صلاح سرميني

 
سيرة جديد مقالات ملفات
 
 
 
 

ملفات

 

>>>

110

109

108

107

106

 

مصادفات الأحداث:

باردو، وجودار

كتابة: هيرفيه بيشار

ترجمة: صلاح سرميني

 
   
 
 

مايو 1963: وصل المخرج الفرنسي/السويسري جان لوك جودار، وفريقه، ونجميّ فيلمه – بريجيت باردو، وميشيل بيكولي - إلى "كابري"(جزيرةٌ إيطالية) لتصوير مشاهد فيلمه "الاحتقار" في بيئةٍ مُذهلة، بين البحر، والصخور، في فيلا مالابرت.

*****

عندما كان المخرج الفرنسي جاك روزييّه يُصوّر مراحل تصوير فيلم Le Mépris (الاحتقار) للمخرج جان لوك جودار في عام 1963، أخرج فيلميّن قصيرين متكاملين:

 Paparazzi (وتعني "المصورون الفضوليون").

Le Parti des choses : Bardot et Godard (مصادفات الأحداث: باردو، وجودار).

في الفيلم الأول، يبتعد عن طاقم تصوير فيلم (الاحتقار)، ويطارد المصورين الفضوليين الذين يجوبون التلال القريبة، وفي الفيلم الثاني، على العكس من ذلك، يصوّر مراحل تصوير فيلم (الاحتقار)، ويتعامل بجديةٍ أكبر مع فعل الإبداع، ويكشف عن الإيماءات اليومية للفنيين، وحركات الممثلين، وتوجهات المخرج، ويحكي عن التنظيم العشوائيّ الذي تقوده مصادفات الأحداث.

باردو، وبيكولي - اللذان يجسّدان ثنائياً حسّاساً، وهشّاً على غير هدى - يتخذان مكانيهّما، وينشغل فنيّو الإنتاج الإيطاليين بالترتيبات، وينسّق فريقا الصورة، والصوت فيما بينهما، ويُعلن أحد مساعدي المخرج عن بدء التصوير، ويبدأ جودار بتوجيه المخرج الأمريكي (من أصولٍ نمساويةٍ، وألمانية) فريتز لانغ باحترام.

فريتز لانغ، "الزعيم الهندي القديم"، "المُتحدث باسمّ الآلهة"، "الشخص الذي ينظر إلى الرجال" سيقول التعليق الصوتي الذي يبدو، طوال الفيلم، بمثابة التفكير المُشترك لجودار، وروزييّه.

تتساءل عن حصة الصدفة: "المثاليّ، بالنسبة لجودار، هو الحصول فوراً على ما يجب أن يكون الآن، وعلى الفور هذه تعني الصدفة وبالأن ذاته النهائيّ، ما يريده، هو النهائيّ بالصدفة".

هل سيكون لقصة الأوديسة هذه التي يرويها فيلم (الاحتقار)، ووجود فريتز لانغ تأثيراً على صانعيّ الأفلام من الموجة الجديدة المتواجديّن معاً؟

"سيقول الصوت أيضاً : "الكاميرا، هي أولاً، وقبل كلّ شيء، ألةٌ للتصوير، والإخراج هو أن تلتقط مصادفات الأحداث بتواضع ..."، جاك روزييّه، الذي كان مفتوناً بشكلٍ واضح بفريتز لانغ، وبريجيت باردو، هو مفتونٌ أيضاً بصديقه جان لوك جودار، يتبعه بتكتمٍ، ويتركه يعمل بحضور الآلهة (الممثلين النجوم)، أو بدونها، يتبع روزييّه بكاميرته كاميرا جودار، هذه المرّة، هو المصوّر الفضوليّ الذي يطارد أجهزة السينما.

بفضل كاميرا من نوع ميتشل، ومعدات تكنيكولور، جودار سوف يجعل بريجيت باردو تتسامى.

سيحدد التعليق أنه "منذ فيلمه الأول، (على آخر نفس)، كلّ فيلمٍ من إخراج جان لوك جودار هو وثيقة حقيقية مكرّسةُ للمرأة العصرية، غير منطقية، مهدّئة، متقلبة، مثيرة للسخط، ملكية، غامضة...".

إذا كان جزءٌ من الصدفة يصاحب السينما، في جميع الأحوال فيلم جودار، وبالتأكيد فيلم روزييّه، وذلك لأنّ أفلامهما تتغذّى باستمرارٍ بفكرٍ عن الحداثة، والحاجة إلى التفكير بشكلٍ مختلفٍ بالعالم، وإعادة صياغته.

ينتهز جاك روزييّه الفرصة لإعادة تعريف السينما، بفضل وجود ثلاث شخصياتٍ استثنائية، جودار وباردو، وفريتز لانغ، يجدون أنفسهم معاً في مكان تصوير تُضيئه شمس البحر الأبيض المتوسط.

هذا الفيلم القصير، المرآة اللعوبة لفكر جاك روزييّه، يشبه وصفه للمرأة العصرية: غير منطقي، مهدئ، غامضٌ، ملكيّ ...

حزب الأشياء: باردو، وجودار

جاك روزييه، فرنسا / 1963

مع بريجيت باردو، جان لوك جودار، فريتز لانغ، جاك بالانس، وميشيل بيكولي.

 

هيرفي بيشار، مسؤول عمليات الاقتناء، ومدير مشروع ترميم الأفلام في السينماتك الفرنسية.

عليكَ أن تعيش بشكلٍ خطيرٍ حتى النهاية

صلاح سرميني

في كلّ مشهدٍ من مشاهد فيلم "على آخر نفس" (1960)، وحتى في كلّ مشاهد أفلامه اللاحقة، يمنح جان لوك جودار المُتفرج المُتطلّب ـ الذي لا يكتفي بالحكاية ـ إحالاتٍ، وإشاراتٍ مرجعية بصرية، وصوتية تكشف، وتفسّر، وتدعم بمهارةٍ سينمائية مُفرطة عن خبايا السردّ، والأحداث، والشخصيات.

يمكن القول بأنه يضيف هوامش، ويملاً فراغات.

في بدايات الفيلم، وبالتحديد في مشهدٍ أيقونيّ، يشتري ميشيل بوانكار (جان بول بولموندو) جريدة، يتصفحها (ولا يقرأها)، وهو يمرّ أمام إحدى الصالات الباريسية (وسوف يكون للصالات السينمائية دوراً في الفيلم)، وليس من قبيّل الصدفة أن يختار جودار في الخلفية ملصقاً إعلانياً لفيلم أمريكي/بريطاني هو "Ten Seconds to Hel"، "عشر ثواني إلى الجحيم"، فيلم للمخرج روبرت ألدريتش من إنتاج عام 1959كي يتصدّر واجهة الصالة، حيث نقرأ جملةً تحذيرية سوف تكشف مُسبقاً عن النهاية التي تنتظر ميشيل.

"عليكَ أن تعيش بشكلٍ خطيرٍ حتى النهاية".

وهو ما يفعله بالضبط، يعيش أيامه الباقية في حالةٍ من الهروب العبثيّ "حتى النهاية" التي لم يحاول تفاديها.

جان لوك جودار "سينمائيٌّ أحمق"

خلال إحدى المحاضرات التي صُورت في إحدى مدارس السينما الشهيرة في فرنسا، وصف الباحث الفرنسي "دومنيك بايني" المخرج الفرنسي/السويسري "جان لوك جودار" بأنه "سينمائيّ أحمق"، أو "أحمقٌ سينمائيّ"، حيث تتجسد التصرفات، والسلوكيات الحمقاء، أو تظهر الشخصيات الحمقاء في معظم أفلامه.

إبتسم غودار، وقال: إنه تحليلٌ دقيقٌ لأفلامي.

وبدوري أقول: هذه فكرةٌ مثيرةٌ جداً لأطروحة ماجستير، أو دكتوراه.

رحلةٌ عبر فيلم "إنقاذ ما يُمكن إنقاذه من (الحياة)"

حتى وقتٍ قريب، كان هذا الفيلم/التجربة مجهولاً/منسيّاً من طرف النقاد الفرنسيّين، وحتى من طرف المُتخصصين بأعمال العظيم جان ـ لوك جودار إلى أن تمّ الكشف عنه من طرف نابشي التراث السينمائي.

وأزيد، بأنّ فاعلي الثقافة السينمائية العربية لم يشاهدوا من أعمال جودار إلاّ ما تمّ توزيعه تجارياً، بينما تنضح مسيرته السينمائية الغزيرة بأعمالٍ كثيرة لم يكشفها فضول الناقد السينمائي العربي (إلاّ النادر منهم).

رحلةٌ عبر فيلم "إنقاذ ما يُمكن إنقاذه من (الحياة)"، 1981

كيف تُساهم في تدريس السينما بطريقةٍ طليعية، ومبتكرة؟

في يومٍ ما، فكر المخرج الفرنسي/السويسري "جان لوك جودار" بإجراء محاضراتٍ دراسية يقدمها في "كوليج دي فرانس" بحيث يتحاور من مسكنه في قرية سويسرية مع عددٍ من النقاد، والمخرجين، والباحثين، ولم تتحقق تلك الفكرة.

ولاحقاً، تحققت عن طريق "الاستوديو الوطني للفنون المعاصرة - لو فرينوا"، وتمّ إصدار تلك الحوارات في مجموعة أقراصٍ مُدمجة بمدة تسع ساعاتٍ، ونصف.

بعنوان

"مقتطفات من محادثات مع جان لوك غودار".

جودار/ تروفو

رُبما، قبل هذا النصّ البسيط، لا أحد منا كان يدري عن تدهور العلاقة بين العظيمان جان لوك جودار، وفرانسوا تروفو.

كان ذلك في صيف عام 1973، وبالتحديد بعد حصول فيلم "الليلة الأمريكية" لفرانسوا تروفو على أوسكار أفضل فيلم أجنبي.

عندما كتب جودار إلى صديقة تروفو رسالة طويلة قاسية، ولاذعة يتهمه فيها بالكذب،... الكذب السينمائي

ومن بين الاتهامات الطريفة التي وجهها له:

نتساءل لماذا المخرج في الفيلم (يقصد الليلة الأمريكية) هو الوحيد الذي لم يضاجع أحداً؟

وأنا أقول: دعونا ننجز أفلاماً عظيمة، ونعبر عن اختلافنا بوسائل حضارية، ومنها رسائل تدخل تاريخ السينما، والثقافة السينمائية.

جودار/ تارانتينو

مع أنّ المخرج الأمريكي كوينتين تارانتينو معجبٌ جداً بالمخرج الفرنسي/السويسري جان لوك جودار، حتى أنه أطلق على شركته عنوان أحد أفلامه Bande à part تحيةً له.

ومع ذلك، لم يتورّع جودار عن نعت تارانتينو بأبشع النعوت.

كان ذاك في مقابلةٍ معه بثتها إذاعة "فرنسا إنتر" عام 2014، حيث ردّ على الصحفي باتريك كوهين الذي ذكّره بأنّ كوينتين تارانتينو استخدم عنوان فيلمه Bande à part اسماً لشركته، فقاطعه جودار:

ـ نعم، ولم يدفع شيئاً.

سأله الصحفي :

- هل أنت مهتمٌ بتارانتينو؟

أجاب جودار ببرودٍ، وقسوة:

- لا، لا على الإطلاق، كما كان يُقال في القرن الثامن عشر؟ (يتذكر الكلمات) إنه نذلٌ، صبيّ مسكين (شخصٌ لا قيمة له، سطحيٌّ، ومتعجرف)، لكن، لم لا إذا كان سعيداً بما يفعل".

بالنسبة لي، أعتبرهما من نابشي قبور السينما.

سينماتك في ـ  23 يناير 2023

* هذه المواد نشرت في جريدة التيار السودانية، بتاريخ 29.09.2022

 

>>>

110

109

108

107

106

 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004