صلاح سرميني

 
سيرة جديد مقالات ملفات
 
 
 
 

ملفات

 

>>>

65

64

63

62

61

 

مقتطفات من محادثاتٍ مع جان لوك جودار

ترجمة وكتابة: صلاح سرميني

 
 
 

(مقتطفاتٌ من محادثاتٍ مع جان لوك جودار) وثيقةٌ مصوّرة/فيلمٌ تسجيليّ يُوثق سلسلة من المؤتمرات المُسجلة عن طريق الفيديو بفضل نظام الاتصال بالإنترنت عالي السرعة، وتتكوّن من 4 أقراص فيديو رقمية من إنتاج عام 2007، ولكنها أصبحت متاحة للمُشاهدة منذ 23 فبراير 2010، وفيها يُحدثنا سيد الموجة الفرنسية الجديدة عن مفهومه للفن السابع، ونكتشف الكثير من أفكاره من خلال مقابلاتٍ مع صانعي أفلام، مؤرخين، نقاد، ومنظرين مختلفين:

جان دوشيه، جان ميشيل فرودون، أندريه س. لابارت، ودانييل ويييّه، جان ناربوني، نيكول برينيه، جان كلود كونيسا، دومينيك بايني، كريستوف كانتشيف.

خلال تلك النقاشات المُتبادلة تنتقل الكاميرا من منزل جان لوك جودار في "رول" إحدى القرى السويسرية، والاستوديو الوطني للفنون المعاصرة - لو فرينوا(فرنسا)، وفي كلّ مرة واحد من المحاورين يجلس بمفرده أمام 48 طالباً معظمهم من الأجانب ينتمون لـ 30 بلداً.

كما تتضمّن المجموعة وثيقة عن التحضير لمعرضٍ في "مركز جورج بومبيدو" بعنوان "رحلة(ات) في اليوتوبيا".

تُعتبر تلك "المقتطفات" بمثابة دروسٍ في السينما من أجل الاقتراب، وفهم أحد أعظم عباقرة السينما الفرنسية، وهي قريبة من الموضوعات التي خطط لها المخرج لتقديمها في محاضراتٍ دراسية اقترحها على "كوليج دو فرانس"، ولكنها لم تتحقق أبداً.

 

ومن هذه الحوارات أقتطع منها بعض المقتطفات:

 

أنجزتُ الكثير من الأفلام الفاشلة، غير الجيدة، بعضها جيدٌ نوعاً ما، ومع ذلك، أشعر بأنها أُنجزت عن طريق الكاميرا، بينما لديّ إحساسٌ بأن الكثير من الأفلام، 90 بالمئة من تلك التي تُنجز اليوم بدون كاميرا، وكأنها تُعرض مباشرة عن طريق جهاز العرض، أيّ أُنجزت من أجل أن تُعرض، أو تُبث فوراً، التلفزيون يعرض أفلاماً بدون كاميرا.

عندما كنا نقاداً، كانت مشاهدة الأفلام بالنسبة لنا بمثابة إنجاز أفلام، يعني كنا نصنع أفلاماً من خلال كتاباتنا عن السينما.

عندما يذهب المتفرج العادي إلى السينما كي يشاهد الفيلم، وليس كي يصنع سينما، بالنسبة لي كنت أصنع سينما قبل أن أخرج فيلمي "على آخر نفس".

في معظم الأحيان، عندما ألتقي بمجموعةٍ من الشباب كما الحال اليوم في الصالة، أجد أحدهم يسألني:

ـ مسيو جودار، أريد أن أصبح مخرجاً، ماذا تنصحني؟

في كلّ مرة، أقول:

ـ اسمعوا، تمتلكون اليوم ميزة مهمة، حيث يوجد في الأسواق كاميرات صغيرة، ورخيصة، في الماضي أنجز بعض المخرجين La Sonate à Kreutzer عن قصة لتولستوي كفيلم صامت، بالنسبة لهم كانوا يعيشون في زمن السينما الصامتة، وكان ذلك شكلاً إجبارياً، تمويلياً، واجتماعياً، لأنه في تلك الفترة لم تكن الكاميرا المتوفرة  حالياً موجودة، وكانت كاميرات الـ 16 مللي مكلفة، وعلبة الخام من مقاس 16 مللي غالية بالنسبة لنا مع أننا كنا من البورجوازية الصغيرة، اليوم يوجد الكثير من الكاميرات الرقمية، تقول الشخصيات السياسية في ستراسبوغ : أصبح بإمكان أيّ شخص إنجاز أفلاماً، ولكنني أردّ على ذلك : إذا أعطيناكم أقلام رصاص، لا أحد سوف يقول بأن كل الناس يستطيعون رسم لوحات إلاّ إذا كانت لدى أحدهم موهبة رمبراندت، أو ماتيس، قلم الرصاص زهيد الثمن، لن يجعلك رساماً، أو مصمماً عبقرياً، لماذا إذاً يقولون ذلك عن الكاميرات الرخيصة، يجب عليكم التفكير، لأنه لديكم كاميرات رخيصة، وتصورون الكثير من الصور، ولا تشاهدوا أيّ واحدة منها، في الحقيقة لستم بحاجةٍ إلى ذلك، أنتم بحاجةٍ إلى شيءٍ آخر يتحدث عن شيءٍ كي تثبتوا أنفسكم، عندما يسألني أحدكم :

ـ أيّ فيلم يجب أن أصنعه؟

أردّ ببساطة: امسك أيّ كاميرا صغيرة، إذا كنت شاباً ابحث عن فتاة، وإذا كنتِ فتاة ابحثي عن شاب وابدآ معاً، أنتما فقط لوحدكما، وفكرا في كيفية تصوير انفسكما من أجل الحديث عنكما خلال نهار كامل، وليس بطريقةٍ تقريريةٍ كما يحدث في مخفر للشرطة، لقد استيقظت هذا الصباح، تناولت طعام الفطور، ذهبت إلى المكان الفلاني، هناك التقيت ببريجيت، وبعدها رجعت إلي البيت، ونمت.

هذا عمل الشرطة الذين يكتبون تقارير عن الأفراد، ولكن ما هو أهم بأن تصورا كما كنتما سابقاً، وما تتذكراه قليلاً ....، جربا ذلك، واعرضا هذا الشريط أمام شخص ما، وحاولا أن تطلبا منه بعض النقود أجراً لمشاهدة هذا العرض البسيط الخاص، ومن ثمّ فكرا فيما إذا بإمكانكما الحصول على دخلٍ من إنجاز سلسلة من هذا الشريط، ولاحقاً سوف تكتشفا أيّ فيلم يتوّجب عليكما إنجازه.

*****

في نهاية الحوار المباشر مع الناقد السينمائي جان دوشيه، يتحدث جان لوك جودار عن مشروع تنظيم معرض عنه في "مركز جورج بومبيدو" بباريس، يشرف عليه الباحث دومنيك بايني، ويشرح بأنه كان يعارض فكرة عرض أفلامه في متحف، أو الأحرى تعليق أفلامه في متحف كما الحال مع اللوحات، أو تُوضع مثل التماثيل.

يقول جودار:

أنا، ودومنيك بايني لا نتشارك في نفس الأفكار حول كلّ شيء، ولا شيء، ولكنني أحترمه كمنتج شريك، ومحفّز، وهنا لا أعرف أبداً إذا فكرت بفيلمي الأخير "موسيقانا"، وفيلم آن ماري (زوجته)، أو فيلم لوك موليه.

يعتقد دومنيك بأنه عندما تُعرض هذه الأفلام في صالة فن، وتجربة، فإنها لن تصمد أكثر من أسبوع، أو أسبوعين، لأنها ليست أفلاماً جماهيرية، ولكن لو قدمت هذه الأفلام في فضاء متحف، سوف تطول الفترة إلى حوالي 4 أسابيع، ببساطة، لأن كلمة متحف تجعل الناس تستقبل هذه الأفلام بشكلٍ أفضل، أفكر على سبيل المثال بأفلام فانسان جالو، أو تلك التي لم تحصل على أيّ نجاح جماهيري، لو عرضنا هذه الأفلام في فضاء متحف، يمكن أن تبقى من 3 إلى 4 أسابيع، وهي مدة معقولة لمثل هذا النوع من الأفلام، بينما عندما تعرض في صالة فن، وتجربة سوف تبقى من 3 إلى 4 أيام، كلمة متحف إذا أردت، سوف تجلب شيئاً ما، هذا الشيء، بالنسبة لي، يصدمني، أن نضع في متحف عملاً حياً، أحب أن يكون في المتحف عملاً ميتاً يُبعث من جديد، ويُحدث نجاحاً كبيراً عند الجمهور، لأنه يحتاج إلى ذلك.

مثال تلك الطوابير من أجل مشاهدة أعمال سيزان، أو ديلاكروا، ولكن، أن نضع عملاً فنيّاً حيّاً في متحف تمّ تنظيمه، والتفكير به، بالنسبة لي، هناك أمرٌ ما غير واضح، وبالتحديد، عدم الوضوح جعلني أوافق، ليس فقط لأسبابٍ مادية، ولكن جمالية، لأنه بدون الحقيقة الجمالية التي تكمن في داخلنا، فإن المنطق المادي لا يكفي.

في فترةٍ من الفترات، كان العامل المادي كافياً لي عندما كنت أمتلك دائماً فكرة الضدّ...

إذاً، فيما يتعلق بمعرض "مركز جورج بومبيدو"، فإننا لا نعلق الفيلم كلوحة، ولكن نمنحه مكانة اللوحة، هو عرض السينما إذا تجرأت قول ذلك، بينما في صالة سينما لا نعلق الفيلم، أو بالنسبة لنا "جماعة الموجة الجديدة"، شعرنا مسبقاً بأن هناك نوعٌ من عرض حقيقة عن طريق ما نُسميه السينماتوغراف، ولكن، في متحف ربما يجب أن نعلق العمل السينمائي كما نعلق عملاً ما، يعني أنه مات، وهو إحساسٌ مؤلم عندما نكون أحياء، ونعرف بأننا متنا.

وأخيراً، يقول جودار:

السينما، هي أن نشاهد ما لا نستطيع مشاهدته بدون الكاميرا، بالضبط كما أننا لا نستطيع رؤية كائن صغير جداً إلاّ عن طريق الميكروسكوب، ولا يمكننا رؤية النجوم البعيدة إلاّ عن طريق تلسكوبات عملاقة......الكاميرا ليست يقيناً، ولكن شكاً.

رسالةٌ من امرأةٍ مجهولة

هو فيلمٌ أمريكي من إخراج ماكس أوفولس، صدر عام 1948، مقتبسٌ من القصة القصيرة التي تحمل عنوان "رسالة من امرأة غير معروفة" لستيفان زفيغ.

ستيفان براند، عازف بيانو ثريّ يحبّ الخروج ليلاً، وإغواء النساء، في إحدى الأمسيات، أثناء عودته إلى المنزل، وجد رسالة من امرأة مجهولة، الأسطر الأولى تشدّ انتباهه، وهكذا يقضي الليل في قراءة الرسالة، وتدريجياً، يكتشف الماضي من خلال النظرة العاطفية لكائنٍ قد تجاهله.

قبل خمسة عشر عاماً، عندما كان ينتقل إلى شقةٍ جديدة، وقعت ابنة الجارة تحت تأثير جاذبيته، كانت تتجسّس عليه، وتتبعه، وتحبه في الخفاء بجنون، وفي يومٍ ما تلتقي به، ويقضيان الليل معاً، بالنسبة له، لم يكن ذاك اللقاء أكثر من نزوةٍ عابرة، وبالنسبة لها، كانت تلك اللحظات حبّ حياتها.

من أجل أداء دور ستيفان براند، بدايةً جلبت الشركة المُنتجة استوديوهات يونيفرسال الشاب جاك فرانسوا إلى هوليوود، ونظراً لأنه كان بطيئاً في الوصول، بسبب رُهاب الطائرات حيث كان عليه أن يسافر من فرنسا بالقارب ثم بالقطار، فقد عُهد بالدور أخيراً إلى لويس جوردان الذي سيكون هذا الدور بداية حياته المهنية.

أما عن جاك فرانسوا، ولأنه كان ملتزماً مع الشركة بعقدٍ، فقد توجّب عليه الانتظار عدة أشهر كي يشارك في فيلم آخر.

عن الفيلم كتب الصحفي، والناقد السينمائي الفرنسي جان لوك دوين في مجلة تيليراما (العدد 2308، 6 أبريل 1994):

"عاطفةٌ قاسية، امرأة (جوان فونتين) التي ينبض قلبها سرّاً لعازف بيانو متقلب التقت به ثلاث مرات، والتي تتجسّس عليه، وهو يتجاهلها، وتقدم له نفسها جسداً، وروحاً، ولكنه لا يتعرّف عليها، أو بعد فوات الأوان، عندما يتلقى رسالةً بعد وفاتها تعترف بسعيّها العبثيّ:

"لا أفكر بسواك، أنت الذي لم يعرفني أبداً، والذي أحببته دائماً".

فقط الكاميرا تجمع في نفس الحركة عاشقيّن يفصلهما كلّ شيء، يصطدم تفاني المرأة اللطيفة التي ينيرها الحبّ المُطلق ضدّ عمى عاشقٍ تافهٍ مع هجرانٍ حسيّ بلا مستقبل.

امرأةٌ من مدينة فيينا تطارد هذه الأماكن التي تخون لعنة آمالها، وحزنها، وعدم التوافق الذي لا يمكن إصلاحه بين السخرية، والمُقدس".

سينماتك في ـ  10 يناير 2023

* هذه المواد نشرت في جريدة التيار السودانية، بتاريخ 17.02.2022

 

>>>

65

64

63

62

61

 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004