجبرية بعدما افرج عنه بكفالة اثر استئنافه للحكم الصادر في حقه.

ويتوقع صدور قرار القضاء الايراني بحلول نهاية الشهر الحالي على ما افاد ليفي.

وسيتمكن الجمهور في مهرجان برلين الجمعة من مشاهدة فيلم "تسلل" الذي حاز جائزة في العاصمة الالمانية العام 2006 وهو يتناول قصة فتاة في ايران تتنكر بلبس صبيان لتتمكن من حضور مباراة لكرة القدم. ويتزامن العرض مع الاحتفالات الجمعة بذكرى انتصار الثورة الايرانية في 11 شباط/فبراير.

والاسبوع المقبل ينظم مهرجان برلين نقاشا حول الرقابة بمشاركة سينمائيين ايرانيين امثال رافي بيتس الذي عرض له فيلم "ذي هانتر" (الصياد) في دورة العام الماضي وعلي صمدي احادي مخرج وثائقي عن التظاهرات التي تلت اعادة انتخاب محمود احمدي نجاد رئيسا للبلاد العام 2009، بعنوان "الموجة الخضراء".

وقال صمدي احادي المقيم في المانيا لمجلة "تيب" الصادرة في برلين ان "السينما الايرانية في حالة طوارئ لان الحكومة لا تدع الناس يعملون فعلا منذ العام 2009".

لكنه حذر من ان "الحكومة تضرب حقوق شعبها عرض الحائط راهنا فلم لا تفعل ذلك ايضا بالمجتمع الدولي؟".

 

ميدل إيست أونلاين في

12.02.2011

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004