في حفل ختام مهرجان السينما العربية السابع, الذي عقد دورته السابعة في
الفترة من 26 يونيو إلي 4 يوليو في معهد العالم العربي في باريس, أعلنت
لجنة تحكيم المهرجان, برئاسة الممثلة الفرنسية بل أوجييه, عن جوائزها
لمسابقة الافلام الروائية الطويلة, فحصل فيلم " معارك حب " للبنانية دانيال
عربيد علي الجائزة الكبري ومقدارها 7500 يورو, ونال فيلم" عطش" للفلسطيني
توفيق ابو وائل جائزة جائزة لجنة التحكيم الخاصة ومقدارها 4500يورو, وحصد
فيلم " فوق الدار البيضاء الملائكة لاتحلق" للمغربي محمد عسلي جائزة الفيلم
الروائي الاول ومقدارها3000يورو, ونال فيلم " كأننا عشرون مستحيل"
للفلسطينية آن ماري جاسر علي جائزة معهد العالم العربي للفيلم الروائي
القصير , كما حصل فيلم " معارك حب" علي مساعدة معهد العالم العربي للتوزيع
ومقدارها 5000يورو, ومنحت لجنة التحكيم لافضل ممثل وممثلة للممثلات
والممثلين الرئيسيين في فيلم " سهر الليالي" للمصري هاني خليفة..
وكانت لجنة التحكيم بمشاركة المخرج العراقي قاسم حول ومدير التصوير
اليوناني يورغوس أرفانيتيس والناقد الاسباني البرتو ايلينا والممثلة
الجزائرية ناديا قاسي والروائي اللبناني الياس خوري والمخرج المصري يسري
نصر الله, كانت نوهت قبل الاعلان عن جوائزها بالمستوي الجيد لاكثرية
الافلام المشاركة في المسابقة (12فيلما روائيا طويلا و19فيلما روائيا قصيرا
) التي عكست حسب قولها اتجاهات مختلفة في السينما العربية, وبينت قدرة بعض
السينمائيين علي التخلص من الصور النمطية, واستنباط لغة سينمائية حرة
وحديثة..
جوائز المهرجان للأفلام التسجيلية
كما اعلنت لجنة تحكيم مسابقة المهرجان للأفلام التسجيلية برئاسة المخرج
البلجيكي تيري ميشيل عن جوائزها في الافلام التسجيلية الطويلة, ففاز فيلم "
اغترابات" للجزائري مالك بن اسماعيل بالجائزة الكبري ومقدارها3500 يورو,
وحصل فيلم " اجتياح" للفلسطيني نزار حسن علي جائزة لجنة التحكيم الخاصة
ومقدارها 2500يورو, ومنحت اللجنة شهادة تقدير خاصة لفيلم " الجزائر
وأشباحي" , وفي الافلام التسجيلية القصيرة منحت اللجنة الجائزة الكبري
ومقدارها 2000يورو لفيلم " الطوفان" للسوري عمر اميرالاي, وجائزة لجنة
التحكيم الخاصة 1500يورو لفيلم " ريس البحار" للتونسي هشام بن عمار , ومنحت
فيلم " يعيشون بيننا" للمصري محمود سليمان, وفيلم " برلين بيروت " للبنانية
ميرنا معكرون, علي شهادة تقدير خاصة..
وكانت لجنة تحكيم الافلام التسجيلية بمشاركة المخرجة صفاء فتحي من مصر
والمخرج مسعود امرالله من الامارات والمونتيرة كاهنة عطية من تونس والمخرج
فرانسوا مارجولان من فرنسا نوهت بقيمة الافلام المشاركة وماعكسته من خيبات
واغترابات وانتكاسات, في اعقاب احداث 11 سبتمبر2001, وبحث قلق عن الهوية,
يكاد لاينفتح علي أي منظور أو رؤية للتاريخ أو المستقبل.
فيلم " اغترابات": وطار فوق عش قسطنطينة
كان فيلم " اغترابات " من اجمل واقوي الافلام التي شاهدتها في مهرجان"
سينما الواقع"في باريس للافلام الوثائقية, وهو مهرجان بمسابقة, ويعقد كل
عام في شهر مارس في مركز جورج بومبيدو ,قبل ان ينضم الفيلم الي مسابقة
الفيلم التسجيلي في مهرجان السينما العربية السابع,ويفوز بالجائزة الكبري,وكان"
اغترابات" 115 دقيقة, حصل علي جائزة المكتبات والتراث( وقيمتها 6 الآف يورو)
في مسابقة سينما الواقع , وهنا ماكتبته في مفكرتي السينمائية بعدالانتهاء
فورا من مشاهدة الفيلم..
" .. يحكي" اغترابات " عن حياة المجانين في مستشفي للامراض العقلية في
مدينة قسطنطينة الجزائرية, وقدهزنا بشدة, وحرك فينا اشجاننا, بقدرته علي
التوثيق للاوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية في الجزائر, من خلال
حياة و شهادات المجانين, وبيّن الفيلم ,وبما لايدع مجالا للشك, ويالها من
مفارقة, انه ليس هناك أعقل من هؤلاء المجانين علي مايبدو في مجتمعاتنا
العربية,التي تقهر المواطن, وتطارده بظلمها وظلامها حتي علي رصيف الشارع ,
فاذا به لايجد مأوي في نهاية المطاف, الا في تلك المتشفيات للمجانين
الممسوسين, التي تبدو فيها الحياة ارحم من حياة البني آدمين العاقلين في
الخارج علي الرصيف..
اذ يستطيع المريض هنا في مستشفي قسطنطينة , كما يكشف الفيلم, ان يأكل ويدخن
ويتناول الاقراص المهدئة, ويترك رأسه طواعية لمزين مخصوص يأتي لحلاقة شعر
المجانين كل شهر,كما يستطيع ان يحكي بصراحة عن مشكلته, حين يجد هناك من
يستمع اليه, ويستطيع ان ينطق ويعبربالصراخ احيانا عن هلوساته, فيجد من
يواسيه,.. قبل أن يروح يتأمل تلك السماء التي ترعد بالغضب, من خلف نوافذ
الحبس في المستشفي, وكأنها تشارك المجانين ثورتهم علي الاوضاع المعيشية,
وظروف البطالة والفقر والبؤس التي يعيشونها, وتصرخ معهم من القهر ان
اغيثونا. يقدم " اغترابات " بايقاع حميمي هادئ, يجعلنا نتعاطف مع هؤلاء
المجانين ونحبهم , يقدم شهادات جد صادقة ومرعبة علي لسانهم, ونحن نتابع
تفاصيل حياتهم اليومية في عنابر النساء و الرجال, ونأسي لحكاياتهم
واحاديثهم , وان كانوا قديما قالوا: "خذوا الحكمة من أفواه المجانين " ,
فان فيلم " اغترابات " نجح الي حد كبير, في ان يقدم لنا شهادات
مليئةبالحكمة, علي لسان هؤلاء المعذبين الهامشيين المنسيين , شهادات تفلسف
لنا "واقع" الجزائر الراهن, في ظل الاوضاع السياسية والاقتصادية
والاجتماعية السائدة, ونجح الفيلم في ان يطرح من خلال صورة المستشفي
المصغرة
MICROCOSME صورة للمجتمع الجزائري الكبير في الخارج, بعذاباته وانهياراته وبؤسه
..
ألموتي فقط لا يشكون من ظلم الحاضر
كما أثرفينا " اغترابات" بقوة, أكثرمن فيلم " وطار فوق عش الواق واق "
الروائي الامريكي لميلوش فورمان وبطولة جاك نيكلسون, الذي حصل علي حفنة"
اوسكارات" دفعة واحدة ويحكي ايضا عن المجانين , لأن " اغترابات" ببساطة,
يحكي عن" اهلنا" في الوطن, بحساسية سينمائي شاعر فنان, ويكشف عن طبيعة
الحياة داخل سجنها الكبير, في ظل القهر والظلم والفساد, والغربة في وطن
الاسياد, الذين يحكمون بسوط الجلاد,. ولأن " اغترابات" الذي تحمسنا له
كثيرا , لرقته ووداعته وبساطته , يقدم من جهة اخري ادانة مرعبة, و من دون
زعيق, لتلك الانظمة السياسية وحكوماتها, التي تتشبث بعوالم الغيبيات
والخرافات, وتنغرس اكثر في ظلمات العصور الوسطي , وتدير ظهرها للتقدم
والتطور. ومن مشاهد الفيلم المؤثرة التي لاتنسي, مشهد تلك السيدة الجزائرية
التي لم تعد تجد أمنها وسلامها في توتر وعبثية وتجهم الحاضر, في وجوه
الجزائريين المعذبين الصارخين, من فرك تكاثر المشاكل عليهم وعذابات كل يوم,
وهاهي لذلك تحضر الي المستشفي , لكي تحدث الطبيب النفساني المعالج عن
مشكلتها, حيث انها لابد وان تكون كما تعتقد مريضة, اذ لم تعد تطيق الحياة
بين الاحياء في قسطنطينة, والعذاب الذي تستشعره وسطهم, وصراخهم يطاردها في
كل مكان, وصارت تجد راحتها فقط في غسيل جثث ضحايا الارهابيين المتطرفين في
المشرحة, صارت تجد راحتها في الحياة مع جثث الموتي وتطمأن لهم , فليس هناك
بينهم, من يصرخ او يشكو ظلم الحاضر..
ومن اجمل مشاهد الفيلم ايضا ذلك المشهد الذي ينحني فيه المريض ويقبل يد
الطبيب الجزائري النفساني المعالج, ليعبرله عن تقديره وامتنانه, بان هناك
اناس مثله في هذا العالم الجزائري المتوحش يستطيعون ان ينصتوا الي شكواه
وألمه في عالم المستشفي الصغير, في مواجهة عالم الصمت والوحدة والشقاء في
العالم الكبير في الخارج, وتبدو فرادة هذا الفيلم السياسي المتميز, في
استعراضه لمنطق المجانين في مقابل منطق العاقلين , وكشفه عن تناقضات
المجتمع الجزائري الراهن وأزمته, من خلال التقابل والتضاد بين العالمين ,
لكي يشير ربما, الي ان المجانين الحقيقيين بالفعل, ليسوا هؤلاء المرضي
الذين نلتقيهم في المستشفي, بل اغلبية المواطنين المسحوقين الذين مازالوا
يتذرعون بالصبر- واحد لايعلم الي متي , في مواجهة كل تلك الجرائم والمظالم
التي ترتكب بحقهم في الخارج, وبانتظار الخلاص. وكان مالك بن اسماعيل ( من
مواليد قسطنطينة. الجزائر عام 1966) الذي انجز مجموعة كبيرة من الافلام
الوثائقية المتميزة, مثل فيلمه عن جريمة قتل الرئيس الجزائري بوضياف , كان
اخرج هذا الفيلم القيم , لكي يكون تحية الي والده الطبيب النفساني الراحل -
ويبدأ الفيلم بزيارته لقبر الوالد- الذي كرس كل حياته, وجاهد لبناء ذلك
المستشفي في قسطنطينة, ودرّس للاطباء العاملين فيه حاليا, الذين اهتدوا
بنبراسه , وساروا علي ذات الدرب, فاذا به الفيلم يصبح اكثر من مجرد " تحية"
يصبح نموذجا ودرسا في السينما الوثائقية التي نحتاجها الآن في بلادنا,
وتكشف عن تناقضات مجتمعاتنا العربية تحت الشمس.. " ..
ولنا وقفة مع اعمال وافلام المهرجان في رسالة جديدة من باريس لموقع "سينماتيك"..
·
لقطة من فيلم " اغترابات : للجزائري مالك بن اسماعيل
·
لقطة من فيلم " الملائكة لاتحلق في الدار البيضاء"
·
لقطة من فيلم " طوفان " للسوري عمر اميرالاي