صلاح سرميني

 
سيرة جديد مقالات ملفات
 
 
 
 

ملفات

 

>>>

90

89

88

87

86

 

سينما الطريق

الطريق في السينما

صلاح سرميني*

ترجمة وكتابة: صلاح سرميني

 
 
 

يُشير مُصطلح (Road movie)* إلى نوعٍ سينمائيّ، ويعني تلك الأفلام التي تجري أحداثها الرئيسية في الطريق، مكان العقدة، وليست الأماكن التي تمرّ بها الشخصيات.

ويعتبر المُؤرخون السينمائيون بأنّ فيلم (عناقيد الغضب) من إنتاج 1940 لجون فورد المُقتبس عن رواية جون ستاينبك هو أول أفلام (سينما الطريق).

وفي الأدب، ومنذ العصور الغابرة، اتخذت حكاياتٌ كثيرة الرحلة مرتكزاً أساسياً لها، مثل: الأوديسة لهوميروس، ساتريكون لبيترون، والتحولات لأبولليّ.

يمكن إدراك الطريق كمعنى رمزيّ للزمن المُتدفق، للحياة مع لقاءاتها، وافتراقاتها، وبزيادة السرعة، نقترب من اللقاء القادم، وكأننا نُسرّع الزمن.

عادةً، تُجسّد (أفلام الطريق) بحثاً دلالياً لأشخاصٍ سوف ينضجون عبر لقاءاتهم، وتجاربهم، ويصبحون (عاقلين)، الرحلة إذاً، هي بمثابة طقس عبور، ويمكن اعتبارها رمزاُ للسينما نفسها، حيث يمتلك الخطّ المُستقيم في وسط الطريق شبهاً غريباً مع ثقوب الشريط الفيلميّ الحسّاس.

كما يرمز الطريق إما إلى حرية الحركة، ومن ثمّ الحريات الفردية، أو المنفى، المعاناة، الترحال.

ومن بين التيمات المعروفة لأفلام الطريق، يمكن الإشارة إلى:

ـ أفلام الفروسية.

ـ البحث عن شخص غائب، أو مفقود.

ـ السباق (فيلم عالم مجنون، مجنون،.... لستانلي كرامر 1963).

ـ الرحلة الترفيهية.

ـ الهروب (من حرب على سبيل المثال).

ـ الهيام، والترحال.

ـ التطوّر من الطفولة إلى المراهقة.

 

****

في عام 2007 تمّ اختيار (الطريق) تيمةً مُصاحبةً للدورة السادسة لمُسابقة أفلام من الإمارات، والتي انعقدت فعالياتها في (أبو ظبي ـ الإمارات العربية المتحدة) خلال الفترة من 7 وحتى 13 مارس2007،  كنا واعين تماماً للمفهوم المُحدد الذي تُشير إليه كنوعٍ سينمائيّ، ولكننا، كما الحال مع التيمات التي اخترناها سابقاً للدورات الماضية (السينما التجريبية، سينما التحريك، السينما الشعرية، الفيلم القصير جداً) حاولنا ـ عن عمدٍّ ـ توسيع هذا المفهوم، وتركنا مصطلح Road movie جانباً، وتخيّرنا (الطريق في السينما، أو سينما الطريق) في كلّ معانيها، ومفاهيمها المكانية/الزمانية،....  :

ـ البحث عن الذات، أو الآخر، عن عالم خيالي، افتراضي، أو حقيقي.

ـ المسيرات، التظاهرات، التجمعات، الثورات، الغزوات، الانسحابات.

ـ الانتقال من مكان إلى آخر (الحدود، الحواجز، العقبات، البحار، الفضاء، المسافات ..).

ـ الولوج من الحياة (رحم الأم) إلى الموت (القبر).

ـ العبور نحو مراحل حياتية أخرى (مواكب الأعراس، والجنازات).

ـ ................

وذلك بهدف لفت انتباه المتفرج إلى أحد العناصر الجوهرية المُرافقة للسينما منذ بداياتها، وأيضاً دعوة المتفرج لمُشاهدة ثاقبة للأفلام، بحيث تشمل رؤيته، ونظرته النقدية كلّ المُكوّنات التعبيرية للفيلم السينمائي، بدون الاقتصار على متابعة الحكاية، والشخصيات فقط.

ومن هذا المُنطلق، يصبح شريط (دخول القطار إلى محطة لاسيّوتا) الذي صوره الأخوين لوميير في عام 1897 واحداً من أفلام الطريق التي نعنيها (وليس المُصطلح المعروف ب Road movie).

وبناءً على هذا المثال، يشمل مفهومنا كلّ الأفلام التي تدور أحداثها في القطارات، عربات المترو، المحطات، المواقف، نقاط التغيّير، الاستراحات، والتقاطعات، .....

فيصبح مثلاً فيلم (باب الحديد) من إنتاج عام 1958 لمخرجه يوسف شاهين نموذجاً مثالياً لأفلام الطريق في السينما العربية.

ومن القطارات، وأنفاق المترو إلى كلّ وسائل الانتقال، والسفر القديمة، والحديثة، بدءاً من أقدام الإنسان، وحتى المركبات الفضائية، ومنها نتذكر (سواق الأوتوبيس) من إنتاج عام 1983 لمخرجه عاطف الطيب كفيلمٍ روائي، و(الجنيه الخامس) لمخرجه أحمد خالد كفيلم روائي قصير.

وبعيداً عن الوسائل المادية للتنقل، فإنّ نظرتنا عن أفلام الطريق تشمل كلّ المفاهيم المعنوية، النفسية، الميتافيزيقية، الفلسفية، الروحية، العلمية، المهنية، الاجتماعية، والعائلية ...

ومنها نُشير إلى فيلميّ (الهائمون)، و(بابا عزيز) للمخرج التونسي الناصر خمير من السينما العربية الروائية الطويلة، و(الباب)/1999 للسوري هشام الزعوقي من الأفلام القصيرة.

ومن المفيد التذكير أيضاً ببعض أفلام المخرج الأرمني أرتفازاد بيليشيان، ومنها (الفصول/1975، حياة/1993)، والجيورجي ميخائيل كوباخيدزة، وخاصةً (الأرجوحة الدوّارة/1962، المظلة/1966، على الطريق/2000).

ولم ننسى أيضاً بأن الطريق هو الحرية، أو مصادرتها، كما هو الحال في الأفلام الفلسطينية، ومنها (مفتوحٌ، مغلق) لمخرجته ليانة بدر، (انتظار) لمخرجه رشيد مشهراوي، أو (ياسمين تغني) لمخرجته نجوى النجار .....

وفي المعنى التشكيلي، فإنّ أفلام السينمائية الفرنسية فريدريك دوفو مثالٌ على ذلك، حيث يتمحور جوهر إبداعها بالعمل على الشريط الحسّاس نفسه، حكّه، قشطه، إحراقه، أو ثقبه، وتصبح النتيجة تتابعاً للإطارات نفسها مكونةً طريقاً تشكيليا، سينمائيا، متوهماً.

وفي هذا التوسّع الشامل لمفهوم (الطريق في السينما)، فإننا لم نهدف إلى دحضّ المُصطلح المُتعارف عليه لـ( Road movie )، ولا  تجاهله، أو الانتقاص من شأنه، تاريخه، وأفلامه.

ولكن، اكتشاف الدور الذي يلعبه (الطريق) في السينما، بكلّ ما يحمله من معاني:

الرحلة، التجوال، الهيام، الترحال، الذهاب/العودة، الانتقال، الاكتشاف، الانتظار، الانطلاق، النضوج، الولادة، والموت ..

كانت برمجة تظاهرة (سينما الطريق) اختياراتٌ من كلّ أنحاء العالم لأفلام قصيرة، وطويلة (روائية، تسجيلية، تحريكية، تجريبية، فيدو كليب، وفيديو آرت)، جسّدت تيمة الطريق في رؤى مختلفة لمُبدعيها.

وقد تخيرنا بأن تتوزع تحت عناوين فرعية مختلفة:

* تقاطعاتٌ/ وتحولات

* موتٌ/وحياة

*أرضٌ/ ماءٌ/ وسماء

* ذات

 تشير إلى الطريق بمعناه الماديّ، والمعنويّ.

لقد أخذتنا الفرجة على تلك الأفلام في رحلاتٍ مكانية/زمانية مختلفة إلى عوالم خارجية، وداخلية، ومنحتنا إمكانية السفر في كلّ الاتجاهات، مستخدمين كافة وسائل النقل، وفي بعض الأحيان، انتقلنا إلى أعماق الشخصيات في محاولة لاكتشاف الأنا، والآخر.

والأهمّ، بأنها وسّعت من مداركنا النقدية حول السينما، وجعلتنا نعيّ الإمكانيات اللامتناهية لمشاهدة فيلم، تذوقه، وتحليله.

* تظاهرة (سينما الطريق) بالأرقام (106 أفلام) :

ـ أرضٌ، ماءٌ، وسماء: (50 فيلما).

ـ تقاطعاتٌ، وتحوّلات: (23 فيلما).

ـ الأنا: (26 فيلما).

ـ موتٌ، وحياة: (7 أفلام).

* (Road movie) ـ عن (http://fr.wikipedia.org/wiki/Road_movie)

 

*صلاح سرميني، المنسّق العام لتظاهرة (سينما الطريق) في الدورة السادسة لمسابقة أفلام من الإمارات 2007

"أخّ"

فيلمٌ من إخراج مخرجة فرنسية، وابنتها

بعد دفن والده، في قريته الواقعة وسط المقاطعة الكورسيكية، اكتشف دوميه (من أصولٍ أفريقية) وجود شقيق، لوسيان (من أصولٍ عربية)، الذي سيتعيّن عليه مشاركة الميراث الذي خلفه الأبّ (كورسيكيّ)، شريطة أن يتمكّن من التعايش لمدة شهرٍ في منزل العائلة ...

على خلفية الشرعية الثقافية، والميراث العقاري، سيتمّ إنشاء توازن قوى بين لوسيان، ابن الدمّ، ودومي، الابن المُتبنى.

 

نشأة المشروع

مع "أخّ"، أرادت المخرجة كارول روشيه إرسال رسالة حبٍّ إلى كورسيكا: قرية فيزاني، موقع حبكة الفيلم الواقعة في كورسيكا العليا، وهي قرية أجدادها.

قضت المخرجة هناك كلّ صيفٍ تقريباً منذ ولادتها، وكذلك بناتها، وشقيقها باتريك روشيه، وشريك حياتها توماس نجيجول منذ أن التقيا.

تقول المخرجة:

"إنه المكان الذي نحبه أكثر من أيّ مكانٍ في العالم، نجد أصولنا هناك؛ القيّم، والمبادئ القوية التي نلتزم بها بشدة، والتي، بطبيعة الحال، شاركها توماس على الفور.

ارتباطه بالهوية الكورسيكية، وحبه لقرية فيزاني لدرجة أنه شعر بالحاجة إلى كتابة سيناريو... ".

 

ابنة كارول روشيه

باربرا بيانكارديني، التي شاركت كارول روشيه في إخراج الفيلم معها، ليست سوى ابنتها.

في بداية عام 2020، عندما بدأ المشروع في الظهور، فكرت المخرجة أولاً بإنجاز الفيلم بمفردها.

ثم جاءت الأزمة الصحية المتعلقة بوباء كورونا، وتوّجب تأجيل التصوير:

تتذكر كارول روشيه:

"لم يكن هناك أيّ شكٍ مطلقاً في ترك الفيلم في الأدراج، لكن، لم أكن أتخيل العودة بمفردي.

باربرا، التي عملتُ معها أنا وتوماس كثيراً، قطعت شوطًا طويلاً، وأصبحت المُساعد الأول، كنت أعرف موهبتها، وقربها من الممثلين، وعلاقتها بالإخراج، وتعلقها بـ فيزاني، لقد شاركت معنا جميع مراحل التحضير: لقد كانت فرصة لنا لتشكيل ثنائيّ، ولكي تبدأ كمخرجة مشاركة".

 

الفيلم الرابع

مع "أخّ"، يتعاون كارول روشيه، وتوماس نجيجول للمرة الرابعة في السينما بعد

حياة سريعة

افعى سوداء، أسطورة الثعبان الأسود

 مدام كلود

 

عن توماس نجيجول ...

إذا كان رفيق كارول روشيه، توماس نجيجول، يمثل دور دوميه، فقد اُختير سمير قويسمي كي يُجسد دور لوسيان.

تُوضح المخرجة:

"كان الأمر يتعلق إثبات أنه من الممكن القيام بهذه المهمة من أجل الحبّ، والقيام بذلك من كلّ قلوبنا مع الأشخاص الذين أحببناهم، سواء كانوا ممثلين، أو تقنيين.

الممثلون الثانويون هم ممثلون كورسيكيون نعرفهم، وجميع الآخرين هم أشخاص من القرية.

لم يكتفوا بتقديم أنفسهم بلطفٍ لكلّ المشاهد الإضافية، ولكن، أيضاً فتحوا أبواب حاناتهم، ومنازلهم لنا.

ووثقوا بنا، أصبحت القرية بأكملها استوديو أفلام".

 

جبلٌ من اللقطات

بالنسبة لمرحلة المونتاج، كان لدى كارول روشيه، وباربرا بيانكارديني، والمونتير كريستوف بينيل، جبلٌ من اللقطات تحت تصرفهم.

تقول باربرا بيانكارديني:

"على العكس، كان ذلك بمثابة رفاهية، خاصة وأن اللقطات لم تكن مبعثرة أيضاً، كان هناك بعض الفروق الدقيقة في التمثيل، الحوارات.

ونظًراً لأن الوقت كان ضيقاً، ولم يسمح لنا بالتفكير، كان علينا أن نتصرّف بشكلٍ غريزيّ، وكان ذلك جيداً".

 

فيلمٌ شخصيّ

بيانكارديني هو الاسم العائلي لجدّ كارول روشه، اللقب الذي اختارته ابنتها باربرا لمسيرتها المهنية كمخرجة.

تمّ تصوير بعض مشاهد الفيلم في المقبرة أمام قبر أجداد المخرجتيّن، الأم، وإبنتها.

تقول كارول روشيه:

"حتى بداية التصوير، باستثناء توماس، لم أستدعي أيّ شخص إلى فيزاني، ولست متأكدة من أنني كنت سأخوض هذه المغامرة قبل ثلاث سنوات، عندما كان يجب تصوير الفيلم، كنا مع أجدادي، ولم يعودوا موجودين هناك، كنت مثل كلب حراسة حقيقي.

ساعدتني باربرا كثيراً في التغلب على اختفائهم، لا أعرف ما ستكون عليه مسيرة الفيلم، لكنني أعلم أنه أولاً، وقبل كل شيء، فيلم فيزاني، وسكانها، وأنه في عدة أجيال لاحقة، سيُحسب "لمن سيخلفنا".

سينماتك في ـ  16 يناير 2023

* هذه المواد نشرت في جريدة التيار السودانية، بتاريخ 16.06.2022

 

>>>

90

89

88

87

86

 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004