عن منشورات <<غاليمار>> في العاصمة الفرنسية، صدر حديثا كتاب <<حوارات في المرآة>> للمخرج السينمائي مايكل شيمينو. صحيفة <<لوفيغارو>>، تناولت الكتاب بكلمة، هنا ترجمة لها. ماذا يفعل مخرج سينمائي عندما يعجز عن تنفيذ فيلم؟ يقوم، عادة، بكتابة مذكراته (كما فعل رونوار، والش، فيدور، مينيلي، كابرا، كي لا نعدد سوى الجديدين بالذكر). لكن قد يلجأ المخرج، الذي امتنع عن تنفيذ فيلم، الى كتابته على شكل رواية. وغالباً ما يؤدي ذلك الى روايات غريبة ووهمية ومليئة بالفجوات: أحلام أفلام واجزاء صور، تعبّر كثيراً عن موطن خيال الفنان الأكثر سرية. يحقق هذا النوع الهجين، اي رواية المخرج الذي توقف عن الاخراج القليل من النجاحات، كبعض روايات سامويل فولير (إلا انه كان كاتباً قبل ان ينفذ اول افلامه)، وروايات كازان، ورواية <<غضب المنصفين>> لراوول والش، وهي نسخة بأسلوب ويسترن لرواية <<الفرسان الثلاثة>>، التي تعد رائعة أدبية مهملة، كان بإمكانها أن تصبح احد اهم افلامه، بالاضافة الى اولى روايات رونوار، <<دفاتر القائد جورج>>، وهي عودة سوداوية الى اوائل القرن، فضلا عن طفولة كاتب رواية <<جزء من الريف>>، ورواية <<جان دو فلوريت>>، الذي لم يصورها بانيول أبداً في فيلم. ماذا بعد؟ لا شيء مهما، اطلاقا. لا تغفلنا روايات ويلز عن فيلمه <<اشراق امبرسون>>، ولا عن فيلم <<الكواسر>> لستروهيم (الأخاذ ايضاً بجانبه الرهيف). يجد مايكل شيمينو، الذي يحمل، منذ اكثر من عشرين عاما، مأساة فشل روايته <<باب الجنة>>، جماهيرياً، صعوبة أكثر فأكثر في أداء مهنته. التعبير بالكتابة يوشك فيلماه الأخيران، <<ساعات اليأس>> و<<مطارد الشمس>>، اللذان انتُقدا بعنف وأهملهما الجمهور، ان يشكلا آخر اعماله. ونخشى ان يبقى حلمه باقتباس <<الوضع البشري>>، الذي يتكلم عنه منذ سنوات عدة، تماماً على ما هو عليه: حلم. حالياً، يعبر شيمينو، المسلوب وسيلة تعبيره الطبيعية، مثله مثل عدد من كبار أسلافه، بواسطة الكتابة. كانت روايته Big Jane التي صدرت في فرنسا في العام 2001 (والتي لم تجد، حتى الآن، ناشراً في الولايات المتحدة) رواية غريبة، شيمينية للغاية واسطورة شعرية كئيبة، ملهمة بشخصية امرأة جميلة. يعود الكاتب حالياً الى الكتابة، مع روايتين: Shadow conversations" (محادثات وهمية)، التي تضم، في الوقت عينه، مذكرات وتبريرا ذاتيا، و<<مئة محيط>>، وهي رواية تنتمي الى مناخات رواية Big Jane. محادثات تترك القارئ متعطشا، ينصّب شيمينو نفسه فنانا ملعونا، يروي مطولا حكاية وصوله الى هوليوود ولقائه مع بيلي وايلدر، ويرتب حساباته مع اميركا بشكل عام و(الله يعلم لمَ!)، مع جين فوندا بشكل خاص. يحيي شيمينو جون وين وستيف ماك كوين، اول معجبيه، ويكتب، بين الجد والهزل، عن كلينت استوود، الذي اتاح له فرصة النجاح ومكّنه من تنفيذ اول افلامه وكتابة اول روائعه الادبية، <<الصاعقة والخفّة>>. موطن خيال لن يدوم ذلك، فعلى الرغم من اعجابنا بشيمينو وادراكنا كبته، نجده مزعجا احيانا، وبخاصة عندما يتباهى بذكر مدالية الفنون والآداب، التي منحته اياها فرنسا فهو أعلى من هذا الامر في حين انه، عطفا على احدى صفحات رواية <<حوارات>>، يكتب شيمينو: <<اعتقد ان الروايات الثلاث، Big Jane و<<مئة محيط>> و<<القسطنطينة المقبلة>>، هي اقرب من السير الذاتية، التي لن اجيد كتابتها في هذه <<الحوارات>>. انه محق، فرواية <<مئة محيط>> تعتبر رسما ذاتيا، مستوهما ومسيحيا، اي صورة الممثل كلاعب غولف متفوق ولعين. يعمل بطل الرواية، شارل جيد دياه ستاتون الإبن، والمعروف بC.J. في احد مناجم اريزونا. يحلم بأن يصبح لاعب غولف محترفا، وان يماثل أباه، الذي يتبادل معه روابط إعجاب عميق. يقرر C.J.، مدفوعا بريتا وابنتها كاثلين، ان يفعل ما بوسعه في سبيل تحقيق هذا الحلم. فينكشف أنه لاعب غولف ماهر. بيد ان مسيرة نجاحه تتحول الى مسيرة ألم. يضعف جسده ويكاد يفقد ريتا وكاثلين، مبهورا بأضواء التشجيع. تبدو رواية <<مئة محيط>>، احيانا، غليظة ومسهبة وساذجة وسيئة الصياغة. ومع ذلك فهي رواية مؤثرة، تحرّك فينا مشاعر اعمق من التي يتركها في نفسنا الكثير من الروايات الناجحة <<المصوغة جيداً>>. نلج فيها موطن خيال احد اكبر فناني عصرنا. والخلاصة هي فسحة كبيرة من الحماسة، فنتخيل المشهد الذي قد يستوحيه منها منفّذ <<صياد الأيل>>. السفير اللبنانية في 21 أكتوبر 2004 |
برتولوتشي: لقاء |
مايكل شيمينو في رواية <<حوارات في المرآة>>
ترجمة: ملاك رزق |