هل تعتقد أنك أمضيت وقتا صعبا وأنت تحاول أن تقتل الوقت وتسلي نفسك في أحد المطارات عندما تأخرت الطائرة ثلاث ساعات؟ حاول أن تمضي سنة تقريبا هناك تعيش على طعام المطارات وتنام على المقاعد وتستخدم المغاسل المخصصة للرجال. هذه هي محنة فيكتور نافورسكي (توم هانكس) المسافر الأوروبي الشرقي الذي احتجزته الظروف في مطار كيندي في الفيلم الكوميدي »صالة المطار« (The Terminal) الذي صنعه ستيفن سبيلبرغ. ولسوء الحظ أن الفيلم الضخم الذي تدور أحداثه في صالة مطار حقيقي من ثلاثة طوابق بناه طاقم سبيلبرغ، ينزع نحو مواقف عاطفية في ذرواته الدراماتيكية، وهو يضم مجموعة كبيرة ومحسوبة بشيء من المبالغة من الممثلين المساعدين الذين يدورون في فلك فيكتور. وفي حين لاتصبح هذه الثغرات مزعجة على النحو الكافي ليرغمك على البحث عن أبواب الطوارئ للخروج من القاعة قبل انتهاء العرض، إلا أن الشخصيات والتفاعلات بينهم تبدو مركبة تماما على غرار صالة المطار ذاته. إن سيناريو رجل محكوم عليه من البيروقراطية بالعيش في مطار هو مستبعد أصلا، مع إنه مستوحى من قصة حقيقية لمسافر ظل محتجزاً لسنوات في مطار شارل ديغول في باريس. وعلاقاته مع الموظفين المعروفين والمسافرين الدائمين في المطار وإن كانت مسلية إلا أنها متمادية إلى درجة أنها تسيء إلى الصدقية وأكثر . وكعادته، يتقن هانكس دور شخصيته أيما اتقان، فيرفع بذلك من الركاكة في النص السينمائي الذي كتبه ساشا جيرفاسي وجيف ناثانسون. والذين يتذكرون هانكس في دور الإنسان المضطرب في فيلم »فلاش« (Flash) سيستمتعون بمبالغاته الهزلية التي يضفيها على شخصية فيكتور، وهو أكبر دور تهريجي له منذ سنوات عديدة. فيكتور يصل إلى مطار كيندي من كراكوزيا البلد الخيالي في أوروبا الشرقية حيث وقع انقلاب دموي في أثناء وجوده في الخارج، وأثر إلغاء جواز سفره، يلقى بفيكتور في صالة المطار ويقال له إنه يجب أن يبقى هناك إلى أن تحل مسألة وضعه، فيمتد البقاء إلى عدة اشهر فيما الاضطرابات مستمرة في بلده. فيكتور، الإنسان المبتهج بالسليقة يحاول أن يهون على نفسه المأزق الذي وقع فيه، فيستخدم الموارد غير الشخصية للمطار لبناء حياة صغيرة ويشيع في نفسه إحساسا بالانتماء إلى مجموعة: إنه يحول بوابة وصول غير مستعملة إلى »صالون«، ويكسب بعض النقود بإعادة عربات الأمتعة المأجورة، ويتعلم اللغة الإنكليزية بمقارنة ما هو مكتوب باللغة الإنكليزية في كتيب إرشادات للمطار بلغته الأصلية. ويعثر فيكتور على الحب مع مضيفة الطيران إميليا (كاثرين زيتا جونز) والمحتجزة بطريقتها الخاصة في علاقة يائسة مع رجل متزوج. ويقيم فيكتور علاقات صداقة مع مجموعة من العاملين في المطار ويمثلون مختلف الشرائح في بوتقة الانصهار الأميريكية. ويبدي فيكتور مرونة وذكاء في إحباطه المتكرر للمؤامرات الصغيرة التي يحيكها فرانك ديكسون، أحد كبار موظفي المطار(ستانلي توتشي) الذي يسعى لاضطرار فيكتور على مغادرة المطار بطريقة غير شرعية لكي يتم اعتقاله فيتخلص منه. أما دور إميليا، فهو دور ضحل لزيتا جونز التي لاتفعل شيئاً غير التذمر والشكوى من حالة حياتها الغرامية. وتوتشي يتقن بعظمة دور رجل الحكومة هذه الأيام، إلا أن الشخصية تعاني كثيراً من التناقضات، فهو موظف حصيف وعاقل في أحد المشاهد، ومغفل مخطئ في المشهد التالي . ويبدو أن صانعي الفيلم لم يتفقوا ما إذا ينفي أن يكون ديكسون إنسانا عطوفا محبوبا أو شريرا حقيرا من أوله إلى أخره. أما بقية الممثلين، رغم أنهم ودودون ومسلون، اقل اتقانا لأدوارهم كشخصيات تؤلف مجموعة مساندة لفيكتور . فيلم »صالة المطار« الذي يتعاون فيه هانكس كممثل للمرة الثالثة مع سبيلبرغ كمخرج. مهرجان البندقية وفي وقت سابق استقبل النقاد في مهرجان البندقية السينمائي فيلم »صالة الانتظار« للمخرج الامريكي الشهير ستيفن سبيلبرج وهو فيلم يدور حول أحداث ما بعد الحادي عشر من سبتمبر ويلعب بطولته الممثل توم هانكس بفتور وذلك في أعقاب عرض الفيلم بعد يوم من افتتاح المهرجان في جزيرة الليدو بمدينة البندقية. ويحكي الفيلم قصة رجل من أوروبا الشرقية يعلق في صالة الانتظار في مطار نيويورك بعد رفض منحه تأشيرة دخول بسبب حدوث انقلاب في دولته. وتمكن الفيلم من الاستحواذ على إعجاب الجماهير الذين صفقوا له بحرارة خلال عرضه أمس. ولكن النقاد اتهموا الفيلم بأنه »رومانسي أكثر من اللازم« وأنه يتفقد الواقعية على الرغم من تأكيد سبيلبرج بأنه ليس من المقصود أن يكون الفيلم »حكاية خيالية«. ولاحظ النقاد أيضا أنه على الرغم من أن »الفيلم يعبر عن المجتمع الامريكي الذي أصبح غليظا بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر بشكل مجازي إلا أنه لم يشر إلى الهجمات الارهابية من قريب أو بعيد«. كما لم يتعرض للفيلم لاحاسيس الوحدة والخوف وعدم الامان والاحباط وقلق من الغربة التي يفترض أن يشعر بها شخص في وضع نافورسكي. الأيام البحرينية في 6 أكتوبر 2004 |
برتولوتشي: لقاء |
سبيلبرج يفشل في إبهار النقاد »ذي ترمينال« تخيل إقامتك محتجزاً في مطار دافيد جرمين (ا.ب)-الوكالات |
"المحطة الأخيرة": حكاية لاجئ ايراني باريس - ندى الأزهري مهران كريمي ناصري, 59 سنة, شخصية مثيرة. ليس فقط بالنسبة الى المخرج الأميركي ستيفن سبيلبيرغ بل لأي انسان عادي لا يرى في مطارات العالم سوى أبواب تفتح للدخول والخروج... للعبور, ليس إلا. فهذا المنفي الإيراني, يعيش في مطار شارل ديغول (رواسي) الفرنسي منذ ستة عشر عاماً فقط! ويرجع السبب الى قضية أوراق معقدة جعلته حبيس المطار لسنوات, الى أن قرر عدم الرحيل منه بعد أن استقرت حياته فيه, وأخذت تسير على منوال منتظم, وبات معروفاً من جميع العاملين في المطار. فقد قرر ناصري منذ أسابيع قليلة تغيير مكان اقامته والذهاب بعيداً (الى أميركا). في عام 2001, اشترى منه المخرج الأميركي سبيلبيرغ حقوق قصته بآلاف الدولارات ليستوحي منها فيلمه الأخير "ترمينال". هل يمكن التعبير عن عدم الاعجاب بفيلم سبيلبيرغ الأخير, وهو المخرج الذي طبع السينما الهوليوودية بأسلوبه من خلال 24 فيلماً قدمها على مدى ثلاثين سنة: E T و"انديانا جونز" و"قائمة شنيدر"... ونال جائزتي أوسكار وجائزة للسيناريو في "كان" (لم ينل جائزة الاخراج)؟ ترانزيت فيكتور نافوروسكي (توم هانكس) آت من "جمهورية كراكوزيا". جمهورية متخيلة لكن الاسم بالطبع يوحي بموقعها. أوروبا الوسطى حيث الحروب والاضطرابات. وهذا ما حصل بالضبط. فما إن وطأت قدما فيكتور أرض مطار جون كنيدي النيويوركي, حتى بدأت شاشات التلفزة التي تملأ المطار بالإعلان عن انقلاب عسكري في كراكوزيا. الحكومة الأميركية لم تعترف بالانقلابيين. وبالتالي, فإن هذا البلد لم يعد موجوداً بالنسبة اليها, وجواز سفر فيكتور لم يعد معترفاً به. ما العمل؟ حصر المسافر في منطقة الترانزيت. غير مسموح له بالمغادرة حتى يأتي الفرج! فيكتور الذي لا يتحدث إلا بضع كلمات من الانكليزية, كان من الصعب عليه فهم ما جرى بالضبط. وحتى عندما فهم في ما بعد وحاول المسؤول عن الأمن في المطار التخلص منه وفتح سبل غير قانونية أمامه للخروج, ليتخلص من هذا العبء الذي بدأ وجوده في المطار يثقل عليه, فإن فيكتور بدا عنيداً في اصراره على عدم الفهم والتجاوب. أظهر المخرج الشخصية في صورة مضحكة تبعث على السخرية. صورة تمثل هؤلاء الآتين من بلدان لا تنتمي الى العالم المتمدن, بملابسهم البائسة التي عفا عليها الزمن, بأسلوب كلامهم وتصرفاتهم مع الآخرين, بنظراتهم التي يبدو فيها شيء من البلاهة, بطيبتهم بل بسذاجتهم أمام ما يدور من حولهم. وسطّح السيناريو الشخصية وحصرها بالفعل, ليس فقط في ردهات المطار الأميركي, وانما ضمن صور متخيلة لهؤلاء الآتين من عالم آخر. بدأ فيكتور العمل سراً في المطار. ووقع في حب مضيفة ساحرة (كاترين زيتا - جونز) لا تمت الى عالمه البسيط بصلة. فهي نموذج عن الإنسان في هذا العالم المعاصر الحافل بالحركة والعصبية والانفعال. هذا العالم "المتحضر" الذي يجعل من الإنسان كتلة من الأعصاب المهتاجة والمشاعر المضطربة ويدفعه الى الحركة الدائمة واللااستقرار. أراد السيناريو لشخصية فيكتور أن تبدو بمواقفها العفوية أقوى من المسؤولين عن أمن المطار, وأكثر تأثيراً في مجريات الأمور, لما تتمتع به من حس مرهف ولانتمائها الإنساني الذي يجعلها تتعاطف مع الآخرين ولقدرتها على حل مشكلاتهم, لكنه فشل في اقناعنا بقدرتها العجيبة تلك, وهو يبديها بسيطة, مضحكة بعنادها واصرارها على عدم فهم ما يطلب منها. وخرج الفيلم تسطيحاً للقصة الأصلية, وللمشاعر الإنسانية والقلق الذي يستبد بنفس من يقع في جو محصور كهذا. اضافة الى ما امتلأ به من الكليشيهات المصاحبة للسينما الأميركية: الموسيقى الرومانسية والنظرات الحالمة والعناق المفتعل الذي طال انتظاره والذي لا يمكنه أن يقنع أحداً بأن ثمة عواطف حارقة خلفه! وجاء الكادر مرسوماً بعناية فائقة (صور الفيلم في جزء منه في مطار جون كنيدي النيويوركي ومعظمه في مطار ميرابل في الكيبك). فأتى مصطنعاً بحركة الرواح والمجيء في المطار ما أعاد الى أذهاننا المسلسلات العربية حيث يزرع المارة بين الفينة والأخرى كأنهم نبتة برزت فجأة أو آلة كبست أزرارها لتتحرك. في هذا الفيلم يوقع المخرج العمل الثالث له مع الممثل توم هانكس الذي سعى للحصول على الدور قبل أن يعرضه سبيلبيرغ عليه. وقد نجح في اظهار البلاهة على مواقفه واضحاكنا على رغم المبالغة التي وقع فيها وسيطرة الافتعال عليه. ولكنه ليس توم هانكس الذي نعرفه. بيد ان ثمة ايجابية في هذه الكوميديا الانسانية, ظهرت في النظرة "الودية" الى قاصدي أميركا والترحيب بهم: "أهلاً بكم في الولايات المتحدة"! وبعض هؤلاء ليسوا فقط من المهاجرين الباحثين عن رزقهم, بل يمكنهم أن يكونوا سياحاً مثقفين, على الأقل موسيقياً, على رغم مظهرهم البائس. ففيكتور جاء الى أميركا بهدف الحصول على توقيع عازف جاز شهير ليضمه الى قائمة طويلة من التواقيع كان والده بدأها (عبر البريد) ولم يترك له فرصة اكمالها. وكان هذا هو العهد الذي أخذه فيكتور على نفسه تجاه والده الراحل! الحياة اللبنانية 8 أكتوبر 2004 |