يوسف شاهين:
استمر في الإبداع لأنني مدلل
القاهرة ـ مازن
حمدي
في العاشرة من مساء الأحد الماضي، كان المخرج
الكبير يوسف شاهين في انتظار وزير الإعلام المصري د· ممدوح البلتاجي، في
مدخل مجمع
صالات ''فاميلي سينما''، على كورنيش المعادي -جنوب القاهرة- والذي يملكه
جهاز
السينما التابع لمدينة الإنتاج الإعلامي·
وصل د· البلتاجي مهنئا شاهين بفيلمه
الجديد ''اسكندرية نيويورك''، احتضنه شاهين باسما·· والتف فريق العمل حول
شاهين
ووزير الإعلام، من يسرا -التي حضرت متأخرة- إلى محمود حميدة - بطل شاهين
المفضل،
والذي يلعب في الفيلم دور شاهين نفسه- وأحمد يحيى راقص الباليه
في دار الأوبرا
المصرية الذي اختاره شاهين ليلعب دوره، وهو شاب في مطلع العشرينات من عمره،
عندما
كان يتعلم أصول فن السينما في معهد ''باسادينا'' بكاليفورنيا في أميركا
،1946
و''يسرا اللوزي'' الوجه الجديد الساحر الذي اختاره شاهين
ليشارك أحمد يحيى البطولة،
ولبلبة، وهالة صدقي، وماجدة الخطيب·
العرض تقاطر عليه الفنانون، والنقاد،
والصحافيون وعدد من الشخصيات العامة، وانهمرت الصور الفوتوغرافية تجمع
شاهين مع
أحبابه·· وعلى وجهه ضوء الفرح وابتسامة حميمية، حتى جاء موعد عرض الفيلم·
وبعد
انتهاء عرض الفيلم الذي استغرق 130 دقيقة تقريبا في 100 مشهد عادت الوجوه
لتلتقي
شاهين·· والتأموا مجددا في الصور الفوتوغرافية·· شاهين كان
سعيدا أكثر في هذه
المرة، بعد أن لمح بعينيه اللتين لا تخطئان قراءة وجوه البشر، سعادة
وترحيبا بفيلمه
الجديد ''اسكندرية نيويورك''·
د· البلتاجي امتدح شاهين بعد العرض وهنأه بحرارة·
وقد أوصى ممدوح الليثي رئيس جهاز السينما بأن تكون كل أفلام الجهاز، من
طراز فيلم
شاهين الذي يعرض لقضية ضخمة وملحة·· والتف الفنانون حول البلتاجي يلتقطون
معه
الصور، وفك شاهين عقدة ربطة عنقه، وأبدى ارتياحا كبيرا بعد أن
ظل قلقا طوال الوقت،
يتنقل بين الحضور مستطلعا ما في العيون·
فيلم ''اسكندرية نيويورك'' استغرق
تصويره 12 أسبوعا متقطعا في قرابة عامين، بين أميركا ومصر، والسر في كل هذه
المدة
الطويلة أن شاهين تعرض لأزمات قلبية عدة، أدخلته المستشفى فضلا عن تعطيل
السلطات
الأميركية التصوير في بادئ الأمر، لأن شاهين ذهب للتصوير في
أعقاب أحداث 11 سبتمبر
،2001
حين شدد الأميركيون إجراءات دخول وخروج العرب من وإلى الولايات
المتحدة·
الطفل يوسف
الفيلم إنتاج مشترك بين شركة أفلام مصر العالمية
التي يملكها يوسف شاهين، وجهاز السينما بمدينة الإنتاج الإعلامي، ووفق
التعاقد بين
شاهين والجهاز، فإن شركته تتولى التوزيع الخارجي للفيلم في العالم العربي،
وفي
الفضائيات الفرنسية، والأوروبية، فيما يتولى جهاز السينما
تمويل جزء من ميزانية
إنتاج الفيلم وتوزيعه في مصر، حيث يعرض في 27 دار عرض بين القاهرة،
والاسكندرية كما
أسهم في الفيلم المركز القومي للسينما الفرنسية الذي أسهم في عدة أفلام
لشاهين من
قبل، لكن الجهد الذي بذله شاهين في صنع فيلمه المنتظر، والذي
بدأ عرضه التجاري الآن
في مصر عوضته تلك الليلة الساهرة مساء الأحد الماضي·
وجد شاهين كل أصدقائه
ومحبيه من حوله، من أصغر الأجيال ''الطفل يوسف عثمان'' بطل فيلم ''بحب
السيما''
الذي شهد مشاكل ضخمة لدى عرضه، ويشهد الآن
دعوى قضائية لوقفه، ويوسف لا يزيد على 10
سنوات الآن ثم جيل شريف منير وخالد النبوي إلى جيل البلتاجي
وشريف الشوباشي -رئيس
مهرجان القاهرة السينمائي- وكان من المقرر ان يحضر العرض وزير الثقافة
فاروق حسني،
ولكنه تخلف عن الحضور لإصابته بالانفلوانزا قبل العرض بنحو يومين واستمرت
الليلة
الساهرة لما بعد الواحدة، بعد منتصف الليل·
وحطم شاهين في الليلة الساهرة أهم
تعليمات الأطباء له، وهي عدم التدخين·· فبدا مدخنا شرها، لأن قلب شاهين كان
يرقص
طربا، بتتويج 55 عاما من العمل السينمائي بهذا الفيلم، وانعكس قلبه
''الشاب'' على
وجهه الذي بدا متهللا في نهاية العرض·
حدوتة شاهين
وتدور أحداث الفيلم ما بين
نيويورك في بداية الألفية الثالثة، وكاليفورنيا، والاسكندرية في منتصف
أربعينات
القرن العشرين· أحداث ''اسكندرية نيويورك'' تدور في عام 2001 وفي أهم مركز
ثقافي
بنيويورك ''لينكولن سنتر''، حيث يكرم المخرج السينمائي المصري
الشهير ''يحيى'' -75
عاما- وليس يحيى إلا يوسف شاهين ذاته، وقد اختار لنفسه هذا الاسم من قبل في
أفلامه
الذاتية الثلاثة السابقة ''اسكندرية ليه'' 1980 و''حدوتة مصرية'' ،1983 و''اسكندرية
كمان وكمان'' ·1991 تبدأ أحداث الفيلم بلقاء بين سيدة أميركية
''جينجر'' -يسرا- ''75
عاما'' ويحيى، ونكتشف أنهما قد تزاملا في معهد ''باسادينا'' بكاليفورنيا في
الأربعينات، وعاشا قصة حب استمرت أكثر من 50 عاما لم تنفصم عراها إلا بسبب
حقائق
الجغرافيا، وأثمرت العلاقة الزوجية شابا نصف مصري، هو الراقص
الأول لفرقة ''نيويورك
باليه ثييتر'' ويلعب دوره أحمد يحيى·
''جينجر'' تفاجىء يحيى بأن له ابنا لا يعلم
عنه شيئا، ليصبح أكبر هدية له، وعندما تصارح ابنها بأن يحيى هو أبوه
الحقيقي، يثور
ويرفض هذه الأبوة، ويرفض شخص الأب الذي هبط عليه من بلاد تربى
على أنها بلاد جاهلة
متخلفة·
و''يحيى'' حين يصطدم بهذه الأفكار من الابن يتأكد لديه الإحساس الذي ظل
مسيطرا عليه طيلة عمره بأن أميركا في الأربعينات قد اختلفت عن
أميركا الراهنة، وأن
سينما هوليوود الحالمة التي أحبها يحيى وافتتن بها، اختلفت عن سينما
السوبرمان
الأميركي الذي لا يهزم في القرن الواحد والعشرين، والتي تعد الاختصار
الموضوعي
لتغير حال أميركا·
وتحاول ''جينجر'' جاهدة -وعلى طول خط سرد الفيلم- أن تقرب
الابن من أبيه، لتجعله يقبله ولا تجد طريقة سوى أن تكشف للابن
قصة حبها مع والده،
ومن خلالها تعرِف الابن، وتعرِف المشاهد معه على تاريخ هذا الأب وحياته
وكفاحه
والعذابات التي ذاقاها سويا أو كل منهما بمفرده، ليندلع الصراع الأساسي في
الفيلم،
في داخل نفس الفتى ''أحمد يحيى'' بين الثقافة الأميركية التي
غرست داخله منذ
الطفولة، وفكرة القبول بالآخر واحترام ثقافته والتعاطي معه·
وظهرت في الفيلم
شخصية يهودية أميركية شديدة التسامح ومنحازة ليحيى وعلاقته بأمه، وهي
''بوني''
صديقة جينجر ولعبت دورها ''هالة صدقي''،
كما ظهرت شخصية أرمنية هي ''سعاد نصر''
التي لعبت دور بائعة ''الهوت دوج'' والتي ظل يحيى يتناول منها السندوتشات
لمدة
عامين قضاهما في أميركا للتعلم في معهد ،باسادينا''، قبل ان يعود إلى
القاهرة أوائل
عام ·1948
إلى جانب هذه الشخصيات ظهرت ''لبلبة'' التي قامت بدور زوجة ''يحيى''
المصرية، والتي أبلغته في بداية حياتهما
الزوجية أنها عاقر فطلب منها يحيى أن
تعتبره ابنها الذي كانت تتمناه، ولهذا السبب استمرت العلاقة
الزوجية بينهما·
أما
ماجدة الخطيب فهي ''شينوايز'' تلك الأميركية التي تولت تعليم ''يحيى'' فن
التمثيل
والإخراج في معهد ''باسادينا'' وكانت تراهن عليه بوصفه الوحيد الذي يحصل
على
الدرجات النهائية، وتصدت لمجلس إدارة المعهد حينما وقف مكتوف
اليدين، ولم يساعد
يحيى الذي امتنع أهله عن إرسال نفقات تعليمه قبل تخرجه بفترة قصيرة، وطالبت
المجلس
بتحمل مسؤوليته تجاه الطالب النابغة وإلاَ ''فلتسقط أميركا'' على حد
تعبيرها في
حوار الفيلم·
حول العالم
ويسافر يوسف شاهين بصحبة فيلمه ''اسكندرية
نيويورك'' إلى تونس السبت المقبل، لحضور افتتاح الفيلم هناك بعد افتتاحه في
كل من
مصر، والأردن، ولبنان ولحضور مهرجان قرطاج الدولي، ثم يطير إلى ''فينيسيا''
ليرأس
لجنة تحكيم مهرجانها السينمائي الدولي·
المهرجان الوحيد الذي تلقى منه شاهين
دعوات لعرض ''اسكندرية نيويورك'' هو ''كان'' الفرنسي في دورته الأخيرة مايو
الماضي،
كما تلقى دعوات من مهرجانات دولية كثيرة لم يحدد شاهين موقفه من الاشتراك
في أي
منها·
شاهين يعكف هذه الأيام على تحديد الملامح الأساسية لفيلمه الجديد، الذي لم
يشأ أن يكشف عن فكرته أو تفاصيله إلى الآن، ولكن شاهين يؤكد أن ''اسكندرية
-
نيويورك'' آخر حلقة من سلسلة أفلام سيرته الذاتية، وبالتالي فإن فيلمه
القادم لن
يكون عن حياة شاهين أو تجاربه الخاصة، ''فاسكندرية ليه'' عرض لحياته طالبا
في
الثانوي، وحبه للسينما في سنوات الحرب العالمية الثانية وصولا إلى ركوبه
البحر
للسفر إلى أميركا، أي من 1939 إلى ،1946 ويعرض ''حدوتة مصرية''
لحياته ومسيرته
الفنية بعد عودته من أميركا 1948 وحتى أوائل الثمانينات، فيما عرض ''اسكندرية
كمان
وكمان'' لصفحات من حياة شاهين الراهنة خلال الثمانينات والتسعينات، وهكذا
يكمل
''اسكندرية نيويورك'' الحلقة المفقودة في هذه السلسلة من الأفلام وهي
الحلقة التي
تشكل العامين اللذين قضاهما في أميركا للدراسة 1946-·1948
سألت يوسف شاهين:
الليلة يلتف حولك كل أحبائك ليشاهدوا فيلمك الجديد·· بماذا تشعر؟
قال: أنا سعيد
للغاية وأشعر بأن كل الجهد المضني الذي بذلته خلال ثلاثة أعوام من التحضير
والكتابة
والتصوير لهذا الفيلم قد أثمر والسعادة تبدو على وجوه الحضور وهذه جائزتي
الحقيقية·
·
وجوائزك العالمية؟
أرحب بسعادة الجمهور ومحبي السينما بأعمالي
أكثر من أي جائزة عالمية، وأنا حصدت جوائز عالمية كثيرة و''شبعت'' منها ولم
أعد
أريد المزيد·
·
في كل فيلم لك رؤية وطرح سياسي
وإنساني·· ما الذي تريد أن تقوله
للجمهور في ''اسكندرية نيويورك''؟.
قلت في هذا الفيلم الكثير للجمهور،
والجمهور هنا هو المصريون والعرب وكل البشر باختلاف ثقافاتهم وألسنتهم فأنا
أميل
إلى تقديم أفلام يفهمها البشر ويشعرون بها بدون أن يحسوا باغتراب، وأنا
أناقش
علاقتنا بالآخر ولا شك أن ''الآخر'' بالأساس هو أميركا، التي
لم تعد تفهمنا ولا
تريد أن تفهمنا، وتنظر إلى كل عربي على أنه متشدد وإرهابي لا لشيء إلا
لكونه
عربيا·
الفيلم يرصد هنا الانقلاب في الشخصية الأميركية، التي وقعت في غرامها من
خلال أفلامها الاستعراضية الحاشدة، والرومانسية أيضا في
الثلاثينات والأربعينات،
وبعكس هذه الدموية التي تتسم بها الآن باسم محاربة الإرهاب·
·
في أفلامك تمزج
الواقع بالخيال، فما مساحة كل منهما في ''اسكندرية نيويورك''؟
الواقع أنني
ذهبت لأميركا وتعلمت فيها وأحببت أول فتاة في حياتي في كاليفورنيا·· كانت
فتاة
صغيرة، جميلة، وبارعة في رقص الباليه، وتوقعنا لها أن تصبح
نجمة هوليوودية، ولكنها
لم تكمل الطريق·
أما الخيال فهو زواجي منها وإنجابي لشاب مصري -أميركي جميل بارع
في التمثيل وفي الرقص، وتخيله ممزقا بين مصر وأميركا، بين
الغرب والشرق، وبين أفكار
إنكار الآخر وأفكار قبوله، هذه هي الأزمة التي نعيشها الآن، وهي مطروحة في
كل
المجتمعات·· ألم أقل لك: إنه فيلم إنساني؟
رسالة للجمهور
·
هل تعتقد بأن طرحك
هذا سيصل إلى الفئات البسيطة من الجمهور؟
لا أفهم هؤلاء الذين ينصبون أنفسهم
أوصياء على الجمهور، ويفترضون فيه ضآلة الفهم والوعي، مع أن أفلامي عادة
تحقق نجاحا
جماهيريا واسعا، وكل أفلامي من أول ''بابا أمين'' -1949- وصولا إلى هذا
الفيلم عن
البسطاء وموجهة إليهم أيضا·
·
ماذا لو هاجمك بعض النقاد،
ووصفوك بالتعالي على
هذا الجمهور كما حدث مع بعض أفلامك في السابق؟
ليكتبوا ما يشاؤون، فأنا أصنع
السينما التي أهواها، والتي أقتنع بها، وهم أيضا لهم قناعاتهم وأحرار فيما
يكتبون
حتى لو كانوا على خطأ·
·
هل سيكون هذا الفيلم آخر أفلامك
الذاتية؟
إلى
الآن·· نعم، ولكن لو ظهر في حياتي ما يستدعي أن أسجله سينمائيا فلن أتردد،
وطالما
أنا على قيد الحياة فسوف أظل أقدم الأفلام الذاتية، وغير
الذاتية·
·
لماذا اخترت
محمود حميدة لتمثيل دورك هذه المرة''؟
لأنني قدمت محسن محيي الدين في دوري في
''اسكندرية ليه''، ونور الشريف في ''حدوتة مصرية'' وقمت به بنفسي في ''اسكندرية
كمان وكمان'' وحميدة ممثل رائع وراقص عظيم بدأ حياته الفنية راقصا في فرق
الفنون
الشعبية·· وكذلك اعتقد بأن أحمد يحيى اكتشاف جميل، وله مستقبل عريض، ويسرا
ولبلبة
وماجدة الخطيب في أفضل حالاتهن·
·
كم تكلف هذا الفيلم؟
لا أريد الخوض في
هذه التفاصيل، ولكن الفيلم تكلف عدة ملايين، لأن تكلفة التصوير الخارجي في
أميركا
باهظة جدا ولم يكن ممكنا الاستغناء عنه·
·
55 عاما من السينما·· هل أنت راض
بعدها عن نفسك وتشعر بأن لديك الكثير لتقدمه؟
نعم·· لدي الكثير لأقدمه،
فالسينما هي كل حياتي والتوجه الأساسي في تفكيري وحياتي اليومية، أما الرضا
عن
النفس فهو يأتيني عقب ليلة حلوة مثل هذه الليلة ثم سرعان ما تستبدله نفسي
القلقة
بالبحث عن الجديد، وأشعر دائما بأنني يمكن أن أقدم الأفضل، أما
جمهوري وكذلك الكتاب
والنقاد والمثقفون فقد أعطوني حقي طوال الوقت، لدرجة أنني أشعر بأنهم
''دللوني''
بما فيه الكفاية وزيادة، وهم السبب الأول
في استمراري في صناعة السينما، وكذلك
تلاميذي من المخرجين الكبار المخلصين والبارعين فنيا مثل علي
بدرخان وخالد يوسف
الذي كتب معي سيناريو هذا الفيلم، وساعدني في إخراجه وإخراج عدة أفلام قبله!
|