* لم يعد مطلوبا من الدولة أن تتولي الإنتاج السينمائي وعليها أن تترك تلك المهمة لمؤسسات المجتمع المدني * ثلاث مهام أساسية أمام الدولة الآن إذا كانت تريد إنقاذ السينما.. الحماية... والدعم.. والبنية الأساسية * الدعم له أشكال كثيرة من بينها الدعم المباشر للأعمال الرفيعة وغير المباشر عن طريق تخفيض الضرائب أو إلغائها * خطة العمل التي اقترحها لاستثمار حماس وزير الثقافة حتي لا تدور مناقشات السينمائيين في حلقة مفرغة كانت الدولة هي المسئولة عن أزمة السينما عندما أدت بيروقراطيتها ونظامها الشمولي إلي اختناق القطاع العام في السينما في أواخر عهده خاصة وعندما انتهي القطاع العام كان لابد من إعادة ترتيب العلاقة بين السينما والدولة بشكل آخر يضمن للسينما انتعاشها ويحدد للدولة دورها الجديد ولكن ما حدث كما يبدو لي أن الدولة اكتفت بما ادعته من رفع يدها عن السينما وظلت العلاقة بين الطرفين غير واضحة. وهو ما أدي في نظري إلي تخبط مسار السينما وتفاقم مشاكلها رغم كل الجهود الفردية التي ظلت جزئية من قبل الدولة أو خارجها. وظلت الدولة هي المسئولة مرة أخري عن أزمة السينما فالدولة التي ادعت تخليها عن الإنتاج السينمائي، تقيم صرحا ضخما بمليارات الجنيهات باسم مدينة الإعلام يضم قطاعا للإنتاج السينمائي تتم إدارته بنفس العقلية ونفس الشخصيات التي تربعت في حضن القطاع العام والنتيجة خسائر مادية وأدبية واضحة للعيان. ومازالت الدولة تسيطر علي الإعلام بشكل مطلق تقريبا والتليفزيون التابع لها يفرض شروطه المادية والأدبية الخانقة علي الأفلام التي يوافق علي عرضها بدل أن يكون منفذ تنفس وتنافس حر للأفلام. ومن ناحية أخري تقاعست الدولة عن القيام بدورها في مواجهة الاحتكار سواء بالنسبة للإنتاج السينمائي أو بالنسبة للعرض. بل ساهمت في وجود هذا الاحتكار بتوفير الامتيازات للشركات الكبري دون الصغري ما أدي إلي طرد الإنتاج الفردي والمستقل عنها فأفقدنا ميزة التنافس المطلوب وفقدنا التنوع الذي يعاني من قصوره سوق الفيلم الآن. والدولة مازالت كما كان عهدها في النظام الشمولي تأخذ علي عاتقها القيام بالنشاط الثقافي السينمائي ضمن ما تقوم به من نشاط ثقافي في مجالات أخري من خلال مؤسساتها وموظفيها ولن ينصلح حال السينما شأنها شأن غيرها من أوجه النشاط الثقافي / الاقتصادي عامة، إلا بوجود مؤسسات مدنية تسهم في القيام بهذه المهمة كما تسهم في غيرها من مهام الإنتاج دون الاعتماد المطلق تقريبا علي الدولة. * دور الدولة لم يعد من المطلوب أن تقوم الدولة بالإنتاج وفرصة سيطرتها علي كل أوجه النشاط السينمائي ولكن لا يعني هذا أن تتخلي الدولة عن دورها الذي احتفظ بأهميته وإن أصبح مختلفا ربما أصبح قريب الشبه بدور شرطي المرور «اليقظ» الذي ينظم سيولة الحركة لضمان تدفقها، بالحفاظ علي حقوق كل الأطراف في الحركة ومنع تجاوز أي طرف علي الآخر. قد يبدو هذا الدور بسيطا لكنه يتطلب من الدولة جهدا وإبداعا إداريا يجعله أكثر تعقيدا من دورها السابق ولا مفر للدولة من التدخل للقيام بهذا الدور إذا أرادت أن تتخلص من تقاعسها وتحقق ما نتطلع إليه من تغيير حقيقي. فالتناقض الحاصل ـ أحيانا ـ بين المصلحة الذاتية والمصلحة العامة وخاصة خلال تفاعل النشاط الاقتصادي الحر يجعل من تدخل الدولة ضرورة حياة حرصا عليها وحفاظا علي تماسك المجتمع وأول ما يقع علي عاتقها هو حماية المصلحة العامة وإلي جانب الحماية لابد من دعم أوجه النشاط التي يتطلبها نفع المجتمع وتطوره ولا يقبل عليها الأفراد أو المؤسسات الخاصة نظرا لقلة الربح أو عدمه. ولا تكفي الحماية والدعم للنشاط المطلوب بل لابد أن يواكب هاتين الوظيفتين للدولة وظيفة ثالثة هي: الوظيفة الخدمية، وتقوم بها الدولة بتوفير الخدمات ومشروعات البنية الأساسية. تحدد هذه الوظائف الثلاث العلاقة المطلوبة للسينما بالدولة وتصنع لها إطارها المنهجي الذي يمكن علي أساسه وضع سياسة عامة متكاملة للإصلاح بعيدا عن الإصلاحات الجزئية المتفرقة وأكاد أقول العشوائية التي قد تعالج أحد الجوانب علي حساب جانب آخر. والسؤال الآن: إلي أي حد تبتعد أو تقترب الدولة من تحقيق هذه الوظائف بالنسبة للسينما في مصر؟ وما هي المقترحات أو التوصيات اللازمة حتي تقوم الدولة بهذه الوظائف وتحقق العلاقة الصحية الجديدة بين السينما والدولة، وتضمن حلولا جذرية لأزمة السينما المصرية. * الحماية حماية الدولة الصحية لنشاط هي التي تحقق مصلحة كل من الفرد والمجتمع المنتج والمستهلك وفي مقدمة أشكال الحماية: 1 ـ منع الاحتكار ومنه الحاصل الآن بالنسبة للإنتاج أو دور العرض وذلك لحماية أصحاب المؤسسات الصغيرة مع الحفاظ علي مصالح المؤسسات الكبيرة لصالح الجمهور المستهلك في النهاية بتوفير المنتج بمختلف أطيافه. 2 ـ رفع وصاية الرقابة علي الجمهور والاكتفاء بتقسيم الأقلام من الناحية الاجتماعية إلي «أ» ما هو صالح للجميع «ب» ما هو صالح بتحفظ «جـ» ما هو غير صالح للصغار. وهو نفس التقسيم الذي يتبعه المركز الكاثوليكي للسينما والمركز جهة دينية أخلاقية لا يمكن المزايدة عليها وبذلك نعمل علي حماية الجمهور «الصغار خاصة» وإشباع احتياجاته من ناحية مع عدم المساس بحرية الإبداع من ناحية أخري. وفي اعتقادي أن بقاء الرقابة علي صورتها الحالية المائعة التي تم وضع أساسها في عهد الاستعمار يسمح للسلطة بالتدخل كلما أرادت. ولا يعفي الرقابة من هذا الاتهام عدم تدخل السلطة الآن مثلا فقد أصبح إرهاب سيف الرقابة المشرع علي رقاب الأفلام وأصحابها كافيا لردع المنتج والمخرج عن المغامرة. 3 ـ مراعاة المواصفات القياسية وهي ما كنا نعاني افتقادها أيام أن كانت أجهزة الإنتاج والعرض تتبع الحكومة ومن ثم تنعدم المحاسبة أما الآن وقد أصبحت هذه الأجهزة مستقلة عن الحكومة لم يعد هناك ما يمنع الحكومة ـ بل يفرض عليها ـ القيام بمهمتها في مراقبة أجهزة الإنتاج ودور العرض لضمان المستوي القياسي للصناعة، حماية لحق الجمهور الذي يدفع ثمن التذكرة مقابل العرض السليم. وإن كان هناك تقدم ملموس في دور العرض في السنوات الأخيرة إلا أنه مازال هناك ما يعاني منه الجمهور من تدن لمستويات الخدمة في بعضها، ومازالت أعمال المعامل في حاجة إلي مراجعة. 4 ـ حماية الأفلام المصرية في الخارج المعرضة للنهب العام وفقدان حقوق أصحابها المصريين وذلك علي غرار ما تفعله الحكومة الأمريكية في الحفاظ علي حقوق أصحاب الأفلام الأمريكية في مصر «مثلا». ومن المؤسف أيضا أن يسمح التليفزيون المصري لبعض القنوات العربية لبث ما يعرضه من أفلام مصرية دون اعتبار لمصالح أصحابها. * الدعم في حالات كثيرة يكون العائد من العمل المنتج أو المستورد غير مجز لصاحبه، بينما هو مطلوب للمجتمع بما له من قيمة ثقافية، أو اقتصادية تعود بالنفع علي المجتمع فيما بعد، كما هو الحال بالنسبة للأعمال الفنية الرفيعة والرائدة والتجارب الجديدة، أو الأعمال الثقافية البحتة كالأفلام التربوية والتعليمية والعلمية في هذه الحالة لابد أن تتدخل الدولة بمد يد المعونة لهذه النوعية من الأعمال لضمان استمرار التطور المنشود للمجتمع دون أن تتركها وحدها للتنافس الحر الذي قد يغلب عليه تفضيل المصلحة الخاصة علي مصلحة المجتمع. ويكون الدعم غيرمباشر عن طريق تخفيض الضرائب أو إلغائها كما يكون مباشرا عن طريق الإعانات أو المنح بأشكالها المختلفة، أو بتوفير القروض والسينما المصرية الآن في حاجة إلي الدعم لكل جانب من جوانبها تقريبا: الإنتاج والتصدير والاستيراد ودور العرض والثقافة السينمائية. ويمكن الرجوع إلي الكتيب الذي أصدرته ضمن رسائل جميعة النداء الجديد عام 1997 بعنوان «السينما والدولة» للاطلاع علي تفاصيل الدعم الممكنة لهذه الجوانب كما أن لدي غرفة صناعة السينما ورئيسها الأستاذ منيب شافعي قائمة تظهر عند اللزوم كلما أثيرت أزمة السينما تتضمن جوانب الدعم المطلوبة وإن كان الجانب الثقافي منها مهملا ربما لأن الغرفة تراه خارج نطاق اختصاصها رغم أهميته في تأسيس هذه الصناعة وترويجها لذا لزم التنويه إلي هذا الجانب وخاصة لتوضيح بعض الأمور الملتبسة في علاقة الدولة بهذا النشاط. تقوم وزارة الثقافة في السنوات الأخيرة بجهد ملحوظ في تنشيط الثقافة السينمائية من خلال دعم المهرجانات وتوفير الاطلاع علي أفلام الدول المختلفة «الأوروبية خاصة» بتنظيم أسابيع للأفلام في مركز الإبداع أو غيره وهو ما يعود بنا إلي العصر الذهبي للنشاط الثقافي السينمائي في الستينيات. ثم انقطع وهو ما يمكن أن يتكرر أيضا في المستقبل بين يوم وليلة والسبب هو الاعتماد علي الإدارة الحكومية التي يؤدي تغيير الوزير فيها أو الموظف المسئول إلي تغيير كل شيء ودون محاسبة، وكان ذلك أمرا منطقيا في عهد الدولة الشمولية ولم يعد ما يبرره الآن. والمطلوب في رأيي وفقا لفلسفة الدولة التي تتجنب اتهامها بالشمولية وحتي لا تبدو متناقضة مع نفسها أن تتخلي عن إدارة النشاط الثقافي كما تتخلي عن الإنتاج تماما في أي شكل من أشكاله، ليقوم به المجتمع المدني متمثلا في الأفراد والجمعيات الأهلية و الشركات، ولا يمكن أن نتوقع قيام المجتمع المدني بهذا النشاط فورا بمجرد تخلي الدولة عن القيام به حيث لابد من فترة يسترد فيها المجتمع المدني قواه التي فقدها بسبب اختناقه خلال العقود الخمسة السابقة وأفقدته القدرة علي الحركة وخلال هذه الفترة لابد وأن يلقي الدعم من الدولة، ردا لاعتباره التي سلبته إياه. واكتساب مؤسسات المجتمع المدني لقوتها في هذا المجال كما في غيره هي ضمان استمراريته وضمان تطويره ويبقي للحكومة دورها في المتابعة والتقويم لضمان عدم الانحراف أو التقصير وضمان حق الجمهور في التعامل مع هذا النشاط. وحتي لا تبدو الصورة قاتمة وحتي يبدو الأمل ممكنا أشير إلي مثلين ناجحين منمظاهر هذا النشاط المدني المطلوب وهما: «بانوراما السينما الأوروبية» التي أدارتها ماريان خوري من خلال شركة يوسف شاهين والمثل الآخر أسابيع الأفلام الأجنبية والمهرجانات السينمائية التي ينظمها الدسوقي سعيد من خلال شركته التي تمثل نوعية من الشركات الصغيرة التي لا تهدف للربح ومن أعماله مهرجان الأصالة للفنون بالعريش للمرة الثانية ومهرجان الفيوم لسينما الشباب هذا العام إلي جانب تنظيم بعض أسابيع الأفلام الأوروبية. وقد حظي مشروع ماريان بقدر معقول من الاهتمام الإعلامي، بينما تواجه مشاريع الدسوقي بعض المشاكل من موظفي الحكومة المنبثين في كل مكان وإن كان يجد بعض الدعم من البعض الآخر والمسألة تتوقف علي الشخصيات التي يتعامل معها بالضرورة بينما نريد للدعم أن يكون سياسة ثابتة بغض النظر عن الشخصيات وكلا النموذجين «ماريان / الدسوقي» يستحقان المزيد من الدعم والاهتمام خاصة في مرحلتهما الجنينية علي أمل توسيع النشاط في هذا المجال. ولدينا جمعيات سينمائية ثقافية لهاتاريخ طويل من الوجود ولها نشاط محدود متقطع أو نادر رغم أن هذه الجمعيات تضم شخصيات لها مكانتها الثقافية وقدرتها علي العمل ولكن ضعف الإمكانات يشل حركتها لماذا لا تقوم الدولة بالتعاون مع هذه الجمعيات بمشاريع ثقافية مشتركة تتحمل الدولة تكاليفها؟ * توفير البنية الأساسية وهو دور الدولة في المقام الأول بلا منازع ضمن وظيفتها الخدمية، ولكن رغم أهميته بالنسبة للسينما شأنها في ذلك شأن أي نشاط ثقافي/ اقتصادي إلا أن هذا الدور لا يحظي بالاهتمام المناسب سواء من الدولة أو حتي من السينمائيين كلما ناقشوا أزمة السينما حيث يتوجهون في الغالب لمشاكلها الاقتصادية رغم أن بعض جذور مشاكلها الاقتصادية ترجع إلي تهميش هذا الدور وعدم العناية الكافية به. من بين ما آثار مشكلة أزمة السينما أخيرا عدم وجود فيلم مصري جيد يمثل السينما المصرية في مهرجان الإسكندرية الدولي الأخير إنهم يبحثون عن فيلم جيد وقد يجدونه أحيانا ولكن هل يمكن أن توجد سينما حقيقية أصلا في مجتمع ما دون وجود سينماتيك يضم تاريخها السينمائي وأهم الأفلام العالمية في تاريخ السينما؟ السينماتيك بالنسبة للسينما مثل دار الكتب بالنسبة للأعمال الأدبية والفكرية المكتوبة. هل يمكن أن يوجد شاعر حقيقي مثلا دون الاطلاع المتعمق والواسع للشعراء السابقين من قومه وغير قومه وما كتب عنهم؟ ولكن المطلوب من المخرج الشاب مثلا في مصر أن يخرج معتمدا علي ما تتيحه له الصدفة من مشاهدات غير منهجية وكذلك الحال بالنسبة للعاملين في بقية المهن السينمائية فكيف لنا والحال هذه أن نأمل في سينما مصرية تعبر عنا وتستطيع أن تفرض وجودها في الداخل فضلا عن الخارج؟ وهذه هي إحدي المهام التي يشارك السينماتيك «الأرشيف السينمائي» في توفيرها إلي جانب مهام ثقافية وتعليمية أخري يضيق المقام عن ذكرها. ومنذ أكثر من أربعين عاما يحاول راهب السينماتيك عبدالحميد سعيد أن يحقق حلمه بإنشاء سينماتيك مصرية من خلال عمله الوظيفي بإدارات السينما المختلفة في وزارات الثقافة خلال هذه المدة. لكنه فشل حتي وصل إلي سن التقاعد وترك الوظيفة. في كل مرة كان ينجح في تأسيس نواة هذا السينماتيك يتم العصف بها من قبل رؤسائه أنفسهم وآخرهم كان أحد الوزراء الذي داق له الموقع الذي يشغله السينماتيك ليضع فيه مكتبه ويهدم التجهيزات التي بناها عبدالحميد وتعود علب الأفلام والملفات ومازالت في مخازن مظلمة لا تتوفر لها شروط الحفظ السليم ويصعب أو يستحيل الإفادة منها. وبالطبع لا يمكن أن يقوم بهذا العمل فرد أو جماعة أهلية دون تدخل الحكومة وإعانتها، وعندما قام به في فرنسا رائد السينماتيك العالمي هنري لانجلوا، أسعفته الدولة بمعونتها السخية التي تواصلت حتي أصبح الآن السينماتيك الفرنسي أحد الأركان الثقافية السينمائية البارزة في العالم. التعليم أيضا إلي جانب السينماتيك أحد الوظائف الخدمية الأساسية للدولة وقد أسست الدولة معهدا للسينما منذ ما يقرب من نصف قرن «1959» والآن أصبح معظم العاملين بالسينما المصرية من خريجي المعهد ولكن لا يوجد حتي الآن نظام تعليمي تدريبي يضمن تخريج العامل الفني الذي لا يمكن إنكار أهميته ويمثل أحيانا عامل جذب للمستثمر الأجنبي. وفي السنوات الأخيرة يبهرني أعمال شباب المعرض في مشاريع تخرجهم خاصة في الإخراج والتصوير ولكن هؤلاء الشباب الموهوبين يفقدون تميزهم فيما بعده نتيجة لعوامل كثيرة يهمنا أن نذكر منها هنا افتقاد البيئة الثقافية الملائمة لنموهم. أين السينما مثلا في المدارس والجامعات؟ لم يعد لها وجود ليس بالضرورة أن تكون مادة تدريسية في المدارس ولكن يكفي أن تكون نشاطا ثقافي ترفيهيا أساسيا لتنمية المواهب من ناحية وخلق الجمهور الواعي بالتذوق الفني من ناحية أخري. ومن ناحية أخري أين الأبحاث الأكاديمية للسينما في كليات الجامعات المختلفة في السياسة والاقتصاد والاجتماع وعلم النفس والقانون... إلخ؟ هل يمكن للسينما أن تدخل في نسيج ثقافتنا وتفكيرنا العلمي وتنال الاحترام الواجب بينما مازالت تعتبر مادة غريبة علي الدراسات الأكاديمية، وينظر إليها باعتبارها مجرد لهو لا يرقي إلي مستوي هذا الاهتمام. وتعتبر مهمة وضع القوانين في مقدمة عناصر الوظيفة الخدمية للدولة وأحد دعائم البنية الأساسية. هل يمكن لأي نشاط مجتمعي أن يستقيم دون وضع القوانين المنظمة له والمناسبة لأوضاعه؟ ولكن هذا ما يحدث تقريبا لقوانين السينما التي تحتاج لإعادة نظر سواء الخاصة بدور العرض أو التصدير أو الاستيراد أو حق المؤلف أو الرقابة وهو ما نجد له أمثلة محددة في أوراق غرفة صناعة السينما وأوراق أخري سبق إعدادها. يكفينا الإشارة هنا إلي القوانين والإجراءات المتعلقة بمنح الشركات الأجنبية حق التصوير داخل مصر تؤدي في وضعها الحالي إلي طرد المستثمرين بدلا من اجتذابهم وكم من المهازل التي حدثت ضد المستثمر الأجنبي في هذا المجال حيث يوضع موضع اتهام بالتهريب أو التجسس أو الإساءة لسمعة مصر. بينما يمكن أن يؤدي تصحيح هذا الجانب وحده من صناعة السينما «قانونيا وإجرائيا» إلي إنعاش السينما الوطنية كلها، كما حدث في المغرب حيث استطاعت الدولة أن تجني مئات الملايين من الدولارات بتوفير التسهيلات القانونية والإجراءات العملية الخاصة بالتصوير للشركات الأجنبية، وخصصت نسبة من إيراد هذه الملايين بتمويل المنح اللازمة للأفلام الوطنية التي وصلت أخيرا إلي عشرين فيلما فاز أحدها «الملائكة لا تطير في سماء الدار البيضاء» بجائزة مهرجان الإسكندرية الأخير هذا العام. * ما العمل؟ الحق أننا لسنا بحاجة إلي دراسات جديدة للأزمة التي قتلت بحثا من خلال اللجان والندوات والمؤتمرات وحلقات البحث التي دارت في العشرين سنة الأخيرة علي الأقل وكان لي شرف تنظيم بعضها لقد أصبحت كل المشاكل المزمنة، والطارئة معروفة الآن وكل حلولها مطروحة أيضا. ماذا يبقي إذن للجنة التي يقترحها وزير الثقافة ويضفي عليها صفة جديدة هي صفة القومية؟ إذا أردنا أن يكون لهذه اللجنة دور حقيقي في حل أزمة السينما، ونستثمر وعد الوزير بدعم ما تتوصل إليه هذه اللجنة من توصيات فلابد أن يكون لها دور جديد لا يكرر أدوار اللجان السابقة وإنما يضيف إليها ما يساعدنا علي الخروج من هذه الحلقة المفرغة. والتوصل إلي حلول جذرية. أري أن تكون مهمة هذه اللجنة الأساسية وضع السياسة العامة لموقف الدولة من السينما الذي يجب أن يقوم علي الدعائم الثلاث السابق ذكرها وهي الحماية والدعم وتوفير البنية الأساسية، ويمكن إضافة مبادئ أخري تحض علي العمل بكل ما من شأنه إنعاش حرية الإبداع السينمائي حتي تصبح هذه الدعائم أو المبادئ سياسة عامة تحتوي داخلها علي كل ما تتطلبه السينما من إصلاحات جزئية جاء ذكرها هنا أو في أوراق سابقة، وتكون لها بمثابة إطار منهجي ذلك أن هذه الإصلاحات قد تختلف من وقت لآخر أو يتم تعديلها ولكن تبقي السياسة واحدة وغير خاضعة لأهواء الشخصيات. غير أن هذه السياسة حتي تتحول إلي خطة عمل وعمليات إجرائية «وهذا هو المطلب الأهم» لابد من تشكيل لجان أخري فرعية متخصصة لكل منها مجال محدد تعمل علي ترجمة هذه السياسة والمقترحات العامة إلي خطة عمل وإجراءات في مجالها الخاص الخبيرة به وفي مقدمة هذه اللجان المقترحة. 1 ـ اللجنة القانونية تجمع كل قوانين السينما المبعثرة وتنظر فيما يصلح منها وما استنفد أغراضه أو كان عائقا. ووضع ما تراه من قوانين جديدة مناسبة توضع بين يدي الوزير لتقديمها للمجلس التشريعي. 2 ـ لجنة الدعم: وتنظر في جوانب الدعم المطلوبة من أجل إنعاش العملية السينمائية عامة «وحماية المواهب الجديدة» والمهم وضع آلية تنفيذ التوصيات. 3 ـ لجنة التصدير: وتختص بالبحث عن الوسائل العلمية والمعملية لتنظيم عملية تصدير الفيلم المصري وتوسيع رقعة السوق الخارجية مع ضمان حقوق الملكية بالتعاون مع اللجنة القانونية. 4 ـ اللجنة الثقافية: وتنظر في آليات تنشيط الحركة الثقافيةوالتعليمية السينمائية ودور كل من الدولة والمجتمع المدني في إنعاشها. ويمكن إضافة لجان أخري مما تقترحه اللجنة القومية ولكن المهم أن يصبح لدينا تصور عام لقضية السينما وعلاقتها بالدولة. ودور كل من الدولة والمجتمع المدني. علي أن يتحول هذا التصور العام إلي خطة عمل يمكن أن تكون علي ثلاثة مستويات: خطة بعيدة المدي، وأخري متوسطة وثالثة قريبة علي أن تتضمن الخطة آليات العمل والإجراءات المطلوبة من ناحية ويتحدد لكل مرحلة جدول زمني يراعي فيه أولويات التنفيذ. وفيما عدا ذلك يظل الأمر مجرد كلام وتظل الدولة مسئولة عن هذه الميوعة للوضع القائم وإن كان هذا لا يعفي المسئولية عن السينمائيين أيضا. جريدة القاهرة في 19 أكتوبر 2004 |
برتولوتشي: لقاء |
هاشم النحاس يكتب: الدولة ليست بريئة من دم السينما... حتي الآن |