تروي المخرجة صبيحة سومار في شريطها، الذي فاز السنة الماضية بجائزة مهرجان لوكارنو، تسرب العنف والتطرف وعدم التسامح إلى مجتمع بلادها وذلك عبر قصة تدور في قرية شاخي الصغيرة. *** سليم شاب في السابعة عشرة من العمر، عاطل عن العمل ولا يدري ماذا يفعل بحياته. لا يريد عملا من تلك الأعمال التي لا تدر سوى أجرا زهيدًا، ولا أن يكدّ كمزارع في الحقول. في الأثناء يظهر في القرية بعض عناصر من الإسلاميين الذين يبحثون عن رجال حازمين. لو أن هذا الباكستاني قد ولد في زمن غير هذا لكان لقصة حياته أن تعرف مجرى مغايرًا. لكنه ولادته كانت في سنة 1979؛ قبلها بسنتين كان الجنرال ضياء الحق قد استولى على السلطة السياسية وشرع في أسلمة المجتمع. ومع حلول الدكتاتورية العسكرية عرفت مرحلة الليبرالية نهايتها. هذه الفترة المتقلبة هي الموضوع الذي يعالجه شريط "مياه ساكنة" Silent Waters أول شريط سنمائي تخرجه امرأة باكستانية. بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 التي أظهرت باكستان فجأة على الساحة العالمية كوكر ومركز لتدريب الإرهابيين تقدم صبيحة سومار شريطا سينمائيا تاريخيا ذا علاقة وطيدة بمشاغل الحاضر. وتروي في هذا الشريط كيف تمكن العنف والتطرف وعدم التسامح من التسرب إلى مجتمع بلادها. وركزت المخرجة نظرها في هذا العمل على القاعدة التي تدور فوقها الأحداث: قرية شاخي الصغيرة كنموذج مصغر لمسارالتطورات الدرامية. شاب يلتقي بها، فتاة تلتقي به في هذه القرية كان يقطن سليم مع أمه المترملة، غير بعيد عن الحدود الهندية. مداخيل العائلة محدودة جدا، لكن سليم، عوضا عن العمل كان يفضل الالتقاء بصديقته؛ وفي السرّ يتبادلان القبل الحارة والأحلام. زبيدة التي تواصل تعليمها بالمعهد تحلم بمشاريع طموحة؛ تريد أن تكسب أموالا. إلاّ أن سليم الذي يفكر داخل إطار العلاقات والأدوار التقليدية لا يرى في ذلك شيئا جيدا ? أن يغدو "عبدا" لامرأة صاحبة مهنة. بدء من هذه اللحظة تبدأ الأمور بالتدهور: افتقار إلى مستوى تعليمي وغياب أفق مستقبلية، رجولة منكسرة، بحث عن معنى والحلم بشيء ذا شأن أكبر؛ ستدفع كلها بسليم إلى الوقوع في أحضان الأصوليين. لقد كان إحساسه بقيمته الشخصية في مستوى الصفر حين بدأ الحديث في الراديو عن إجراءات ضياء الحق ضد الفساد والانحطاط الغربي " غربي) "يعني هنا "أفلام الدعارة" مع موسيقى ورقص ونساء عاريات) جاء المناضلون الرواد يروجون في القرية للدولة الدينية، حيث تكون الشريعة الإسلامية القاعدة التي يرتكز عليها الحكم. كان لكلام هؤلاء وغرورهم وقع شيء غريب على أذهان أهالي القرية، لكن سليم قد أبهره ذلك الإصرار العنيد الذي لا هوادة فيه. مرآة الواقع "ها أنا أخيرا أغدو شخصا ذا شأن " يوضح سليم. وللحين يجد نفسه منخرطا في مهمة بناء المجتمع "الإسلامي الحق". وأول مهمة لهذا العمل كانت "حماية المرأة": هكذا يتم إعلاء سور المعهد تحت النظرات الذاهلة لزبيدة. وبسرعة يتعلم سليم الطريقة التبسيطية للتفكير المتحجر. أحد الإسلاميين يصرح :"لا مكان لزواج الحبّ في ثقافتنا"، وبالتالي تصبح حرية الحب شيئا حطيطا لأنها قذارة. تفرض متطلبات الانتماء إلى الجماعة على سليم التخلي عن زبيدة إذن. هكذا يرسم شريط "Silent Waters" ما غدا في الإثناء واقعا حياتيا: القُبل ليست ممنوعة في السينما فقط. لقد أصدر ضياء الحق تحت تأثير القوى المتطرفة العديد من القوانين الزجرية، منها على سبيل المثال الرجم كعقاب لمقترفي المضاجعة خارج إطار العلاقة الزوجية. وقد أصبح قتل المرأة مشروعا عندما يضع فقدان البكارة شرف العائلة في الميزان. تقدم سومار تحليلا لهذا التحول الذي يمس بمعضلة التناقض بين الحداثة الغربية وما تحمله من أفكار مثل فكرة التحرر من جهة، وإسلام متأزم مشحون بالمواقف السياسية والإديولوجية في الجهة المقابلة. ومنذ شريطيها الوثائقيين Who will cast the first ston)من سيقذف بالحجرة الأولى( سنة 1987، أو For a Place under the Heavens)من أجل مكان تحت السماء( سنة 2003 كانت المخرجة الباكستانية المولودة في كاراتشي تتابع تقصيها للأسباب الكامنة وراء الاعتداء على حقوق المرأة وتشذيبها. شريط كشهادة تاريخية "مياه ساكنة" عمل فني بحق، وقد أعربت سومار من خلاله على مقدرة فائقة على تناول الشخصيات تناولا يسبر أعماقها النفسية، وبكثير من الرهافة تعرض الطريقة التي تمارس بها الإديولوجيا الإسلاموية تأثيرها؛ كإغراء وكسم مدمّر. كما يكشف الشريط عن آليات ضغوطات المجموعة وأحاسيس الخجل المرهقة لدى سليم. وفي هذه الأجواء الجديدة تتصاعد وتيرة الميز الذي يمارس على الأقليات )السيخ والشيعة المسلمون( وهدر حقوق ذوي العقائد الأخرى. وقد كان سليم من بين المتظاهرين المتطرفين الذين اعترضوا طريق الحجيج السيخ القادمين من الهند لزيارة بقاعهم المقدسة. وفي أثناء ذلك يتنكر لأمه التي تحيا وفقا لأعراف تسامح الإسلام الصوفي. وهنا تفتح سومار صفحة من ذلك الماضي الذي ظل قيد التعتيم إلى حد الآن. ومرة أخرى يطرح المفهوم الإشكالي للشرف، الذي لا يبدو كذلك من وجهة نظر نسوية فقط، للنقاش. رعب لا ينتهي سنة 1947 عاشت شبه القارة الهندية مع حصولها على الاستقلال انقسامها إلى بلدين: الهند وباكستان. وقد أدى ذلك إلى اقتتال دموي بين الهندوس والسيخ والمسلمين، وإلى موجة هجرة جماعية. مليون قتيلا، و14 مليونا تم تهجيرهم. آلاف النساء وقعن ضحية الاغتصاب وحوالي 50 ألف مسلمة و33 ألف امرأة من السيخ والهندوس تم جرهنّ غصبا إلى باكستان. وإلى الآن ما تزال الجهود قائمة لدى الدولتين من أجل عودة هؤلاء النساء. وفي هذا المضمار فإن المصير الذي تجسده شخصية الأم عائشة من وحي الوقائع الحقيقية. أبوها، وهو من السيخ، يحضها على الارتماء في البئر كي تنجو عن طريق الانتحار من الاغتصاب والعار. وكنتيجة لرفضها الانتحار تتزوج مختطفها وتتخذ لها هوية جديدة كمسلمة. لكن الجرح يظل محتفظا بآثاره رغم كل شيء. إقصاؤها من العشيرة ثم تنكر ابنها سليم لها لم يتركا لها بالنهاية من مخرج غير الانتحار. لقد استطاعت صبيحة سومار بشريط "مياه ساكنة" الذي تم تصويره باعتمادات مالية أوروبية، أن تجد أداة للتعبير عن "مخاوفها العميقة بخصوص عدم التسامح الديني والسياسي، لا في باكستان لوحده، بل في العالم كله."فيلم جريء يواجه باكستان الحالي الممزق بين القوى ذات التوجه التيوقراطي والقوى الديموقراطية برؤية متينة لمشروع مجتمع منفتح. * سوزانا غوبتا صحافية متنقلة بين برلين والهند. * خاص بملحق سينما من موقع (قنطرة). المخرجة صبيحة سومار
تعاني صناعة السينما الباكستانية "لوليوود" بعدما عرفت عهد ازدهار من حالة اختناق اذ باتت محاصرة بالاطباق اللاقطة وبجارتها الهندية الجبارة "بوليوود" وبتنامي المد الاسلامي الذي يريد محاربة "الابتذال". "الازمة تشمل جميع قطاعات الصناعة السينمائية" هذا ما يؤكده لوكالة فرانس برس سجاد غول رئيس "ايفرنيو" احد اكبر استوديوهات السينما في لاهور التي اعطت عبر حرف "اللام" صناعة السينما في باكستان اسمها كما اعاد "الباء" الحرف الاول من بومباي تسمية هوليوود الاسطورية الاميركية ب "بوليوود" الهندية. شهدت "لوليوود" عصرها الذهبي في الستينات والسبعينات كما يقول سجاد غول في وسط استوديوهاته التي تغطي مساحة هكتارين في حي مولتان رود الشعبي في لاهور عاصمة باكستان الثقافية التي تبعد بضعة كيلومترات عن الحدود الهندية. ويضيف ان دور السينما في باكستان تراجعت الى 450 فيما كانت متوافرة بكثرة قبل 30 الى 40 سنة. ويقول محمد يونس صاحب "ناز سينما" في لاهور "الضربة الاولى جاءت من الفيديو ثم وصل الطبق اللاقط ثم الكابل". واضاف "في الماضي كانت بطاقات السينما تباع في السوق السوداء لان الاقبال كان كثيفا في فترات العرض الثلاث اليومية". وعلى رغم حظرها الرسمي بسبب التوتر السياسي بين الشقيقين اللدودين الهند وباكستان تستأثر الافلام الهندية بحصة الاسد من السوق نظرا الى التقارب الكبير جدا بين اللغتين الهندية والاوردية. وتغص المتاجر بأفلام الفيديو الهندية وارتفع الطلب ايضا مع الحظر الذي فرضته الحكومة هذه السنة على شبكات التلفزة ومنعتها بموجبه من بث افلام هندية. وسرعان ما تمكن مالكو الاطباق اللاقطة من الالتفاف على هذا المنع والتقاط القسم الاكبر من شبكات التلفزة الهندية. و"لوليوود" هي في منافسة غير متكافئة بتاتا مع بوليوود: فبالكاد يتم انتاج ستين فيلما في السنة في باكستان في وقت يخرج من استوديوهات بومباي اكثر من 800 فيلم سنويا يبلغ رقم اعمالها ملياري دولار. لكن هواجس "لوليوود" لا تقف عند هذا الحد. فتنامي التيار الاسلامي الذي وصل ممثلوه وصلوا الى السلطة في واحد من الاقاليم الباكستانية الاربعة ويتقاسمون السلطة في اقليم آخر اطلق مجددا حربا على "الابتذال" المتجسد عموما بكل تلميح الى النساء وهن مكون اساسي للفيلم الباكستاني القائم على حبكة العنف والحب. وتثير اجراءات المنع في الاقليم الشمالي الغربي الحدودي او بالوتشيستان الامل لدى بعض المنتجين وكتاب السيناريو في "لوليوود" لأنهم يعتبرونها مناسبة لرفع المستوى الثقافي للفيلم الباكستاني. وفي تصريح لوكالة فرانس برس تقول الممثلة المنتجة الذائعة الصيت زيبا باختيار ان "افلام العنف والاغنية او الرقص تستقطب جمهورا أميا ولها شعبية لكنها في الواقع تسيء الى صورة صناعة السينما وتمنعها من بلوغ مستوى ثقافي يضمن مستقبلها". الأيام البحرينية في 28 سبتمبر 2004 |
برتولوتشي: لقاء |
«مياه ساكنة» للباكستانية صبيحة سومار فيلم بريء.. في عالم يخلو من البراءة بقلم سوزانا غوبتا* ترجمة علي مصباح |
هل الجائزة لأسباب سياسية.. أم ماذا؟ مياه ساكنة.. اختزال لمأساة المرأة اثار فوز فيلم »مياه ساكنة« للمخرجة الباكستانية صبيحة سومار بالجائزة الكبرى ـ الفهد الذهبي ـ بالدورة الاخيرة (56) لمهرجان لوكارنو السينمائي الدولي جدلاً كثيراً. هل منحت الجائزة من منطلق سياسي متعلق بالحملة ضد الاصولية المتشددة، والخط السياسي السائد بعد احداث 11 سبتمبر 2001)رغم ان مشروع الفيلم بدأ عام (2000، وهل جاءت تماشياً مع الحديث المتواتر عن حقوق الانسان، حيث تعرض الفيلم لما وقع على آلاف النساء في كل من الهند وباكستان من امتهان عند تقسيم شبه القارة الهندية بين الدولتين عام .1947 وما تركه من اثار باقية، الى من يوجه الفيلم؟ تقول المخرجة انه موجه لمواطنيها في باكستان ولكن ليس في باكستان حركة سينمائية حقة، فقد قضى عليها نظام ضياء الدين الحق كما قالت هي نفسها.. هل يكفي عرضه في التجمعات النسائية والثقافية. ثم هناك تساؤل حول الانتاج المشترك.. واهتمام منتجين غربيين بتحويل الفيلم الأول الطويل للمخرجة بعد الاطلاع على السيناريو وتدخلهم في بعض تفاصيله. نقرأ اسماء شركات انتاج في المانيا وفرنسا، الى جانب المجلس الاوروبي، ووزارة الشئون الخارجية ووزارة الثقافة والاتصالات بفرنسا، والاتحاد السويسري، وهيئات اخرى في السويد وهولندا وكذا السفارة الهولندية في اسلام اباد وتلفزيون فنلندا واستراليا وسويسرا.. ويجب ان نضيف منتجاً مشاركاً من سريلانكا، وكذا مركز البحث الاجتماعي في كراتشي ـ باكستان. وتضم قائمة العاملين في الفيلم »مدير تصوير، ومونتيرة، ومهندس صوت، ومدير انتاج، ومدير فني، ومصمم ازياء، واخصائي ماكياج« كلهم من الاوروبيين. خاصة الالمان. الا ان السيناريو والقصة والموسيقى وبعض مساعدي المخرج من العناصر المحلية. فهو اذن انتاج مشترك اغلبه اوروبي. ويجب الاشارة الى ان البطلة الرئيسية للفيلم ـ كيرون خير موًيً التي فازت بجائزة التمثيل مع اخريات ـ هي ممثلة هندية مشهورة في السينما الهندية الشائعة، جاءت من المسرح، وهي نفسها من طائفة السيخ وأمها من باكستان كما قالت في المؤتمر الصحفي، فهي اقرب الى صميم مشكلة الفيلم والى الشخصية التي تجسدها. |