لا تستغربوا هذا العنوان, فقد بات حقيقةً, فهو
مقتبس عن فيلم المخرج أسامة فوزي الأخير " بحب السيما ", والذي يدور حول
العشق لهذا الفن السينمائي الرفيع, والذي سوف يتحول مع الأيام إلى حب
الديجيتال, بعد أن كان حباً عادياً للشريط السينمائيّ الذي نعرفه كلنا.
فقد قرأت منذ أيام قليلة خبراًسينمائياً لافتاً,
مفاده قيام المخرج السينمائي السوري محمد ملص بإنتاج فيلمه السينمائي
الأخير " باب المقام ", وهو أول عمل سينمائي من إنتاج فرنسي-تونسي-سوري
مشترك يصور بكاميرا الديجيتال, على أن يتم تحويل نسخة الفيلم في مرحلة
لاحقة إلى شريط 35ملم, حيث يصور كامل الفيلم بلقطة واحدة، ويعد هذا المشروع
واحداً من ضمن تجارب سينمائية مختلفة على ذات الصعيد, وسوف يتم عرضه للمرة
الأولى خلال مهرجان قرطاج السينمائي المزمع إقامته في أوائل أكتوبر المقبل.
وقد كانت أولى التجارب العالمية على صعيد هذا
الفن السينمائي فيلم
Time Code
, حيث صور الفيلم بلقطة واحدة, ودون تقطيع مونتاجيّ, وقد يدخل هذا الفيلم
في أطر المدارس التجريبية, نظرا لان الفيلم عرض في أربع لقطات تصور كامل
أحداث الفيلم في وقت واحد، ويتم لفت النظر إلى المشهد المراد التركيز عليه
عن طريق رفع صوت اللقطة في مقابل انخفاضها في باقي لقطات الفيلم الثلاث .
إلا أن الديجيتال يعد اليوم باباً لخلاص الكثير
من الراغبين بإنتاج أفلام سينمائية بميزانية منخفضة, وفي أحيان أخرى, من
دون ميزانيات أساساً ، فهذا الدرب السينمائي بات مطروقاً ومعروفاً لدى
الكثيرين, فبالإضافة إلى إمتيازه بإنخفاض تكلفته, وسهولة إنجازه, فهو إلى
جانب ذلك, يخرج بشكل متقن على صعيد الصورة, ويسمح بتكرار التجارب, وتصوير
المشاهد على اختلافها, وتعددها, وتنوعها, بدون الاهتمام بما يصرف من مادة
فيلمية على العمل, وهذا كله لم يكن متوافراً, أو على الأقل, صعب التنفيذ
على شريط ال35, أو 16 ملم, إلى جانب ذلك, فإن من أهم ما خلقه الفيديو أو
الديجيتال في عالم السينما: ديمقراطية التعبير عن الأفكار, والمعتقدات,
والقدرة على الارتجال, هذا إلى جانب القدرة على التغيير في المشاهد,
والتصوير متى شاء مخرج الفيلم ذلك، مما دفع الكثير من التجريبيين,
والسينمائيين الشباب للجوء إلى هذا النوع من التصوير السينمائي, ولكن
اللافت فعلياً, هو كون الأمر لم يعد قاصراً على التجارب الشبابية
التجريبية, بل إمتد ليشمل تجارب المخرجين المتمرسين : أمثال محمد ملص,
رشيد مشهرواي, محمد خان, وخيري بشاره,00الذين يعدون لتجارب ديجيتال قادمة,
وقد يكون الهدف من وراء ذلك, هو التقليل من وصاية جهات الإنتاج على
منفذيها, و التخلص من اشتراطاتها التي قد تؤثر في جودة العمل وأصالته،
فتصوير الفيلم بهذه الطريقة, ثم المشاركة فيه في عدد من المحافل السينمائية
العربية والعالمية, وتحقيق النجاح عبر نسخته الديجيتال, قد يسمح في مرحلة
لاحقة بعرضه على جهات إنتاج تقوم بتحويله إلى شريط سينمائي, ومن ثم
المشاركة فيه من جديد في المهرجانات والمحافل التي لا تقبل سوى النسخ
السينمائية من الأفلام, وهذا ما حدث فعلياُ مع صاحب التجربة الرائدة في هذا
المجال, والذي أعتبره صاحب الفضل الأول في فتح الطريق أمام هذا النوع من
الإخراج السينمائي, وهو المخرج اللبناني أسد فولادكار الذي قدم فيلمه
السينمائي الروائي الأول >لما حكيت مريم<, والذي أنتجه بميزانية متواضعة لم
تتجاوز الخمسة عشر ألف دولار فقط, وكان من الممكن أن يحقق بأقل من هذا
المبلغ بكثير بإعتراف صانعه, حيث نفذه بكاميرا ديجيتال عالية التقنية, وفي
ظل مستلزمات عملية وفنية في أقل شروطها وأشكالها, وبعد النجاح الذي حققه
الفيلم في نسخته الديجيتال, والجوائز الذي حصدها, عرضه فولادكار على جهة
إنتاجية بهدف تحويل النسخة الفيديوية إلى نسخة سينمائية, وكان له ما أراد,
مما سمح للفيلم بتحقيق هذا الانتشار للعمل المميز, وعرضه في دور العرض
السينمائية, واستقطاب الكثير من الآراء والمشاهدين, و المزيد من الجوائز.
كل هذه الأمور المحمسة, والباعثه على الأمل, و
التطلع نحو مستقبل سينمائي زاهر ومشرق, يفسح فيه المجال أمام كل راغب في
تقديم أحلامه, مترجمةً لصور متحركة, بنبض, وإيقاع, وحياة مستعرة على
الشاشة, هذا كله شيء جميل, ولكنه في ذات الوقت يحمل في طياته الخوف والقلق
من إنفلات زمام الأمور, وتقديم أعمال لا ترتقى لمستوى المشاهدة, أو تتدنى
بالذوق العام على نحو يسئ له.
ولكن هذه الآمال والمخاوف, لا تلغي حقيقةً مهمة,
وهي أن سطوة الفيلم السينمائي المعروفة بنسخته السينمائية,ستبقى, وستظل ذات
ملمح, وبريق, وألق, لن يستطيع الديجيتال, مهما تفوق أن يسلبها منه.
ما يهم حقاً في كل ماذكرت, وبما لم أذكر, أن
نبقى, أنا, وأنتم بنحبّ السيما.