الدوي الذي أحدثه فيلم الملك آرثر, الفيلم التاريخي الذي أخرجه أنطون فوكوا, حين عرضه في الصالات الأمريكية قبل شهرين لم يكن ناتجا عن أي ضجة من حوله, بل عن ارتطامه في قاع العروض حين سقوطه. في زمن مضي, كان سقوط الفيلم ـ أي فيلم ـ في عروضه الأمريكية هو نهاية الطموحات. لا أمل له في الحياة بعد نتيجة كهذه. لكن الحال تبدل بسبب قوة الإقبال الأوروبي علي الأفلام الناطقة بالإنجليزية. وبالنسبة لـ الملك آرثر فهو إنتاج أمريكي ـ بريطاني حول شخصية من صلب التاريخ الإنجليزي عوملت بمعالجة من صلب الأسلوب الهوليوودي. فيلم يمزج بعض الحقيقة بالكثير من الخيال ما يؤلف فيلما ممتعا لكل من ينشد مثل هذا المزيج أو حتي الأفلام القائمة علي الترفيه والإمتاع. نتيجة كل ذلك, فإن الفيلم الذي أخفق في عروضه الأمريكية سجل في أوروبا, وحتي الآن118 مليون دولار. والأمر نفسه كان حدث مع فيلم جاكي تشان حول العالم في80 يوم في أمريكا لم يمض عليه80 ساعة إلا وبدأ يتراجع عن مركزه المتأخر الذي حط عليه في افتتاحه, أما في أوروبا وآسيا فإن الفيلم استخرج من الجيوب نحو150 مليونا إلي الآن. وإذ انتهي موسم الصيف في الولايات المتحدة أخذت تطلع إلي العلن تلك الأفلام الأكثر هدوءا واتزانا والتي, بوسيلتها الخاصة, تحلم بالوصول إلي مستوي يؤهلها لدخول معركة الأوسكار. معظم هذه الأفلام لن تصل إلي هذا المستوي, لكنها تختار لكي تعرض في هذه الآونة بالذات من بابي السعي والتمني. وفي حين أن معركة الأوسكار والغولدن غلوب بدأت مرحليا إلا إنها ماتزال في مطلع عهدها ما يستدعي الانتظار قليلا قبل أن نوفيها حقها بتحقيق شامل. ما يمكن الحديث عنه الآن هو المجموعة الغريبة من الأفلام التي تعرض هذا الأسبوع كون بعضها من الأعمال الصغيرة في الحجم وبعضها الآخر مختلف في الموضوع. أحد أهم اللافت للنظر في العروض الجديدة فيلم بعنوان فودكا ليمون شوهد في العروض التي لونت مهرجان فانيسيا في العام الماضي. هو إنتاج فرنسي صور في أرمينيا من قبل مخرج كردي من مواليد العراق اسمه هينر سليم. والفيلم بعد أن جال مهرجانات عدة حط علي شاشة أيام بيروت السينمائية في حفل الاختتام فاستقبل جيدا من قبل نقاد البلد والحضور. علي الرغم من أن المهرجان اللبناني المذكور الذي تشرف عليه هانيا مروة وإيليان الراهب لا يعرض عادة أفلاما أجنبية, إلا أنه وجد في تاريخ مخرجه العراقي الأصل تبريرا كافيا. لكن المثير كيف أن الفيلم وجد طريقه إلي العروض التجارية في الولايات المتحدة. فودكا ليمون فيلم يستحق الاهتمام والتوزيع بالفعل. هناك رقة ومعالجة ذكية وموهبة أكيدة في هذا الفيلم الثالث لمخرجه. قوام الفيلم قصة حب بين طرفين, لكن هوية هذين الطرفين هي الشاغلة كما الطبيعة القاهرة وتأثيرها علي البيئة الاجتماعية التي تدور فيها الأحداث. تجذب الفيلم لمسات كوميدية ساخرة من ناحية ومعالجة عاطفية رقيقة من ناحية أخري ما يجعله حالة خاصة بين الأفلام الأوروبية التي شاهدناها في العام الماضي علي الأقل. يبدأ المخرج فيلمه بمشهد فانتازي ساخر إذ يصور رجلا عجوزا منقولا بسريره فوق شاحنة منطلقة صوب المقابر حيث سينضم إلي مجموعة العازفين معزوفة الوداع. إنه مشهد يذكرنا بأمثاله من الأفلام الأوروبية الشرقية فيه خواص مما لدي أمير كوستاريتزا في أفلامه. لكن الكاميرا فيما بعد تترك الجانب الفانتازي المرح وتسبر غور هذه القرية المدفونة في ثلوج أرمينيا. هامو روميك أفينيان رجل تجاوز الخمسين ماتت زوجته حديثا ومايزال يحنو إليها ويزور قبرها ويضع عليه الزهور. حين يخلو إلي بعض أصدقائه يتحدثون في حال القرية ويلاحظ أحدهم أنه علي أيام الشيوعية وقبل مغادرة الروس أرمينيا لم نكن لدينا حريتنا, لكن كان لدينا كل شيء آخر. والبطالة والعوز يتبديان بوضوح. هامو ينتظر من أحد أولاده, ذاك الذي يعيش في باريس أن يرسل له مالا في أي لحظة. آخرون حوله لا يقلون حاجة وهذا قبل أن نلتقي ببطلة الفيلم نينا لالا سركسيان التي بالكاد لديها ما يعيلها. لديها عمل في مقهي عبارة عن كوخ خارج البلدة علي الطريق السريع اسمه فودكا ليمون, ولديها أيضا دين متراكم بعضه لسائق الحافلة الذي ينقلها من وإلي عملها كل يوم. يدفع هومي دين سائق الأوتوبيس من جيبه لمجرد أنها لفتت انتباهه وبدأت أحاسيس العاطفة تغذي وجدانه. هي أيضا تشعر بالحب تجاهه والمخرج يرسم هنا لوحة رقيقة من دون الإغراق في الرومانسية كثيرا. والممثلون أفينيان وسركسيان مناسبان لما نراه إنما ذلك يعود إلي أن الدورين لا يملكان كثافة أو عمقا. الفيلم بحد ذاته ليس عميقا بل مجرد حكاية مغزولة جيدا لغاية يحققها الفيلم بنجاح ألا وهي تقديم قصة حب في إطارها الطبيعي والاجتماعي الخاصين بالمنطقة وثقافتها. كون سليم كرديا ويتعامل مع شخصيات أرمينية ربما يجعله علي دراية عاطفية أفضل من كثيرين, لكنه بحاجة إلي أن يعمق قليلا في أحداثه وشخصياته حتي لا تبقي أعماله مجرد صور جميلة وأفكار مثيرة بحد ذاتها. روبين ويليامز لابد أنها صدفة محضة أن يكون العرض التجاري الجديد الآخر في ذات الشهر من نصيب مخرج ذي أصل عربي أيضا هو عمر نعيم. لبناني هاجر باكرا إلي فرنسا ومن ثم هوليوود وهو ابن الفنانة المسرحية نضال الأشقر. مثل فودكا ليمون تم عرض النسخة الأخيرة في مهرجان برلين في مطلع هذا العام لكن شركة ليونز غيت كانت التقطت حقوق توزيعه في أمريكا الشمالية من قبل أن يري نور العرض العالمي الأول في المهرجان الإيطالي. وجدته, كما صرح بعض رؤسائها, فيلم خيال ـ علمي مثير جدا للاهتمام ويجب أن يمنح فرصته الكاملة لعرض تجاري جيد. فيلم عمر نعيم يقوم علي حكاية مونتير في عالم مستقبلي مهمته هي تلميع صورة الميت عبر استئصال كاميرا تم زرعها في مخه حين ولد. هذه الكاميرا ستسجل كل يومياته وحياته وتوثق حسناته وأخطاءه. تبعا لعائلة الميت يقوم المونتير بإعادة توليف ما سجلته الكاميرا الصغيرة بحيث يحذف من حياة الميت كل ما يسيء له ولأهله. في إحدي المرات يجد المونتير, ويلعبه روبين ويليامز, نفسه يفكر في سوء ما يفعل. يريد أن يعرض الحقيقة كما هي ويتوقف عن تزييف التاريخ, لكن اكتشافه سوء ما كان يفعله يأتي متأخرا إذ أن هناك من يلاحقه بهدف قتله. يذكر قليلا بفيلم فرنسيس فورد كوبولا المحادثة من حيث لا يرمي, لكن هناك تأثرات عامة بأفلام خيال علمية ـ تشويقية مختلفة. المخرج يميل إلي استعراض المقدمة المتمثلة بشخصية روبين ويليامز والخلفية المتمثلة في الأجواء المستقبلية حسب أفضل ما تتيحه إمكانيات فيلم معتدل الكلفة. وهو يستغل الفرصة لكي يقدم شخصية عربي اسمه حسن ويؤديه الأميركي توم بيشوب تقديما جيدا. لكن لا تتوقع من الفيلم أن يحدث معادلة أو تغييرا في مثل هذه الظروف. يكفي الآن أن يكون هناك اسم عربي لامع ولو لحين في سماء هوليوود قبل غيرها. لإطلاق النسخة الأخيرة قرر صانعوه استبدال النسخة الفيلمية التي تم عرضها في برلين, بنسخة دجيتال ما يعني أن عرض الفيلم سيكون عبر الساتالايت الذي سيبثه علي117 صالة. في الوقت الذي سيجذب فيه هذا القرار مزيدا من المشاهدين, فإنه قد يشكل ردة فعل سلبية إذا ما صدقت أنباء بعض الصحف هنا في هوليوود التي تقول إن النسخة المتوفرة علي الدجيتال ليست متطورة بما فيه الكفاية لمثل هذه البادرة. هذا ما يعني أن الجمهور قد يستقبل النتيجة بفتور وينقله إلي من لم يشاهد الفيلم بعد ما يؤثر في نسبة الإقبال عليه وربما في نسبة الإقبال علي أفلام أخري قد تسعي سريعا لتقليد هذه الطريقة. سلم الإطفائي الفيلم المستقل الثالث هو السلم49 أنتجته بيكون كوميونيكاشنز وتوزعه عنها شركة ديزني من إخراج جاي راسل الذي كان أخرج فيلما استقبل بحفاوة نقدية من قبل هو كلبي سكيب والذي أنجز هنا موضوعا يعتبره جادا عن مهنة رجال الإطفاء. جاي يقبض جيدا علي النواحي الإنسانية التي تصنع النواحي البطولية في حياة رجال الإطفاء. علي عكس فيلم رون هوارد باكدرافت الذي أنجزه في الثمانينيات, يتابع المخرج حياة شخصياته كما تقع وليس كما يود هواة أفلام التشويق أن يروها. في البطولة كل من واكين فينكس وجون ترافولتا وروبرت باتريك. إنه فيلم يحمل أسلوبا واقعيا.. يقول المخرج إن فيلمه أقرب الي سقوط بلاك هوك من باكدرافت وأبطاله أموا ـ لشهر كامل ـ أكاديمية تعليم الإطفائيين لكي ينخرطوا جيدا فيما يقومون به. إنه فيلم عودة لجون ترافولتا الذي سقطت أسهمه كثيرا, لكن إذا ما حقق الفيلم نجاحا كبيرا فإن جزءا منه يعود الي واكين فينكس الذي قاد بطولة القرية بنجاح وينال احترام أبناء المهنة. علي أي حال لا يهم من يحقق النجاح, المهم هو النجاح نفسه. برواز السلم49 هو المتوقع له أن يحظي بإقبال العدد الأكبر من المشاهدين في الولايات المتحدة, لكن قليلين يعتقدون أن لديه حظا كبيرا من أي جوائز محتملة. علي عكسه فإن فودكا ليمون والنسخة الأخيرة لن يحققا نجاحا كبيرا لكنهما حظيا ببعض الجوائز في الأشهر الماضية. فودكا ليمون خرج بجائزة سان ماركو من مهرجان فانيسيا سنة2003 عندما كان المهرجان مايزال يحفل بلجنتي تحكيم واحدة للأفلام الرسمية والأخري لمسابقة خاصة بالمخرجين الجدد. ثم استحوذ الفيلم جائزة أفضل ممثل لرومن أفينيان في فيلم كوميدي وذلك من مهرجان بورتبيتش الأمريكي. بعد أن فشل في استحواذ برلين خرج فيلم عمر نعيم فائزا في مهرجان دوفيل الفرنسي للأفلام الأميركية, إذ نال جائزة أفضل سيناريو كتبه المخرج بنفسه. الأهرام العربي في 9 أكتوبر 2004 |
برتولوتشي: لقاء |
بينها واحد لكردي وآخر للبناني هوليوود تحتفي بثلاثة أفلام مستقلة! هوليوود/ محمد رضا |