صلاح سرميني

 
سيرة جديد مقالات ملفات
 
 
 

ملفات

 

لاحق

<<

07

06

05

04

03

>>

سابق

 

الفن الرقميّ

ترجمة: صلاح سرميني

 
 

يُشير الفن الرقميّ إلى مجموعةٍ متنوّعة من الفئات الإبداعية التي تستخدم خصوصيات اللغة، والمنظومات الرقمية، الحاسوب، الواجهة الإلكترونية، الشبكات، وقد تطورت كنوعٍ فنيّ منذ أوائل الخمسينيّات.

وانطلاقا من القدرة الحاسوبية للكمبيوتر، وتطوّر الواجهات الإلكترونية التي تسمح بالتفاعل بين الذات البشرية، والبرنامج، ونتيجة هذا الاجتماع، نما الإبداع الرقميّ بشكلٍ ملحوظ، وغطى على فئاتٍ فنية محددة مسبقاً.

في الواقع، فئات فرعية محددة مثل "الواقع الافتراضي"، "الواقع المُعزّز"، "الفن السمعي/البصري"، "الفن التوليدي"، وأيضاً "الفن التفاعلي" أتت لتكملة التسميات الفنية لفنّ النت، والتصوير الرقمي، أو الفن الآليّ.

بالإشارة إلى ضرورة إنشاء حوار بين وسائل الإعلام التقليدية (رسم، نحت، وتصميم)، والوسائط الإعلامية جديدة، والتي أدارت ظهرها لبعضها تعسفياً، اقترح "هيرفيه فيشر" استكشاف ما يُمكن أن يكون "الفنون الرقمية الجميلة".

 

من الرقميّ إلى البيئات الافتراضية، والمُعزّزة.

 

تذكر "فاليري مورينيّا": "خلال الستينيّات دخل مصطلح البيئة مجال الفنون، في وسط هدم الحواجز بين التصنيفات الفنية، في ذلك الوقت، كان يُصنّف بالفعل وسطاً شاملاً، وتشاركياً، وفيه تُستدعى بقوةٍ التجربة الإدراكية، والنقدية للمتفرج. "

يُدعى المشاهد إلى المشاركة الجسدية في العملية الإبداعية، في البيئات التفاعلية، "المليئة بالمُستشعرات غير المرئية التي تفسر الحركات، والأشكال التضاريسية للمشاهد، تنغمر الحسيّة الإنسانية في عالم يتمّ فيه التماسها، وتفسيرها، كي تصبح في نهاية المطاف أصلاً إبداعياً تُخبر، وتجدد الفضاء المحيط".

 

 

قبل الوصول الهائل للتقنيات الرقمية، نشأت بيئات تفاعلية من خلال وسائل تناظرية حصرياً، كما في عام 1955 مع "نيكولا شوفر" في (la Tour Lumière Cybernétique) الذي يتفاعل مع بيئته، أو في عام 1980 مع التركيب الموسيقي، والمرئي التفاعلي (Sonopticon) للفنانيّن الفرنسيين "جان- روبرت سيدانو"، و"سولفيغ دي أوري".

في أوائل الثمانينيّات، اعتقد "مارك لو بو" بأنّ الكمبيوتر لا يمكن أن يكون أداة إبداع فني، لأنه لا يُشرك الجسد، بينما "بيير ليفي"، أو "جان لويس بواسييه"، ولدعم تطوير "فن الواجهات الإلكترونية"، أثبتا أن الجسد، على العكس من ذلك، يشارك بشكلٍ خاص في عمليات الإبداع الرقمي (أجهزة استشعار الحركة، التقاط الحركة، قفازات، الخ)، وأضافت "ديانا دومينغز" بأنه خارج الواجهة الإلكترونية، من المهم "التأكيد على أهمية البعد السلوكي للفن التفاعلي، حيث يميل الجسد إلى الشعور بشيءٍ يُزيد من بُعده في العالم".

سيتمّ ترسيخ هذا النهج من خلال أعمال "فلوران أزيوسمانوف" الذي يدرج مقترحاته الفنية في الحياة اليومية من خلال كياناتٍ آلية تختلط مع الجمهور.

على سبيل المثال، سوف تُعيد "القبعة الحمراء الصغيرة" إحياء الحكاية من خلال ترك ثلاث كياناتٍ آلية مستقلة تتطوّر بحريةٍ على أرصفة مدينة  Issy-les-Moulineaux ، وتتفاعل مع المارة.

تُشكل اليوم بيئات الواقع الافتراضي، أو الواقع المُعزز فئات مهمة في الإبداع الرقمي، ويسعى فنانون مثل جيفري شو، كريستا سوميرر، لوران مينيّونو، موريس بينايون، شار ديفيز، صوفي لافو إلى إظهار أنه أبعد من التحديات التكنولوجية، والمشهدية المدهشة، يمتلك الفنان إمكانيةً احتماليةً للكتابة من أجل خلق حالاتٍ معقدة، مفاهيمية، حلمية، أو ملتزمة.

 

من فنّ الواجهات الإلكترونية التفاعلية إلى الروائي التفاعلي.

 

التفاعلية، والتوليديّة، حلقة بأثرٍ رجعيّ في مركز يتواجد فيه الإنسان، هما مبدآن أساسيان لسياقات الإبداع الرقمي، وهما تظهران بشكلٍ واضح جداً في اعمال تلعب فيها الواجهات الإلكترونية التفاعلية دوراُ حاسماً، كما هو الحال في (Musique de Corps) للفنانيّن الفرنسيين "جان روبرت سيدانو"، و"سولفيغ دي أوري"، أو (Very Nervous System) من قبل الفنان الكندي "ديفيد روكبي"، وأيضاً في الأعمال التي تنفتح نحو السينما الرقمية، والروائي التفاعلي، مثل "توني دوف" (Artificial changelings)، "لوك كورشين" (Landscape One)، وأيضاً الفنان المعماري "جيفري شو" (Scenario2) عام 2005، و (Eavesdrop) عام 2004.

نظام العرض المُسمّى (Advanced Visualisation and Interaction Environment/التصور المتقدم، وبيئة التفاعل) الذي طوّره "جيفري شو"، و"دينيس ديل فافيرو"، وعن طريق أجهزة استشعار الحركة، والشكل، لا يسمح فقط بالتفاعل مع الصور، والصوت، ولكن أيضاً في حالة الفيلم الروائي، مع شخصيات الفيلم.

 

 
Jeffrey Shaw Compendium
 

"تتكوّن في نفس الوقت الذي تُحكى فيه القصة" (بول ريكور)، شخصيات الفيلم تقترب جداً من المشاهد، الذي يندمج في عالم الفيلم من خلال إدراج أفعاله الخاصة، في هذا النوع من الأعمال الذي يغير من السياقات السردية، يلعب الذكاء الاصطناعي دوراً كبيراً، وهكذا أنجز "غريغوري تشاتونسكي" في عام 2005 لحساب قناة Arte عملاً بعنوان (Sur Terre)، وهو فيلم روائي تفاعلي، وتوليديّ يرتكز على هذا النظام، وعلى قاعدة بيانات مكوّنة من 800.000 وثيقة.

إن دمج الحياة الاصطناعية، والذكاء الاصطناعي في الأعمال الرقمية هو في الواقع مزدهر جداً، ويفتح آفاقاً جديدة.

في المسرح، الذي أُعيد تصنيفه بأنه "مشهد من الواجهات الإلكترونية التفاعلية"، يسمح استخدامه بفتح أداء الممثلين على التفاعل مع شخصياتٍ افتراضية تديرها برامج حياة، وذكاء اصطناعي (جان لامبر - وايلد، "Orgia").

 

وسيطٌ جديد: معدات، برمجيات، وعلاقات جمالية.

 

وبصرف النظر عن كلّ مشروع فني، يعتمد الفنّ الرقميّ على حالة التقنية في زمنها، وبالتالي، يعتمد على معداتٍ، وبرمجيات.

قبل التسعينيّات، عندما تعايشت أنظمة تشغيل متعددة، ابتكر معظم الفنانين الرقميين بأنفسهم البرامج اللازمة لأعمالهم مثل: إركي كورينيمي، بيوتر كوفالسكي، جان روبرت سيدانو، أو ديفيد روكيبي، ثم لوران مينيّونو.

ولجأ آخرون إلى مهندسين من أجل ابتكار الأدوات اللازمة لتنفيذ مشروعاتهم، وقد أدى وصول برامج الإبداع الرقمي إلى تبسيط مهمة الفنانين، وأحياناً إلى ابتكار قوالب نمطية أسلوبية، وخاصة (Director) في عام 1986 لإنشاء Cd-Rom ، أو (Max) في عام 1990 لـ"ميلر بوكيت"، ومنها اقتباس حرّ اسمه (Pure Data) الذي ظهر في عام 1995 للإبداع الصوتي، والفيديو التفاعلي المباشر.

ومنذ ذلك الحين، تمّ تطوير العديد من البرامج الأخرى من قبل فنانين، أو مؤسّسات لمعالجة لحظية لتدفقات الصوت، والتصميمات، والفيديو، وغيرها..، وكلها قابلة للتعديل من خلال برمجة "patchs".

في عام 2001 ظهرت (Processing)، لغة برمجة موجهة للإبداع التشكيلي، والتصميم الجرافيكي التفاعلي.

وفي الوقت نفسه، تطورّت على الشبكات الاجتماعية ما كان يُسمّى (Net Art)، في أشكالٍ كثيرة، مع برامج خفيفة، ومن خلالها كان الفنانون يبحثون عن التبادل، والتواصل فيما بينهم، كما كانوا يفعلون سابقاً مع الفن البريدي، ويجدون فيه أيضاً منصة لنشر إبداعاتهم الرقمية التي تتردد المتاحف، وقاعات العرض في قبولها بسبب مقاومتهما للالتزامات التكنولوجية، وعدم وجود سوق للفنون الرقمية.

في عام 2011، ابتكر "هيرفي فيشر" (Tweet Art)، وربطه بنهجه التربوي، وتمهيده أيضاً لفلسفة تويتر (غرفة weetArtOnAir في الاستعادة التي خصصت له في مركز جورج بومبيدو عام 2017)، وضاعف العديد من الفنانين الآخرين جميع جوانب الفنّ على الشبكات الاجتماعية.

 

 
 

Nam June Paik's "The More the Better"

 

حفظ الفنون الرقمية.

تستخدم الفنون الرقمية التكنولوجيات، والبرامج الحاسوبية في زمنها، والتجديد المتواصل للمنتجات، والتقادم المبرمج للمعدات يجعل من الصعب، أو المستحيل صيانة الأعمال.

كتب "جاك دريّون" في مقاله "الرقمية قتلتني"، أنه: "منذ إنشاء معهد البحوث، والتنسيق الصوتي/الموسيقى (1974)، تمّ إنتاج ما يقرب من ألف عمل، قطع كهربية/صوتية بالكامل، أو مع جزء آلاتيّ، وجزء إلكتروني، من بين الألف عمل هذه، هناك ستون فقط لا تزال قابلة للتشغيل، حيث أن البرامج التي صممتها لم تعدّ موجودة، ولا حتى الآلات...".

يتطور التفكير بنشاطٍ حول قضايا الحفظ المتعلقة بالوسائط الإعلامية الجديدة، والتي هي أقل موثوقية فيما يتعلق بعمرها، ومعايير فكّ التشفير بالمقارنة مع الأجهزة التقليدية.

تعريف العمل، وحدوده، واستقلاليته فيما يتعلق بالتكنولوجيات لا يتوقف عن مواكبة تغييرات المُمارسة التي رُبما لا يمكن اختزالها على المستوى الرقمي.

الجيل الأول من الصورة المُنتجة نقطة تلو الأخرى مع الالكترونيات كانت تلك "الإخفاقات" المطلوبة من تزامن الأجهزة.

ويمكن طرح إشكالية حول مسألة تحريف العمل: هل من المُمكن استبدال أنبوب الكاثود من إحدى منظومات "نام جون بايك" بدون تغيير طبيعة العمل ؟.

آلة أرخص، وأسرع، وأكثر إحكاماً، ومجهزة بنظام تشغيل مختلف، هل تحرّف حقاً العمل الأصلي، مع شاشة البلازما ـ على سبيل المثال ـ التي لن تمنح إلا الشعور بإعادة إنتاج تسجيلي؟

وقد أثبتت عمليات الترميم العديدة التي أجريت مؤخرا على الأعمال الرقمية، مثل بعض القطع من الواقع الافتراضي لـ"موريس بينايون" التي يعود تاريخ إنجازها إلى التسعينيّات، يمكن أن يطرح حفظها مشاكل من نوع مختلف، ولكنه غالباً أقل تعقيداً بكثيرٍ من استعادة اللوحات الجدارية من عصر النهضة، أو حيتان "داميان هيرست".

سينماتك في ـ  18 يونيو 2019

* نُشر في جريدة الدستور، العدد 4379، بتاريخ 2 مايو 2019

 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004